الخميس، 25 أبريل 2013

قصة العنكبوت والحمامة


قد نقل في الكفاية عن الإمام أحمد قوله: إذا روينا عن رسول الله -


صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدَّدنا 

في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في 

فضائل الأعمال، وما لا يضع حكمًا أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد

 وقال ابن معين في زيادٍ البكائي : لا بأس في المغازي ،

وأما في غيرها فلا.

عادة أهل العلم جرت بالتسهيل في باب المغازي والفضائل ونحوها

ما لا يسهلون في باب الأحكام،

وكلامهم في هذا كثير جدا، ومن ذلك ما قال الإمام أحمد في ابن 

إسحاق:       يكتب عنه المغازي وشبهها .







قال الحافظ في الفتح: وَذكر أَحْمد من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ 

حَسَنٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ. قَالَ تَشَاوَرَتْ 

قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَفَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ 

أَخْرِجُوهُ.فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسِبُونَهُ النَّبِيَّ 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيَعْنِي يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَقُومُ فَيَفْعَلُونَ بِهِ مَا 

اتَّفَقُوا عَلَيْهِفَلَمَّا أَصْبَحُوا وَرَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا أَيْنَ صَاحِبُكَ 

هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي فاقتصوا أَثَرَهُ. فَلِمَا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ

فَصَعِدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ العنكبوت

 فَقَالُوا لَو دخل هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ.

فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ

 قَالَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْحَجِّ

بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرَ، ثُمَّ إِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا

فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ 

وَسَلَّمَيُوَرِّي عَنْهُ وَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يَخْتَلِفُونَ وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَهْجِمُ عَلَى 

صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ.فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ 

فَخَرَجُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُوَفِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَبِي بَكْرِ 

بْنِ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ شَيْخِ النَّسَائِيِّ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ فِي قِصَّةِ نَسْجِ 

الْعَنْكَبُوتِ نَحْوَهُ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّأَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا فِي أَثَرِهِمَا قَائِفَيْنِ

أَحَدُهُمَا كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَفَرَأَى كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَة على الْغَار نسج 

العنكبوت فَقَالَ هَا هُنَا انْقَطَعَ الْأَثَرُ

 انتهى كلام الحافظ رحمه الله.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عقب إيراد الحديث في قصة نسج العنكبوت

 من مسندأحمد وتقدم ذكره في كلام ابن حجر ما عبارته: وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ،

وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى فَمِ الْغَارِ،

وَذَلِكَ مِنْ حِمَايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. انتهى.

فقد ذكر ابن سعد فى الطبقات ( 1/227 ، 228 )
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الى المدينة 


اخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة قال : وحدثنى ابن أبى حبيبة عن داود بن الحصين بن أبى غطفان عن ابن عباس قال : وحدثنى قدامة بن موسى عن عائشة بنت قدامة قال : وحدثنى عبد الله بن محمد بن عمر بن على بن أبى طالب عن أبيه عن عبيد الله بن أبى رافع عن على قال : وحدثنى معمر عن الزهرى عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن سراقة بن جعشم ، دخل حديث بعضهم فى حديث بعض ، قالوا : لما رأى المشركون أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قد حملوا الذرارى والأطفال الى الاوس والخزرج عرفوا أنها دار منعه وقوم أهل حلقه وباس ، فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا فى دار الندوة ، ـ وذكر تربص المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحاولة قتله عند الخروج من بيته ومبيت علىّ بفراشه ـ ،........... ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزل أبى بكر ، فكان فيه الى الليل ، ثم خرج هو وأبى بكر فمضيا الى غار ثور فدخلاه ، وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض ، وطلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اشد الطلب حتى انتهوا الى باب الغار ، فقال بعضهم إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد ، فانصرفوا .

وذكر أيضا فى الطبقات ( 1/ 228 )
اخبرنا مسلم بن إبراهيم ، اخبرنا عون بن عمرو القيسى اخو رياح القيسى ، اخبرنا أبو مصعب المكى قال : أدركت زيد بن أرقم ، وانس بن مالك ، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبى صلى الله عليه وسلم . ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت فى وجه النبى صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجهه فسترته ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار .

وذكر السيوطى فى الدر المنثور (3/ 325 )
اخرج عبد الرزاق واحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبرانى وأبو الشيخ وابن مردويه ، وابن نعيم فى الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله
{ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } قال : تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ـ يريدون النبى صلى الله عليه وسلم ـ وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه . فاطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فبات على رضى الله عنه على فراش النبى صلى الله عليه وسلم ، وخرج النبى صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا رضى الله عنه يحسبونه النبى صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ساروا إليه ، فلما رأوا عليا رضى الله عنه رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدرى .... ! فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا فى الجبل ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال .
ذكر الحافظ فى الفتح ( 7/ 290 ) :
وذكر احمد من حديث ابن عباس بإسناد حسن فى قوله تعالى : { وإذ يمكروا بك الذين كفروا} الآية ، قال " تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم إذا أصبح فاوثبتوه بالوثاق ، يريدون النبى صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : بل اقتلوه وقال بعضهم : بل أخرجوه ، فاطلع الله نبيه على ذلك فبات علىّ على فراش النبى صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، وخرج النبى صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبى صلى الله عليه وسلم ، يعنى ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا الجبل ومروا بغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال " . ....... وفى مسند أبى بكر الصديق لأبى بكر بن على المروزى شيخ النسائي من مرسل الحسن فى قصة نسج العنكبوت نحوه ، وذكر والواقدى أن قريشا بعثوا فى اثر هما قائفين : احدهما كرز بن علقمة ، فرأى كرز بن علقمة على الغار نسج العنكبوت فقال : ههنا انقطع الأثر .

وجاء فى مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ :
حدثنـا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنـا المحفوظ بن أبي توبة ، حدثنـا عبد الرزاق ، أخبرنـا معمر ، عن عثمان الجزري - قال أبو جعفر : هذا كان يعرف بالمشاهد قد ذكره أحمد ويحيى ، وذكرا أنه لم يحدث عنه إلا معمر ، وذكره البخاري أيضا في كتابه ، فلم يذكر فيه إلا خيرا أن مقسما مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك قال : تشاورت قريش ليلة بمكة : إذا أصبح ، فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي صلى الله عليه وسلم - ، وقـال بعضهم : بل اقتلوه ، وقـال بعضهم : بل أخرجوه ، فأطلع الله نبيه عليه السلام على ذلك ، فبات علي - رضي الله عنه - على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح ، ثاروا إليه ، فلما رأوا عليا ، رد الله تعالى مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا الجبل ، فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت . فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت عليه ، فمكث ثلاثا .

وجاء فى جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ " سُورَةُ الَأنْفَالِ "
حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال : أخبرني عثمان الجريري : أن مقسما ، مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس ، في قوله : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك قال : تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه ، فأطلع الله نبيه على ذلك ، فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا ، يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم . فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوه عليا رضي الله عنه ، رد الله مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري . فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل ومروا بالغار ، رأوا على بابه نسج العنكبوت ، قالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج على بابه ، فمكث فيه ثلاثا " *
واخرج احمد فى مسنده ( 1/ 348 )
حدثنا عبد الرازق حدثنا معمر قال : واخبرني الجزرى أن مقسما مولى ابن عباس اخبره ابن عباس : فى قوله { وإذ يمكروا بك الذين كفروا ليثبتوك } قال : تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ، يريدون النبى صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه ، فاطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فبات على رضى الله عنه على فراش النبى صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، وخرج النبى صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا رضى الله عنه يحسبونه النبى صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ساروا إليه ، فلما راه عليا رضى الله عنه رد الله مكرهم، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا ادري فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا فى الجبل ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال .
واخرج عبد الرزاق فى مصنفه ( 5 /387) :
قال الزهرى : قال عروة: قالت عائشة : فبينا نحن يوما جلوسا فى بيتنا ، فى نحو الظهيرة ، قال قائل لأبى بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا
رأسه ، ــ وذكرت رضى الله عنها خبر خروج النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر الى الغار ، ــ ..........، فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم الأمر ، فصعدوا الجبل ، فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن ينسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا .


الحمد لله وبعد ؛

هذا بحثٌ في حادثةِ من أحداثِ السيرةِ ، وهي قصةُ نسجِ العنكبوتِ والحمامتين .

أولاً : طرقُ القصةِ :
قصةُ نسجِ العنكبوت والحمامتين وردت من ثلاثةِ طرقٍ وهي :

الطريق الأولى :
‏حَدَّثَنَا ‏‏عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏، ‏حَدَّثَنَا ‏مَعْمَرٌ ‏، ‏قَالَ : وَأَخْبَرَنِي ‏عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ ‏: ‏أَنَّ ‏مِقْسَمًا ‏مَوْلَى ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏، ‏أَخْبَرَهُ عَنِ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏فِي قَوْلِهِ ‏: " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ‏" [ الأنفال : 30 ] ‏قَالَ : " تَشَاوَرَتْ ‏‏قُرَيْشٌ ‏‏لَيْلَةً ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏، ‏فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِذَا أَصْبَحَ ، فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ . يُرِيدُونَ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ‏وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ اقْتُلُوهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ . فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عَلَى ذَلِكَ ، فَبَاتَ ‏عَلِيٌّ ‏ ‏عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ ‏‏عَلِيًّا ‏ ، ‏يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ‏فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا ‏ ‏عَلِيًّا ،‏ ‏رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ ، فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ ، خُلِّطَ عَلَيْهِمْ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ ، فَمَرُّوا بِالْغَارِ ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ ، فَقَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ .

أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (9743) بأطول من هذا ، وأحمد (1/348) ، والطبري في " جامع البيان " عند تفسير الآية ، والطبراني في " الكبير " (12155) ، والخطيب في " تاريخ بغداد " (13/191) .

قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (6/174) : عثمان الجزري ، ويقال له : عثمان المشاهد . روى عن ‏مِقْسَمٍ ، روى عنه معمر والنعمان ، سمعت أبي يقول ذلك .

نا عبد الرحمن ، انا علي بن أبي طاهر القزويني فيما متب إلي ، قال : انا أبو بكر الأثرم ، قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن عثمان الجزري فقال : روى أحاديث مناكير ، زعموا أنه ذهب كتابه .

نا عبد الرحمن قال : سألت أبي عن عثمان الجزري فقال : لا أعلم روى عنه غير معمر والنعمان .ا.هـ.

وأورده البخاري في " التاريخ الكبير " (6/258) .


 بعض أهل العلم
 أن عثمان الجزري هو عثمان بن عمرو بن ساج الجزري ، ومنهم  
1 - الشخ أحمد شاكر في " تخريج المسند " (4/193 ، 5/87) . 
2 - الهيثمي في " المجمع " (7/27) فقال عند تخريجه للحديث : رواه أحمد والطبراني وفيه عثمان بن عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح .ا.هـ. 
3 - الشيخ الألباني أيضا في تخريجه لـ " فقه السيرة " للغزالي ( ص 163 ) ، والضعيفة (3/262) . 
4 - الدكتور أكرم العمري في " السيرة النبوية الصحيحة " (1/208) . 
5 - سامي بن محمد السلامة في تحقيقه لـ " تفسير ابن كثير " (4/46) ، فقد نقل كلام الهيثمي على الحديث . 
6 - الدكتور سليمان بن علي السعود في " أحاديث الهجرة . جمع وتحقيق ودراسة " ( ص 113) . 

تحسينُ بعضِ العلماءِ للقصةِ :
ذهب بعض أهل العلم إلى تحسين القصة منهم : 

1 - الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " (2/239) فقال : وهذا إسناد حسن ، وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار ، وذلك من حماية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .ا.هـ. 

2 - وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (7/278) : وَذَكَرَ أَحْمَد مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِإِسْنَادٍ حَسَن ... وذكر القصة .ا.هـ. 

 3ـ 
قد حسن الخطيب البغدادي رحمه الله الحديث، قال في مشكل الآثار :
عثمان الجزري يعرف بالمشاهد قد ذكره أحمد ويحيى وذكرا انه لم يحدث عنه الا معمر وذكره البخاري أيضا في كتابه فلم يذكر فيه الا خيرا !

وقال "فدل ما في هذا الحديث (العنكبوت) على السبب الذي كان فيه نزول هذه الآية . وقد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا حديث أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس في نوم علي رضي الله عنه على فراش النبي عليه السلام لابسا إياه لباسه بردة ، فذلك الحديث شد ما في هذا الحديث *

طرق هذا الحديث يقوي بعضها البعض ولا يوجد فيها كذاب ولا يترتب عليه امور عقدية فلماذا لا يكون حسن لغيره ؟


تضعيفُ أهلِ العلمِ للقصةِ :
حكم عدد من أهل العلم على القصة بالضعف ، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض العلماء ضعفها على أن عثمان الجزري هو ابن عمرو بن ساج ، وفي هذا نظر كما بينا آنفا ، ومنهم : 

1 - الشيخ أحمد شاكر . 
قال في " تخريج المسند " (3251) : في إسناده نظر . 

