الخميس، 7 أغسطس 2014

ميلاد رسول الله النورانى والروحانى والجسمانى


حقائق الحضرة المحمدية
-----------------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين
ومفتاح السعادة في الدنيا وباب الشفاعة العظمى في يوم الخلود
سيدنا ومولانا محمد بن عَبْدِ الله، وآله وأصحابه وكل من اتبع هداه إلى يوم الدين، آمين. 
وبعد..

نحن في هذا اليوم يا إخواني عندما نحتفل بميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الحقيقة نحتفل بميلاد حلقة واحدة من حلقات سيِّد الأنبياء صلى الله عليه وسلم
لأنه له ميلاد نوراني وميلاد روحاني وميلاد جسماني
فنحن نحتفل الآن بالميلاد الجسماني
لكن الميلاد النوراني احتفل به الله مع رسل الله وأثبت ذلك في كتاب الله عزَّ وجلَّ
والميلاد الروحاني احتفى به الله مع عمار السموات من ملائكة الله وأيضًا أثبت ذلك في كتاب الله عزَّ وجلَّ 
أما الميلاد الجسماني فهو الذي يحتفل به كلَّ عام جماعة المسلمين والمؤمنين

ما السرُّ في تعدد هذه الحقائق؟

لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اختُصَّ بأنه رسولُ المرسلين
ورسول الملائكة، ورسول الإنس ورسول الجن، ورسول كلِّ كائن من كائنات الله عزَّ وجلَّ 
العلوية أو السفلية العاقلة، التي تعقل عن الله كلامه، وتهتدي إليه سبحانه وتعالى
وتتعبد إليه وتشكره على جميع إنعامه: 
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (28سبأ). 
فهو للكل!! أما الأنبياء السابقون فكل واحد منهم لجماعته، أو لأهل بلدته، أو لقومه الذي نشأ فيهم
حتى أنه كان يبعث في الزمن الواحد أكثر من نبيٍّ، فواحد في الشام وواحد في فلسطين
فمثلاً: كان إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل كلُّهم في وقت واحد، وكلُّهم أنبياء
وكان شعيب وموسى وهارون ويوشع بن نون كلُّهم أنبياء، وكلُّهم في وقت واحد
لكن كل واحد منهم مرسل لقومه فقط، أو للجماعة التي خصَّه بها الله عزَّ وجلَّ. 

أما الذي أرسل للجميع فهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿كَافَّةً﴾ 
يعني عامة للناس جميعاً - من قبل القبل، إلى بعد البعد
وهو رسول المرسلين ونبيُّ النبيين صلوات الله وسلامه عليه، فكان له ثلاث حضرات: 
الحضرة الأحمدية، والحضرة المحمودية، والحضرة المحمدية.

الحضرة الأحمدية
**************
فأما الحضرة الأحمدية: فهي الحضرة التي كان يواجه بها الأنبياء والرسل السابقين، ومن أجل ذلك ذكروها:
﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (6الصف)
فالذي عرفوه منه صلى الله عليه وسلم الحضرة الأحمدية
وهي الحضرة النورانية التي ليس فيها جسمانية، وليس فيها هيكلية، وليس فيها من العناصر الأرضية شيء
بل نُورٌ على نُور، نُور الله عزَّ وجلَّ على نُور الحبيب صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء والمرسلون كانوا يستمدون من الحضرة النورانية الصافية، لأن أرواحهم صافية على الدوام،
ولا يحتاجون - مثلنا - لواحد يجلسون أمامه، ويوجهون نظرهم إليه، وينصتون بسمعهم إليه
لأنهم كانوا في صفاء الصفاء وفي بهاء البهاء، ولذلك كان لا يغيب عنهم نور سيِّد الأنبياء صلى الله عليه وسلم
منذ رأتهم عيون أبصارهم في يوم الميثاق، هم لا يغيبون عنه، بل دائماً يشتاقون إليه
حتى أكمل الله عليهم المِنَّة، وأتم عليهم النِّعمة، وأرسلهم وبعثهم جميعاً بعد مجيء الصورة المحمدية الكاملة
ليجددوا البيعة على حضرته صلوات الله وسلامه عليه في بيت المقدس - كما تعلمون
من أجل أن يحظوا بالشرفين، ويأخذوا من الحضرتين
لكن نور رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغيب عنهم طرفة عين.
هذه الحضرة الأحمدية النورانية التي يسأل فيها سيدنا جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له:
{ما أول شيء خلقه الله يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خَلَقَ نُورَ نَبِيِّكَ يَا جَابِر}
(رواه عبد الرازق في مسنده عن جابر رضي الله عنه)
وهذه كانت الحضرة الأولى، حضرة الأنوار لأهل الأنوار.
الحضرة النورانية

أما حضرة الملائكة فإن الله عزَّ وجلَّ تَجَلَّى لهم بنُورِ حبيبه ومصطفاه في هيكل آدم عليه السلام
فكان أدم الشاشة التي انعكست عليها أنوار النبيِّ الخاتم، ليستطيع ملائكة الله عزَّ وجلَّ أن يروه صلى الله عليه وسلم 
على حسب قدراتهم، وعلى حسب سعة أنوارهم، وعلى حسب نورانية وشفافية ذواتهم الروحانية
لأن نُورَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أَحَدٌ أن يراه
إلا إذا أعطاه الله عزَّ وجلَّ قوة من عنده به يراه
لكنه بذاته لا يستطيع أحد أن يراه صلوات الله وسلامه عليه.

الحضرة الأكملية

ونحن والحمد لله أكرمنا الله بالحضرة الكاملة، الحضرة المحمدية الكاملة،
وجعلنا الله ببركة هذه الحضرة لنا من الفضل، ولنا من الهناء، ولنا من الخصوصيات
ما به ميَّزنا الله عن أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة وأتم السلام.
فعندما ننظر إلى لوحة الأنبياء في القرآن - التي فيها تشريفهم بذات النبيِّ العدنان - واللوحة التي لنا في القرآن،
نجد تقارباً كبيراً جداً بين اللوحتين في الفضل والإكرام والإنعام من الله عزَّ وجلَّ.
لوحة النبيين:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ
قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ
﴾ (81آل عمران)
هذه لوحة الأنبياء
أخذ الله عليهم العهد أن يؤمنوا به، ويتبعوه، وينصروه، ويؤازروه، ويساعدوه صلوات الله وسلامه عليه
وحذرهم بعد ذلك:
﴿فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (82آل عمران)
أي: حذاري لأي واحد منكم أن يغيِّر هذا العهد أو يبدِّله.
أما لوحتنا:
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
وبعد ذلك:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

(8-10الفتح).
فأخذ علينا العهد أن نؤمن به: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ
يعني: تساعدوه وتعاونوه، وتعاضدوه وتناصروه، على تبليغ رسالة الله عزَّ وجلَّ،
﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾، تعظموه وتبجلوه وتكرموه، لأن هذا أمر مِنْ الله عزَّ وجلَّ.
وهذا العهد هو نفس العهد، لأن الذي بايع رسول الله فإنما بايع الله عزَّ وجلَّ:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ﴾، لم يقل كأنما يبايعون الله، بل قال: ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾،
واليد التي كانت فوق أيديهم كانت يَدُ من؟ يد الله مع أن اليد التي كانت فوق أيديهم يَدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾.
إذن نفس الخصائص التي هنا هي نفس الخصائص التي هنا
وهذا يكشف لنا عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم له نواب سابقون، وله نواب لاحقون،
وهو صلى الله عليه وسلم رسول الأولين كما أنه رسول الآخرين
ورسول السابقين كما أنه رسول اللاحقين،
ونبيُّ المؤمنين والمسلمين، وأيضًا نبيُّ الملائكة والمقربين
فهو نبيُّ الكل صلوات الله وسلامه عليه.
وإن شئت قل هو كالشمس، نحن الآن في الليل وجماعة عندهم الآن النهار،
فنحن قبل بعثته كنا في الليل وكان الأنبياء في نهار النبيِّ صلوات الله وسلامه عليه،
ولما أشرقت علينا شمس النبيِّ المختار صرنا في نهار الأنوار إلى يوم القرار
حتى أننا - كما يقول الواحد القهار - نقول يوم القيامة:
﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (8التحريم)
فنحن كلُّنا في النور، ولكن نريد أن يتمِّم الله لنا هذا النور
نحن كنا في نور المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام صلوات الله وسلامه عليه
الذي أريد أن أقوله لإخواني
أننا في هذا اليوم الذي نحن فيه الآن نحتفل بيوم ميلاد الحقيقة المحمدية
وهذه التي بها كمال المعاني الروحانية، وتمام المقامات الإلهية، وتمام الفضائل الربانية
التي أنزلها الله عزَّ وجلَّ للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات
فإن الفضل كان يخرج من كنوز فضل الله بحساب
حتى ظَهَرَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح الفضل من عند الله بغير حساب: 
﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (39ص).
من كتاب: (الرحمة المهداة) لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله - جمهورية مصر العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق