الأربعاء، 22 مايو 2013

هل الإلهام حجة فى الشرع



 العلماء الربانيون الذين أثنى الله عليهم جمعوا بين نور العقل 

ونور القلب، وجمعوا بين نور العلم ونور الإيمان، وجمعوا بين 

نور الفطرة ونور النبوة، واهتدوا بصحيح المنقول، وصريح 

المعقول ووفقوا بين النصوص الجزئية، والمقاصد الكلية، وردُّوا 

الفروع إلى الأصول والمتشابهات إلى المحكمات.. العلماء 

الربانيون متوازنون وسطيون، هم لا ينكرون أن يقذف الله في 

قلب عبدٍ من عباده نوراً يكشف له بعض المستورات والحقائق، 

ويهديه إلى الصواب في بعض المضايق والمواقف، بدون 

اكتساب ولا استدلال، بل هبة من الله تعالى، وإلهام منه، إن هذا 

الإلهام أثر من آثار الإيمان العميق والعبادة الخالصة، 

والمجاهدة الجهيدة.. 

 لا ينكر العلماء الربانيون هذا الإلهام ؛لأن الله سبحانه وتعالى 

يقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ 

سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) ﴾

[سورة الأنفال]


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ 

رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 

(28)﴾  الحديد 



 العلماء الربانيون لا ينكرون أن يقذف الله في قلب المؤمن نوراً يكشف له الحق والباطل، والخير والشر، والصواب والخطأ، وما صح وما لا يصح، وما ينبغي، وما لا ينبغي.
 ولا نزاع أيضاً في أن الإيمان والعبادة والتقوى، ومجاهدة النفس لها أثرها في تنوير العقول، وهداية القلوب، والتوفيق إلى إصابة الحق في الأقوال، والسداد في الأعمال، والخروج من مضايق الاشتباه إلى الوضوح، ومن اضطراب الشك إلى ثبات اليقين.
 ولا نزاع أيضاً في أن الله يكشف لبعض المتقين من عباده حقائق العلم، وأنوار المعرفة، في فهم كتاب الله وسنة نبيه، بمحض الفيض الإلهي، والفتح الرباني، ما يلهث كثيرون ليحصلوا عليه بالمذاكرة والتحصيل، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: اقتربوا م أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم تنجلي لهم أمور صادقة.
 ولكن إذا كان علم المنطق يضبط حركة العقل، وعلم أصول الفقه يضبط الاستدلال، هذا الإلهام كيف نضبطه ؟.. هل يُترك الإلهام فوضى فيبقى بابه مفتوحاً لمن هب ودب، ولمن تخيل واختال، ولمن لا يميز بين إلهام الملك ونفس الشيطان، أو لمن ادعى الوصول ولم يرع الأصول، أو لكل دجال يشتري الدنيا بالدين، ويتبع غير سبيل المؤمنين..
 علم المنطق ضبط حركة العقل، وعلم أصول الفقه، ضبط الاستدلال، أما أن يبقى الإلهام مفتوحاً بابه، بلا ضوابط، وبلا قيود عندئذ يختلط الحق بالباطل، ويضيع أمر الدين..
 الإلهام لا يُعتد به، ولا نعبأ به، ولا نأخذ به إذا خرم قاعدة شرعية أو حكماً شرعياً، هو ليس حقاً بذاته، هو إما خيال، أو وهم، أو إلقاء من شيطان، أو كشف من رحمان، فإذا عارض الإلهام ما هو ثابت في التشريع، الذي هو عام، وليس خاصاً، ولا ينخرم بالإلهام أصل التشريع، ولا ينكسر اطراده، ولا يُستثنى من الدخول تحت حكمه أحد، إن كان الإلهام موافقاً لقواعد الشرع، وأصول الدين نأخذ به في المباحات، أما إذا خالف قاعدة شرعية، أو خرم حكماً فقهياً أو كسر اطراد قاعدة، عندئذ لا نعبأ به ولا نأخذ به، شأنه شأن الرؤيا التي تخالف نصاً تشريعياً، بل إن الإنسان لو ـ افتراضاً ـ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بترك حلال، أو أخذ حرام تُردُّ الرؤيا عليه، ويثبت الشرع..

 أولى، ولأن الله سبحانه وتعالى يقول: 
﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾
[سورة الإسراء]
 لابد من علم، لابد من دليل..
 وإن الإجماع، إجماع الأمة التي لا تجتمع على خطأ كما قال 



العلماء قالوا: الإلهام: إلقاء ما يُفرق به بين الضلال والهدى، ما 

يلقى في الروع بطريق الفيض،

إلقاء في النفس أمراً يبعث على الفعل والترك.




هل الإلهام حجة في الشرع؟
قال ابن النجار الفتوحي الحنبلي في شرح الكوك المنير : ( بِإِلْهَامٍ ) ..... ( وَهُوَ مَا يُحَرِّكُ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَطْمَئِنُّ ) الْقَلْبُ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْعِلْمِ حَتَّى ( يَدْعُوَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ ) أَيْ بِالْعِلْمِ الَّذِي اطْمَأَنَّ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِلْهَامُ ( فِي قَوْلٍ : طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ ) حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْإِلْهَامِ : هَلْ هُوَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .
وَحُكِيَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ : أَنَّ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ قَالَ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ نَقْلًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ، وَحَدَّهُ أَبُو زَيْدٍ بِأَنَّهُ مَا حَرَّكَ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَدْعُوك إلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ وَلَا نَظَرٍ فِي حُجَّةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : هُوَ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } ) أَيْ عَرَّفَهَا بِالْإِيقَاعِ فِي الْقَلْبِ , وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } ) وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ , وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك } فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ قَلْبِهِ بِلَا حُجَّةٍ أَوْلَى مِنْ الْفَتْوَى .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ خَيَالٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْحُجَجِ كُلِّهَا , وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِيقَاعَ فِي الْقَلْبِ بِلَا دَلِيلٍ , بَلْ الْهِدَايَةُ إلَى الْحَقِّ بِالدَّلِيلِ , كَمَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه : إلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ . اه

وقيل : 


الإلهام ليس بحجة عند جماهير العلماء

ولكن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة..

وقال عليه السلام: لم يبق من النبوات إلا المبشرات قيل وما هي 

يا رسول الله؟ قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له..



كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عن لمة الملك التي 

وعد بالخير وحث عليه وحذرنا من لمة الشيطان..

فالرؤى والإلهام بالخير يستأنس به ويستعان على فعل الخير 

الذي ثبت أصله بالأدلة الشرعية المرعية ولا يستفاد منه حكم 

شرعي لعدم انضباطه وعدم الوثاقة التامة به ولأنه ليس في 

الشرع ما يدل على الاحتجاج به

والقول بحجيته ضعيف مردود غير معتبر ..

وقد نص سادتنا على أنه لا بد من عرض الخواطر الملهَمة على 

الشرع الشريف وأنها لا تقبل إلا بشاهدي عدل من الكتاب 

والسنة

وفي الزبد لابن رسلان:

وزن بحكم الشرع كل خاطر ** 


فإن يكن مأموره فبادر

قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل(5/ 348):

كل ذي مكاشفة إن لم يزنها بالكتاب والسنة وإلا دخل في الضلالات،

 وأفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر رضي الله 

عنهماوأفضل من كان محدَّثا من هذه الأمة عمر للحديث 

وللحديث الآخر :

[ إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه ] ومع هذا 

فالصديق أفضل منهلأن الصديق إنما يأخذ من مشكاة الرسالة لا 

من مكاشفته ومخاطبته؛ وما جاء به الرسول معصوم لا يستقر 

فيه الخطأ، وأما ما يقع لأهل القلوب من جنس المخاطبة

 والمشاهدة ففيه صواب وخطأ وإنما يفرق بين صوابه وخطائه 

بنور النبوةكما كان عمر يزن ما يَرد عليه بالرسالة فما وافق 

ذلك قبله وما خالفه رده.

قال بعض الشيوخ* ما معناه : قد ضمنتْ لنا العصمة فيما جاء 


به الكتاب والسنةولم تضمن لنا العصمة في الكشوف.


وقال أبو سليمان الداراني :

 إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين 

اثنين : الكتاب والسنة.

وقال أبو عمرو إسماعيل بن نجيد : كل ذواق أو كل وَجْد لا 

يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل.

وقال الجنيد بن محمد: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم 

يقرأ القرآن وبكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا.

وقال سهل (أي التستري) أيضا :

 يا معشر المريدين لا تفارقوا السواد**

على البياض فما فارق أحد السواد على البياض إلا تزندق.

وهذا وأمثاله كثير في كلام الشيوخ العارفين يعلمون

 أنه لا تحصل لهم حقيقة التوحيد والمعرفة واليقين إلا بمتابعة 

المرسلين .انتهى كلام ابن تيمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق