الأحد، 16 ديسمبر 2018

الحديث الضعيف دراسة وافية شافية

حكم العمل بالحديث الضعيف
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فمن البدع المستهجنة التى تجرى بكل بساطة على ألسنة كثير من المغرمين بالانتساب إلى السنة والتوحيد والتجديد مجازفتهم بالقول بضعف الحديث على معنى أنه باطل مكذوب , ويعتبر العمل به رجساً وفسقاً , أو على الأقل جهلاً وتجاوزاً.
ومن ظلم العلم والدين أن يؤخذ الحديث الضعيف بحكم الحديث المكذوب وليس كذلك العلم ؛ فان للحديث الضعيف مجالا شرعيا يدور فيه , وله وظيفة أساسية فى دين الله , وهو حديث لم تستكمل فيه شروط الصحة .
أى : أن فيه جانبا من الصحة , ومن بعض شروط ما يتوقف عليه قبول الحديث , لكنها غير كاملة , ولهذا نص العلماء على العمل به , خصوصا فى فضائل الأعمال والترغيب والترهيب والمواعظ والرقائق أو فى غير الأحكام ؛ فهو ليس من قسم المرفوض على أى حال , ولهذا استحب بعض العلماء العمل به فى موضعه بل هناك من الائمة من نص على العمل به في الأحكام إذا كان لم يوجد غيره بحذر واحتياط .......كما سنوضح في هذا البحث.


فقد روي أبو الشيخ ابن حبان فى كتاب (( النوائب )) 
عن جابر – رضى اللّه عنه – مرفوعا من بلغه عن اللّه عز وجل شيء فيه فضيلة , فأخذ به ايمانا به ,
ورجاء لثوابه , أعطاه اللّه ذلك , وان لم يكن كذلك )
وهذا الحديث أصل كبير فى أحكام الحديث الضعيف لأنه لا يمكن أن يكون صادرا عن رأى , بلا سماع ,
بل هو دليل على أن للحديث الضعيف أصلا ووظيفة ايجابية.

كذا إذا تلقت الأمة الضعيف بالقول يعمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به ولهذا قال الشافعي في حديثه " لا وصية لوارث" :
إنه لا يثبته أهل الحديث و لكن العامة تلقته بالقول وعملوا بها حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية.
أو كان في موضع احتياط كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة فان المستحب _كما قال النووي _أن يتنزه عنه و لكن لا يجب

وهذا ما سنبينه في هذا البحث المتواضع الملتقط من كلام المحدثين والعلماء


وللبعض شبهات مثل قولهم الإمام البخاري لم يأخذ بالضعيف فنقول لهم الأدب المفرد للإمام البخاري مليئ بالضعيف وأخذ به وكذلك القاضي ابن عربي نص علي انه لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً ولكنه قرر في نفس الوقت الأخذ به لانه أولي من القياس والإمام الاوزاعي كان يحتج بالمراسيل فمن بقي لإخواننا المعترضين وستري هذه الأقوال في طيات هذا البحث..


أولاً: أقوال العلماء في العمل بالحديث الضعيف


قد روى جمّ من السلف وجمع من الخلف فيما يروى عنهم كابن المبارك وابن المهدي وابن حنبل وغيرهم أنهم تساهلوا في رواية الحديث الضعيف الذي في إسناده مقال إذا كان في الترغيب والترهيب والقصص والأمثال والمواعظ كما يجوز رواية الحديث الضعيف الوارد كما يجوز العمل به عند الجمهور كما سنرى 


1- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني


في معرض الدفاع عن مسند الإمام احمد فيما عده الإمام ابن الجوزي من أحاديث المسند من الموضوعات فقال الحافظ وهو يشرع في الرد على ابن الجوزي وبعض أهل العلم
"ثم نشرع الآن في الجواب عن الأحاديث التسعة التي أوردها واقتصر عليها ونجيب عنها أولا من طريق الإجمال بأن الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام والتساهل في إبرادها مع ترك البيان بحالها شائع وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا إذا روينا في الحلال والحرام شددنا وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا" انتهى

(القول المسدد في الذب عن مسند أحمد ج1/ص11)
نقول:- فالأساس عند هذا الإمام (ابن حجر) و القاعدة الأولى أن جميع الأحاديث التي رماها بالوضع الإمام ابن الجوزي و غيره هي من أحاديث فضائل الأعمال و ليست من أحاديث الأحكام في الحلال
و الحرام و لا أظن المجهري يُخالفني بأن جميع ما ذكره الحبيب علي الجفري ليس فيه حديثا واحدا في الأحكام بل جلّها في الفضائل
و السير التي يُتساهل فيها ويقبل بالضعيف فيها بل ما قال عنه المجهر موضوع هو ما فيه إختلاف بين الائمة مثل موضع كلامنا هنا فقد عد الإمام ابن الجوزي و بعض أهل العلم منهم الحافظ العراقي بعض الأحاديث في مسند الإمام احمد من الموضوعات!!
والبعض الأخر قال بضعفها او تصحيحها.
وبعد ذلك يكون عملنا في الشُبهات الحديثية التي أوردها المجهري تخريج الأحاديث و شواهدها.
و سؤالاً نسوقه :
هل ترمي الإمام احمد بن حنبل بالكذب على رسول الله لروايته أحاديث عدّها الإمام ابن الجوزي في الموضوعات؟
فالاختلاف في الرجال والحكم على الأحاديث وارد !!

فهل ستهاجم الإمام الإمام احمد أم ابن الجوزي والحافظ العراقي أم تهاجم الحافظ ابن حجر العسقلاني أم ستهاجم من يذكرها وهي من نص بعض الائمة على وضعها كما وضح الحافظ ابن حجر كما تهاجم الحبيب علي الجفري لانه قلد أئمة الدجى وعمل بحديث اختلف فيه الائمة والحفاظ ما بين مصحح له ومضعف له ومن حكم بوضعه؟؟
مثل حديث توسل ادم الذي صحح إسناده الحاكم وصححه السبكي والحصني والسمهودي وابن الجوزي والقسطلاني وغيرهم واختلف في الحكم فيه من آخرون لم يطلعوا على الطرق الأخرى.!!

ام ستهاجم الإمام السبكي والسمهودي والقسطلاني وغيرهم؟؟


2- قَالَ الإمام احمد بن حنبل:
"إذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلالِ وَالْحَرَامِ شَدَّدْنَا فِي الأَسَانِيدِ.
وَإِذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَمَا لا يَضَعُ حُكْمًا وَلا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الأَسَانِيدِ"
(رواه الخطيب بسنده في "الكفاية ص 134)

(ورواه النوفلي عن أحمد انظر: المسودة ص 273)


3- قال ابن مهدي كما أخرجه البيهقي في "المَدخل":


"إذا رَوَيْنا عن النبي صلي الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام، شدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا في الرجال. وإذا روَينا في الفضائل والثواب والعقاب، سهّلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال. وقال سفيان بن عيينة: «لا تسمعوا من بَقِيّة ما كان في سُنّة، واسمعوا منه ما كان في ثواب».
وقال أبو عبد الله النوفلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: «إذا روينا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد. وإذا روينا عن النبي صلي الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه، تساهلنا في الأسانيد». وقال‎ ‎الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: «أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها، حتى يجيء شيء فيه حُكْم".
(وتجد غير هذه الأقوال في الكفاية في علم الرواية (1|134))


4- َقَالَ الْخَلاَّلُ: 


"مَذْهَبُهُ - يَعْنِي: الإِمَامَ أَحْمَدَ - أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ
(المدخل إلى مذهب أحمد 97)


5- وفي شرح الكوكب المنير قال الخلال:
" ومذهبه ــ أي الإمام أحمد ــ أن الحديث الضعيف إذا لم يكن له معارض قال به
شرح الكوكب المنير (2/573)


6- ذكر عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة:
"إذا روينا في الحلال والحرام شدَّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا"
(الأجوبة الفاضلة للإمام محمد عبد الحي اللكنوي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ص36.)


7- وثبت عن الإمام أحمد أنَّه قال :
"إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والاحكام تشددنا ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد"
(انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص135-)
(وابن رجب الحنبلي في طبقات الحنابلة1/ 95)



8- وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: 
"والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف في ما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل، وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا. ا.ه"


9- وثبت عن الإمام عبد الرحمن بن مهدي أنَّه قال :
"إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد ، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الرجال"
(انظر الجامع لأخلاق الرواي للخطيب البغدادي2/ 91)


10- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تبيين العجب بما ورد في فضل رجب :
" اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة"
(تبيين العجب بما ورد في فضل رجب (23-26 )) 



11- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في
( النكت على مقدمة ابن الصلاح ) ما نصه:



(( وقد صرَّح أبو الحسن ابن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه (بيان الوهم والإيهام) بأن هذا القسم - أي الضعيف أو المنقطع ... - لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح ، أو ظاهر قرآن. - ثم قال الحافظ ابن حجر مباشرة - : وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفاً يأباه والله الموفق )). انتهى
( النكت على مقدمة ابن الصلاح ج1ص243)


12- ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه
" قد رخَّص كثير من الأئمة في رواية أحاديث الرقاق ونحوها عن الضعفاء ، منهم ابن مهدي ، وأحمد بن حنبل ".
( شرح علل الترمذي م1 ص 72 طبعة دار الفلاح)

13- قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته:
" الثاني : يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما . وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك : ( عبد الرحمن بن مهدي ) و ( أحمد بن حنبل ) رضي الله عنهما ."اهـ
(مقدمة ابن الصلاح ص 60 طبعة مكتبة الفارابي الطبعة الأولى 1984 م )


14- قال الإمام النووي في شرح مسلم : 
"الرابع : أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال ، والقصص ، وأحاديث الزهد ، ومكارم الأخلاق ، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام ، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه .
ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به ، لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله ." اهـ
(شرح صحيح مسلم للنووي ( 1 / 125 طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة الطبعة الثانية ، 139))


15- وقال الامام النووي في كتابه التقريب
"ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ، ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف ، والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى ، والأحكام كالحلال والحرام ، ومما لا تعلق له بالعقائد والأحكام ". اهـ
((التقريب) ج1ص502 )
لاحظ قوله (( والعمل به من غير بيان ضعفه ))


16- قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في (التدريب) 
معلقاً على هذا الكلام ما نصه:" وممن نُقل عنه ذلك: ابن حنبل ، وابن مهدي ، وابن المبارك ،
قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شدَّدنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا"
((التدريب) ج1ص503)


17- وقال الإمام النووي رحمه الله في كتابه الإرشاد 
" يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الضعيف من غير اهتمام ببيان ضعفها ، ويجوز العمل بها فيما سوى صفات الله وأحكام الشرع من الحلال والحرام وغيرها ، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وما لا تعلق له بالأحكام والعقائد"(الإرشاد م1 ص270 طبعة مكتبة الإيمان المدينة المنورة)


18- وقال الإمام النووي في كتابه الأذكار : 
(( وقال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف مالم يكن موضوعاً ))
(الأذكار ص36طبعة دار المنهاج)


19-قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني :
"النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث لها".
المغني (1/437-438)


20- قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني 
" فِي صَلاةِ التَّسْبِيحِ: "الْفَضَائِلُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ"، وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَغَيْرِهِ. . (المغني 2/ 98)


21-وقال ابن عبد البر المالكي في التمهيد :
أما حديث علي فإنه يدور على دينار أبي عمرو عن ابن الحنفية وليس دينار ممن يحتج به وحديث عمرو بن شعيب ليس دون عمرو من يحتج به فيه ثم قال: وأحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به .
"التمهيد" 6/39


22- قال ابن الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: بعنوان: (ما لا يفتقر كتْبُه إلى إسناد)
"وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين ومواعظ البلغاء وحكم الأدباء، فالأسانيد زينة لها، وليست شرطاً في تأديتها".
(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: (2/316 - 320))


23- قال الحافظ العراقي في شرحه على ألفيته المسمى التبصرة والتذكرة 
"تقدم أنه لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع البيان، في أي نوع كان ،وأما غير الموضوع، فجوَّزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان لضعفه ،إذا كان في غير الأحكام والعقائد بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوهما، أما إذا كان في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وغيرهما، أو في العقائد كصفات الله تعالى، وما يجوز ويستحيل عليه ونحو ذلك، فلم يروا التساهل في ذلك، وممن نص على ذلك من الأئمة ،عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وقد عقد ابن عدي في مقدمة " الكامل " والخطيب في " الكفاية " بابا لذلك . انتهى
(التبصرة والتذكرة 1/ ص291 طبعة دار الكتب العلمية)


24- جاء في "شرح علل الترمذي" للحافظ ابن رجب رحمه الله :
" يقول سفيان الثوري رحمه الله :
لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ
.
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي نا عبدة قال :
قيل لابن المبارك - وروى عن رجل حديثاً - فقيل : هذا رجل ضعيف ! فقال : يحتمل أن يروي عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء
قلت لعبدة : مثل أي شئ كان ؟ قال : في أدب في موعظة في زهد .
وقال ابن معين في موسى بن عيينة : يُكتب من حديثه الرقاق .
وقال ابن عيينة : لا تسمعوا من بقية – اسم واحد من الرواة - ما كان في سُنَّة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره .
وقال أحمد في ابن إسحاق : يكتب عنه المغازي وشبهها .
وقال ابن معين في زيادٍ البكائي : لا بأس في المغازي ، وأما في غيرها فلا " انتهى.((شرح علل الترمذي (1/372))


25- وجاء في فتاوي الرملي
"وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ فِيهَا : فَقَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ أَيْ إسْلَامَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ، وَأَخَّرَ وُجُوبَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ دُخُولِهَا وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ غَيْرِ الْمَوْضُوعِ إنَّهُ كَذِبٌ ؛ لِأَنَّ تَضْعِيفَهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ"


26- وقال بدر الدين بن جماعة في إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل عند كلامه عن الاعتماد على الحديث الصحيح دون الضعيف في العقائد ، ما نصه :
( قال ابن الصلاح في مقدمة في علوم الحديث : يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر مالا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما"
((إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل( ص 45 طبعة دار الطبعة الأولى ، 1990 ،
بتحقيق وهبي سليمان غاوجي الألباني ))


27- قال الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي في (فتح المغيث) ما نصه:
"وهذا التساهل والتشديد منقول عن ابن مهدي عبد الرحمن وغير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المبارك والسفيانين بحيث عقد أبو أحمد بن عدي في مقدمة كاملة، والخطيب في كفايته لذلك باباً. وقال ابن عبد البر: أحاديث الفضائل لا نحتاج فيها إلى من يحتج به، وقال الحاكم سمعت أبا زكريا الغبري يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً، ولم يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيب، أو ترهيب، أغمض عنه وتسهل في رواته ". اهـ
((فتح المغيث) ج1ص288))


28- قال الحافظ السخاوي 
”وممن اختاروا ذالك أيضاً(أي العمل بالضعيف) إبن عبد السلام وإبن دقيق العيد“ (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص195)) .



29- ونص الإمام محمد بن علان الصديقي في كتابه الفتوحات الربانية على الأذكار النووية وهو شرح للأذكار النووي ، على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال .(الأذكار النووية م1 ص82 المكتبة الإسلامية)


30- قال الإمام الصنعاني
”الأحاديث الواهية جوزوا أي أئمة الحديث التساهل فيه ، وروايته من غير بيان لِضعفه إذا كان وارداً في غير الأحكام وذالك كالفضائل والقصص والوعظ وسائر فنون الترغيب والترهيب“
(توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار (2/238)) .
(وهكذا تجدونه في كتاب "التحفة المرضية" ص 185 - 186)


30- قال العلامة إبراهيم بن موسى الأبناسي 
”الأحاديث الضعيفة التي يُحتمل صِدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب“
(الشذ الفياح من علوم إبن صلاح (1/223)) .
(وصول الأثر (2/238) ).


31- وقال العلامة علي القاري
”الأعمال التي تثبت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعاً ، ويكون معه حديث ضعيف ففي مثل هذا يُعمل به في فضائل الأعمال ؛ لأنه ليس فيه تشريع ذالك العمل به ، وإنما فيه بيان فضل خاص يُرجى أن يناله العامل به“
(المرقاة (2/381))



32- قال العلامة حبيب الرحمن الأعظمي 
”والضعيف من الحديث وإن كان قبولاً في فضائل الأعمال ، ولابأس بإيراده فيها عند العلماء“ (مقدمة مختصر الترغيب والترهيب (ص06))


33- قال الإمام ابن حجر الهيتمي "الفتح المبين في شرح الأربعين"
"قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أُعطي حقه من العمل به، وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم، ولا ضياع حق للغير."
(الفتح المبين في شرح الأربعين ص 32)


34- وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية
مطلب في الأذكار التي لها أصل في السنة كأذكار النووي وغيرها
"ولا يضر أن في بعض أحاديثها ضعفا ، لأن الحديث الضعيف والمرسل والمعضل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا بل إجماعا على ما فيه ."



34- وفي فتاوى الإمام ابن حجر الهيتمي كتاب الحج
"والظاهر أن المأثور عنه لا فرق فيه بين أن يصح سنده أو لا، لأن الحديث الضعيف والمرسل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقاً كما في المجموع."


35- قال الإمام ابن حجر الهيتمي: 
"وأُجيب على ما سبق بأن العمل بالحديث الضعيف "ليس من باب الاختراع في الشرع، وإنما هو ابتغاء فضيلة، ورجاؤها بأمارة ضعيفة من غير مفسدة عليه"
(راجع الأجوبة الفاضلة ص43)
36- قال المحقق الجلال الدواني رحمه الله تعالى في رسالته
( أنموذج العلوم ) - بعد كلام طويل - ما نصه:
(( والذي يصلح للتعويل أنه إذا وُجِدَ حديث ضعيف في فضيلة عملٍ من الأعمال ، ولم يكن هذا العمل مما يَحتمِل الحرمة أو الكراهة ، فإنه يجوز العملُ به ويُستَحَب ، لأنه مأمون الخطر ومرجوُّ النفع ، إذ هو دائر بين الإباحة والإستحباب ، فالإحتياط العمل به رجاء الثواب ... )) انتهى
((أنموذج العلوم ) ص2))


37- وقال ابن الهمام في كتاب الجنائز من "فتح القدير":
الاستحباب يثبت بالضعيف غير الموضوع . انتهى 


38- وقال حافظ بن أحمد الحكمي في اللؤلؤ المكنون في أحوال الاسانيد والمتون ما نصه :
وَقَدْ أَتَى أَوْهَى الأَسَانِيدِ بِمَا أَصَحُّهَا فِيمَا مَضَى تَقَدُّمَا
وَبِالضَّعِيْفِ لاَ بِتَرْكٍ وُصِفَا وَلاَ لِمَدْلُولِ الصَّحِيحِ قَدْ نَفَى
يُؤْخَذُ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ لاَ الْفَرْضِ بِالْحَرَامِ وَالْحَلاَلِ
((الاسانيد والمتون ( ص 229 ))



39- قال ابن حجر العسقلاني:
«إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة: الأول: وهو متفق عليه، أن يكون الضعف غير شديد. فيَخرج مَنِ انفَرَدَ من الكذّابين، والمُتّهَمين بالكذب، ومن فَحُشَ غَلَطُه. الثاني: أن يكون مُندَرِجاً تحت أصلٍ عام معمولٍ به، فيخرج ما يخترع، بحيث لا يكون له أصلٌ أصلاً. الثالث: أن لا يُعتقَدَ عند العمل به ثبوتُه، لِئَلا يُنْسَبُ ثبوته إلى النبي صل الله عليه وسلم ما لم يقله».
نقله الحافظ السخاوي في كتابه القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص195)



ومن مشايخ السلفية
صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ 

”أما في فضائل الأعمال فيجوز أن يستشهد بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وأن يذكر لأجل ترغيب الناس في الخير، وهذا هو المنقول عن أئمة الحديث وأئمة السلف“ [محاضرة بعنوان وصايا عامة (الوجه الثاني)]
يقول الدكتور أكرم ضياء العمري ( وهو يتبع السلفية) :

" أما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التاريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسف كثير ، والخطر الناجم عنه كبير ؛ لأن الروايات التاريخية التي دونها أسلافنا المؤرخون لم تُعامل معاملة الأحاديث ، بل تم التساهل فيها ، وإذا رفضنا منهجهم فإن الحلقات الفارغة في تاريخنا ستمثل هوّة سحيقة بيننا وبين ماضينا مما يولد الحيرة والضياع والتمزق والانقطاع .. لكن ذلك لا يعني التخلي عن منهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات التاريخية ، فهي وسيلتنا إلى الترجيح بين الروايات المتعارضة ، كما أنها خير معين في قبول أو رفض بعض المتون المضطربة أو الشاذة عن الإطار العام لتاريخ أمتنا ، ولكن الإفادة منها ينبغي أن تتم بمرونة ، آخذين بعين الاعتبار أن الأحاديث غير الروايات التاريخية ، وأن الأولى نالت من العناية ما يمكنها من الصمود أمام قواعد النقد الصارمة " انتهى .


دراسات تاريخية" (ص/27)


ثالثاً:العمل بالحديث الضعيف في الأحكام ان لم يوجد غيره
بشروط حددها الائمة والحفاظ وتصحيحه بتلقي الأمة له بالقبول بل وبالتجربة.



القول أن الضعيف لا يعمل به في الأحكام، فإن ذلك ليس على عمومه لأن الضعيف اليسير ليس مقطوعا في عدم نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و إذا تلقت الأمة الضعيف بالقول يعمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به 
يقول الإمام العلامة المحدث السيد/ عبدالله بن الصديق الغماري رحمه الله في كتابه "القول المقنع" ص4 ما نصه:
" على أن قولهم: لا يجوز العمل بالضعيف في الأحكام، ليس على عمومه، لأن الأئمة عملوا بالحديث الضعيف في كثير من الأحكام، وللحافظ ابن الملقن كتاب جمع فيه الأحاديث الضعيفة التي عَمل بها الأئمه مجتمعين أو منفردين، ورتبه على الأبواب الفقهية، وهو جدير بأن يطبع، وفي تدريسي لنيل الأوطار بزاويتنا الصديقية ألفت أنظار الطلبة إلى الأحاديث التي عَمِل بها الأئمة أو الجمهور، وهي ضعيفة مع علمهم بضعفها" انتهى .
ولذلك تجد الأئمة الحفاظ أخذوا الأحاديث الضعيفة المعمول بها وأثبتوها في كتبهم مع علمهم بضعفها ونرى من يشتمونهم من المتعالمين في عصرنا هذا ويصفونهم بالتساهل في الأخذ بالأحاديث فهذا دليل على جهله وعدم إدراكه لحقيقة الأمور وواقعه .



1- قال الامام الدارقطني - في عادة مالك - في العلل :
«ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل» ا.هـ
(العلل ج6 صفحة 63: )

ومع ضعف الحديث بإرساله أو انقطاعه فقد أخذ به مالك وأصبح دليلا قويا وحجة مقبولة عند جمهور العلماء


2- قال الإمام ابن حزم في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام":
"قال أبو حنيفة: الخبر الضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى من القياس، ولا يحل القياس مع وجوده"
( الإحكام في أصول الأحكام ج7ص 45)



3- قال ابن حزم في "المحلَّى": 
"وهذا الأثرُ ـ في دعاء القنوت ـ وإنْ لم يكنْ مما يُحتجُّ بمثله، فلم نجدْ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرَه، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ضعيفُ الحديث أحبُّ إلينا من الرأي. قال عليٌّ ـ هو ابن حزم ـ: وبهذا نقول".
( المحلَّى لابن حزم 1: 68)
من أمثلة الأخذ بالحديث الضعيف في الحلال والحرام
حديث: "لاوصية لوارث"



4- قال ابن حزم رحمه الله تعالى في "المحلى" :
"وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله: (ضعيف الحديث أحب إلينا من الرأي). قال علي-يعني ابن حزم نفسه-: وبهذا نقول"انتهى.
(المحلى(3/61))



5- يقول الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى في "فتح المغيث :
"وكذا إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به؛ ولهذا قال الشافعي رحمه الله في حديث: "لاوصية لوارث" : (إنه لايثبته أهل الحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية له) "انتهى.
("فتح المغيث"(1/287))


6- الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في " فيض الباري على صحيح البخاري" 
عند قول البخاري : بابُ لا وصية لوارث :
وهذا الحديثُ ضعيفٌ باتفاق، مع ثبوت حُكْمه بالإِجماع، ولذا أخرجه المصنِّف في ترجمته، وإلا فإِنْه لا يأتي بالأحاديث الضَّعاف مِثْله، ثم لم يعبِّر عنه بالحديث، على ما عرفت من دَأبه، فيما مرّ، وبَحَث فيه ابنُ القَطَّان أن الحديثَ الضعيف إذا انعقد عليه الإِجماع هل ينقلب صحيحًا أَم لا؟ والمشهور الآن عند المحدِّثين أنه يبقى على حاله، والعُمْدة عنده في هذا الباب هو حال الإِسناد فقط، فلا يَحْكُمون بالصِّحة على حديثٍ راوٍ ضعيفٌ، وذهب بعضُهم إلى أن الحديثَ إذا تأيَّد بالعملِ ارتقى من حال الضَّعْف إلى مرتبة القبول.
قلت: وهو الأَوْجَهُ عندي، وإن كَبُر على المشغوفِين بالإِسناد. فإِني قد بلوت حالَهم في تَجَازُفِهم، وتسامحهم، وتماكُسِهم بهذا الباب أيضًا. واعتبارُ الواقع عندي أولى مِن المَشْي على القواعد. وإنَّما القواعدُ للفَصْل فيما لم يَنْكشِف أمرُه من الخارج على وَجْهِه، فاتِّباع الواقِع أَوْلى، والتمسُّك به أَحْرَى.) انتهي
((فيض الباري على صحيح البخاري (3/409) )
حديثُ " من ذرعَهُ القيءُ وهو صائم فليس عليه القضاء، وإن استقاءَ فليقض".



7- قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري" في كتاب الصيام في باب الحجامة والقيء للصائم (4/152) :
" روى البخاري في التاريخ الكبير" قال : قال مُسددٌ عن عيسى بن يونس، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رفعه: " من ذرعَهُ القيءُ...". قال البخاري: لم يصحّ.
ورواه أصحاب "السُنن الأربعة" والحاكم من طريق عيسى بن يونس، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من رواية عيسى بن يونس عن هشام، وسألتُ محمداً – يعني البخاري – عنه فقال : لا أراه محفوظاً.
وقد أخرجه ابن ماجه والحاكم من طريق حفص بن غياث أيضاً عن هشام.
قال الترمذي : وقد رُوي من غير وجه عن أبي هريرة، ولا يصح إسناده وعليه العمل عند أهل العلم".انتهي
((فتح الباري (4/152)))

حديث " القاتل لا يرث".
8- أخرجه الترمذي أيضاً في باب إبطال ميراث القاتل :

" من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القاتل لا يرث".
قال الترمذي: " هذا حديثٌ لا يصح، ولا يُعرفُ هذا إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قد تركه بعض أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل، والعمل على هذا عند أهل العلم : أن القاتل لا يرث، سواء أكان القتل خطأ أو عمداً، وقال بعضهم إذا كان القتل خطأ فانه يرث، وهو قول مالك"
(8/259)



9- قال الإمام ابن حجر العسقلاني في (النكت على ابن الصلاح ):
"من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا: أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث فإنه يقبل حتى يجب العمل به.
وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول.



ومن أمثلته: قول الشافعي رضي الله عنه: 
وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه ويروى عن النبي صلي الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا. وقال في حديث لا وصية للوارث: لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية للوارث.أهـ
(النكت على ابن الصلاح ج1/ص494)
10- في "النكت على ابن الصلاح" ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني حديثاً من رواية الحارث عن علي، وقال :
والحارث ضعيف جداً، وقد استغربه الترمذي، ثم حكى إجماع أهل العلم على القول بذلك، فاعتضد الحديث بالإجماع، والله أعلم، اه
(النكت على ابن الصلاح ج1/ص340)


11- وفي "التلخيص" قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : 
والحارث وإن كان ضعيفاً، فإن الإجماع منعقد على وفق ما روى)اه
((التلخيص" (3/206/1440))


12- وفي " التلخيص" ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني حديث :
" لا قطع في ثمر ولا كثر" ثم قال الحافظ : اختلف في وصله وإرساله، وقال الطحاوي : هذا الحديث تلقت العلماء متنه بالقبول" انتهي
(( التلخيص (4/121/2074))


13- وفي " التلخيص" قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:


وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور – يعني حديث عمرو بن حزم في كتاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل اليمن – جماعةُ من الأئمة، لا من حيث الإسناد، بل من حيث الشهرة، فقال الشافعي في " رسالته" : لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم، معرفة يُستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه بالتواتر في مجيئه، لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة، قال : ويدل على شهرته: ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، قال: وُجد كتابٌ عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال العقيلي : هذا حديث ثابت محفوظ، إلا أنا نرى كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري، وقال يعقوب بن سفيان: لا ألعم في جميع الكتب المنقولة كتاباً أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتابعين يرجعون إليه، ويدعون رأيهم، وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري لهذا الكتاب بالصحة، ثم ساق ذلك بسنده إليهما" انتهي
(( التلخيص (4/36/1879))



14- قال ابن عبد البر في " الاستذكار" : 
وهذا إسناد وإن لم يخرجه أصحاب الصحاح، فإن فقهاء الأمصار وجماعة من أهل الحديث متفقون على أن الماء البحر طهور، بل هو أصل عندهم في طهارة المياه الغالبة على النجاسات المستهلكة لها، وهذا يدل على أنه حديث صحيح المعنى، يُتلقى بالقبول والعمل، والذي هو أقوى من الإسناد المنفرد"
(( الاستذكار (2/98) برقم (1569))



15- ذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء :
"أن الإمام الأوزاعي يحتج بالمقاطيع ومراسيل أهل الشام ".
(سير أعلام النبلاء ج7 ص 114)


16- بل حتي القاضي ابو بكر العربي الذي صرح بعدم جواز العمل بالحديث الصحيح فضل الضعيف على راي القياس وهذا يدل علي أخذه بالضعيف
ذكر القاضى أبو بكر بن العربى فى كتابه - مراقى الزلف – حديث ابن عباس إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى, ثم قال: و بكراهة النظر أقول لأن الخبر و إن لم يثبت بالكراهة فالخبر الضعيف أولى عند العلماء من رأى القياس.

((كما جاء في رد اعتبار الجامع الصغير ص 26 ص 27))


17- قال الإمام البيهقي في السنن الكبرى كتاب الضحايا باب ما جاء في ذبيحة المجوس:
(هذا مرسل، وإجماع أكثر الأمة عليه يؤكده، اه)
((السنن الكبرى (9/285))
((وانظره في " التلخيص (3/353 – 354/1643)


18- قال الإمام البيهقي في السنن كتاب الجمعة، 
بباب من زعم أن الإنصات للإمام اختيار... قال : وهذا وإن كان مرسلاً، فهو مرسل جيد،
وهذه قصة مشهورة فيما بين أرباب المغازي...، اه.
((السنن (3/222))


19- قال الإمام البيهقي رحمه : قال في " السنن الكبرى" :


كتاب صلاة العيدين، باب الغدو إلى العيدين:
وهذا أيضاً مرسل، وشاهده عمل المسلمين بذلك، أو بما يقرب منه...، انتهي
((السنن الكبرى (3/282))


20- جاء في (الكفاية في علم الرواية ):
وقد يستدل أيضا على صحته بأن يكون خبرا عن أمر اقتضاه نص القرآن أو السنة المتواترة ، أو اجتمعت الأمة على تصديقه أو تلقته الكافة بالقبول وعملت بموجبه لأجله.أهـ
(الكفاية في علم الرواية ج1/ص17)
21- قال السيوطي في (تدريب الراوي )
وهو يتحدث عما يرد على تعريف الحديث الصحيح قال: أورد على هذا التعريف:
- إن الحسن إذا روى من غير وجه ارتقى من درجة الحسن إلى منزلة الصحة ، وهو غير داخل في هذا الحد.
- وكذا ما اعتضد بتلقي العلماء له بالقبول ، قال بعضهم: يحكم للحديث بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول ، وإن لم يكن له إسناد صحيح."
(تدريب الراوي ج1/ص67-68)


22- قال السيوطي في "تدريب الراوي"
عن الحديث الضعيف: «ويُعمَلُ بالضعيف أيضاً في الأحكام إذا كان فيه احتياط»
(تدريب الراوي ص298، 299)


23- وفي " التدريب":
ذكر كلام ابن عبد البر في حديث ماء البحر، ثم قال: وقال في " التمهيد" : روى جابر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " الدينار أربعة وعشرون قيراطاً" قال : وفي قول جماعة العلماء وإجماع الناس على معناه غنّى عن الإسناد.
وقال الإستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني : تُعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم.
وقال نحوه ابن فورك، وزاد بأن مثّل ذلك بحديث : " وفي الرقة ربع العشر، وفي مائتي درهم خمسة دراهم".
وقال أبو الحسن بن الحصار في " تقريب المدارك على موطا مالك" : قد يعلم الفقيه صحة الحديث إذا لم يكن في سنده كذاب، بموافقة آية من كتاب الله، أو بعض أصول الشريعة، فيحمله ذلك على قبوله والعمل به ...، اه.
(( التدريب (1/66))


24- قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث : 
( أبو داود يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهو أقوى عنده من رأي الرجال وهو تابع في ذلك شيخه الإمام أحمد فقد روينا من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال سمعت أبي يقول لاتكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه غل ، والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي ، قال فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل ؟ قال : يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي .
وكذا نقل ابن المنذر أن أحمد كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره .
وفي رواية عنه أنه قال لابنه لو أردت أن أقتصره على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني لاأخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه وذكر ابن الجوزي في الموضوعات أنه كان يقدم الضعيف على القياس بل حكى الطوفي عن النقي بن تيمية أنه قال : اعتبرت مسند أحمد فوجته مواقفا بشرط داود انتهى ) اهـ
((فتح المغيث ( 1 / 82 – 83 طبعة دار الكتب العلمية – لبنان الطبعة الأولى ، 1403هـ ))



25- قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى في: "فتح المغيث" :
"لكنه-يعني: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه- احتج رحمه الله بالضعيف حين لم يكن في الباب غيره، وتبعه أبو داود، وقدماه على الرأي والقياس. ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك. وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره)
(فتح المغيث(1/287))


26- قال الحافظ الزيلعي في (نصب الراية) 
عن عبدالله ابن المبارك:
«إن ابن المبارك يروي كثيرا من الاحاديث فيوقفها» ا.هـ
((نصب الراية ج2 ص444))
لم ينظر أهل العلم في أن الحديث موقوف بل أخذوا بقول عبدالله ابن المبارك لجلالته وإمامته
وأصبح كلامه فتوى يعمل به


27- قال ابن القيم الحنبلي رحمه كتاب " الروح" : 
" ويدلّ على هذا – أي على أنّ الميت يعلم من حال الأحياء وزيارتهم له وسلامهم عليه – ما جرى عليه عمل الناس قديماً وإلى الآن : من تلقين الميت في قبره، وقد سُئل الامام أحمد رحمه الله تعالى فاستحسنه واحتجّ عليه بالعمل.
ويُروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني في " معجمه" من حديث أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب فليقُم أحدكم على رأس قبره ثم يقول : يا فلان بن فلانة، فانه يسمع ولا يجيب، ثم ليقُل: يا فلان بن فلانة، الثانية، فانه يستوي قاعداً، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكنكم لا تسمعون. فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فإنّ منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطلق بنا، ما يُقعدنا عند هذا وقد لُقّن حجّته؟ ويكون الله ورسوله حجيجه دونهما. فقال رجل: يا رسول الله فان لم يعرف أمّه؟ قال : ينسُبُه إلى أمه حواء، يا فلان بن حواء".
(( الروح (ص 14))


28- قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في أعلام الموقعين: 
"وقد ذكر حديث إرسال معاذ إلى اليمن: قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل : إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنيم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا وصية لوارث" وقوله في البحر: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وقوله : " إذا اختلف المتبايعان في الثمن، والسلعة قائمة، تحالفا وترادّا البيع" وقوله : " الدية على العاقلة" وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، ولكن ما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنو عن طلب الإسناد له، انتهى
((أعلام الموقعين (1/202 - 203))



29- في شرح الكوكب المنير قال الخلال:
" ومذهبه ــ أي الإمام أحمد ــ أن الحديث الضعيف إذا لم يكن له معارض قال به ..الخ"
((الكوكب المنير (2/573))



30- جاء في شرح ابن علان والاجوبة الفاضلة :
" عن عبدالله بم أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: رجلٌ وقعت له مسألة وفي البلد رجل من أهل الحديث فيه ضعف، وفقيه من أهل الرأي، أيهما يسأل؟
قال: لا يسأل أهل الرأي، ضعيف الحديث خير من قوي الرأي"
((شرح ابن علان للأذكار (1/86))
(والأجوبة الفاضلة ص47).


31- قال العلامة اللكنوي رحمه الله تعالى في: "الأجوبة الفاضلة" :
"وتبع أحمد أبو داود، وقدماه على الرأي والقياس. ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك، وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره"انتهى.
(والأجوبة الفاضلة ص51).


32- قال المحقق ابن الهمام في " الفتح"
في آخر الفصل الأول من فصول كتاب الطلاق :ومما يصحح الحديث أيضاً عمل العلماء على وفقه، وقال الترمذي عقيب روايته حديث " طلاق الأمة ثنتان" : حديث غريب، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وغيرهم."
((الفتح (3/143))


33- قال صاحب "الدر المختار" (1|87): 


«وأما الموضوع فلا يجوز العمل به بحال. أي ولو في فضائل الأعمال».
فعقّب عليه الشيخ أحمد الطحطاوي (ت1231هـ) في "حاشيته": «أي: حديث كان مخالِفاً لقواعد الشريعة. وأما لو كان داخلاً في أصلٍ عام، فلا مانع منه! لا بجَعْلِه حديثاً، بل لدخولِه تحت أصلِ عام»!!!


34- قال الشيخ إبراهيم الشبرخيتي رحمه الله تعالى في: "شرح الأربعين النووية" :
"ومحل كونه لايعمل بالضعيف في الأحكام مالم يكن تلقاه الناس بالقبول، فإن كان كذلك تعين وصار حجة يعمل به في الأحكام وغيرها كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى" انتهى.
((شرح الأربعين النووية (ص/39))


35- أورد الدكتور ماهر الفحل في كتابه : أثر علل الحديث في الإختلاف بين الفقهاء:


"ما نصه الأتي فيما يتكلم عن أقوال العلماء عن الحديث الضعيف الذي تلقته العلماء بالقبول :أما تلقي العلماء لحديث بالقبول فهو من الأمور التي تزول به العلة و تخرج الحديث من حيز الرد الى العمل بمقتضاه ، بل ذهب بعض العلماء الى أن له حكم الصحة ؛ قال الحافظ ابن حجر : (( و جزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في كتاب الملخص بالصحة فيما اذا تلقوه بالقبول)) .
و قال ابن عبد البر في الاستذكار -لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر: ((هو الطهور ماؤه)) - : و أهل الحديث لا يصححون مثل اسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول ).
و في التمهيد (روى جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم : الدينار أربع و عشرون قيراطا).
قال ((و في قبول جماعة من العلماء و اجماع الناس على معناه غنى عن اسناده))
و قال الزركشي : ((ان الحديث الضعيف اذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع))
و عند الحنفية يعدون الضعيف اذا تلقاه العلماء بالقبول في حيز المتواتر كما نص عليه الجصاص فقد قال عند الكلام على حديث : ((طلاق الأمة تطليقتان و عدتها حيضتان)) : (( و قد تقدم سنده و قد استعملت الأمة هذين الحديثين في نقصان العدة و ان كان وروده من طريق الآحاد فصار في حيز المتواتر لأن ما تلقاه الناس بالقبول من أخبار الآحاد فهو عندنا في معنى المتواتر لما بيناه في مواقع )) .
و الذي يبدو لي أن الشافعي رحمه الله تعالى هو أول من أشار الى تقوية الضعيف بتلقي العلماء فقد قال : ((فاستدللنا بما و صفت من نقل عامة أهل المغازي عن النبي صلى الله عليه و سلم أن ((لا وصية لوارث )) على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين و الزوجة مع الخبر المنقطع و اجماع العامة على القول به)) .
ثم ان الامام الشافعي قد أشار الى ذلك عند كلامه عن شروط قبول المرسل فقال : ((و كذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عنهم عن النبي صلى الله عليه و سلم)).
و ربما التمس الترمذي ذلك من كلام الشافعي فأخذ يقول في كثير من الأحاديث الضعيفةالاسناد من حيث الصناعة الحديثية ((و عليه العمل عند أهل العلم)) مشيرا في ذلك -و الله أعلم- الى تقوية الحديث عند أهل العلم لأن عملهم بمقتضاه يدل على اشتهار أصله عندهم . و قد يلتمس هذا من صنيع البخاري رحمه الله فقد قال في كتاب الوصايا من صحيحه : ((و يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية)) . و قد علق على ذلك الحافظ ابن حجر قائلا (و كأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه ، و الا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج)) .



و قال ابن الوزير : 
(( و قد احتج العلماء على صحة أحاديث بتلقي الأمة لها بالقبول)) و قال الحافظ ابن حجر : (من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث ، فانه يقبل حتى يجب العمل به ، و قد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ، و من أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه : و ما قلت من أنه اذا غير طعم الماء و ريحه و لونه يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ، و لكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا . و قال في حديث: (( لا وصية لوارث)) لا يثبته أهل العلم بالحديث و لكن العامة تلقته بالقبول و عملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية)) .
و قال السيوطي في التعقبات على الموضوعات - بعد أن ذكر حديث حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)) - أخرجه الترمذي و قال : العمل على هذا عند أهل العلم ؛ فأشار بذلك الى أن الحديث أعتضد بقول أهل العلم ، و قد صرح غير واحد بأن من دليل صحة الحديث قول أهل العلم به و ان لم يكن له اسناد يعتمد على مثله" .
((أثر علل الحديث في الإختلاف بين الفقهاء ص 106 و 107))

منقول 

السبت، 8 ديسمبر 2018

الألباني وابن عيمين ينكران أن ملك الموت اسمه عزرائيل

 جاء فى فتاوى الشيخ ابن عثيمين :

(ملك الموت) : وقد اشتهر أن اسمه (عزرائيل) ، لكنه لم يصح ، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية 
لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم

"فتاوى ابن عثيمين" (3/161)
فما صحة هذه الفتوى
لقد نقل الاجماع على أن اسم ملك الموت عزرائيل عليه السلام : أبوحيان الاندلسي في النهر الماد والحافظ البيهقي في البعث والنشور والقاضي عياض في كتاب الشفا. وقد ورد أن اسم ملك الموت عزرائيل فى حديث رواه الحافظ الطبرانى فى الطوالات والحافظ البيهقى فى حديث الصور. ففي الجامع لأحكام القرءان، للإمام القرطبي الجزء 14 من الطبعة [سورة السجدة،الآية:11]  
 وقال ابن باز في مجموع فتاوى ومقالات ابن باز ما يلي : أما عزرائيل فالله يميته بقدرته العظيمة كما يشاء كما يميت غيره والموت ليس هو عزرائيل بل هو شيء آخر ،وإنما عزرائيل ملك موكل بالموت كما قال سبحانه : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ...الآية
 و سئل ابن تيمية الحراني ايضا في مجموع الفتاوى ( 16 / 33 ) : ( عن قوله تعالى و نفخ فى الصور فصعق من في السموات و من فى الأرض إلا من شاء الله ) فأجاب : الحمد لله الذى عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة و حتى عزرائيل ملك الموت ) ..

وذكر هذا الاسم ابن القيم في اجتماع جيوشه ( ص 103 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى ، 1404 – 1984 ) مؤيداًقول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى ، وفيه : ( .... وأن الملائكة حق وان جبرائيل حق وميكائيل حق وإسرافيل حق وعزرائيل وحملة العرش والكرام الكاتبين من الملائكة حق وان الشياطين والجن حق وان كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء حق ) ..
"{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}.قوله تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت} لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفيهم وأنه يعيدهم. {يتوفاكم} من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعا. يقال: توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه. وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته. {ملك الموت} واسمه عزرائيل ومعناه عبد الله كما تقدم في "البقرة". وتصرفه كله بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه". 
 وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي المجلد السادس [سورة السجدة مكية وآياتها ثلاثون] التفسير"وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في العظمة عن أشعث بن شعيب رضي الله عنه قال: سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت واسمه عزرائيل" وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير، للإمامِ المناوي الجزء الثالث[تابع حرف الهمزة]"ومن أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام والأخبار كثيرة دلت عليهما وثبت أن عزرائيل عليه السلام ملك الموت" . 
- نقل القاضي عياض في كتاب الشفا (2/303) الإجماع على أن اسم ملك الموت عزرائيل، و هذا الإجماع وحده كاف للتصديق لان الأمة لا تجتمع على ضلالة . 
 - و ذكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي ملك الموت باسم عزرائيل في بعض مؤلفاته. - قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/49) : وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل ، والله أعلم . 
- وقال المناوي في "فيض القدير" (3/32) بعد أن ذكر أن ملك الموت اشتهر أن اسمه عزرائيل ، قال : ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر اهـ .
 - ذكر القرطبي في " أحكام القرآن " (14/62 – 63) معنى اسم " عزرائيل " فقال : واسمه عزرائيل ومعناه عبد الله .ا.هـ. والإمام القرطبي يقر بأن اسم ملك الموت هو عزرائيل . 
 - عن أشعث بن شعيب رضي الله عنه قال : سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت واسمه عزرائيل وله عينان في وجهه ، وعين في قفاه فقال : يا ملك الموت ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ، ووضع الوباء بأرض ، والتقى الزحفان كيف تصنع ؟ قال أدعو الارواح بإذن الله فتكون بين أصبعي هاتين ، قال : ودحيت له الأرض فتركت مثل الطست يتناول منها حيث شاء ، قال : وهو الذي بشره بأنه خليل الله عز وجل . أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في " العَظَمة " (443) - 
وقال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي : لَمْ يَرِدْ تَسْمِيَته فِي حَدِيث مَرْفُوع وَوَرَدَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّ اِسْمه عِزْرَائِيل رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي الْعَظَمَة .ا.هـ. وقال أيضا في " الإتقان " ( ص 539 ) : ( ملك الموت ) اشتهر على الألسن أن اسمه عزرائيل ورواه أبو الشيخ ابن حبان عن وهب .ا.هـ. 
وقال أيضا في " مفحمات الأقران في مبهمات القرآن " ( ص 45 ) : ( ملك الموت ) أخرج أبو الشيخ عن وهب أن اسمه " عزرائيل " .ا.هـ قال الإمام الحافظ البغوي رضي الله عنه في (تفسيره) ج3 ص499 ما نصه: (( (قل يتوفاكم) يقبض أرواحكم (ملك الموت الذي وكل بكم) أي وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل)). انتهى 
وقال الحافظ العيني رحمه الله في (عمدة القاري) ج1ص72 ما نصه: (( ورأيتفي أثناء مطالعتي في الكتب أن اسم جبريل عليه الصلاة والسلام عبد الجليلوكنيته أبو الفتوح واسم ميكائيل عبد الرزاق وكنيته أبو الغنائم واسم إسرافيل عبد الخالق وكنيته أبو المنافخ واسم عزرائيل عبد الجبار وكنيته أبو يحيى ...)). انتهى 
و قال العلامة ابن عطية الأندلسي رحمه الله في (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) ج2 - ص 366 ((يراد بها ملائكة الموت الذين يصحبون عزرائيل المخصوص بقبض الأرواح قاله مجاهد وقتادة وابن جريج ويحتمل أن يريد الملائكة الذين يتصرفون في قيام الساعة)). انتهى
 وقال أيضاً رحمه الله في (المحرر الوجيز) ج4 ص360 ما نصه: (( (ملك الموت) اسمه عزرائيل)). انتهى وقال العلامة الشوكاني في (فتح القدير)ج4 ص250 ما نصه: ((فقال (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) يقال : توفاه الله واستوفى روحه إذا قبضه إليه ،وملك الموت هو عزرائيل)). انتهى 
وقال الشوكاني ايضا في (فتح القدير)ج5 ص373 ما نصه: ((قال عبد الرحمن بن ساباط : تدبير أمر الدنيا!! إلا أربعة من الملائكة : جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات، وأما عزرائيل فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم)). انتهى 
 وقال الشيخ المباركفوري رحمه الله في (تحفة الأحوذي) ج8 ص364 ما نصه: ((ولا يبعد أن يتكرر مأْتى عزرائيل عليه السلام للامتحان بأن جاء وبقي من عمره ستون فلما جحده رجع إليه بعد بقاء أربعين على رجاأنه تذكر بعد ما تفكر فجحد ثانيا وهذا أبلغ من باب النسيان والله المستعان)). انتهى 
 وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله في تفسيره (أضواء البيان) ج6 ص184 ما نصه: (( (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم). ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبضأرواح الناس ملك واحد معين ، وهذا هو المشهور ، وقد جاء في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل )). انتهى 
 سئل ابن تيمية الحراني في مجموع الفتاوى ( 4 / 259 ) :هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون ؟ فأجاب : الذى عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى عـزرائــيـل ملك المـــوت 

--------------------------------------

الاثنين، 9 يوليو 2018

هل الأشاعرة يقولون بالحرف والصوت وأن الله يتكلم متى شاء؟..


يروج التيمية أن الأشاعرة لا يقولون بالحرف والصوت 
وأن الله لا يتكلم متى شاء...وهذا بهتان عظيم...
بل الذي ينكره الأشاعرة والماتريدية أن يكون الحرف والصوت كلام الله الذي هو صفة أزلية له...
وإنما يقولون بالحرف والصوت على أنه كلام الله اللفظي المحدث..

فكلام الله عند الأشاعرة نوعان:
١-كلام الله القديم الذي صفة له قائمة بالذات..وليست حرفا وصوتا..بل كلاما نفسيا..
٢-وكلام الله اللفظي المحدث الذي يحدثه الله لا في ذاته ليعبر به عن كلامه القديم..والذي هو الحرف والصوت..

واعلم أن كل ما يقوله ابن تيمية في الحرف والصوت يقوله الأشاعرة في الكلام اللفظي..
ولكن بفارق أن الله يحدثه لا في ذاته عند الأشاعرة...
وعند ابن تيمية يحدثه الله في ذاته فالله عنده محل للحوادث والعياذ بالله....

وكذلك عند الأشاعرة الله عز وجل يتكلم كما شاء بما شاء متى شاء بكلامه اللفظي المحدث...فكلام الله يترتب على الإرادة..بمعنى أن الله منذ الأزل أراد مثلا أن يكلم موسى بكلام معين في زمن معين..فلما حان ذلك الزمن أحدث الله كلاما لفظيا خاطب به موسى عبر به عن كلامه القديم الذي أراده منذ الأزل..وهذا هو ترتب صفة الكلام على صفة الإرادة..
وأما عند ابن تيمية فكلام الله الذي هو حرف وصوت يتعلق بالإرادة..بمعنى أن الله يتكلم متى شاء بما شاء بأن يحدث الله في ذاته كلاما يدل به على ما يريده وقت إحداث الكلام..أي أن الكلام المعين والإرادة لهذا الكلام المعين يحدثهما الله في ذاته عند إنشاء الكلام....وهذا ما يسمى بتعلق الكلام بالإرادة..
وعليه فاعلم أن كل ما جاء في نصوص الوحيين وقاله السلف يجري على كلام الأشاعرة وعلى كلام ابن تيمية..من الحرف والصوت والتكلم متى شاء..
فعندنا الله يتكلم بحرف وصوت متى شاء بكلام محدث لفظي..
وعند ابن تيمية الله يتكلم بحرف وصوت متى شاء بكلام محدث لفظي..
وعند الأشاعرة كلام قديم..وعند ابن تيمية كلام قديم..

ولكن الفرق بينهما:
-أن الكلام اللفظي المحدث عند الأشاعرة يحدثه الله لا في ذاته...
وعند ابن تيمية يحدثه الله في ذاته فالله عنده محل للحوادث..
-وعند الأشاعرة القديم هو صفة الكلام..
وعند ابن تيمية القديم هو النوع..

وقد خالف ابن تيمية الأمة بقوله بقيام الحوادث بالذات والقدم النوعي..
ونحن نفينا القيام بالذات والقدم النوعي اللذين لا حاجة لهما ليصح ما ورد في نصوص الوحيين...واللذين لم ينقلا عن السلف..بل نقل خلافهما..ولا يخفى ما يترتب عليهما من مفاسد في الاعتقاد..

هذا ما بدا للعبد الفقير..
والله تعالى أعلى وأعلم..

السبت، 30 يونيو 2018

حكم مصافحة المرأة الأجنبية؟

ما حكم المصافحة بين الجنسين ؟.

الجواب:

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
المصافحة بين الجنسين إذا صاحبتها شهوة واستمتاع، أو خيف أن يحدث منها ذلك فلا خلاف في حرمتها .
أما إذا خلت المصافحة من كل معاني الشهوة والاستمتاع فقد اختلف فيها العلماء ما بين محرم ومجيز ، وجمهور العلماء ومنهم المذاهب الأربعة ، بل الثمانية على التحريم دون تفرقة بين إحراج، أو غيره. أو شهوة أو غيرها.
وقد رأى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي جواز المصافحة عند الاضطرار وأمن الفتنة، كما إذا بدأ الرجل فمد يده، لكن ليس للمرأة أن تبدأ بذلك.
والأفضل للمسلم والمسلمة أن يمتنعا عن المصافحة في كل حال، فإن القائل بالتحريم جمهور الأمة، ولهم أدلة قوية ، ويمكن للمضطر منهما أن يقلد من قال بالجواز في أضيق الحدود.
يقول الدكتور علي جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر:-
مصافحة المرأة للرجال محل خلاف في الفقه الإسلامي، فيرى رأي جواز ذلك واستدلوا بأن عمر رضي الله عنه قد صافح النساء عندما امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مصافحتهن، وأن أبا بكر الصديق قد صافح عجوزًا في خلافته، واستدلوا بأحاديث عامة أخرى أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه جعل امرأة من الأشعريين تفلي رأسه وهو مُحْرِم في الحج أخرجه البخاري، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل أم حرام تفلي رأسه، ولم يثبت محرمية بينهما، فيمكن لمن ابتلي بشيء من هذا كحالة السائل أن يقلد من أجاز من العلماء، أما قضية التقبيل الذي هو في عرفهم التحية فنرى التنزه عنه وإخبارهم بالاعتذار عنه بالتقيد بأحكام شريعتنا. انتهى.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
قبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرج صورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمهما لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء فيما أعلم :.
الأولي: تحريم المصافحة للمرأة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين: الرجل أو المرأة، أو خيفت فتنة من وراء ذلك في غالب الظن، وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب، ولا سيما إذا لاحت علاماته، وتهيأت أسبابه.
ومما يؤكد هذا ما ذكره العلماء أن لمس الرجـل لإحـدى محـارمه، أو خلوته بها وهي من قسم المباح في الأصل تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة، أو خيفت الفتنة (انظر: الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية 4/155)، وخاصة مع مثل بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب، أو أخت الرضاع، اللائي ليس لهن في النفوس ما للأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو نحوها.
الثانيـة : الترخيص في مصافحـة المرأة العجوز التي لا تشـتهى، ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهى ؛ للأمـن مـن أسـباب الفتنة، وكذلك إذا كـان المصافـح شـيخًا كبيرًا لا يشتَهي.
وذلك لما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه، فكانت تغمزه وتفلي رأسه. (المرجع السابق ص 156، 155).
ويدل لهذا ما ذكره القرآن في شأن القواعد من النساء، حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يـضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يسـتعففن خير لهن والله سميع عليم). (النور: 60).
ومثل ذلك استثناء غير أولي الإربة من الرجال، أي الذين لا أرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبداء الزينة: (أو التابعين غير أولي الإرْبَةِ من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). (النور 31).
وما عدا هاتين الصورتين، فهو محل الكلام، وموضع البحث والحاجة إلى التمحيص والتحقيق.
فالذين يوجبون على المرأة أن تغطي جميع جسمها، حتى الوجه والكفين، ولا يجعلونهما من المستثنى المذكور في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بل يجعلون ما ظهر منها الثياب الظاهرة، كالملاءة والعباءة ونحو ذلك، أو ما ظهر منها بحكم الضرورة، كأن ينكشف منها شيء عند هبوب ريح شديدة أو نحو ذلك.
هؤلاء، لا عجب أن تكون المصافحة عندهم حرامًا لأن الكفين إذا وجبت تغطيتهما كان النظر إليهما محـرمًا، وإذا كان النظر محـرمًا كان المس كذلك من باب أولى، لأن المس أغلظ من النظر، لأنه أقوى إثارة للشهوة، ولا مصافحة دون أن تمس البشرة البشرة.
ولكن من المعروف أن أصحاب هذا القول هم الأقلون، وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، يجعلون المستثنى في قوله تعالى: (إلا ما ظهـر منها) الوجه والكفين.
فما الدليل عندهم على تحريم المصافحة إذا لم تكن لشهوة ؟.
الحقيقة أنني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه، فلم أعثر على ما أنشده.
وأقوى ما يستدل به هنا، هو سد الذريعة إلى الفتنة، وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة، أو خوف الفتنة بوجود أماراتها، ولكن عند الأمن من ذلك وهذا يتحقق في أحيان كثيرة ما وجه التحريم ؟.
ومن العلماء من استدل بترك النبي -صلى الله عليه وسلم- مصافحة النساء عندما بايعهن يوم الفتح بيعة النساء المشهورة، على ما جاء في سورة الممتحنة.
ولكن من المقرر أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمر من الأمور لا يدل بالضرورة على تحريمه.. فقد يتركه لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه، كتركه أكل الضب مع أنه مباح.
وإذن يكون مجرد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للمصافحة، لا يحمل دليلاً على حرمتها، ولابد من دليل آخر لمن يقول بها.
على أن ترك مصافحته، -صلى الله عليه وسلم- للنساء في المبايعة ليست موضع اتفاق، فقد جاء عن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- ما يدل على المصافحة في البيعة، خلافًا لما صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث أنكرت ذلك وأقسمت على نفيه.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية: يقول الله تعالى: (يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يُبَايِعْنَك على أن لا يُشْرِكن بالله شيئًا ولا يَسْرِقن ولا يَزْنِينَ ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بِبُهْتان يَفْترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يَعْصِينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة :12)، قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” قد بايعتك ” كلامًا ولا والله ما مسـت يده يد امرأة قط في المبايعـة، ما يبايعهن إلا بقوله: ” قد بايعتك على ذلك ” (رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ـسورة الممتحنة باب :(إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات).
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) في شرح قول عائشة ” ولا والله ” إلخ: فيه القسم لتأكيد الخبر، وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. فعند ابن حبان، والبزار، والطبري، وابن مردويه، من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قالت: فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: ” اللهم اشهد”.
وكذا الحديث الذي بعده يعني بعد الحديث المذكور في البخاري حيث قالت فيه: (فقبضـت امرأة يدها) (المصدر السابق، باب :(إذا جاءكم المؤمنات يبايعنك) فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن.
قال الحافظ: ويمكن الجواب عن الأول: بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقـوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة.. وعـن الثاني: بأن المراد بقبض اليد: التأخـر عن القبول.. أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده، وقال: (لا أصافح النساء) وفي مغازي ابن إسحاق: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها معه.
قال الحافظ: ويحتمل التعدد، يعني أن المبايعة وقعت أكثر من مرة، منها ما لم يمس يد امرأة قط لا بحائل ولا بغيره إنما يبايع بالكلام فقط، وهو ما أخبرت به عائشة.. ومنها ما صافح فيه النساء بحائل، وهو ما رواه الشعبي.
ومنها: الصورة التي ذكرها ابن إسحاق من الغمس في الإناء، والصورة التي يدل عليها كلام أم عطية من المصافحة المباشرة.
ومما يرجح احتمال التعدد: أن عائشة تتحدث عن بيعة المؤمنات المهاجرات بعد صلح الحديبية، أما أم عطية فتتحدث فيما يظهر عما هو أعم من ذلك وأشمل لبيعة النساء المؤمنات بصفة عامة، ومنهن أنصاريات كأم عطية راوية الحديث.. ولهذا ترجم البخاري لحديث عائشة تحت عنوان باب: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ولحديث أم عطية باب: (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك).
والمقصود من نقل هذا كله: أن ما اعتمد عليه الكثيرون في تحريم المصافحة من ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لها في بيعة النساء، ليس موضع اتفاق، كما قد يظن الذين لا يرجعون إلى المصادر الأصلية، بل فيه الخلاف الذي ذكرناه.
وقد استدل بعض العلماء المعاصرين على تحريم مصافحة المرأة بما أخرجه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له “، قال المنذري في الترغيب: ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
والمخيط: آلة الخياطة كالإبرة والمسلة ونحوها.
ويلاحظ على الاستدلال بهذا الحديث ما يلي:.
1ـ أن أئمة الحديث لم يصرحوا بصحته، واكتفى مثل المنذري أو الهيثمي أن يقول: رجاله ثقات أو رجال الصحيح.. وهذه الكلمة وحدها لا تكفي لإثبات صحة الحديث لاحتمال أن يكون فيه انقطاع، أو علة خفية، ولهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الدواوين المشهورة، كما لم يستدل به أحد من الفقهاء في الأزمنة الأولى على تحريم المصافحة ونحوه.
2 أن فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء المالكية قالوا: إن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه، مثل القرآن الكريم والأحاديث المتواترة ومثلها المشهورة، فأما ما كان في ثبوته شبهة، فلا يفيد أكثر من الكراهة مثل أحاديث الآحاد الصحيحة.. فكيف بما يشك في صحته ؟!.
3ـ على فرض تسليمنا بصحة الحديث، وإمكان أخذ التحريم من مثله، أجد أن دلالة الحديث على الحكم المستدل عليه غير واضحة ؛ فكلمة ” يمس امرأة لا تحل له ” لا تعني مجرد لمس البشرة للبشرة، بدون شهوة، كما يحدث في المصافحة العادية.. بل كلمة ” المس ” حسب استعمالها في النصوص الشرعية من القرآن والسنة تعني أحد أمرين:.
1 ـ أنها كناية عن الصلة الجنسية ” الجماع ” كما جاء ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (أو لامستم النساء) أنه قال: اللمس والملامسة والمس في القرآن كناية عن الجماع.. واستقراء الآيات التي جاء فيها المس يدل على ذلك بجلاء، كقوله تعـالى على لسان مريم: (أنى يكـون لي ولد ولم يمسسني بشـر) (آل عمران: 47).(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن). (البقرة: 237).
وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدنو من نسائه من غير مسيس.
2ـ أنها تعني ما دون الجماع من القبلة والعناق والمباشرة ونحو ذلك مما هو مقدمات الجماع، وهذا ما جاء عن بعض السلف في تفسير الملامسة:.
قال الحاكم في كتاب ” الطهارة ” من ” المستدرك على الصحيحين”.
“قد اتفق البخاري ومسلم على إخراج أحاديث متفرقة في المسندين الصحيحين يستدل بها على أن اللمس ما دون الجماع.
أ – منها: حديث أبي هريرة: ” فاليد زناها اللمس…”.
ب – وحديث ابن عباس: ” لعلك مسست “.
جـ – وحديث ابن مسعود: ” وأقم الصلاة طرفي النهار… ” (يشير إلى ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود، وفي بعض رواياته: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر أنه أصاب من امرأة، إما قبلة أو مسًا بيده، أو شيئًا. كأنه يسأل عن كفارتها، فأنزل الله عز وجل.. يعني آية :(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) (هود: 114) رواه مسلم بهذا اللفظ في كتاب التوبة برقم 40).قال: وقد بقى عليهما أحاديث صحيحة في التفسير وغيره.. وذكر منها:.
د ـ عن عائشة قالت: ” قَلَّ يوم، إلا وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف علينا جميعًا تعني نساءه فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هي يومها ثبت عندها”.
هـ وعن عبد الله بن مسعود قال: (أو لامستم النساء) هو مادون الجماع وفيه الوضوء”.
و ـ وعن عمر قال: ” إن القبلة من اللمس فتوضأ منها “. (انظر المستدرك 1/135).
ومن هنا كان مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد: أن لمس المرأة الذي ينقض الوضوء هو ما كان بشهوة، وبه فسروا قوله تعالى: (أو لامستم النساء) وفي القراءة الأخرى: (أو لامستم النساء.).
ولهذا ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه قول من فسروا الملامسة أو اللمس في الآية بمجرد مس البشرة البشرة ولو بلا شهوة.
ومما قاله في ذلك:.
(فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس.
فإن كان اللمس في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قاله ابن عمر وغيره فقد علم أنه حيث ذكر ذلك في الكتاب والسنة، فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف :(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه، بخلاف المباشرة لشهوة.
وكذلك قوله: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن)، فإنه لو مسها مسيسًا خاليًا من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء.
فمن زعم أن قوله: (أو لامستم النساء) يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة، علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم).ا.هـ (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ط الرياض 21/223، 224).
وذكر ابن تيمية في موضع آخر: أن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: (أو لامسـتم النسـاء) فكان ابن عباس وطائفة يقولون: الجماع، ويقولون: الله حيي كريم، يُكَنِّي بما شاء عما شاء.
قال: وهذا أصح القولين.
وقد تنازع العرب والموالي في معنى اللمس: هل المراد به الجماع أو ما دونه ؟ فقالت العرب: هو الجماع، وقالت الموالي: هو ما دونه، وتحاكموا إلى ابن عباس فصوب العرب، وخطأ الموالي. (انظر المرجع السابق).
والمقصود من نقل هذا الكلام كله أن نعلم أن كلمة ” المس ” أو ” اللمس ” حين تستعمل من الرجل للمرأة، لا يراد بها مجـرد وضـع البشـرة على البشرة، بل المراد بها إما الجماع، وإما مقدماته من التقبيل والعناق، ونحـو ذلك من كل مس تصحبه الشهـوة والتلذذ.
على أننا لو نظرنا في صحيح المنقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا ما يدل على أن مجرد لمس اليد لليد بين الرجل والمرأة بلا شهوة ولا خشية فتنة، غير ممنوع في نفسه، بل قد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- والأصل في فعله أنه للتشريع والاقتداء :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). (الأحزاب :21).
فقد روى البخاري في كتاب ” الأدب ” من صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتنطلق به حيث شاءت”.
وفي رواية للإمام أحمد عن أنس أيضًا قال:.
“إن كانت الوليدة يعني الأمة من ولائد أهل المدينة لتجيء، فتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت”. وأخرجه ابن ماجة أيضًا.
قال الحافظ في الفتح: (والمقصود من الأخذ باليد لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع، لذكره المرأة دون الرجل، والأمة دون الحرة، وحيث عمم بلفظ ” الإماء ” أي أمة كانت، وبقوله ” حيث شاءت ” أي مكان من الأمكنة، والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك.
وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر -صلى الله عليه وسلم-). (فتح الباري جـ 13).
وما ذكره الحافظ -رحمه الله- مسلم في جملته، ولكن صرفه معنى الأخذ باليد عن ظاهره إلى لازمه وهو الرفق والانقياد غير مسلم ؛ لأن الظاهر واللازم مرادان معًا.. والأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره، إلا أن يوجد دليل أو قرينة معينة تصرفه عن هذا الظاهر، ولا أرى هنا ما يمنع ذلك.. بل إن رواية الإمام أحمد، وفيها: ” فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت “، لتدل بوضوح على أن الظاهر هو المراد، وأن من التكلف والاعتساف الخروج عنه.
وأكثر من ذلك وأبلغ ما جاء في الصحيحين والسنن عن أنس أيضًا ” أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال من القيلولة عند خالته خالة أنس أم حرام بنت ملحـان زوج عبـادة بن الصامت، ونام عندها، واضعًا رأسه في حجرها وجعلت تفلي رأسه… “إلخ ما جاء في الحديث.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن حجر في بيان ما يؤخذ من الحديث، قال: (وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة..، وجواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك.
وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه وقد أشكل هذا على جماعة، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه.. ثم ساق بسنده ما يدل على أن أم حرام كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار… إلخ.
وقال غيره: بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معصومًا، يملك إربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه ؟ وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقول رفث، فيكون ذلك من خصائصه.
ورد ذلك القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله، حتى يقوم على الخصوصية دليل.
وبالغ الحافظ الدمياطي في الرد على من قال بالاحتمال الأول، وهو ادعاء المحرمية، فقال:.
ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة أو من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار ألبتة، سوى أم عبد المطلب، وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور.. فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى.. وهذه خئولة لا تثبت بها محرمية، لأنها خئولة مجازية، وهي كقوله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص :(هذا خالي)، لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنـة، وليس سـعد أخًا لآمنة، لا من النسب، ولا من الرضـاعة، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم، فقيل له أي سـئل في ذلك فقال: “أرحمها، قتل أخوها معي “.يعني حرام بن ملحان.. وكان قد قتل يوم بئر معونة.
وإذا كان هذا الحديث قد خص أم سليم بالاستثناء، فمثلها أم حرام المذكورة هنا.. فهما أختان وكانتا في دار واحدة، كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معًا، فالعلة مشتركة فيهما كما ذكر الحافظ ابن حجر.
وقـد انضاف إلى العلة المـذكورة أن أم سليم هي أم أنس خـادم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه، وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.
ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع.
قال ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر.
قال الحافظ: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح). (انظر: فتح الباري 13/230 ،231 بتصرف).
ولا أدري أين هذا الدليل، غامضًا كان أو واضحًا ؟.
والذي يطمئن إليه القلب من هذه الروايات أن مجرد الملامسة ليس حرامًا.. فإذا وجدت أسباب الخلطة كما كان بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم حرام وأم سليم، وأمنت الفتنة من الجانبين، فلا بأس بالمصافحة عند الحاجة كمثل القادم من سفر، والقريب إذا زار قريبة له أو زارته، من غير محارمه، كابنة الخال، أو ابنة الخالة، أو ابنة العم، أو ابنة العمة أو امرأة العم، أو امرأة الخال أو نحو ذلك، وخصوصًا إذا كان اللقاء بعد طول غياب.
والذي أحب أن أؤكده في ختام هذا البحث أمران:.
الأول: أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة، وأمن الفتنة، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك.
بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته، أو عمته، أو أخته من الرضاع، أو بنت امرأته، أو زوجة أبيه، أو أم امرأته، أو غير ذلك، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا
بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا.. وربما كان في بعض البيئات، ولدى بعض الناس، أشد خطرًا من الأنثى.
الثاني: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، مثل ما يكون بين الأقارب والأصهـار الذين بينهم خلطـة وصلة قوية، ولا يحسـن التوسع في ذلك، سدًا للذريعة، وبعدًا عن الشبهة، وأخذًا بالأحوط، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط . وأفضل للمسلم المتدين، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة، ولكن إذا صوفح صافح.
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد .
والله أعلم .
حرر هذه الفتوى حامد العطار عضو لجنة تحرير الفتوى بالموقع .

الثلاثاء، 27 مارس 2018

محمد بن سلمان: نشرنا الوهابية بطلب من الغرب












محمد بن سلمان: نشرنا الوهابية بطلب من الغرب

Mar 27, 2018



ولي العهد السعودي وإلى جانبه مفتي المملكة
ولي العهد السعودي وإلى جانبه مفتي المملكة

“القدس العربي”: كشف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن انتشار الفكر الوهابي في بلاده يعود إلى فترة الحرب الباردة عندما طلبت دول حليفة من السعودية استخدام أموالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي.
وأوضح بن سلمان، في لقاء مع محرري الصحيفة الأمريكية، لدى سؤاله عن الدور السعودي في نشر الوهابية، التي يتهمها البعض بأنها مصدر للإرهاب العالمي، أن الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بفترة الحرب الباردة عندما طلبت الدول الحليفة من بلاده استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في العالم الإسلامي. وأضاف أن الحكومات السعودية المتعاقبة “فقدت المسار والآن نريد العودة إلى الطريق”. وأوضح قائلا إن التمويل الآن يأتي من مؤسسات سعودية وليس من الحكومة.
وتزامنت تصريحات بن سلمان مع إعلان وزارة التعليم السعودية إعادة صياغة مناهجها التعليمية بشكل يضمن صورة أكثر اعتدالا للإسلام وهو أحد الوعود التي قطعها ولي العهد السعودي في إطار خطط تحديث بلاده المحافظة.


محمد بن سلمان
محمد بن سلمان

وزعم بن سلمان خلال المقابلة أنه بذل جهدا كبيرا لإقناع المؤسسة الدينية في السعودية بأن القيود المفروضة على المرأة ليست جزءا من التعاليم الإسلامية. وقال ”أعتقد أن الإسلام عقلاني وبسيط ولكن البعض يحاول اختطافه”، مضيفا أن الحوارات مع المؤسسة الدينية كانت طويلة ولهذا السبب “يزيد حلفاؤنا داخل المؤسسة يوما بعد يوم”.
ويسلط الإعلام الأمريكي الضوء في الفترة الأخيرة على بن سلمان الذي يقوم بزيارة إلى الولايات المتحدة تستمر ثلاثة أسابيع، تشمل عددا من المدن بينها بوسطن ونيويورك ولوس أنجليس. ورغم تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أهمية الصفقات العسكرية إلا أن بن سلمان شدد أيضا على أهمية الاستثمار الذي يبحث عنه والحصول على ثقة المستثمرين الأمريكيين خاصة في قطاع التكنولوجيا والتعليم.

الأحد، 4 مارس 2018

حديث يا عباد الله احبسوا يا عباد الله أغيثوني

الســؤال لمفتى الديار المصرية دشوقي علام 
ما معنى حديث: «يا عباد الله أغيثوني»، ومدى صحته والعمل به؟
الجـــواب
روى الطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 117، ط. مكتبة ابن تيمية) قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا عبد الرحمن بن سهل، حدثني أبي، عن عبد الله بن عيسى، عن زيد بن علي، عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه، عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ، فَلْيَقُلْ: يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، فَإِنَّ للهِ عِبَادًا لَا نَرَاهُمْ». قال الطبراني: وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ.

قال المحدث الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" في كتاب الأذكار (10/ 132، ط. مكتبة القدسي): [رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم، إلا أن زيد بن علي لم يدرك عتبة رضي الله عنه] اهـ.

وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه البزار في "مسنده" (11/ 181، ط. مكتبة العلوم والحكم): أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ للهِ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ سِوَى الْحَفَظَةِ يَكْتُبُونَ مَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ بِأَرْضٍ فَلاةٍ فَلْيُنَادِ: أَعِينُوا عِبَادَ اللهِ»، قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

قال المحدث الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 132): [رواه البزار، ورجاله ثقات] اهـ.

ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" بلفظ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ سِوَى الْحَفَظَةِ يَكْتُبُونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ فِي الْأَرْضِ لَا يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْأَعْوَانِ فَلْيَصِحْ، فَلْيَقُلْ: عِبَادَ اللهِ، أَغِيثُونَا أَوْ أَعِينُونَا رَحِمَكُمُ اللهُ، فَإِنَّهُ سَيُعَانُ»، وفي لفظ آخر: «إِنَّ للهِ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يُسَمَّونَ الْحَفَظَةَ، يَكْتُبُونَ مَا يَقَعُ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَمَا أَصَابَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَرْجَةٌ أَوِ احْتَاجَ إِلَى عَوْنٍ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَلْيَقُلْ: أَعِينُونَا عِبَادَ اللهِ، رَحِمَكُمُ اللهُ، فَإِنَّهُ يُعَانُ إِنْ شَاءَ اللهُ»، ورواه ابن شيبة في "المصنف".

وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه الطبراني، وأبو يعلى في "مسنده"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" عن أبي يعلى، وابن حجر العسقلاني في "المطالب العالية"، وذكره النووي في "الأذكار" عن ابن السني من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا عَلَيَّ، يَا عِبَادَ اللهِ احْبِسُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ للهِ فِي الْأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ عَلَيْكُمْ».

قال العلامة ابن علان الصديقي في "شرحه على الأذكار للنووي" (5/ 151، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن الإسناد غريب جدًّا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد] اهـ. وحسنه الحافظ السخاوي أيضًا في "الابتهاج بأذكار المسافر الحاج"، وقال المحدث الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 132): [رجاله ثقات] اهـ.

وهو حسنٌ؛ لتعدد طرقه واعتضادها ببعض كما صرح بذلك ابن علان في "شرحه لأذكار النووي".

وهذا الحديث يعني أن الإنسان إذا انفلتت منه دابته في مكان خال من الناس، أو ضاع منه شيءٌ، أو ضلَّ الطريق، أو نحو ذلك، فإنه ينادي بهذا الدعاء الذي علمه لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيعينه عباد الله في الأرض إنسًا أو جنًّا أو ملائكة، فتُحبس الدابة له بإذن الله.

قال الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري في "الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين" (ص: 41، ط. مكتبة العهد الجديد): [ففي هذا الحديث جواز استغاثة المخلوق، والاستعانة به، وذلك لا يكون بالضرورة إلا فيما يقدر عليه، ويليق به، أما الإغاثة المطلقة، والإعانة المطلقة، فهما مختصان بالله تعالى، لا يطلبان إلا منه، وهذا معلوم من الدين بالضرورة] اهـ.

وروى الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 224، ط. دار الفكر) هذا الحديث عن ابن السني ثم قال: [قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه أفلتت له دابة -أظنها بغلة- وكان يعرف هذا الحديث، فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منها بهيمة وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام] اهـ.

وروى عبد الله بن أحمد عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: "حججت خمس حجج، فضللت الطريق، وكنت ماشيًا، فجعلت أقول: يا عباد الله دلوني على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق" اهـ. "مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله" (ص: 245، ط. المكتب الإسلامي).

وروى الإمام السيوطي هذا الحديث في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 82، ط. مكتبة الإمام الشافعي)، وشرحه العلامة المناوي فقال: [«إِذا انفلتت دَابَّة أحدكُم» أَي فرت وَخرجت مسرعة «بِأَرْض فلاة» أَي قفر لَا مَاء فِيهَا، لَكِن المُرَاد هُنَا بَريَّة لَيْسَ فِيهَا أحد كَمَا يدل لَهُ رِوَايَة: «لَيْسَ بهَا أنيس»، «فليناد» بِأَعْلَى صَوته «يَا عباد الله احْبِسُوا عليّ دَابَّتي» أَي امنعوها من الْهَرَب «فَإِن لله فِي الأَرْض حَاضرًا» أَي خلقًا من خلقه: إنسيًّا أَو جنيًّا أَو ملكًا لَا يغيب «سيحبسه عَلَيْكُم» أَي الْحَيَوَان المنفلت، فَإِذا قَالَ ذَلِك -بنية صَادِقَة وَتوجه تامّ- حصل المُرَاد بعون الْملك الْجواد] اهـ.

وعليه: فإن الحديث المذكور حسنٌ بشواهده، ويفيد جواز الاستعانة والاستغاثة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه لقضاء الحوائج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
_____________________________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وممن لم ينخدع بتمويه أحداث الأسنان سفهاء الأحلام الذين يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم, وبعد؛
حديث يا عباد الله أعينوا روى البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ:
(إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني).
وفي هذا الحديث دلالة على الاستغاثة بالمخلوقات التي لا نراها فسببها الله تعالى للمؤمنين ونتوسل بها إلى الله في تحقيق المراد كالملائكة ويقاس عليها أرواح الصالحين.

الرد على شبهات الوهابية في حديث يا عباد الله أعينوني.
الشبهة الاولى
يقول الوهابية هذا الحديث إسناده ضعيف لوجود أسامة بن زيد.
الرد:-
نقول لهم هذه الرواية عند البزار بإسناد آخر مرفوعا كما ذكرنا.
حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن  زيد [عن أبان] ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث. فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم.
الحديث مسلسل بالثقات وأسامة حديثة حسن وهذه الرواية غير رواية الإمام الطبراني وغيره.
ذكرا الحافظ ابن حجر العسقلاني في المرتبة الخامسة من مراتب التعديل وهي من يقبل حديثة فقال قال الحافظ في التقريب (317) " صدوق يهم "
وقال الحافظ في مقدمة التقريب (الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بـ: صدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخره. ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم، مع بيان الداعية من غيره.) انتهي
ومعلوم أن صاحب البدعة يقبل حديثه مادام ضابطاً له، ما لم يكن داعية كما هو قول كثير من أهل الحديث، وما لم يكن مرويه مما ينصر بدعته، كما هو قول آخرين من أهل الحديث. وأصحاب هؤلاء المرتبة يحسن حديثهم لذاته كما هو نص البقاعي - تلميذ ابن حجر-

أمثلة من أقوال الحافظ ابن حجر العسقلاني علي ذلك:-
قال الحافظ في الفتح (13/ 187) لما بين خلاف الأئمة في حال عبد الرحمن بن أبي الزناد: (فيكون غاية أمره أنه (مختلف فيه) فلا يتجه الحكم بصحة ما ينفرد به، بل غايته أن يكون حسناً)
وقال في النكت (1/ 464): (ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه، وأخرج له مسلم، فحديثه في رتبة الحسن . فانظر كيف جعل حديثه حسناً لما تعارض عنده تضعيف بعض الأئمة له مع إخراج مسلم له في صحيحه. وقد قال عن هشام بن سعد في التقريب (صدوق له أوهام).

وممن قرر هذا الفهم من المعاصرين قال الشيخ أحمد شاكر في الباعث الحثيث:
(والدرجات من بعد الصحابة: فما كان من الثانية والثالثة فحديثه صحيح من الدرجة الأولى، وغالبه في الصحيحين وما كان من الدرجة الرابعة فحديثه صحيح من الدرجة الثانية، وهو الذي يحسنه الترمذي ويسكت عنه أبوداود وما بعدها فمردود إلا إذا تعددت طرقه فما كان من الدرجة الخامسة والسادسة فيتقوى بذلك ويصير حسناً لغيره. وما كان من السابعة إلى آخرها فضعيف على اختلاف درجات الضعف من المنكر إلى الموضوع)
واسامة بن زيد الليثي وهو من رجال مسلم اخرج له الإمام مسلم في صحيحه وروى له البخاري معلقاً وأصحاب السنن.
فقول الائمة عن الراوي: (صدوق له أوهام) أو (صدوق يهم).
من المعلوم أن الوهم جائز على الإنسان، ولا يقدح بالوهم اليسير في ضبط الراوي لأنه لا يسلم أحد من ذلك فإذا كان ما يقع في حديث الراوي من السهو والخطأ ليس كثيرا فإن ذلك لا يمنع من قبول خبره والاحتجاج بحديثه في قول جمهور الأئمة الحفاظ.
واسامة بن الليث أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

بل نري ماذا قال الألباني في هذا الحديث ونقول لهم من باب من فمك ندينك.
قال الألباني (وبعد كتابة ما سبق وقفت على إسناد البزاز في " زوائده " (ص 303): حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد [عن أبان] ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قالوا، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم - السلسلة الضعيفة والموضوعة " 2/ 109

وهذا الحديث له شواهد يحسن بها كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث.
والروايات الأخرى والتي لم نستند إليها.
روى الطبراني وأبو يعلى في مسنده وابن السني في عمل اليوم والليلة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله» إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا علي، يا عباد الله احبسوا علي، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم «.

وفي رواية أخرى لهذا الحديث:» إذا ضل أحدكم شيئا، أو أراد أحدكم غوثا، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل:» يا عباد الله أغيثوني يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادا لا نراهم « رواها الطبراني في الكبير وقال بعد ذلك: وقد جُرب ذلك - الطبراني ح 10518 (10/ 217)، وأبو يعلي ح 5269 (9/ 177)

ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف في كتاب الدعاء (10/ 424،425):حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: "إذا نفرت دابة أحدكم أو بعيره بفلاةٍ من الأرض لا يرى بها أحداً فليقل: أعينوني عباد الله، فإنه سيعان"

وهذه الروايات الأخرى ضعيفة لوجود معروف بن حسان وهو ضعيف وفي السند انقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود ومع ذلك فللحديث هنا في هذه الروايات شواهد ترفعه من الضعف إلى الحسن المقبول المعمول به فقد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أيضاً - لكنه موقوف - من طريق جعفر بن عون ثنا أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس به.

ومثل ما ذكرناه ما أخرجه البزار في مسنده (كشف الأستار:4/ 33 - 34):
حدثنا موسى بن إسحاق، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: "إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله" وهو حديث صحيح لا غبار عليه فرجالة ثقات. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 132): رواه البزار ورجاله ثقات اهـ.

قال الحافظ في تخريج الأذكار (شرح ابن علان 5/ 151) (حسن الإسناد غريب جداً)
(واقتصار الحافظ على تحسينه هنا سببه وجود أسامة بن زيد الليثي في إسناده فقد اختلف فيه)

وحسنه السخاوي أيضا في " الابتهاج بأذكار المسافر والحاج"
وحسنه الإمام احمد ابن حنبل كما ورد عنه العمل به كما جاء في المسائل " (217)
والبيهقي في " الشعب " (2/ 455 / 2) وابن عساكر (3/ 72 / 1) من طريق عبد الله بسند صحيح. وحسنه الإمام النووي في كتاب أذكار المسافر: باب ما يقول إذا انفلتت دابته: (ص 331 من طبعة دار الفكر دمشق بتحقيق أحمد راتب حموش)

بل حسنه الألباني شيخ الوهابية فقال: بعد كتابة ما سبق وقفت على إسناد البزاز في " زوائده " (ص 303): حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد [عن أبان] ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قالوا، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم السلسلة الضعيفة والموضوعة " (2/ 109.

الشبهة الثانية
إن الائمة ردوا هذا الحديث لانه يخالف الشرع!!
الرد:- نقول لهم من رد هذا الحديث من الائمة أسردوا لنا الأسماء.!!!
وقد مر بنا من حسنه من الحفاظ والمحدثين فمن رد الحديث يا قوم؟
فتعنت الوهابية جعلهم يكذبون على الله ورسوله ويخترعون أقوال جديدة في علم مصطلح الحديث.
ولله در الحافظ العسقلانى إذ يقول فى النكت (صحة الحديث وحسنه ليس تابعاً لحال الراوي فقط بل لأمور تنضم إلى ذلك من المتابعات والشواهد، وعدم الشذوذ والنكارة) النكت 1/ 4045

فالحديث حسن بحمد الله وفضله ولا يحكم عليها بالوضع ولا النكارة ابدا فحديث البزار حسن لذاته وحسنه جل العلماء ولا يقدح فيه ما تقولون وقد راينا من حسنه من الائمة الأعلام وعمل به وجربه فهل هؤلاء خالفوا الشرع وهل هم مشركون في نظركم. فهذا الحديث حتى أذا قلنا جدلا بضعفه كما تقولون فالحديث أيضا يتقوي بعمل الأمة به كما صرح الائمة الأعلام.
قال الحافظ البيهقي في السنن الكبرى (3/ 52) بعد أن روى حديث صلاة التسبيح ما نصه: وكان عبد الله بن المبارك يفعلها وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض وفيه تقوية للحديث المرفوع. اهـ. ونحوه لشيخه الحاكم في المستدرك (1/ 320).

الشبهة الثالثة:
إن هذا الحديث يناقض التوحيد وانه وسيلة للشرك ومخالف للكتاب والسنة. ويثني عن دعاء الله إلي دعاء عباد الله وهذا فساد في الفطرة والدين والعقل.
الرد:-
ولنذكر لكم ثانيا من عمل بالحديث من السلف الصالح وأئمة الإسلام وهل يتهمهم القوم بان عندهم فساد في الفطرة والدين والعقل وهل ناقضوا التوحيد واتخذوا الحديث وسيلة للشرك والعياذ بالله وهذا مع أن الحديث حسن على الأقل كما وضحنا.

* سيدنا ابن عباس: روي حديث يا عباد الله أعينوا لمن بعده ولم يعتبرها شركا.

* الإمام احمد بن حنبل: فقال ابنه عبد الله في " المسائل " (217): " سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها ثنتين [راكبا] وثلاثة ماشيا، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا، فجعلت أقول: (يا عباد الله دلونا على الطريق!) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق. أو كما قال أبي.

ورواه ايضا بسند صحيح البيهقي في " الشعب " (2/ 455 / 2) وابن عساكر (3/ 72 / 1) من طريق عبد الله وذكرها ابن مفلح في الاداب الشرعية.

* بل الألباني صحح ما ورد عن الإمام احمد ابن حنبل فقال في السلسلة الضعيفة والموضوعة " (2/ 109) يبدو أن حديث ابن عباس الذي حسنه الحافظ كان الإمام أحمد يقويه، لأنه قد عمل به، فقال ابنه عبد الله "الحديث" المسائل " (217):ورواه البيهقي في " الشعب " (2/ 455 / 2) ابن عساكر (3/ 72 / 1) من طريق عبد الله بسند صحيح.

* عمل الإمام الطبراني بحديث يا عباد الله أعينوا :
رواه الطبراني في الكبير باسناد ضعيف غير رواية البزار وقال بعد ذلك: وقد جُرب ذلك (قام بتجربته والعمل به)

* الحافظ الهيثمي:
قال الحافظ الهيثمي عن الحديث في المجمع (10/ 32) رجاله ثقات. وزاد الحافظ الهيثمي مؤكدا على رواية الطبراني مقرا قوله: وقد جرب ذلك

* عمل الإمام النووي بالحديث: ذكر الإمام النووي في الأذكار في كتاب أذكار المسافر: باب ما يقول إذا انفلتت دابته:
(ص 331 من طبعة دار الفكر دمشق بتحقيق أحمد راتب حموش) ما نصه:  روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فان لله عز وجل حاضرا سيحبسه). قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة أظنها بغلة وكان يعرف هذا الحديث، فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال. وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت منها بهيمة وعجزوا عنها فقلته: فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام. - انتهى كلام الإمام الحافظ النووي من الأذكار.

* الإمام البيهقي: اخرجه في شعب الايمان ونقل قصة استغاثة الإمام احمد ابن حنبل يا عباد الله دلونا على الطريق.
* الإمام السيوطي: حيث ذكر في الحبائك في أخبار الملائك ص 110 فصل الملائكة الموكلون بورق الشجر وذكر الحديث وقال في النهاية فانه يعان ان شاء الله .
* وذكره مستندا عليه الإمام الرازي في تفسيره الكبير تفسير سورة البقرة اية 30.
* الإمام السخاوي: حسنه وجاء به في كتابه الابتهاج في أذكار المسافر والحاج.
* ابن تيمية: ذكر ذلك ابن تيمية في الكلم الطيب ولم يعتبره من الكلم الخبيث الكلم الطيب (98) حديث (177).
* الإمام البزار: فقد اخرجه في كشف الاستار كما ذكرنا
* ابن أبي شيبة: حيث اخرجه في المصنف في كتاب الدعاء فهو من الدعاء الطيب عنه.

والخلاصة:
أن للناقد مسلكين في تقوية هذا الحديث:
أحدهما : تقويته بالشواهد فيصير حسناً، ولا ريب في ذلك.
ثانيهما : تقويته بعمل الأمة به.

وأحد المسلكين أقوى من الآخر.
ولو فرضنا جدلا أن هذا الحديث الحسن موضوع فكيف يجوز علماء الأمة وأهل الحديث هذا الأمر ويقولون: وجد جرب ذلك ويعمل به جل الحفاظ والائمة الأعلام؟؟؟

وفي النهاية نقول وفي هذا الحديث يتكرر الإذن بالإستغاثة بالمخلوقات مع أن الاستغاثة بهم من قبيل المجاز وطلب العون فيما يقدرون عليه والله هو الذي أقدرهم عليه وليس من الشرك في شيء وقد عمل به جل الائمة كما وضحنا فهل وقعوا في الشرك عند الوهابية ؟