2 - الشيخ محمد ناصر الدين الألباني . 
قال في تعليقه على " فقه السيرة " ( ص 163) لمحمد الغزالي : في المسند من طريق عثمان الجزري أن مقسماً مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس به . وحسن المؤلف إسناده ، وكأنه تبع فيه ابن كثير في " البداية " . وتبعه أيضا الحافظ في " الفتح " ، وفي تحسينه نظر فإن عثمان الجزري وهو ابن عمرو بن ساج .ا.هـ. 

3 - الشيخ شعيب الأرنؤوط . 
قال في تخريجه لـ " مسند الإمام أحمد " (5/301) : إسناده ضعيف ، عثمان الجزري ، ويقال له : عثمان المشاهد ... " وذكر كلام الإمام أحمد وأبي حاتم في الرجل . 




الطريقُ الثانيةُ :
أخرج أبو بكر المروزي في " مسند أبي بكر " (72) عن بشار الخفاف ، عن جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجوني ، حدثنا المعلى بن زياد ، عن الحسن ، قال : انطلق النبي صلى الله وأبو بكر إلى الغار فدخلا فيه ، فجاء العنكبوت فنسجت على باب الغار ، وجاءت قريش يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت ، قالوا لم يدخله أحد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي ، وأبو بكر يرتقب ، فقال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : فداك أبي وأمي ، هؤلاء قومك يطلبونك ، أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحزن إن الله معنا " . 

وهذه الرواية معلولة : 

1 - في سندها بشار بن موسى الشيباني الخفاف . 
قال البخاري : منكر الحديث . وقال يحيى بن معين والنسائي : ليس بثقة . وقال أبو زرعة : ضعيف . وقال الحافظ ابن حجر : ضعيف كثير الغلط كثير الحديث . 

2 - أنها مرسلة عن الحسن . 
قال الذهبي في " الموقظة " ( ص 17) : " من أوهى المراسيل عندهم : مراسيل الحسن . 

وأوهى من ذلك : مراسيل الزهري ، وقتادة ، وحُميد الطويل ، من صغار التابعين . 

وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات ومنقطعات ؛ فإن غالب روايات هؤلاء عن تابعي كبير ، عن صحابي ، فالظن بمرسله أنه أسقط من إسناده اثنين .ا.هـ. 

وذهب ابن كثير في " البداية والنهاية " (2/239) إلى تحسين هذه الرواية لأنها تشهد للرواية الأولى فقال : " وهذا مرسل عن الحسن ، وهو حسن بماله من الشاهد " . 

والحديث أورد العلامة الألباني في " الضعيفة " (1129) . 

الطريقُ الثالثةُ :
عن أبي مصعب المكي قال : أدركت أنس بن مالك ، وزيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله عز و جل شجرة ، فخرجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم تستره ، و إن الله عز و جل بعث العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، و أمر الله حمامتين وحشيتين فأقبلتا تدفان (و في نسخة: ترفان) حتى و قعا بين العنكبوت و بين الشجرة ، فأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل معهم عصيهم و قسيهم و هراواتهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على قدر مائتي ذراع قال الدليل سراقة بن مالك المدلج : انظروا هذا الحجر ثم لا أدري أين وضع رجله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الفتيان : إنك لم تخطر منذ الليلة أثره حتى إذا أصبحنا قال : انظروا في الغار ! فاستقدم القوم حتى إذا كانوا على خمسين ذراعا نظر أولهم فإذا الحمامات، فرجع، قالوا : ما ردك أن تنظر في الغار ؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد ، فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فعرف أن الله عز و جل قد درأ عنهما بهما ، فسمت عليهما فأحرزهما الله تعالى بالحرم فأفرجا كل ما ترون . 

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/229) ، والبزار كما في " كشف الأستار " (1741) . 

وقد حكم العلامة الألباني في " الضعيفة " (1128) على هذه الرواية بالنكارة ، وسأكتفي بكلامه في تخريج الحديث فقال : 

وقال الهاشمي : " تفرد به أنس ومن ذكر معه ، لا نعرفه إلا من حديث مسلم بن إبراهيم عن عون بن عمرو القيسي عن أبي مصعب " . 


الفائدةُ الرابعةُ :
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " (3/199) : وقد ورد أن حمامتبن عششتا على بابه أيضا وقد نظم البوصيرى في شعره حيث يقول : 

فعمى عليه العنكبوت بنسجه **** وظل على الباب الحمام يبيض .ا.هـ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق