الأحد، 11 ديسمبر 2016

فتاوى الدكتور على جمعة في ما حكم تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وخارجها؟

الدكتور\ علي جمعه حفظة الله

وهي منشوره في دار الافتاء المصرية 


ما حكم تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وخارجها؟ ما حكم تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وخارجها؟ 

أجمع المسلمون على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى علميته في السيادة، قال الشرقاوي : «فلفظ (سيدنا) علم عليه صلى الله عليه وسلم»([1])، وأما ما شذ به البعض للتمسك بظاهر بعض الأحاديث متوهمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يعتد به؛ ومن هذه الأحاديث عن أبي نضرة، عن مطرف قال : قال أبي : انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا : أنت سيدنا، فقال : (السيد الله تبارك وتعالى). قلنا : وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طَوْلاً، قال : (قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يسخر بكم الشيطان)([2]) .وعن عبد الله بن الشخير يحدث ،عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنت سيد قريش .فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (السيد الله) .قال : أنت أفضلها فيها قولاً وأعظمها فيها طَوْلاً ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليقل أحدكم بقوله، ولا يستجره الشيطان)([3]). 
فهذه الأحاديث بوبها رواة السنن في باب «كراهة التمادح» كما في أبي داود وغيره، وحملت على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة أن لا تتمادح، كما ورد النهي صريحًا عن التمادح، فعن عن أبي معمر قال : قام رجل يثنى على أمير من الأمراء ،فجعل المقداد يحثي عليه التراب، وقال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب»([4])، ولا يخفى ما في التمادح في الحضور من المداهنة، والأخلاق الذميمة التي يترفع عنها كل مسلم صادق.

وهذا الفهم الذي فهمه العلماء الكرام قال عنه ابن الأثير في النهاية : «أي هو الذي يحق له السيادة، كأنه كره أن يحمد في وجهه، وأحب التواضع. ومنه الحديث لما قالوا : أنت سيدنا، قال : (قولوا بقولكم) .أي : ادعوني نبيًّا ورسولاً كما سماني الله، ولا تسموني سيدًا كما تسمون رؤساءكم، فإني لست كأحدهم ممن يسودكم في أسباب الدنيا»([5]).


وقال ابن مفلح في معنى السيد : «والسيد يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والحكيم، ومتحمل أذى قومه، والزوج، والرئيس، والمقدم»([6]) .ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ينطبق عليه هذا الاسم بأكثر من معنى من المعاني المذكورة. وقال أبو منصور : «كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمدح في وجهه وأحب التواضع لله تعالى»([7]). 

كما أن الأحاديث تتكلم عن الحقيقة، فليس هناك سيد على الحقيقة إلا الله، وإذا أسند هذا لغيره كان من قبيل المجاز، كقولك : «فلان رحيم» ،فالرحيم على الحقيقة هو الله، وكقول الله تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }([8]) في حين أنه سبحانه وتعالى قال : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا }([9])، بل إن الله سبحانه وتعالى سمى من هو دون النبي صلى الله عليه وسلم سيدًا في القرآن كيحيى عليه السلام حين قال تعالى : { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ }([10])
ولهذا ترى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يستعمل لفظ السيد لغير الله مع أصحابه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن سعد بن معاذ رضي الله عنه حين قال صلى الله عليه وسلم للأنصار قوم سعد : «قوموا إلى سيدكم»([11]) ،
وكذلك أطلقه على نفسه صلى الله عليه وسلم حيث قال : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر»([12])، وقوله للحسن رضي الله عنه : «إن ابني هذا سيد»([13])، بل ورد أن بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم قال له : يا سيدي، فعن سهل بن حنيف قال : مر بنا سيل، فذهبنا نغتسل فيه، فخرجت محمومًا، فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مروا أبا ثابت يتعوذ» .فقلت : يا سيدي والرقى صالحة؟ قال : «لا رقي إلا من ثلاث: من الحمى، والنّفْسِ، واللدغة»([14])، فدل ذلك كله على أن هذه الأحاديث كانت لإثبات السيادة الحقيقية، وأنها لا تكون إلا لله، أو لكراهة التمادح في الوجه كما ذهب إلى ذلك شراح السنة النبوية المطهرة، وأن إطلاق لفظة «سيدنا» للدلالة عليه صلى الله عليه وسلم أو مقدمة على اسمه الشريف من قبيل الأدب العالي الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه رضي الله عنهم .
أما عن حكم تسويده صلى الله عليه وسلم في الصلاة، والأذان، وغيره من العبادات، فاختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة، وقد نقل في كتب المذاهب الفقهية المعتمدة ندب الإتيان بلفظ «سيدنا» ، قبل اسم الشريف حتى في العبادات كالصلاة والأذان.
فمن الحنفية الحصكفي صاحب الدر المختار؛ حيث قال : « ندب السيادة؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب فهو أفضل من تركه، ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نقل: لا تسودوني في الصلاة؛ فكذب، وقولهم : لا تسيدوني بالياء؛ لحن أيضًا والصواب بالواو»([15])
كما صرح باستحبابه النفراوي من المالكية، وقالوا: إن ذلك من قبيل الأدب، ورعاية الأدب خير من الامتثال. 
يقول الشيخ الحطاب المالكي : «ذكر عن ابن مفلح الحنبلي نحو ذلك، وذكر عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أن الإتيان بها في الصلاة ينبني على الخلاف: هل الأولى امتثال الأمر أو سلوك الأدب ؟ (قلت) والذي يظهر لي، وأفعله في الصلاة وغيرها الإتيان بلفظ السيد والله أعلم»([16]).
ومن الشافعية قال الشافعي الصغير العلامة شمس الدين الرملي : «الأفضل الإتيان بلفظ (السيادة) كما قاله ابن ظهيرة، وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح؛ لأن فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل من تركه، وإن تردد في أفضليته الإسنوي، وأما حديث : (لا تسيدوني في الصلاة) ؛فباطل، لا أصل له ،كما قاله بعض متأخري الحفاظ»([17]).
وقال في حاشيته على أسنى المطالب : «وبه أفتى الجلال المحلي جازما به، قال : لأن فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع، الذي هو أدب فهو أفضل من تركه، وإن تردد في أفضليته الإسنوي. ا هـ.» ([18])
وقال الشوكاني : «وقد روي عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب من الامتثال، ويؤيده حديث أبي بكر حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل، وقال: (ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) .وكذلك امتناع علي عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك، وقال : (لا أمحو اسمك أبدًا) وكلا الحديثين في الصحيح، فتقريره صلى الله عليه وسلم لهما على الامتناع من امتثال الأمر تأدبًا ؛مشعر بأولويته»([19]).
ومما سبق نعلم أنه ذهب إلى استحباب تقديم لفظة «سيدنا» قبل اسمه الشريف في الصلاة، والأذان، وغيرهما من العبادات كثير من فقهاء المذاهب الفقهية : كالعز بن عبد السلام، والرملي، والقليوبي، والشرقاوي من الشافعية، والحصكفي، وابن عابدين، من الحنفية وغيرهم كالشوكاني.
أما تقديم «سيدنا» على اسمه الشريف في غير العبادات، فلا خلاف على جوازه بين أحد من العلماء، فهو إجماع، ولا عبرة لمن شذ ممن عجز عن الجمع بين الأدلة، وهو ما نختاره ونرجحه في مقام سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالأدب مقدم دائمًا معه صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلى وأعلم.

([1]) الموسوعة الفقهية الكويتية، ج11 ص 346 ، حرف التاء، تسويد.

([2]) رواه أبو داود في سننه، ج4 ص254، والنسائي في الكبرى، ج6 ص70.

([3]) رواه أحمد في مسنده، ج4 ص24، والنسائي في الكبرى، ج6 ص70، والحاكم في المستدرك، ج3 ص 213.

([4]) أخرجه مسلم في صحيحه، ج4 ص2297.

([5]) النهاية ،لابن الأثير ،ج2 ص417.

([6]) الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح، ج3 ص456 طبعة عالم الكتاب.

([7]) الموسوعة الفقهية الكويتية ،ج11 ص347.

([8]) السجدة : 11.

([9]) الزمر : 42.

([10]) آل عمران : 39.

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2 ص900، ومسلم في صحيحه، ج3 ص 1388 .

([12]) أخرجه مسلم في صحيحه، ج4 ص1782.

([13]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2 ص962.

([14]) رواه أبو داود في سننه، ج4 ص11، والنسائي في الكبرى، ج6 ص71، والحاكم في المستدرك، ج4 ص458.

([15]) الدر المختار، للحصكفي، ج1 ص513.

([16]) مواهب الجليل شرح مختصر الخليل، لمحمد بن عبد الرحمن الحطاب، ج1 ص21.

([17]) نهاية المحتاج، للرملي، ج2 س 86.

([18]) حاشية الرملي على أسنى المطالب، ج1 ص 166.

([19]) نيل الأوطار، للشوكاني، ج2 ص 337، 338.
الرقـم المسلسل 5615 الموضوع تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والتشهد، والصلاة عليه جهرًا بعد الأذان التاريخ 17/09/2005 
الســــؤال 
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2356 لسنة 2005م المتضمن :

ما حكم الدين في الصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله جهرًا بعد الأذان ؟
وما حكم الدين في تسويده صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة والتشهد كأن يقال " أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله " ، وذلك على الرغم مما يقال من أن التشهد كان خطابًا من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآلـه وسلم ؛ حيث خاطبه الله بالشهادة له بالرسالة ، مما يقتضي عدم جواز السيادة فيها؟ 
الـجـــواب 

أولاً : 
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان سنة ثابتة في الأحاديث الصحيحة ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ »رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

أما صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالأمر بذلك مطلق والباب فيه واسع ، ولم يأت نص يوجب صيغة بذاتها أو ينهى عن صيغة بذاتها بعد الأذان ، وجميع الصيغ المشروعة داخلة في عموم الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان ، قال الحافظ السخاوي في ( القول البديع ) :
قد روينا عن ابن مسدي ما نصه : وقد رُوي في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم أحاديث كثيرة ، وذهب جماعة من الصحابة فمن بعدهم إلى أن هذا الباب لا يُوقَف فيه مع المنصوص ، واحتجوا بقول ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا : " أحسنوا الصلاة على نبيكم ؛ فإنكم لا تدرون لعل ذلك يُعْرَضُ عليه ".اهـ . 

ولفظ هذا الحديث عند ابن ماجه بسند حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ » قَالَ : فَقَالُوا لَهُ : فَعَلِّمْنَا قَالَ : « قُولُوا : اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاَتَكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّـدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَـامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » .
كما أنه لم يأت نص يوجب الجهر أو الإسرار بها فالأمر فيه أيضًا واسع ، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل .

على أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على الجهر بالصلاة عليه بعد الأذان ، فقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول إذا سمع المؤذن : « اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وأعطه سؤله يوم القيامة» وكان يُسمِعُها من حوله ويحب أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذن ، قال : « ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجَبت له شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة » .
وعلى كل حال فالأمر في ذلك واسع ، والصواب ترك الناس على سجاياهم ، فمن شاء صلى بما شاء كما شاء ، ومن شاء ترك الجهر بها أو اقتصر على الصيغة التي يريدها ، والعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قلبه ، وليس لأحد أن ينكر على الآخر في مثل ذلك ما دام الأمر فيه واسعًا . 

ثانيًا : 
سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو جوهرة النفوس وتاج الرؤوس وسيد ولد آدم أجمعين ، ولا يدخل الإنسان دائرة الإيمان إلا بحبه وتعظيمه وتوقيره والشهادة برسالته ؛ فهو أحد ركني الشهادتين ؛ إذ لا يقبل الله تعالى من أحد الوحدانية حتى يشفعها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رسوله إلى العالمين .
وقد عَلَّمَنَا الله تعالى الأدب مع سيدنا محمد صلى الله عليه وآلـه وسلم حين خاطب جميع النبيين بأسمائهم أما هو فلم يخاطبه باسمه مجردًا بل قال له : {يَا أَيُّهَاالنَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} ، وأمرنا بالأدب معه وتوقيره فقال : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِوَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلً}(الفتح 8-9) ، ومن توقيره تسويدُه كما قـال قتادةُ والسُّدِّيُ : " وتوقروه " : وتُسَوِّدُوهُ ، ونهانا عن التقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآلـه وسلم ، وحذرنا من رفع الصوت على صوته الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أو الجهر له بالقول فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّوَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَأَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَأَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُقُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }(الحجرات 1-3)، ونهانا أن نخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم كما يخاطب بعضنا بعضًا فقال تعالى : {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} (النور 63). فكان حقًّا علينا أن نمتثل لأمر
الله ، وأن نتعلم مع حب رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأدب معه ، ومن الأدب أن نُسَوِّدَهُ كلما ذُكِر ، وأن نصلي عليه كلما ذُكِر ، وأن لا نخاطبه باسمه مجردًا عن الإجلال والتبجيل .

وقد أجمعت الأمة على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبد بها من قبل الشرع . أما بالنسبة للوارد فمذهب كثير من المحققين وهو المعتمد عند الشافعية – كما نص عليه الجلالان المحلي والسيوطي والشيخان ابن حجر والرملي – وعند الحنفية – كما قال الحلبي والطحطاوي – وبعض المالكية : أنه يستحب اقتران الاسم الشريف بالسيادة أيضًا في الأذان والإقامة والصلاة بناءً على أن الأدب مقدم على الاتباع كما ظهر ذلك في موقف سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة ( رسول الله ) عندما أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحوها ؛ تقديمًا للأدب على الاتباع ، وظهر ذلك أيضًا في تقهقر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يبقى مكانه وقال له بعد الصلاة : « مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم » ، وكذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث أخر الطواف لما دخل مكة في قضية صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على من دخل مكة ؛ أدبًا معه عليه الصلاة والسلام أن يطوف قبله وقـال : « مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم » .
قال العلامة الجلال المحلي : " الأدب مع مَنْ ذُكِرَ مطلوب شرعًا بذكر السيد ؛ ففي حديث الصحيحين : « قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ » أي سعد بن معاذ ، وسيادتُه بالعلم والدين ، وقول المصلي ( اللهم صل على سيدنا محمد ) فيه الإتيان بما أُمِرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب ، فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق وإن تردد في أفضليته الشيخ جمال الدين الإسنوي ، وأما حديث « لا تُسَيِّدُوني في الصلاة » فباطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ " ا هـ .

وقال الحافظ السيوطي : " إنما لم يتلفظ صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ السيادة حين تعليمهم كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وآلـه وسلم لكراهيته الفخر ؛ ولهذا قـال:« أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ » ، وأما 
نحن فيجب علينا تعظيمه وتوقيره ؛ ولهذا نهانا الله تعالى أن نناديه صلى الله عليه وآله وسلم باسمه فقال : {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا}" ا هـ .

وفي " مفتاح الفلاح " للإمام العارف بالله ابن عطاء الله السكندري : " وإياك أن تترك لفظ السيادة ففيها سر يظهر لمن لازم هذه العبادة " ا هـ .
بينما يرى فريق آخر من العلماء الاقتصار في الألفاظ المتعبد بها على ما ورد ؛ اتباعًا للفظ وفرارًا من الزيادة فيه .

وقد ألف العلامة الحافظ أحمد بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله في هذه المسألة كتابًا حافلاً ماتعًا سماه [ تشنيف الآذان بأدلة استحباب السيادة عند ذكر اسمـه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة والإقامة والأذان ] جمع فيه كل ما يتعلق باستحباب ذكر الاسم الشريف مقترنًا بالسيادة مقررًا أنه لا تنافي بين الأدب والاتباع لأن في السيادة اتباعًا من جهة أخرى وهي الأمر بتوقيره صلى الله عليه وآله وسلم والنهي عن مخاطبته كما يخاطب الناس بعضهم بعضًا .

وإزاء هذا الخلاف فإننا نرى الأمر فيه واسعًا ، وليس لفريق أن ينكر على الآخر في الأمور الخلافية التي وسع من قبلنا الخلافُ فيها ، والتنازع من أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآلـه وسلم ، وليس ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان مقترنًا بالسيادة مخالفًا للشرع ، بل فاعل ذلك محمود ومثاب على فعله هذا ، ونحن أحوج إلى حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العصر من أي وقت آخر ، فنحن في عصر تموج فيه الآراء وتختلف المشارب ، وكثرت الفتن في الظاهر والباطن ، وليس من نجاة من كل ذلك إلا بحب سيد الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نعلمه أبناءنا وندعو إليه غيرنا ونبقى عليه إلى أن نلقى الله سبحانه فيشفعه فينا ويدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب ، آمين .

وأما بالنسبة لما يُذْكَر من أن التشهد خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن هذا أمر ذوقي هو إلى الحكمة أقرب منه إلى العلة ، والأحكام الشرعية منوطة بالأسباب والعلل لا بالأذواق والحِكَم ؛ فإن المصلِّي إنما يقول التشهد على جهة الإنشاء من نفسه ؛ مُحَيِّيًا اللهَ تعالى ومُسَلِّمًا على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين وشاهدًا بوحدانية الله تعالى ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يقصد بتشهده الإخبار والحكاية عما وقع في معراجه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم من خطابه لربه سبحانه وخطاب ربه له صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا المعنى الإنشائي يقتضي من المصلي تسويده أيضًا عليه الصلاة والسلام في الشهادة له بالرسالة عند من استحب تسويده من العلماء ، مع ملاحظة أن ذلك كله على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحتم والإيجاب .

والله سبحانه وتعالى أعلم.
تمت الإجابة بتاريخ 20/9/2005
الرقـم المسلسل 5613 الموضوع تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد التاريخ 19/03/2005 

الســــؤال 
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 686 لسنة 2005م المتضمن السؤال عن حكم تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد ؛ حيث إنه تعلم أن التشهد كان خطابًا من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فحين حيّا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربه تعالى بقوله : " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله " رد عليه رب العزة بقوله : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ، فرد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يحرم باقي المسلمين من تحية المولى عز وجل : " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " ، ثم شهد لربه بالوحدانية فقال : " أشهد أن لا إله إلا الله " ، فرد عليه المولى عز وجل شاهدًا له بالرسالة : " وأشهد أن محمدًا رسول الله " ، وتعلمت أن النصف الثاني من التشهد دعاء وهو الصلاة الإبراهيمية ، وهذا يقتضي أنه لا يجوز أن نقول : " وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله " ؛ لأن هذا كان خطابًا من الله تعالى له ، بينما يكون جواز التسويد في النصف الثاني ؛ لأنه دعاء .
فأرجو من فضيلتكم توضيح رأيكم في هذا ، وجزاكم الله خيرًا 

الـجـــواب
سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو جوهرة النفوس وتاج الرؤوس وسيد ولد آدم أجمعين ، ولا يدخل الإنسان دائرة الإيمان إلا بحبه وتعظيمه وتوقيره والشهادة برسالته ؛ فهو أحد ركني الشهادتين ؛ إذ لا يقبل الله تعالى من أحد الوحدانية حتى يشفعها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رسوله إلى العالمين .

وقد عَلَّمَنَا الله تعالى الأدب مع سيدنا محمد صلى الله عليه وآلـه وسلم حين خاطب جميع النبيين بأسمائهم أما هو فلـم يخاطبه باسمه مجردًا بل قال له : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ }{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}، وأمرنا بالأدب معه وتوقيره فقال : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح 8-9) ، 
ومن توقيره تسويدُه كما قال قتادةُ والسُّدِّيُ : " وتوقروه " : وتُسَوِّدُوهُ ، ونهانا عن التقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحذرنا من رفع الصوت على صوته الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أو الجهر له بالقول فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (الحجرات 1-3)، ونهانا أن نخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم كما يخاطب بعضنا بعضًا فقال تعالى : {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً} (النور 63).
فكان حقًّـا علينا أن نمتثل لأمر الله ، وأن نتعلم مع حب رسول الله صلى الله عليه وآلـه وسلم الأدب معه ، ومن الأدب أن نُسَوِّدَهُ كلما ذُكِر ، وأن نصلي عليه كلما ذُكِر ، وأن لا نخاطبه باسمه مجردًا عن الإجلال والتبجيل .
وقد أجمعت الأمة على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبد بها من قبل الشرع . 
أما بالنسبة للوارد فمذهب كثير من المحققين وهو المعتمد عند الشافعية – كما نص عليه الجلالان المحلي والسيوطي والشيخان ابن حجر والرملي – وعند الحنفية – كما قال الحلبي والطحطاوي – وبعض المالكية : أنه يستحب اقتران الاسم الشريف بالسيادة أيضًا في الأذان والإقامة والصلاة بناءً على أن الأدب مقدم على الاتباع كما ظهر ذلك في موقف سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة ( رسول الله ) عندما أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحوها ؛ تقديمًا للأدب على الاتباع ، وظهر ذلك أيضًا في تقهقر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يبقى مكانه وقال له بعد الصلاة : « مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم » ، وكذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث أخر الطواف لما دخل مكة في قضية صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على من دخل مكة ؛ أدبًا معه عليه الصلاة والسلام أن يطوف قبله وقال : « مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم » .

قال العلامة الجلال المحلي : " الأدب مع مَنْ ذُكِرَ مطلوب شرعًا بذكر السيد ؛ ففي حديث الصحيحين : « قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ » أي سعد بن معاذ ، وسيادتُه بالعلم والدين ، وقول المصلي ( اللهم صل على سيدنا محمد ) فيه الإتيان بما أُمِرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب ، فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق وإن تردد في أفضليته الشيخ جمال الدين الإسنوي ، وأما حديث « لا تُسَيِّدُوني في الصلاة » فباطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ " ا هـ .

وقال الحافظ السيوطي : " إنما لم يتلفظ صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ السيادة حين تعليمهم كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم لكراهيته الفخر ؛ ولهذا قال : « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ » ، وأما نحن فيجب علينا تعظيمه وتوقيره ؛ ولهذا نهانا الله تعالى أن نناديه صلى الله عليه وآله وسلم باسمه فقال : {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً}" اهـ .

وفي " مفتاح الفلاح " للإمام العارف بالله ابن عطاء الله السكندري : " وإياك أن تترك لفظ السيادة ففيها سر يظهر لمن لازم هذه العبادة " ا هـ .

بينما يرى فريق آخر من العلماء الاقتصار في الألفاظ المتعبد بها على ما ورد ؛ اتباعًا للفظ وفرارًا من الزيادة فيه .
وقد ألف العلامة الحافظ أحمد بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله في هذه المسألة كتابًا حافلاً ماتعًا سماه [ تشنيف الآذان بأدلة استحباب السيادة عند ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة والإقامة والأذان ]
جمع فيه كل ما يتعلق باستحباب ذكر الاسم الشريف مقترنًا بالسيادة مقررًا أنه لا تنافي بين الأدب والاتباع لأن في السيادة اتباعًا من جهة أخرى وهي الأمر بتوقيره صلى الله عليه وآله وسلم والنهي عن مخاطبته كما يخاطب الناس بعضهم بعضًا .
وإزاء هذا الخلاف فإننا نرى الأمر فيه واسعًا ، وليس لفريق أن ينكر على الآخر في الأمور الخلافية التي وسع من قبلنا الخلافُ فيها ، والتنازع من أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان مقترنًا بالسيادة مخالفًا للشرع ، بل فاعل ذلك محمود ومثاب على فعله هذا ، ونحن أحوج إلى حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العصر من أي وقت آخر ، فنحن في عصر تموج فيه الآراء وتختلف المشارب ، وكثرت الفتن في الظاهر والباطن ، وليس من نجاة من كل ذلك إلا بحب سيد الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نعلمه أبناءنا وندعو إليه غيرنا ونبقى عليه إلى أن نلقى الله سبحانه فيشفعه فينا ويدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب ، آمين .

وأما بالنسبة لما يُذْكَر من أن التشهد خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن هذا أمر ذوقي هو إلى الحكمة أقرب منه إلى العلة ، والأحكام الشرعية منوطة بالأسباب والعلل لا بالأذواق والحِكَم ؛ فإن المصلِّي إنما يقول التشهد على جهة الإنشاء من نفسه ؛ مُحَيِّيًا اللهَ تعالى ومُسَلِّمًا على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين وشاهدًا بوحدانية الله تعالى ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يقصد بتشهده الإخبار والحكاية عما وقع في معراجه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم من خطابه لربه سبحانه وخطاب ربه له صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا المعنى الإنشائي يقتضي من المصلي تسويده أيضًا عليه الصلاة والسلام في الشهادة له بالرسالة عند من استحب تسويده من العلماء ، مع ملاحظة أن ذلك كله على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحتم والإيجاب ، مع ملاحظة أن التشهد ليس نصفين ، بل هو شيء واحد ينتهي إلى قولك " رسول الله " ، وأما ما بعده فهو الصلاة على سيدنا النبي وعلى الآل وليس نصفًا ثانيًا للتشهد ، فهذا من الغلط الشائع على الألسنة ، ولذا وجب التبيه إليه .
والله سبحانه وتعالى أعلم.

تمت الإجابة بتاريخ 28/8/2005

مبحث شامل في إطلاق لفظ (السيد ) على النبي في العبادات وغير العبادات

انتشر في الآونة الأخيرة من ينكر على من يطلق لفظ السيادة بحق النبي صلى الله عليه وسلم ويشنع عليه فأحببنا أن نضع بين أيديكم ما يجلي الأمر ويبينه حتى لا يدع مجالا لمعاند أو مخالف أو مشنع 
من التقديرِ الواجبِ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتهِ وأهلِ بيته وأولياءِ أمتهِ تكريمُهم بألفاظِ التقديرِ والرفعةِ، منها لفظُ السيادة . وقد رأى الإمام الشافعيُ أن ذكر اسمِ الرسول صلى الله عليه وسلم بلا سيادة، فيه من سوء الأدب ما يكفي، بل إن الإمام ابن عبد السلام أفتى في قضية الطالب الذي قال لا يزاد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سيدنا، بأن يؤدب في السجن، وبقي هناك حتى شُفِّع فيه فخلى سبيله، كما في كتاب «إكمال الإكمال».
والملفت للنظر أن الذين يذكرونَ الاسم الشريف مجرداً هم المستشرقون ومن لا خلاق لهم.فلا يجوزُ أبداً التشبهُ أيضاً بالكفار في ذكره صلى الله عليه وسلم من غير السيادة، لأنهم هم الذين يذكرونَه باسمه مجرداً استهانة بقدره الشريف.
وإذا نظرنا إلى آيات القرآن العظيم نجد أن الله تعالى ذكر السيادة للبشر، فامتدح سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلامُ بقوله تعالى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (39 آل عمران) بل إن القرآن الكريم ذكر لفظ السيادة في حق من لا يملكون الرفعة فقال في سورَةِ يوسف {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (25 يوسف) والأمر نفسه ينطبق على لفظ المولى قال تعالى {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (41 الدخان).
أما أولئك الذين يتعللون بالحديث الشريف (السيدُ الله...) فقد حَرموا أنفسهم من خير عميم لجهلهم بأمورِ دينهم، فقد ردَّ عليهم العارفُ بالله ابنُ عجيبةَ في حاشيته على «الجامع الصغير» بأن الحديث يبين أن الله هو الذي يحق له السيادة المطلقة على الكون، بمعنى المالك القاهر والمهيمن، لأنه سيد كل ذي سيادة، إذ الخلق كلهم عبيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لَمَّا خوطب بما يخاطب به رؤساء القبائل من قومهم أنت سيدنا ومولانا (بالمعنى القبلي للسيادة) أنت سيد قريش، وكانوا قريبي عهد بالإسلام وأراد رسول الله صلى الله عليه أن يمكِّن العقيدة في نفوسهم بأن الخضوع التام للمالك الحقيقي وهو الله سبحانه.
وقد نُقل عن الإمام مالك رضي الله عنه امتناع إطلاق السيد على الله، إلا إذا أريد بيان هذا المعنى الذي قصده صلى الله عليه وسلم. ولا شك بأن هذه الشبهة المثارة لا تحمل استدلالاً على عدم التسويد لأن القرآن ذكرها للبشر بحق سيدنا يحيى وبحق العزيز في قصة يوسف.
أما السنة النبوية فقد تواترت فيها الأحاديث في شرعية التسويد وإطلاقه على غير الله تعالى. روى البخاريُ في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وليقل المملوكُ سيدي وسيدتي فانهم المملوكون والربُ الله عز وجل) في إشارة إلى أنهم كانوا يستخدمون لسادتهم لفظ (ربي) كما ذكر القرآن حكاية قولهم في سورة يوسف {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} (42 يوسف) فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرهم بإطلاق لفظ (سيدي وسيدتي) وفي رواية أبي داودَ أيضاً (وليقل سيدي ومولاي). فإذا كان هذا بالنسبة للعبد مع سيده فكيف لا يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!؟.
وكتبَ الشيخ محمد سليمان فرج رسالة بعنوان «دلائل المحبة وتعظيم المقام في الصلاة والسلام على سيد الأنام» بين فيها وجوب ذكر لفظِ السيادة عند ذكرِ اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها عددا من الأدلة الشرعية نسوق بعضها لإخواننا:
جاء في صحيحِ مسلمٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يقول للعبد يوم القيامة ألم أكرمك وأسودك)، أي أجعلُك سيداً.فهذا الامتنانُ من الله تعالى بنعمة السيادة يدلنا على أنها شرفٌ للإنسان، فكيف لا يكون أفضل الخلق جديراً بهذا الشرف. وبذلك يتجلى لنا أن من يقول إن السيادة لا تطلق إلا على الله سبحانه وتعالى فقط، لا يُعتدُّ بقوله لأنه مخالف لمنهج القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية. وكم من الصفات اشترك بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الله، تكون لله مطلقةً ولرسوله ولغيره مقيدةً، كاسمي الرحيم والرؤوف، فهما من أسماء الله الحسنى وصفاته، إلا أن الله وصف بهما نبيه فقال {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (128 التوبة) كما أن اسم السيد لم يرد في أسماء الله الحسنى.
وهناك أيضاً شبهة أخرى (أوردها صاحب الرسالة المشار إليها سابقا): "وهي ما يظنه بعض الناس حديثا نبويا وهو قولهم (لا تسيدوني في الصلاة)، فهو لا يصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لحن فاحش، وخطأ لغوي لا تجوز نسبته لأفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم. لأن الفعل (سَيَّدَ) لم يرد في لغة العرب وإنما (سَوَّدَ). ولذلك أدرك بعض الناس هذا المعنى فقالوا إن الحديث يجب أن يكون بعبارة (لا تسودوني في الصلاة)، ولكن هذا أيضاً أشد بطلانا، وكذبٌ وافتراءٌ على سيدنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورده الكثير من المحدِّثين في الموضوعات التي وضعت كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بذلك السيوطي والحافظ السخاوي والإمام جلال الدين المحلي والشمس الرملي وابن حجر الهيثمي وبعض فقهاء الشافعية والمالكية والقاري في موضوعاته".
وكذلك قولهم (لا تعظموني في المسجد) فانه باطل أيضاً، وقيل لا أصل له. وقد جاء في «كشف الخطأ» للحافظ العجلوني ما نصه: "قال في المقاصد (أي السخاوي) لا أصل له". وقال الياجي في أوائل مولده المسمى «كنـز العفاة» "بل انه لو فرضنا مجرد احتمال وروده مع أن هذا بعيد أشد البعد، ومع أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فانه يمكن تأويله بما يناسب المقام كما أوّل العلماء حديث (السيد الله…)".
إن التزام الأدب معه صلى الله عليه وسلم مقدمٌ على امتثال الأوامر، كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما جاء سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يؤم الناس فتأخر أبو بكر، فأمره أن يثبت مكانه فلم يمتثل، ثم سأله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة عن ذلك فأبدى له أنه فعل ذلك تأدباً معه صلى الله عليه وسلم قائلاً: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.
وكذلك التزام سيدنا علي بن أبي طالب الأدب دون امتثال الأمر حين كتب الكتاب للمصالحة في الحديبية وكان فيه لفظ رسولُ الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسولُ الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد ابن عبد الله. فقال صلى الله عليه وسلم إني رسول الله وان كذبتموني، امحه (أمرٌ لعلي بمحو لفظ رسول الله) فقال سيدنا علي: والله لا أمحوه. ومحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، ولم يُنكر على الإمام علي حُسن أدبه. قال العلماء المحققون وهذا من الأدب المستحب. وكذلك زيادة لفظ السيد عند ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم من الأدب المستحب، بل إن الأدلة الشرعية الآتية ترقى بذلك إلى درجة الوجوب.
ومن الأدب أيضا أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه أخّر الطواف لما دخل مكة في قصة صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على من دخل البيت الحرام، أدباً معه صلى الله عليه وسلم أن يطوف قبله وقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم بعد علمه ذلك.
وجاء في صحيح البخاري ومسلم قولهُ صلى الله عليه وسـلم (أنا سيُد ولد آدم ولا فخر) وقال ابن عباس: السيد: الكريم على ربه. وقال قتاده: السيد: الذي لا يغلبه غضبه.
وفي البخاري ومسلم وأحمد (أنا سيدُ الناس يوم القيامة). وذلك شامل لسيدنا آدم عليه السلام، لقوله صلى الله عليه وسلم (آدمُ فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي). ومما رواه الخطيب قوله صلى الله عليه وسلم {أنا إمام المسلمين وسيد المتقين}.
فهذه الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد التواتر تدل دلالة لا لبس فيها على أن لفظ السيادة واجب على كل مسلمٍ محبٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلكَ لفظُ (مولى) للحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده و الترمذي والنسائي وابن ماجة (قال صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعليٌ مولاه). وليس هذا فحسب، بل إن الصحابة الأجلاء وآل بيت رسول الله الكرامَ الأطهار هم سادتنا، فقد روى البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للسيدة فاطمة رضي الله عنها (يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سَيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة). فيجب علينا أن نذكر سيدتنا ومولاتنا فاطمة بلفظ السيادة عند ذكرها دائما. وكذلك سيُّدنا الحسن فقد روى البخاريُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندما رأى سَيِّدنا الحسن (إن ابني هذا سيدٌ يصلح الله على يده بين فئتين متحاربين). وأيضا سيُدنا ومولانا الحسين فقد اخرج الترمذي بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الحسنُ والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
وكذلك ورد في حق سيدنا ومولانا أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وسيدنا ومولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه الترمذي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكرٍ وعمرُ سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا من النبيين والمرسلين). بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه ذلك المعنى بأجلى وضوح، فقد روى البخاريُ ومسلمٌ عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء على حمارٍ فقال صلى الله عليه وسلم للصحابةِ (قوموا إلى سيدكم). فهل بعد ذلك حجة!؟.
فإذا كانت هذه أخلاقُ الإسلام في معاملة أصحاب الفضل والعلم، فكيف تكون المعاملةُ مع أحب الخلق إلى الله وهو بمنزلة الأب الحقيقي للمؤمنين قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6 الأحزاب)
إذاً هذه أدلة على جواز قول كلمة سيدي ومولاي لرسول الله صلى الله عليه وسلم..اما أدلة جوازها لأخيه المسلم فقد مر بعضها والآن نورد بعضها الآخر..
وكان الصحابة ينادون بعضهم بعضاً بهذا اللفظ الذي يشعر بالتكريم والإجلالِ، فقد روى الحاكمُ في المستدرك بسند صحيح (أن أبا هريرةَ رضي الله عنه لما ردَّ السلام على سيدنا الحسن قال وعليك السلام يا سيدي. ثم قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيد).
وما قاله الفاروق رضي الله عنه: (أبو بكرٍ سيدنا واعتق سيدنا) (أي سيدنا بلال) رضي الله عنه.
وروى الحاكم بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (سيدُ الشهداء حمزةُ بن عبد المطلب).
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغ الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، فقد قال المحققون يزاد فيها لفظُ السيادة سواء في الصلاة أو خارجها مستدلين بعمل سيدنا أبي بكر في المحرابِ وامتناع سيدنا علي في قصة الصحيفة وليس في ذلك مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هناك قاعدتين: امتثال الأمر، والتزام الأدب، والأرجحُ التزامُ الأدبِ، وبهذا أفتى الإمام عز الدين بن عبد السلام وجماعةٌ من فقهاء الشافعية

ورد في حديث ابن مسعودأنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين.... الحديث. أخرجه ابن ماجه

    أما حكم تسويده صلى الله عليه وآله وسلم فى العبادات وغير العبادات .

-       بالنسبة لغير العبادات . فلا خلاف على جوازه بين أحد من العلماء فهو اجماع ولا عبرة لمن شذ ممن عجز عن الجمع بين الادلة .

-       أما بالنسبة للعبادات كالصلاة والاذان . فاختلف الفقهاء فى هذه المسالة وقد نقل فى كتب المذاهب الفقهية المعتمدة ندب الاتيان بلفظ سيدنا قبل الاسم الشريف حتى فى العبادات كالاذان والصلاة .

-       فمن الحنفية الحصفكى صاحب الدر المختار حيث قال ندب السيادة ، لأن زيادة الاخبار بالواقع هو عين سلوك الأدب وهو أفضل من تركه ، ذكره الرملى الشافعى وغيره وما نقل لا تسيدونى فى الصلاة فكذب .

-       كما صرح من المالكية باستحبابه النفراوى وقالوا ان ذلك من قبيل الأدب ورعاية الأدب خير من الامتثال ، ويقول الشيخ الحطاب المالكى ذكر عن ابن مفلح نحو ذلك .

-       أما من الشافعية قال به شمس الدين الرملى وقال بعض الشافعية :ويسن زيادة لفظ السيد فى التشهد فنقول سيدنا محمد وسيدنا ابراهيم ، واستدلوا بأن الأدب مقدم على الاتباع ، ويؤيد ذلك حديث سيدنا أبو بكر حين أمره النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدى رسول الله ، وكذلك امتناع سيدنا على أن يمحو اسمه الشريف من الصحيفة حين أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وقال والله لا امحو اسمك ابدا .

-       وذكر عن الشيخ العز بن عبد السلام أن الاتيان بها فى الصلاة ينبنى على الخلاف ، هل الأولى امتثال الأمر أو سلوك الأدب ، قلت :والذى يظهر لى وأفعله فى الصلاة وغيرها الاتيان بلفظ السيد والله اعلم  .                                   
مواهب الجليل شرح مختصر الخليل الحطاب ج1ص21.

السبت، 3 ديسمبر 2016

مزلقة الوهابية الكبرى في تفسير العبادة


يقول القضاعي في فرقان القرآن
 (إنّ الغلط في تفسير العبادة ، المزلقةُ الكبرى والمزلَّة العظمى ، التي أُستحِلت بها دماءُ لا تحصى ، وانتهكت بها أعراض لا تعد ، وتقاطعت فيها أرحام أمر اللّه بها أن توصل ، عياذاً باللّه من المزالق والفتن , ولاسيما فتن الشبهات. 
فاعلم أنّهم فسّروا العبادة بالاِتيان بأقصى غاية الخضوع ، و أرادوا بذلك المعنى اللغوي ، أمّا معناها الشرعي فهو أخصّ من هذا كما يظهر للمحقّق الصبّار على البحث , من استقراء مواردها في الشرع ، فإنّه الاِتيان بأقصى غاية الخضوع قلباً باعتقاد ربوبية المخضوع له ، فإن انتفى ذلك الاعتقاد لم يكن ما أتى به من الخضوع الظاهري من العبادة شرعاً ، في كثير ولا قليل مهما كان المأتي به و لو سجوداً.
ومثل اعتقاد الربوبية اعتقاد خصيصة من خصائصها كالاستقلال بالنفع والضر، 
و كنفوذ المشيئة لا محالة 
ولو بطريق الشفاعة لعابده عند الربّ
 الّذي هو أكبر من هذا المعبود.
و إنّما كفر المشركون بسجودهم لاَوثانهم و دعائهم إيّاهم وغيرهما من أنواع الخضوع لتحقّق هذا القيد فيهم ، وهو اعتقادهم #ربوبية ما خضعوا له ، أو خاصة من خواصها كما سيأتيك تفصيله.
ولا يصحّ أن يكون السجود لغير اللّه فضلاً عمّا دونه من أنواع الخضوع بدون هذا الاعتقاد، عبادة شرعاً -كسجود الملائكة لآدم- ، فإنّه حينئذٍ يكون كفراً وما هو كفر فلا يختلف باختلاف الشرائع ، ولا يأمر اللّه عزّ وجلّ به , ((قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ)) الاَعراف- 28 , ((وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْر)) الزمر-7 , وذلك ظاهر إن شاء اللّه . 
وها أنت ذا تسمع اللّه تعالى قد قال للملائكة: ((اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ ابلِْيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ )) البقرة-34 , وقال: ((أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)) الاَعراف-12, وقال: ((ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلْقْتَ طِيناً)) الاِسراء-61 , والقول بأنّ آدم كان قبلة قول لا يرضاه التحقيق ويرفضه التدقيق في فهم الآيات كما ينبغي أن تفهم.
فإن تعسّر عليك فهم هذا -وهو ليس بعسير إن شاء اللّه تعالى- ، فانظر إلى نفسك فانّه قد يقضي عليك أدبك مع أبيك واحترامك له أن لا تسمح لنفسك بالجلوس أو الاضطجاع بين يديه ، فتقف أو تقعد ساعة أو فوقها , و لا يكون ذلك منك عبادة له ، لماذا لاَنّه لم يقارن هذا الفعل منك اعتقاد شيء من خصائص الربوبية فيه , و تقف في الصلاة قدر الفاتحة وتجلس فيها قدر التشهد و هو قدر دقيقة أو دقيقتين فيكون ذلك منك عبادة لمن صلّيتَ له ، و سرّ ذلك هو أنّ هذا الخضوع الممثّل في قيامك و قعودك يقارنه اعتقادك الربوبية لمن خضعتَ له عزّوجل.
وتدعو رئيسك في عمل من الاَعمال أو أميرك أن ينصرك على باغ عليك أو يغنيك من أزمة نزلت بك و أنت معتقد فيه انّه لا يستقل بجلب نفع أو دفع ضر، و لكن اللّه جعله سبباً في مجرى العادة يقضي على يديه من ذلك ما يشاء فضلاً منه سبحانه، فلا يكون ذلك منك عبادة لهذا المدعوّ، و أنت على ما وصفنا، فإن دعوتَه و أنت تعتقد فيه أنّه مستقل بالنفع، أو الضرّ، أو نافذ المشيئة مع اللّه لا محالة، كنت له بذلك الدعاء عابداً، و بهذه العبادة أشركته مع اللّه عزّوجلّ، لاَنّك قد اعتقدت فيه خصيصة من خصائص الربوبية، فانّالاستقلال بالجلب أو الدفع و نفوذ المشيئة لا محالة هو من خصائص الربوبية، والمشركون إنّما كفروا بسجودهم لاَصنامهم و نحوه لاعتقادهم فيها الاستقلال بالنفع، أو الضرّ ونفوذ مشيئتهم لامحالة مع اللّه تعالى، و لو على سبيل الشفاعة عنده، فانّهم يعتبرونه الربّ الاَكبر و لمعبوداتهم ربوبية دون ربوبيته، و بمقتضى ما لهم من الربوبية وجب لهم نفوذ المشيئة معه لا محالة))