الأحد، 22 أكتوبر 2017

السلفية الوهابية وتكفير المدارس السلفية






قد يستغرب البعض هذا العنوان، ويتساءل متعجبا أو متهما أو ساخرا: كيف تكفر السلفية السلفية؟.. وهل السلفية إلا شيء واحد؟.. وهل يمكن للواحد أن ينقسم على نفسه؟.. وهل يمكن للواحد أن يتصارع مع نفسه؟
وهذا سؤال وجيه، والإجابة عليه تحل إشكالات كثيرة، وتفضح مكرا خفيا يقوم به من يدافع عن السلفية في قضايا التكفير وغيرها من القضايا..
ذلك أن هذا اللقب [السلفية] تتنازعه قديما وحديثا الكثير من الشخصيات والمدارس والتوجهات، والصراع بينها شديد جدا، ولا يقل عن صراعها مع سائر المدارس، بل وصل الصراع إلى حد التكفير.. فالسلفية يكفر بعضهم بعضا إما على منهج التكفير المطلق، وإما على منهج التكفير المعين.. وبذلك فإننا لو طبقنا تلك المقاييس التي طبقناها على سائر المدارس الإسلامية، فلن يبقى سلفي في الدنيا إلا وأصابته سهام التكفير، لا من لدن أصحاب المدارس الأخرى التي يكفرها، وإنما من لدن زملائه في المدرسة السلفية الذين يتفق معهم على أكثر العقائد السلفية، ويتفق معهم على اعتبار ابن تيمية شيخا للإسلام، واعتبار ابن عبد الوهاب مجددا له.
وهذا الخلاف السلفي السلفي ليس مجرد كلمات قد نجتهد في البحث عن مظانها، وليس مجرد تلميحات قد نجتهد في البحث عن تفسيرها.. وإنما تمثله ثروة كبيرة من الكتب والرسائل التي نجد فيها من الصراحة والوضوح ما لا يحتاج معه الباحث لأي عناء أو تكلف..
فكما أن كل سلفي كتب في الرد على الجهمية والمعطلة والصوفية والشيعة.. فكذلك نجد له كتابات في الرد على الجامية أو المداخلة أو الحدادية أو السرورية أو الحزبية أو الجماعات المسلحة وهكذا..
بل نجد أن الجماعة الواحدة ذات التوجه الواحد، والتي تجتمع على خصومها سرعان ما يحصل الخلاف بينها في أي قضية من القضايا لتنشغل فترة طويلة في رد بعضها على بعض، إما على المواقع والمنتديات وإما بإصدار الكتب والبيانات والتحذيرات.
والذي لا يقر بهذا أو ينكره أو يتصور أننا نبالغ فيه أحد شخصين: إما جاهل لا يعرف الواقع، ولا يعرف التراث السلفي وما يصدر كل يوم منه، فهو يعيش في برجه العاجي يحمل صورة مثالية عن السلفية، ولم يشأ أن يلطخ نفسه بالواقع المرير الذي تعيشه.. وإما شخص يكذب على نفسه، ويحتال على الناس، ويفر من الحقيقة.
وما أسهل على العقلاء ـ من غير بذل أي جهد ـ أن يكتشفوا هذا، لا بمطالعة الكتب التي قد تشق عليهم، وإنما بالاكتفاء بالجلوس أمام شاشات التلفزيون ومتابعة الأخبار، ليرى ـ مثلا ـ أن السلفية التي اختارت العمل الحركي السياسي، وشكلت لذلك حزبا من الأحزاب، سرعان ما تنشق على نفسها، وتتحول إلى حزبين، ثم إلى أربعة وهكذا.
ومثل ذلك الحركات السلفية المسلحة.. فسرعان ما تتحول إلى الصراع فيما بينها مع كونها جميعا تقدس ابن تيمية، وتقتدي بابن عبد الوهاب، وتكفر المعطلة والجهمية والصوفية والشيعة وكل ما تتبناه جميع المدارس السلفية.
ومثل ذلك الخلاف الذي تفضحه شاشات التلفزيون، نجده في الكتب والمواقع والمحاضرات الكثيرة التي يتهجم فيها السلفية بعضهم على بعض إلى الدرجة التي يتصور القارئ أنه في غابة ممتلئة بالوحوش المفترسة، لا بين ناس عقلاء يدعون جميعا أنهم يحكمون القرآن والسنة ويرجعون إلى سلفهم الصالح في فهمهما وتطبيقهما.
وقد أشار الشيخ ربيع المدخلي إلى هذه الظاهرة، قال: (فبعض الناس ـ يقصد من السلفيين ـ الآن يطاردون السلفيين حتى وصلوا إلى العلماء وسموهم مميّعين! والآن ما بقي في الساحة عالم –تقريباً- إلا طعن به وفيه !وهذه –طبعاً- هي طريقة الإخوان وطريقة أهل البدع؛ فإن أهل البدع من أسلحتهم أن يبدأوا بإسقاط العلماء، بل هي طريقة يهودية، ماسونية: إذا أردت إسقاط فكرة فأسقط علماءها أو شخصياتها، فابتعدوا عن هذا الميراث الرديء، واحترموا العلماء. ووالله ما يسعى في الكلام فِيَّ –ولا الطعن في ما نحن فيه- إلا لتكون النتيجة إسقاط المنهج؛ فالذي يكره هذا المنهج يتكلم في علمائه، الذي يبغض هذا المنهج ويريد إسقاطه، يسير في هذا الطريق)([1014])
وأشار إلى بعض زملائه الذين كانوا معه في نفس المدرسة ـ وهم الحدادية ـ فقال ـ عند ذكره للفروق بينه وبينهم ـ: (ومن صفاتهم أيضا عدم الترحم ؛كان إذا ترحمت على مثل ابن حجر والشوكاني والنووي قالوا: مبتدع، إذا قلت الحافظ، قالوا: مبتدع، إذا قلت: عندهم أشعرية قالوا:لابدّ أن تقول: مبتدع، إذا لم تقل مبتدع فأنت مبتدع.. قلنا لهم: إذا قلنا أشعري معناه أنه عنده بدعة؛ الإنسان يريد أن يتأدب في لفظه ليس لازما أن تقول عنه مبتدع.. أنا أقرأ لكم تراجم من البخاري؛ يمرّ على جابر الجعفي ويمر على غيره لا يقول مبتدع وهو يعرف أنه رافضي ولا يقول أنه مبتدع، لأن هذا ليس لازما، بيّن ضلاله نصحا للناس لكن ليس لازما أن تقول مبتدع أو غير مبتدع فأبوا. يتصل علي أناس من الخارج من أبها يقول لي:ما رأيك في ابن حجر، أقول له: عنده أشعرية، يقول لي:أبدا، أنت ضالّ لابدّ أن تقول مبتدع)([1015])
بناء على هذا، فإنه لا يمكننا في هذا الفصل أن نحيط بكل ذلك الخلاف، ونشرح تفاصيله، فالكتب والرسائل في ذلك أكثر من أن تحصى إلى الدرجة التي يمكن اعتبار كل علم من أعلام السلفية مدرسة قائمة بذاتها، ولها أحكامها الخاصة بها على سائر السلفيين أعلامهم وعوامهم.
وكمثال على ذلك أننا عندما نبحث في تراث الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، والذي له جمهوره الكبير، وأتباعه الكثيرون، لا نجد ردوده فقط على سيد قطب أو الإخوان أو التبليغ أو الصوفية أو الشيعة.. وإنما نجد ردودا كثيرة له على إخوانه في المدرسة السلفية، يتهمهم فيها بعدم رعايتهم لشروط المنهج السلفي، وعدم تطبيقهم الجاد له، ولو طبقنا المقاييس التي يحكمون بها على من يفعل ذلك، فإننا لن نحكم على من اتهمهم إلا بالكفر.. بل إننا نجد تصريحات كثيرة بالكفر لمن تتلمذوا على يديه، ثم اتهموه بعد ذلك بالسكوت ومهادنة أهل البدع من السلفية كما سنرى.
ومن الأمثلة على ذلك اتهام الشيخ ربيع لعلماء السلفية المعاصرين بالمهادنة، والتقصير في مواجهة أهل البدع، فقد قال في [مجموع الكتب والرسائل] بعد أن نقل (قول رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: (يا أبا بكر! أسألك عن كلمة؟ فولى وهو يقول: ولا نصف كلمة): (هذا –والله- هو الولاء الصادق لله وللإسلام، ولو عامل (علماء السنة) في هذا الزمن أهل البدع هذه المعاملة الحازمة، لماتت البدع في جحورها، ولما استطاعت المطابع أن تطبع كتبهم!)([1016])
وهكذا قال في حديثه عن علماء الهند والعراق والشام مع أن فيهم الكثير من أعلام السلفية: (والفطن يعرف من هم علماء الهند وإيران والعراق والشام؟! وأنهم الروافض، وأسوأ منهم!)([1017])
وهكذا كان حديثه عن علماء السعودية مع تشددهم وسلفيتهم التي ورثوها أبا عن جد، وتتلمذوا عليها منذ نعومة أظفارهم، فقد قال عند حديثه عن تقصيرهم في الرد على الإخوان المسلمين: (ونسأل الله أن يطهر هذه البلاد من كتب أهل البدع الملمعة من كتب الإخوان المسلمين فإنه إلى الآن علماء هذه البلد ما أدركوا أن كتب الإخوان المسلمين أخطر من كتب كل أهل البدع لأنهم لم يقرأوها)([1018])
وهكذا حكم على (هيئة كبار العلماء)، فقد قال عنهم: (ربيع، وزيد بن محمد هادي جاهدا أكثر من كثير من (هيئة كبار العلماء)، بعض(هيئة كبار العلماء) يجيئون في طبقة تلاميذ ربيع وزيد)([1019])
وقال في الشيخ بكر عبد الله أبو زيد عند واصفه تعليقاته على كتاب (أضواء إسلامية): (يمكن أن نسمي هذه الأوراق بالصفحات الظالمة لأنها اشتملت على الباطل والإثم، وخلت خلوا كاملا من العلم وأساليب العلماء، وحشيت بالتلبيس الذي خدع الشباب الحزبي ورسخ في نفوسهم ما غرسه فيهم دعاة الباطل من تقديس من لا يجوز تصنيفه إلا في أئمة الضلال الجامعين للبدع الكبرى التي قل أن تجتمع إلا فيمن طبع الله على قلوبهم وأصمهم وأعمى أبصارهم، ولا يستمر على تقديسه والذب عنه بعد أن قيض الله من يكشف عواره ويبين ضلاله إلا كل من سقط من عين الله ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ  [الحج: 18]، ولأنها قد تعمد صاحبها الإجمال والإطلاق كما هو شأن كل ناصر للباطل مدافع عنه)([1020])
ويقول فيه: (فوالله ما عهدنا سنيا سلفيا غضب لأهل البدع والباطل مثلك ولا عرفنا أحدا ثأر لأهل البدع والباطل مثل ثأرك، وكان اللائق بك على الأقل أن تخلي الميدان لأهل البدع يصولون ويجولون فيه بالباطل والبهت لنصرة الأباطيل والضلالات والترهات)([1021])
وقال مخاطبا الشيخ بكر: (إنني لأرثي لحال رجل حمل راية السنة ردحا من الزمن أن يصل به الأمر إلى هذه الحال الغريبة العجيبة من المجازفات في الأحكام، والجرأة على الطعن بالباطل، وتحريك الفتنة -بعد أن استسلمت للنوم عجزا عن مقارعة الحق)([1022])
وقال: (فما الذي أعمى بكرا أبا زيد عن كل هذه الصحائف -حتى لو كان استعرض الكتاب مجرد استعراض-؟ إنه الهوى والرغبة الجامحة في الطعن والتشويه، وإن هذا العمل وأمثاله لا يصدر إلا من قلب مريض بالهوى- أعاذنا الله والمسلمين من الهوى وأمراض القلوب والنفوس-، ومع كل ما ارتكبه من ظلم يقول:(إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)([1023])
وقال في الشيخ فالح الحربي الذي كان من المقربين منه: (كان فالح عبئا ثقيلا على الدعوة السلفية وأهلها منذ سلك نفسه في الدعاة إلى المنهج السلفي لا يراعي في تصرفاته ومواقفه وأحكامه مصالح ولا مفاسد ولا يأبه لها، بل كان زراعا للمشاكل في أوساط الشباب السلفي متعالما واضعا نفسه فوق منزلته يطعن في العلماء من مثل العلامة الألباني والشيخ مقبل الوادعي وغيرهما)([1024])
وقال: (تبين كذب وفجور فالح على أيدي بعض الكتاب السلفيين بالأدلة الواضحة، ونحن اليوم مع فالح رائد الفتنة والشغب والكذب)([1025])
وقال: (فالح وعصابته قد مرقوا من المنهج السلفي وأصبحوا من ألد خصومه، ويظهر للعاقل أنهم أشد خطرا عليه وعلى أهله من كل خصوم وطوائف أهل الضلال)([1026])
مع العلم أنه هو نفسه الذي قال فيه عندما كان مقربا لديه: (المعروف أن الشيخ فالح أنه رجلٌ من أهل السنة من السائرين على منهج السلف ولا نعرف بأن له ابتداع أو له مخالفات لأهل السنة الرجل يصنَّف مع أهل السنة والجماعة ويغار على منهج السلف وينصر منهج السلف ويرد على أهل البدع وهذه طريقة السَّلف)([1027])
وقال في الشيخ أبي إسحاق الحويني والشيخ محمد حسان وغيرهما من السلفيين المصريين: (الأصل فيهم أنهم من الإخوان، وتربية الإخوان.. والله أنا أرى أنهم مبتدعة.. ما يزداد إلاَّ بعدًا عن المنهج السلفي وتلاحمًا مع القطبيين،فهذا حاله، هذا حاله الآن، هو يدعي أنه من أهل السنّة ويقترب من أهل البدع، ويعاشرهم، ويتلاحم معهم.. فمثل هذا الرجل لا يجوز أخذ العلم عنه، بل يجب الحذر منه؛ وإن زكَّاه من زكَّاه من المنتسبين إلى العلم)([1028])
وقال في الشيخ أحمد فريد ومصطفى العدوي: (الذي أعرفه عنهما؛ أنهما من مدرسة الإسكندرية، وهذه المدرسة مدرسة تكفيرية، عندهم خلل عظيم في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وتعلق شديد بسيد قطب وأفكار سيد قطب المتعلقة بالحكم، وبعضهم أولياء بعض، يعني بعض أولئك لا يظهر عليهم التأييد الواضح لأفكار سيد قطب، أو اللهج بمسألة تكفير الحكام، لكنهم أولياء، وأنصار وأصدقاء، وأحباب، وأخلاء للمصرحين بذلك، ومن رؤوسهم: (ياسر برهامي، ومحمد بن إسماعيل المقدم، ومحمد عبد المقصود وهو من رؤوس الشر في مصر، وإن كان اشتهر بأنه فقيه وكذا، لكنه تكفيري محض، وكذلك أحمد حطيبة، وكذلك أحمد فريد، وكذلك أبو إسحاق الحويني، وكذلك محمد حسان، وكذلك النقيب)، ومجموعة كبيرة ممن يسمون بالمدرسة الإسكندرية؛ كلهم على هذا المنوال)([1029])
وقال في الشيخ العيد شريفي الجزائري: (إن عيد شريفي قد عرف عند حملة العلم وطلابه في الجزائر أنه صاحب هوى وينتصر لبعض أهل الأهواء.. يا شيخ هذا من سنوات ونحن الناصح واسكت الناس عنه ولكن أبى الا مناصرة أهل الباطل والمضي في هذا السبيل، ورأيت أنه في الجدال يعني لا يعرف منطقا أبدا لا يعرف منطق الجدال، ومتبع لهواه فصبرنا صبرنا صبرنا عنه؛ فرأينا فيه من الشر والسوء؛ فنعوذ بالله فهـو من أنصار أبي الحسن في الباطن...من أهل الباطل وله طعن في الأبرياء واستنقاص من العلماء طعن يعني غريب، غريب، غريب؛ فنسأل الله له العافية هذا يعتبر يعني بيني وبينوا علاقة ومعرفة ومعرفة في الحق من أول مرة يجيء هنا وهو يعاملني هكذا أين الوفاء والمروءة وأين الوفاء للمنهج نفس يعني الخطأ واضح، جاء يحاججني بالباطل أكثر من أبي الحسن)([1030])
وقال في الشيخ أبي الحسن المأربي اليمني: (إن أبا الحسن المصري المأربي أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان لا أجد له نظيرا في القدرة على الثرثرة وكثرة الكلام ويتمتع بقدرة هائلة عل تقليب الأمور وجعل الحق باطلا والباطل حقا والظالم مظلوما والمظلوم البريء ظالما وإلباس نفسه لباس التقوى والورع، وإلباس الأبرياء لباس الفجار الهدامين المفسدين الظالمين، كما فعل ذلك في عدد من أشرطته، مما يدل على خبرة طويلة راسخة ومهارة نادرة في هذه الميادين إلى درجه لا يلحق فيها ولا يبلغ فيها شأوه.. إن هذا الرجل صاحب فتنة عظيمة قد أعد لها العدة لعله منذ وطئت قدماه اليمن أو من قبل ذلك)([1031])
وهكذا تعامل مع عدنان العرعور الذي ألف كتابين خاصين به أحدهما [انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية] و[دفع بغي عدنان]، ومما قال فيه: (عدنان عرعور هذا بلاء البلاء وفتنة الفتن، وما عرفت صاحب فتنة مثله أضر بالمنهج السلفي وأهله مثله، ما أعرف أحد يسعى في تمزيق السلفيين وتفريقهم وإلقاء الفتن والشحناء والبغضاء مثله، وأخشى أن يكون ظرفة من ظرف أعداء الله لتحقيق أهداف خبيثة لأن الأعداء يهود ونصارى يعرفون أن الدين الحق إنما هو هذا الحق الذي يدين به السلفيين فيسعى في تفريقهم وتمزيقهم، ثم يتباكى كذبا وزورا أنه يحذر الفتن ويخاف من الفتنة ومن أجل المصلحة وهو كذب في كذب، والله ما رأيت دجالا مثل هذا الإنسان ولعلكم تقرأون.. ابن صياد... أصدق من كلام الدجال المعاصر عدنان، أصدق بكثير، عدنان كله كذب ومرواغات وتلبيس وفتن.. فاحذروا هذا الدجال احذروا كل الحذر وهناك كتابات وأشرطة سوف تصلكم إن شاء الله لتعرفوا أن هذا دجال العصر، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لغير الدجال أخوفه عليكم من الدجال)، فهذا ممن يُخاف ويُخشى على الأمة، ورأينا شره وفتنته تشتعل في أوربا، ولا أشك أنه مجند من أهل البدع والأهواء، ولا أستبعد أنه مجند من غيرهم لهذه الفتن ولهذه الزلازل ولهذه القلاقل ولهذه البلابل التي يقولها هذا الرجل والتي يتجارى به أهل الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه؛ فهو يركض في مشارق الأرض ومغاربها بالأموال الطائلة التي اعترف عدنان بأنه صعلوك؛ فمن أين لهذا الصعلوك هذه الأموال إلا أنه يفعل ويفعل الأفاعيل للحصول على هذه الأموال لماذا؟ ليبدد السلفيين ويضرب بعضهم ببعض ويجعل بأسهم بينهم ألا فادعوا الله تبارك وتعالى أن يريح الإسلام والمسلمين من هذا الرجل وأمثاله)
وقال فيه: (كنّا نعدّه من جملة السلفيين بناءً على ما يظهر لنا من حاله آنذاك رغم قلة مجالستي له، لكن بناء في الوقت نفسه على ادعائه، وقول بعض السلفيين المخدوعين به. إذ: (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم).. بدأ ينكشف لي بعض ما ينطوي عليه في إحدى زياراتي للرياض حيث بدأ يدافع ويناضل عن سيِّد قطب إذا انتقده بعض السلفيين؛ ويدعي له أنه صحيح التأصيل، وأن المنهج السلفي غير مؤصل، وأن السلفيين لا يؤصلون، ويخص منهم الشيخ ابن باز رأس السلفيين بأنه لا يؤصل، في نقاش وكلام طويل تظاهر فيه بالتراجع عن رأيه في تلك الجلسة ثم عاد لما كان عليه.. ثم أراد عدنان أن ينقذ نفسه من هذه الورطة الكبيرة والفعلة الشنيعة وأراد أن يغطي سوأته أمام السلفيين ولعل له أهدافاً أخرى، فكتب إليّ اعتذاراً بارداً ميتاً لا يساوي الحبر الذي كتب به، ولهوانه وسقوطه وركته لم أحفل به فلا أدري أأعاده الرسول لصاحبه أو بقي عندي والغالب أن الكتاب قد ضاع ولو وجدته لفضحته به)([1032])
وهكذا راح يقص قصته الطويلة في الصراع معه، والتي تدل على ذلك الصراع الشديد في تعامل السلفية بعضهم مع بعض.
هذا مجرد مثال، وبناء عليه سنحاول في هذا الفصل أن نذكر المدارس الكبرى للسلفية، ونماذج عن صراع بعضها مع بعض، بل تكفير بعضها لبعض.
وقد رأينا أنه يمكن تقسيم المدارس السلفية بناء على تكفير بعضها بعضا إلى قسمين كبيرين: السلفية العلمية والسلفية الحركية.. ثم تنقسم السلفية العلمية إلى أقسام كثيرة أشهرها: الجامية والحدادية.. وأما السلفية الحركية، فتنقسم إلى قسمين كبيرين: المسلحة والحزبية.. وكلاهما ينقسم أقساما كثيرة.. وكلهم يضلل بعضهم بعضا، بل يصل التضليل أحيانا كثيرة إلى حد التكفير.
وقد أشار إلى بعض هذه الأقسام محمد عمارة في كتابه (السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟) تناول فيه قضية التنوع والتناقض بين المدارس السلفية على الساحة السياسية والإعلامية في العالم الإسلامي، بل على مستوى العالم ككل.
وقد خلص في نتيجة بحثه إلى أن السلفية (قد توزعتها العديد من التوجهات، فطرأ عليها الكثير من الانشقاقات فمنها ما يسمى بالسلفية العلمية التي تحاول استلهام المشروع التجديدي لابن تيمية.. ومنها السلفية الجهادية التي سلكت طريق العنف والتغيير.. ومن هذه السلفية المعاصرة فصيل بلغ في الغلو والجمود حدوداً فاقت الخيال حتى لقد كتب بعضهم في تفكير أئمة السلفية مثل ابن القيم الذي قالوا عنه: (إنه زائغ مبتدع كذاب وقح بليد غبي جاهل ضال مضل خارجي ملعون كافر)، وقال أحد كتاب هذه السلفية الظلامية عن ابن تيمية: (إنه لا تؤخذ منه أحكام الولاء والبراء، ولقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين)([1033]) 
وفي موضع آخر عبر عن النتيجة التي يدل عليها الواقع الدعوي والسياسي المعاصر، فقال: (وهكذا نجد أنفسنا تاريخياً وحديثاً أمام عدد من السلفيات، وليس أمام سلفية واحدة كما يحسب كثير من السلفيين ومن خصوم السلفيين)([1034])
وهكذا ذكر باحث آخر في دراسة عن الحركة السلفية في مصر وتنوعها، وهي دراسة ميدانية صنفت الحركات السلفية المصرية إلى أربع سلفيات: السلفية التقليدية، والسلفية العلمية، والسلفية الحركية، السلفية الحديثية (أهل الحديث)([1035])
فالسلفية التقليدية: وتهدف – بحسب دعاتها – إلى تنقية الدين مما يرونه من البدع خاصة المرتبطة بالتصوف والأضرحة، وكذلك منع المسلمين من الإفتتان بالحضارة الغربية ومرتكزاتها الفكرية المخالفة للإسلام.. ووسيلة التغيير عندهم تنحصر في الدعوة عبر خطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد بالإضافة إلى الدعوة الفردية.
السلفية العلمية: وهي السلفية التي تعتمد مهج الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وتتلخص رؤيتها في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والآراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح.
السلفية الحركية: وقد نشأت في نفس الوقت الذي نشأت فيه السلفية العلمية (منتصف السبعينات من القرن العشرين الميلادي) بقيادة عدد من الدعاة الشباب حينذاك، ولم يختلف هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية إلا في شيء واحد وهو الاعلان عن كفر الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الاسلامية باسمه أيا كان اسمه.
سلفية أهل الحديث: وقد ظهر هذا الاتجاه – وإن كان في أصله تابع للسلفية العلمية – في أوائل الثمانينات، فانجرف بعض السلفيين نحو دراسة المصطلح وعلم العلل ومعرفة الصحيح من الضعيف، بالاضافة لإلقاء الخطب والدروس الوعظية والعلمية للعامة وللخاصة، ومن هؤلاء أبو إسحاق الحويني، ومصطفى العدوي، وأسامة القوصي، ومحمد  سعيد رسلان وغيرهم.
وقد عقب كاتب الدراسة على كلامه هذا بقوله عند ذكر بعض التيارات السلفية: (هذا الكلام قبل أحداث ثورة 25 يناير، ولنا كتاب (الدولة السلفية) نبين فيه التحولات السياسية والفكرية عند هذا الفصيل السلفي)
هذان نموذجان عن التصنيفات التي صنفت بها المدارس السلفية الحديثة، وهناك نماذج أخرى كثيرة، ذلك أن الانشاق بين السلفية يحصل كل حين، ولأتفه الأسباب، وبما أننا لا نستطيع أن نحصي خلافاتهم وما كتبوه في تضليل بعضهم بعضا، فسنقتصر على ذكر نماذج متنوعة من مواقفهم وفتاواهم وكتبهم لنرى بذلك مبلغ التكفير السلفي.
المراد بالسلفية العلمية السلفية التي تركز جل اهتماماتها على مطالعة التراث السلفي وتدريسه ودعوة الناس إليه من غير أن يكون لها أي اهتمام بالوصول إلى السلطة لا عن طريق السلم، ولا عن طريق العنف.
وهم أقسام كثيرة، والصراع بينهم شديد جدا، لا يمكن الإحاطة به هنا، ولذلك سنكتفي بذكر نموذجين عن تكفيرهم من طرف أصحاب المدرسة الحركية، أحدهما من المدرسة السلفية الحركية المسالمة أو الحزبية، كما يطلقون عليها.. والثاني من المدرسة السلفية الحركية ذات الطابع المسلح، أو الجهادية كما يطلقون على أنفسهم.


الكتاب: معجزات علمية
المؤلف: د. نور الدين أبو لحية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق