الأحد، 19 مايو 2013

تعدد أساليب الدعوة إلى الله تعالى


تعدد أساليب الأنبياء والسلف في الدعوة لله وتنوعها:

ثم إنه لا توجد أي آية في القرآن أو حديث في السنة يقصر أسلوب الدعوة إلى الله على أسلوب معين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينوع أساليبه في الدعوة بحسب المدعو:

فرجل يقول له هل إذا جعلت الحصى تسبح في كفي تؤمن بالله، فيقول نعم، فيمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الحصى فتسبح في كفه الشريفة (معجزة)
ورجل ضخم قوي يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل إذا صارعتك فصرعتك تؤمن أنني نبي، فيقول نعم، فيصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوة جسدية)
وحاتم بن عدي نصراني الأصل يناقشه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ديانة النصارى.. (مقارنة أديان)
وأهل اليمن يقول لهم رسول الله إن ربي قتل ربكم، يقصد به كسرى، فلما صدق الخبر آمنوا.. (إخبار بالغيب)
وهكذا...
وسيدنا إبراهيم ناقش عبدة الكواكب بأن قال لهم تنزلاً عن كوكب "هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين" إلى آخر الآيات..  (نقاش منطقي ومقارنة صفات المحدثات بواجب الوجود)
وناقش عبدة الأوثان بأن حطم لهم أوثانهم الا كبيراً لهم، ولم يقرأ عليهم نصوصاً من صحفه التي أوحيت اليه.. (إثبات عملي)

ووجهنا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى مخاطبة الناس على قدر عقولهم..

وسيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ناقش الخوارج بحسب عقولهم بغير القرآن، فقال على اعتراضهم على تحكيم الرجال قائلين لا حكم الا لله، تعالوا أناظركم فإن غلبتكم هل تقبلون وتعترفون قالوا نعم، قال فعينوا لنا من يدير المناظرة، فاختاروا رجلاً، قال هل تقبلون حكمه إن حكم أني غلبتكم قالوا نعم، قال فكيف تقبلون تحكيم الرجال؟ فسكتوا، قال أخرجت من هذه قالوا نعم... (نقاش عقلي)
فلم يناقشهم بكتاب ولا بسنة، بل بالمنطق والحجة والعقل... فهل هو من السلف أم لا؟

وقال تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} ولا شك أن من الحكمة مخاطبة أهل كل عصر بالفن الذي برعوا به، وبالأسلوب الذي يقنعهم أيّاً كان هذا الأسلوب..

وقد برز الإمام أبو الحسن الأشعري في عصر انبهار المسلمين بالفلسفة، وتأثرهم القوي بها... تماما كانبهار وافتتان الناس في عصرنا بالتقدم العلمي للغرب، حتى صار قائلهم يقول إن شعوبنا لن تتقدم مالم تأخذ عن الغرب كل شيء من خير وشر، وآخر يقول: الغرب وصل للقمر والفضاء ونحن لا زلنا نناقش هل ندخل الحمام برجلنا اليمين أم اليسار، وغير هذا من كلام يعبر عن الهزيمة النفسية أمام هذا التقدم، نتيجة ضعف الإيمان...

وكما ينبري العلماء والدعاة في عصرنا لبيان الإعجاز العلمي في القرآن، ولبيان الآيات والأحاديث التي تحض على طلب العلم واتقان العمل وووو.... لدحر هؤلاء..
كذلك انبرى العلماء في عصر ازدهار الفلسفة للرد على الفلاسفة وطلبتهم المنبهرين بهم بنفس منطقهم... ولولا ذلك لما حجّموهم، ولما دحروا فتنتهم...

وكان من أعظم العلماء في هذا الإمام حجة الإسلام الغزالي، الذي بين معنى مصطلحات الفلاسفة التي بهرت الناس بعقلانيتها وغموضها في كتابه "مقاصد الفلاسفة" ثم انبرى للرد عليهم ودحض حججهم في كتابه "تهافت الفلاسفة"

ولو أن أحدنا قرأ كتاب "قصة الإيمان" للشيخ نديم الجسر، لقدّر صعوبة أن يتعرض الإنسان لمثل هذه الفتن العقلانية، وضرورة أن يجد من علماء المسلمين من يزيل له هذه الشبهات بنفس المنطق والأسلوب.. وألا يبدو الدين بمظهر العاجز عن مجاراة العقلانيين، وأنه لا إيمان إلا بالإعراض عن العقل... فنحن لسنا نصارى، وليست معتقداتنا متهافتة متناقضة حتى نحتاج لحمايتها بسياج الابتعاد عن العقل..

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فلم يعاصروا فلاسفة ولا متفلسفين، فلم يكن لهم حاجة لسلوك هذا السبيل في الدعوة إلى الله، وإثبات التوحيد، لكنهم كما رأينا نوعوا أساليبهم بحسب المخاطبين...

ولو اعتبرنا أن أسلوب الأشاعرة في إثبات العقائد بدعة، لوجب علينا أن تعتبر مناظرات أحمد ديدات بدعة كلها، لأنه كان يعمد لاستخراج التناقضات من كتب ونصوص النصارى أنفسهم، ولم يكن يتلو عليهم القرآن والسنة... ولوجب علينا اعتبار مناظرة ابن تيمية للأحمدية وعرضه عليهم أن يلقي بنفسه في النار التي يلقون بأنفسهم فيها بدعة فظيعة جدا، فمَن من الصحابة أو السلف الصالح ناظر مخالفيه بأن عرض أن يلقي بنفسه في النار..... أليس كذلك؟



ولا شك أن بعض الكتب قد أغرقت في الفلسفة، فكان دور الإمام ابن تيمية التجديدي في نبذ كل هذه الفلسفات والعودة لإثبات وتثبيت العقيدة بالقرآن والسنة وحسب، وقد كان دوراً عظيماً في جلاء العقول والقلوب، وتنقية الكتب من التقعرات والفلسفات والتعقيدات التي تجعل علم العقيدة علماً بارداً عقلانياً لا يحرك شعوراً ولا يدفع للعمل.... وفي العودة بها إلى نهج السلف، لكننا لا يمكن أن نقول أن هذا الطريق وحده يكفي ويغني عن كتب الأشاعرة وجهودهم العلمية، بل هو جهد تكميلي لجهودهم..

فمن نشأ في بيئة مسلمة، على فطرة سوية نقية، تكفيه كتب السلفية في العقيدة، ولكن من نشأ في بيئة ملحدة، تنكر أصلاً وجود إله، أو تنكر الوحدانية، أو تقدس العقل والعلم، لن تغني معه هذه الأساليب، ولا بد لمناظرته من أسلوب الأشاعرة.. ولا بد لذلك أن يتزود طلاب العلم بكلا الطريقين، وإلا سقطوا...

فلو أننا نبذنا التعصب والجفاء، لرأينا لكل منهم دوراً جليلاً، ولكل طريق علمي من هذين الطريقين فوائد لا غنى عنها، ويكمل أحدها الآخر، وفي كتب كل منها بعض الأخطاء والعيوب الواجب تجنبها، لأنه لا عصمة إلا لكتاب الله تعالى الذي تعهد بحفظه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق