الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

قطرات من العلم اللدنى


                                               جـزاءُ الإحسان
**********
(هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)
[الآية 60 - الرحمن]

والإحسان هنا يعني مقام الإحسان !!!
لكن هل الإحسان ؛ يعني يوزع عليهم فلوس؟ أو أكل أوشرب؟
جزاء الإحسان يعني: نُزُل الإحسان، مشاهد الإحسان، مقامات الإحسان، أليس هذا جزاءاً؟ أم يكون جزاءاً حسياً؟ 
لا ينفع ، لقول الله تعالى:
(وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) 
[الآية (86) النساء]
وهذا لنا نحن ، فما بالكم مع الله ، ماذا يكون؟!!!
فعندما أحسن عملي ؛ يكون جزائي مشاهد الإحسان، ومنازل الإحسان ، وخزن الإحسان .
وهذه خزن في القرآن، وفي سدرة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، لمن بلغوا مقام القرب والتدان
ولذلك لما ربنا يتكلم عن الجماعة الذين آمنوا :
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ – 
فى الدنيا – 
يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا) 
[107 سورة الاسراء]

لأنهم سمعوا قبل ذلك هناك، والذي لم يسمع هناك، من الذي يقدر أن يسمعه هنا؟!! لا أحد!!
لازم يكون سمع من هناك في عالم الأزل، وهذا هو سر سابقة الحسنى :
سبقت لهم الحسنى هناك فسمع ورأى، فلما يسمع هنا يكون تكراراً لما رآه وسمعه هناك .
ولذلك لما كلف حضرة النبي ماذا قال له؟
وذكَِّر...! يعني حاجة أخذوها قبل ذلك!! فذكِّر وراجع معهم أنت هنا، 

فالدروس أخذوها هناك، وأنت تراجع هذه الدروس..! ... أليس كذلك ؟
فإنها مراجعة فقط !! لكن الدروس قيلت قبل ذلك ، وأخذوها في عالم الأزل
لكن الذي لم يأخذ هذه الدروس .. هل يقدر أحد ، أن يراجعها معه هنا؟!! لا يهضمها..!!
( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ )
[21-الغاشية]
تذكر بالذي كان هناك ..
( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ
أوتوا ؛ يعني بالفضل ...وليس بالتعليم..
(مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ - 
هنا فى الدنيا -
يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )
[107 : 109 - سورة الإسراء]
إذاً الخشوع موجود قبل ذلك ، لكن يَزيدُ الخشوع .

الذكرى تنفع المؤمنين
***************
وهكذا عطاءات الله ، وهذا هو حال المؤمنين!!
لكن هل هناك من أحد يستطيع أن يعلّم من البداية؟ ... من لا يوجد له التعليم من هناك ؟ لا..
لأنا في الدنيا ، نراجع مع بعض الدروس ، نذكِّر بعضاً ،
لأن الواحد فينا عندما ينزل إلى الدنيا ينسى ، أو تفتر عزيمته ، نتيجة الانشغال بالشهوات ، والحظوظ ، والأهواء ، والملذات .
لأننا كلنا كنا في جنة آدم ، لما آدم هبط إلى الأرض ماذا حدث ؟ لماذا نزل ؟
ذكر الله السبب وقال :
( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) 
[الآية (115) طه]
ما سبب نزوله؟
نسي الذي أخذه قبل ذلك .
ولماذا ضعفت عزيمته ؟
انشغل بمظاهر الجنة ، الثمار في الجنة ، والأطيار ، والملائكة ، وغير ذلك فانشغل .
وهي نفس الحكاية بالنسبة لك .. ولي!!
لقد كنا في الجنة العالية هناك ، جنة المعاني ، وجنة الحقائق ، وجنة الأرواح ، وجنة اللطائف .
عندما يأتي الواحـد إلى الدنيا ، إذا لم يكن يجالس المذكِّرين ؛ سينسى
إذا انشغل بالمظاهر ، والمطارف ، والشهوات ، والحظوظ ، والمباني ، والمغاني ، والمساكن!!!
كذلك سيضعف وينطبق عليه نفس الحكاية...!!
( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )
نفس المرض ، فالبعد ، أو الغفلة ، أو القسوة ! ما سبب هذا كله؟
(نسي ... ولم نجد له عزماً) ، أيُّ أسباب أخرى ....كلها تنطوي تحت هذه الأسباب .
ما علاج النسيان؟ فذكر!!
ولذلك كنز المذكرين هو صلى الله عليه وسلم ؛ مذكر ، وكذلك الورثة من بعده مذكرون .
هل أحد من الورثة معه حاجة جديدة؟ أبداً ، ولكنه يذكر
ولذلك عندما تسمع... يرتاح لهذا السماع قلبك ، ويحن له فؤادك .
وإذا واحد لم يسمع هذه الحقائق ؛ فلا يقبلها!!!
وعندما ترى واحداً كان معك هناك في الفصل ، ويمكن أن تكون تراه لأول مرة ، فتقول لنفسك ولمن حولك:
لقد رأيت هذا الرجل قبل ذلك ....ولكن لا أعرف أين ؟..ومتى...؟
على الرغم من أنه لم يحدث لقاء في الدنيا!!! ... إذاً أين كان اللقاء؟
كان اللقاء هناك ، ولكن ذكرت به هنا ، لأنك في حالة الصفاء ، وقد قال في ذلك سيدنا رسول الله :
(الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها) 
(المستدرك على الصحيحين للحاكم عن سلمان الفارسي)
أين ؟ هناك ... (إئتلف) هنا ، ويريدون أن يكونوا مع بعض ولا يفارقون بعضهم ......توجد بينهم ألفة !!
ومن أين تأتي هذه الألفة؟
( وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )
[آية (63) الأنفال]
من الله ؛ أي ليس من هنا ؛ ولكن من هناك .
*************

 

ألفة القلوب ومشاهد الأصفياء


                                                                         ألفة القلوب

*******
وهل يقدر واحد أن يؤلف بين اثنين هنا؟!! أين هو؟!!
حتى لو ألفت بينهم!!! المصالح كذلك تنفرهم من بعضهم ...
المصالح...!!!!
لكننا نتكلم عن الألفة التى ستدوم ، لازم تكون من الحي القيوم ، من هناك .
ولكن الله ألف بينهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ...لكي تعطيه لهم - كذلك ... ما ألفت بين قلوبهم !! 
ستؤلف بين الأجساد ، ولكننا نتكلم عن ألفة القلوب ..!
لأن المصالح هي التي تؤلف بين الناس ، فيشتركون في تجارة ، أو يشتركون في زراعة ،.... هذه ألفة المصالح ،
لكن الذي يتكلم عليه حضرة الله " ألفة القلوب " ، وهذه من هناك
( وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )
[ 63 ، الأنفال]
-عندما يرى الإنسان واحداً ما ، يقول لقد رأيت فلان هذا ... متى..!! ؟..وهذه أمور يحتار فيها الإنسان!!!!



لكن عندما يرجع لسيدنا رسول الله ، يعرف أن هذه الألفة حدثت قبل القبل ،
فعندما يحضرون إلى هنا فالأرواح تعارفت ، 
وكان دائما ما يحدث هذا بين الصالحين وبين المريدين ، فيعرفون بعضهم فوراً من غير حاجة ؛ 
وهذا من باب الألفة السابقة
(وما تناكر منها اختلف) ... فيحاول أن يتقرب ، ويتودد إليه ، بكل الطرق!! بلا جدوى..!!
- لماذا؟ لأن الحالة سابقة !!
هل هناك أحد من الأولين ، والآخرين ، يقدر يعمل عملية ...تصلح هذه الأحوال ؟ مستحيل !
- سيدنا أويس - رضي الله عنه وأرضاه ... عندما سمع عنه واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - 
وهو هرم بن سنان - فأخذ يبحث عنه .
وفي يوم من الأيام ، وهو يسير على شاطئ دجلة ، وكان سيدنا أويس قاعد على النهر يتوضأ ، فقال لسيدنا أويس :
السلام عليكم
فرد عليه قائلاً : وعليك السلام يا هرم بن سنان..!
فقال : كيف عرفتني؟ 
قال: عرفت روحي روحك ، فعرفت اسمك !!
لأن الروح تعرف الروح من هناك
قال له : هل أنت أويس القرني؟ 
قال : نعم
وكذلك الرجل الصالح الذي رأى في المنام أنه سيتزوج امرأة ما - وكان اسمه الشيخ عبدالواحد بن زيد من التابعين - 
سيتزوج امرأة - اسمها ميمونة المجنونة - فأخذ يبحث عنها ، فقالوا له : إنها مجنونة في صحراء البصرة .
فظل يبحث عنها ، إلى أن وجدها واضعة عكـازها في القبلة ، وتصلي - والذئاب في وسط الغنم ولا تؤذيها - 
وبعد أن فرغت من الصلاة ، قالت له : ما الذي جاء بك يا عبدالواحد ؟
فقال: كيف عرفتيني ؟
قالت : عرفت روحي روحك 
فأراد أن يكلمها ، فقالت : ليس هنا ولكن في الجنة !. الزواج في الجنة..!
من أين هذا يا إخواني؟
من عالم الحقائق ، والتي سمعناها ، ورأيناها :
( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) 
[الآية (18) آل عمران]
شهدوا هذه الحالة!!!
شهدوا الوحدانية ، وحيطة القيومية ، وظهور أنوار الصمدانية ،
في هذه العوالم الخفية ، 
قبل النزول إلى الحياة الكونية ، وقبل نزول الأرواح في هذه الأجساد الآدمية.
**************
مشاهد الأصفياء
**********
فعندما ينزل الإنسان هنا، يتذكر هذه المشاهد، ويعيش في رحابها، ويتهنى بمشاهدها،
ويتمنى بالشوق والحنين أن يرجع لها ثانية !! ولذلك ربنا عندما يذكرنا في القرآن ، يقول:
( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى )
[الآية (8) العلق]
سترجع ثاني ، وعندما ترجع ثانية لعالم الحقائق بشرط أن تتجرد من الجسم وأنت فيه!!
وتتجرد من النفس وشهواتها وأهوائها وهي معك!! فترجع لهذه الحالة من الصفاء .. فترجع لما كنت فيه
( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) ...
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ )

أي أرجع تاني للطريق الذي أتيت منه ، أليس كذلك ؟
( إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً )
أين تذهب إذاً ؟
( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي ) 
(28: 30 – الفجر)
فهذه مشاهد الجنات، ومشاهد العباد التي كنت تعيشها هناك
ومتى يكون هذا؟ عندما ترجع لهذا الطريق مرة أخرى!!!
كل الموضوع أنه يريد الرجوع إلى الحال والمشاهد التي كان الإنسان فيها قبل خلق الخلق، وقبل القبل،
عندما كنا في حيطة الواحد الأحد الفرد الصمد ،
قبل خلق المال والأهل والولد، وانشغالنا بالبلد، وما بداخل البلد، ومشاغل البلد، ومشاكل البلد، وهذا ما شغلنا .
فإذا رجع الإنسان للواحد الأحد ، انتهى الأمر ؛
ويشهد ما قد شهده من المشاهد الأولى ، وهي :
( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ )
[104 - الأنبياء]
فتكون هذه هي الإعادة إن شاء الله رب العالمين.
**********

عطاءات الله

                                               جـزاءُ الإحسان
**********
(هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)
[الآية 60 - الرحمن]

والإحسان هنا يعني مقام الإحسان !!!
لكن هل الإحسان ؛ يعني يوزع عليهم فلوس؟ أو أكل أوشرب؟
جزاء الإحسان يعني: نُزُل الإحسان، مشاهد الإحسان، مقامات الإحسان، أليس هذا جزاءاً؟ أم يكون جزاءاً حسياً؟ 
لا ينفع ، لقول الله تعالى:
(وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) 
[الآية (86) النساء]
وهذا لنا نحن ، فما بالكم مع الله ، ماذا يكون؟!!!
فعندما أحسن عملي ؛ يكون جزائي مشاهد الإحسان، ومنازل الإحسان ، وخزن الإحسان .
وهذه خزن في القرآن، وفي سدرة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، لمن بلغوا مقام القرب والتدان
ولذلك لما ربنا يتكلم عن الجماعة الذين آمنوا :
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ – 
فى الدنيا – 
يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا) 
[107 سورة الاسراء]

لأنهم سمعوا قبل ذلك هناك، والذي لم يسمع هناك، من الذي يقدر أن يسمعه هنا؟!! لا أحد!!
لازم يكون سمع من هناك في عالم الأزل، وهذا هو سر سابقة الحسنى :
سبقت لهم الحسنى هناك فسمع ورأى، فلما يسمع هنا يكون تكراراً لما رآه وسمعه هناك .
ولذلك لما كلف حضرة النبي ماذا قال له؟
وذكَِّر...! يعني حاجة أخذوها قبل ذلك!! فذكِّر وراجع معهم أنت هنا، 

فالدروس أخذوها هناك، وأنت تراجع هذه الدروس..! ... أليس كذلك ؟
فإنها مراجعة فقط !! لكن الدروس قيلت قبل ذلك ، وأخذوها في عالم الأزل
لكن الذي لم يأخذ هذه الدروس .. هل يقدر أحد ، أن يراجعها معه هنا؟!! لا يهضمها..!!
( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ )
[21-الغاشية]
تذكر بالذي كان هناك ..
( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ 
أوتوا ؛ يعني بالفضل ...وليس بالتعليم..
(مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ - 
هنا فى الدنيا -
يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )
[107 : 109 - سورة الإسراء]
إذاً الخشوع موجود قبل ذلك ، لكن يَزيدُ الخشوع .

الذكرى تنفع المؤمنين
***************
وهكذا عطاءات الله ، وهذا هو حال المؤمنين!!
لكن هل هناك من أحد يستطيع أن يعلّم من البداية؟ ... من لا يوجد له التعليم من هناك ؟ لا..
لأنا في الدنيا ، نراجع مع بعض الدروس ، نذكِّر بعضاً ،
لأن الواحد فينا عندما ينزل إلى الدنيا ينسى ، أو تفتر عزيمته ، نتيجة الانشغال بالشهوات ، والحظوظ ، والأهواء ، والملذات .
لأننا كلنا كنا في جنة آدم ، لما آدم هبط إلى الأرض ماذا حدث ؟ لماذا نزل ؟
ذكر الله السبب وقال :
( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) 
[الآية (115) طه]
ما سبب نزوله؟
نسي الذي أخذه قبل ذلك .
ولماذا ضعفت عزيمته ؟
انشغل بمظاهر الجنة ، الثمار في الجنة ، والأطيار ، والملائكة ، وغير ذلك فانشغل .
وهي نفس الحكاية بالنسبة لك .. ولي!!
لقد كنا في الجنة العالية هناك ، جنة المعاني ، وجنة الحقائق ، وجنة الأرواح ، وجنة اللطائف .
عندما يأتي الواحـد إلى الدنيا ، إذا لم يكن يجالس المذكِّرين ؛ سينسى
إذا انشغل بالمظاهر ، والمطارف ، والشهوات ، والحظوظ ، والمباني ، والمغاني ، والمساكن!!!
كذلك سيضعف وينطبق عليه نفس الحكاية...!!
( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )
نفس المرض ، فالبعد ، أو الغفلة ، أو القسوة ! ما سبب هذا كله؟
(نسي ... ولم نجد له عزماً) ، أيُّ أسباب أخرى ....كلها تنطوي تحت هذه الأسباب .
ما علاج النسيان؟ فذكر!!
ولذلك كنز المذكرين هو صلى الله عليه وسلم ؛ مذكر ، وكذلك الورثة من بعده مذكرون .
هل أحد من الورثة معه حاجة جديدة؟ أبداً ، ولكنه يذكر
ولذلك عندما تسمع... يرتاح لهذا السماع قلبك ، ويحن له فؤادك .
وإذا واحد لم يسمع هذه الحقائق ؛ فلا يقبلها!!!
وعندما ترى واحداً كان معك هناك في الفصل ، ويمكن أن تكون تراه لأول مرة ، فتقول لنفسك ولمن حولك:
لقد رأيت هذا الرجل قبل ذلك ....ولكن لا أعرف أين ؟..ومتى...؟
على الرغم من أنه لم يحدث لقاء في الدنيا!!! ... إذاً أين كان اللقاء؟
كان اللقاء هناك ، ولكن ذكرت به هنا ، لأنك في حالة الصفاء ، وقد قال في ذلك سيدنا رسول الله :
(الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها) 
(المستدرك على الصحيحين للحاكم عن سلمان الفارسي)
أين ؟ هناك ... (إئتلف) هنا ، ويريدون أن يكونوا مع بعض ولا يفارقون بعضهم ......توجد بينهم ألفة !!
ومن أين تأتي هذه الألفة؟
( وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )
[آية (63) الأنفال]
من الله ؛ أي ليس من هنا ؛ ولكن من هناك .
*************


 
 

ذق تعرف


                    نظامنا الذي نسير عليه -

                       وكذلك الصالحون                           كانوا وما زالوا يمشون عليه :

إن الدراسة في أكاديمية الصالحين
تنقسم إلى قسمين:
- جانب نظري أكاديمي في الدروس والمحاضرات ،
- وجانب عملي في المعمل .

والمعمل يعني: أن كل واحد يُحْضِر نفسه فيما بينه وبين نفسه وربه، في معمل نفسه، ويعمل معها الواجب؛
لكي يطبق هذه الدروس في الناحية العملية 
ولا توجد إفادة أو إثابة، ولا فتح؛ إلا بعد التطبيق العملي!!
فلو أن الإنسان حصَّل دروساً نظرية – مثل بعض إخواننا الذين معنا منذ ثلاثين سنة – 
لكنه يحصَّل نظري، ولا يريد أن يفتح معملاً أبداً عنده، ماذا نفعل له ؟
- وبالمثال يتضح المقال: 
واحد يعمل (حلواني عند جروبي)، وأخذ دراسـات أكاديمية ويطبخ كل أنواع الحلوى،
والجاتوهات الشرقية والغربية والهندية والصينية، وغيره، ولكن لم يتذوقها أبداً!! 
هل يستطيع معرفة نكهة أي حلوى من التي يصنعها؟ لا !!! متى يدرك نكهتها؟ 
عندما يصنعها، ويتذوقها!! لكن الشرح النظري لا يكفي، 

ومبدأ الصالحين في معرفة الحقائق: " ذق تعرف "
والذوق لا يكون إلا بعد الممارسة العملية!!!

- مثال آخر: لكي يكون الواحد من الصالحين لازم يتجمل بجمال الصالحين ، 
وجمال الصالحين .. هل هو جمال الصورة؟ لا..
ولكنه جمال الطبع ، وجمال الأخلاق ، وجمال الأحوال ، وجمال السلوكيات ، .. هذا جمالهم!!!
ولكي أدرك هذه الأشياء، وأصبح معهم:
لا بد من أن أغيِّر نمط أخلاقي ، وسلوكياتي ، وحياتي ، وأجعلها على نمطهم؛ وإلا سأظل محلك سِرْ!!
وإن كنت معهم خمسين سنة، أو ستين سنة، أو أكثر أو أقل!!

- مثال ثالث: لكي يكون الواحد منا من الصالحين، سيباح له أسـرار!! وسيُكشف له عن أنوار!! 
لا تباح إلا للأخيار 
متى يباح له الأسرار؟ ويماط اللثام عن قلبه ليرى الأنوار؟ إذا كان كاتماً للأسرار!!
وإذا كان هذا الشخص لا يقدر أن يكتم كلمة سمعها من واحد!! فكيف سيكون كاتماً للأسـرار؟!!
فلو إستمع إلى خمسين محاضرة عن كتمان السر وعنوانها:
المجالس بالأمانات "
لكنه لم يطبق هذه المحاضرات على حياته العملية، فسيظل طوال عمره غربال!! 
كم يحفظ الغربال من الماء؟..لا شيء!!
فهل يباح لمثل هذا في أي وقت من الأوقات سر من الأسرار الإلهية؟ ...لا، ... لماذا؟
لأنه لم يدرِّب نفسه على كتمان الأســـرار ؛ 
وإذاً ! لا تباح له الأســرار.
من الذي سيدربه؟ هو...!!
لكنني أرى كثير من إخواني ، مثل تلاميذ هذه الأيام:
فالولد عندي ، وعندك ، لا يذاكر - وكذا البنت!!
فإذا قلنا له: يا بني نحن نريد منك الحصول على مجموع عال في الثانوية
فإنه يقول لك: دبر لي أمْهَرُ مدرس في الدروس الخصوصية، وليس لك شأن!!
ولكن هل المدرس سيذاكر بدلاً منه؟!!!
كذلك نفس الأمر بالنسبـة لأغلب المريدين في هذا الزمان؛
فهم متخيلون أنهم ما داموا في صحبة فلان من العارفين؛ 
فسيصبح كل واحد منهم في يوم من الأيام من أولياء الله المتقين!!
ونحن نقول له: 
في إمكانك ذلك، لكن عندما تفتح المعمل الخاص بك، وتدخل فيه نفسك، وتحجِّمها، وتحدِّدها، 
ويا حبذا لو تسحقها وتَمْحَقُها، وتجعلها تنبت من جديد على النهج السديد للنبي الرشيد 
صلى الله عليه وسلم.
فقد تكون معجباً بنفسك، وترى أنك على ما يرام!! وتريد أن يأتي الخير على ذلك، 
بينما ربما يكون حالك في رأي سيد الأنام، والصالحين الذين في معيته : غير تمام!! 
فكيف يتحقق لك ذلك؟!!
على الأقل تكون مثل أولاد الأنصار: 
السيدة أم سليم - أم أنس بن مالك - كانت لا تنجب، فلما حملت بأنس؛ 
نذرت إن رزقها الله بغلام؛ أن تجعله خادماً للكعبة، فولدت أنس. 
وعندما بلغ سبع سنين وهاجر سيدنا رسول الله ودخلت في الإسلام 
(( وكانت من الفضليات العظيمات في الإسلام ومن الصالحات؛ حتى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يذهب ويقيل عندها في بيتها – من إيثاره لها، وهذا يعني أن لها منزلة عظيمة)) 
فأخذت ابنها أنس وقالت: يا رسول الله، هذا أُنيس، كنت قد وهبته للكعبة،
واليوم أهبه لك. 
فكان خادماً لرسول الله وفي يوم من الأيام، وجدت أنساً يلعب، فنادت عليه:
يا أنس ماذا تفعل؟ قال: ألعب ... وأين تذهب؟..
قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر
قالت: ما هو؟ قال: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهي أمه - فاحتضنته والتزمته، وقالت: 
(هكذا فكن)
وهذا طفل صغير!!! 
فما بالك لو كان رجل وعمره ستين سنة، أو سبعين سنة، وماشي معنا منذ ثلاثين سنة، لكنه لا يستطيع أن يكتم كلمة سمعها من أخيه!!
 كيف يكون مثل هذا رجلاً؟!!
إنه لم يحصل حتى على منزلة " صبيّ " في طريق الله عزَّ وجلَّ .
 المجالس بالأمانات

************
ولكي يكون رجلاً من الرجال؛ ستكون أسرار الناس كلها في صدره - 
وكما قالوا: " صدور الأحرار قبور الأسرار "
ولذلك قالوا: " يموت الولي ، وأسرار الناس معه "
لأنه دفنها معه، ولا يذيعها لأحد، 
فكيف يكون في هذه المهمة ... والذي يسمعه من هذا يقوله لهذا؟!!
أين (المجالس بالأمانات)؟!!

فالذي لا يريد أن يدرب نفسه عليها لا ينفع في طريق الله عزَّ وجلَّ
فبداية روضات الصالحين: أن الطفل فيها يتعلم: (أن المجالس بالأمانات)
المجلس الذي يجلسه أمانة، فإذا حدَّث أحداً بما دار في المجلس – بدون إذن أهل المجلس- تكون خيانة، 
لأنه لا بد أن يعرف أنهم راضون عن نقل هذا الكلام، أو غير راضين؟!!
لكن غير ذلك لا يُحدَّث .
- مثلا: جلست مع صديقك، وحكى لك عن سرٍّ 
فلو كنت تريد أن تتوسط؛ تسأله أولاً: أحكي لفلان؟
فمع أنك تسعى في الخير، تسأله أولاً
كذلك - ولو توسَّطت - لا تنقل إلا الكلام الذي يسرُّ ، لكن الكلام الذي يضرُّ ..هل ستنقله ؟ لا. 
لأنك لو فعلت ذلك في هذه الحالة ؛ لن تكون حكيماً أساساً
فهذا هو مبدأ الإسلام، الذي اتفق عليه أهل الإسلام، 
وكان عليه المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .

فأول رتبة يأخذها السالك ( كاتم للأسرار )
إذا تعرض للاختبار، ونجح في الاختبار؛ يعطوه:
(صالح للأنوار، وقابل لتلقي الأسرار)
حتى أن الصالحين لهم اختبارات عجيبـة في هذا الموضوع، 
يقول فيها الإمـام أبو العزائم - رضي الله عنه أرضاه:
" قد يُظْهِـر الرجل الصالح بعض أسراره الخاصة للمريد ليمتحنه، 
كأسرار بيته وعياله .. فإن أذاعها ؛ فلا يؤتمن على الأسرار العلية!! 
وإن ائتمن عليها ؛ فهو لغيرها أأمن ، فيباح له أسرار حضرة الله جلَّ في علاه ".

إذن من الذي سيدرب الأخ على هذا الخلق؟ هو بذاته !!
يأخذ دورة تطبيقية عملية في حياته في هذا الأمر، ويحاسب نفسه:
حاسب ضميرك والحظن أسراري **** وقف على باب الصفا يا ساري
هم يعطونك محاضرات نظرية، وأنت تطبِّق.
من الذي يحاسب؟ أنت تحاسب نفسك!! 
أنت المهندس، وأنت الميكانيكي، وأنت المشرف، وأنت المراقب، 
وأنت التنظيم والإدارة، وأنت الجهاز المركزي للمحاسبات، 
فكل حاجة معك أنت!! فتحاسب نفسك؛ 
لكي تصلح لربك عزَّ وجلَّ 
يسمُّونه: " رجل صالح 
" ماذا يعنون بصالح؟ أي صالح للحضرة
من الذي يصلحه؟ هو الذي يصلح نفسه.
وهذه الدورة لا بد أن تنزلها بنفسك، 
وإن لم تنزلها . بماذا يفيد كلامي؟!! محاضرات نظرية فقط

وتكون في هذه الحالة .. عالم بأحوال الصوفية!!

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

دور الصوفية فى حماية الأقليات وإخماد الفتن

فتنة مذابح الستين التي وقعت بين الدروز والنصارى بالشام عام 1860 ميلادية

ودور الأمير عبد القادر الجزائري في إخماد الفتنة وحماية النصارى وتامينهم على ما يعتقدون وما يمتلكون
وقد أوردت النص الذي ذكره العلامة عبد الرزاق البيطار مؤلف حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر
ففيها عبرة للمعتبر في دور الصوفية في إخماد الفتن الطائفية ,,,قال رحمه الله : 
( .....إلى أن وقعت فتنة بين الدروز والنصارى في جبل لبنان واشتد بسببها الضرب والطعان، وعاثت طائفة الدروز وفسقوا، وانتظموا في سلك الطغيان واتسقوا، ومنعوا جفون أهل الذمة السنات، وأخذوا البنين والبنات من حجور الأمهات، وخربوا القرايا والبلدان، وسفكوا الدماء وحرقوا العمران، ونهبوا الأموال ومالوا عليهم كل الميل، وبادرت لمساعدتهم والغنيمة معهم دروز الجبل الشرقي تجري على خيولها جري السيل، ولم يروا في ذلك معارضاً ولا منازعاً، ولا مدافعاً ولا ممانعاً، والنصارى بين أيديهم كغنم الذبح، هم وأموالهم وأولادهم وبلادهم غنيمة وربح، ودام هذا الأمر واستقام، إلى ابتداء ذي الحجة الحرام، سنة ست وسبعين بعد الألف والمائتين، وقد هرب كثير من النصارى إلى الشام، ظانين أن الحكومة تحميهم من الدروز اللئام، فصارت الدروز تدخل إلى الشام بأنواع السلاح، ويخاطبون الأشقياء بقولهم كنا نظن بكم الفلاح، لقد أخلينا البر من النصارى، وأنتم عنهم كأنكم سكارى، فاذبحوهم ذبح الأغنام، وأذيقوهم كأس الحمام، واغنموا ما عندهم من الأموال والأمتعة الكلية، وأن الحكومة بذلك راضية مرضية، ولو لم يكن لها مراد بذلك، ما مكنتنا من إذاقتهم كؤوس المهالك، والوالي ساكت عن هذا الأمر كأنه لم يكن عنده خبر، حتى ظن أكثر القاصرين أن هذا الواقع عن أمر شاهاني صدر:
يمضي على المرء في أيام محنته 
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وما زالت الأشقياء تتطاول أعناقها، وتتزايد لهذه الأفعال أشواقها، والدروز في كل وقت يجددون لهم همة، ويتواردون عليهم أمة بعد أمة، وقد قامت لديهم الأفراح، وزالت عنهم برفع القيد الهموم والأتراح:
أمور تضحك السفهاء منها ... ويخشى من عواقبها اللبيب
وصاروا يتكلمون بكلام، لا يليق إلا بالأشقياء اللئام، كقولهم حنا يقول لنخلة، إسماعيل الأطرش حرق زحلة، وأمثال ذلك خصوصاً مما يدل على التخويف والتهديد، وصارت الأولاد تقوله على طريقة الأناشيد، فذهب بعض النصارى إلى والي البلد، لينقذهم من هذا الهم والنكد، وكان ذلك يوم الاثنين من ذي الحجة الحرام، سنة ألف ومائتين وست وسبعين من هجرة سيد الأنام، فأمر الوالي بالقبض على بعض الأولاد، فمسكوا منهم جملة وقيدوهم بالحديد وأمروهم بالكنس والرش تأديباً لهم عن هذا الفساد، فقامت عصبة جاهلية في باب البريد من الجهال الطغام، ونادوا بأعلى صوتهم يا غيرة الله ويا دين الإسلام، وكان الوقت قبيل العصر من ذلك اليوم المرقوم، وتلاحقت الأشقياء إلى حارة النصارى كأنه لم يكن عليهم بعد ذلك عتب ولا أحد منهم على فعله مذموم، وأقبلت عليهم الدروز أفواجاً أفواجا، واشتغلوا بالحرق والقتل والسلب والنهب أفراداً وأزواجا، فأنشأت في الحال خطبة وخطبتها في جامع كريم الدين في الميدان بحرمة هذه الأفعال، وأنها موقعة لأربابها في أودية النكال، وأنهم محترمون لا يجوز لهم التعرض بحال، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ومن تعرض لهم بسوء فقد باء بالخزي والنكال، فانكف أهل الميدان عن سفك الدماء، واجتلبوا ما قدروا على اجتلابه من الرجال والنساء، لحمايتهم من الأشقياء.

لنصرة الحق قد قاموا بأسرهم ..
 وربهم باليد العليا لهم نصرا
صانوا الحريم مع الأطفال واحتسبوا ..
 على الغريم برب للورى فطرا
لما استقلوا بميدان الوغى كملا ...
 من كل قرم يفوق الليث لو زأرا
فالله بالمدد العلوي أيدهم ... 
من كل سوء ومن عاداهم خسرا
هم الكرام لهم في كل حادثة ...
 غوث الصريخ وبذل وافر وقرى
جزاهم الله خيراً عن جميع بني ...
 دمشق والأجر عند الله لن يترا
والوالي ما زال على إهماله، وسكوته وعدم سؤاله، غير أنه عين للمحافظة أربعة من الأعيان، اثنين من المدينة واثنين من الميدان، فقام من كان من الميدان حق الحماية، وقصر من عداهما في البداية والنهاية، غير أن سعادة الأمير المعظم، والكبير المفخم، حضرة الأمير السيد عبد القادر الجزائري قد بذل كامل همته في ذلك، وبذل أمواله ورجاله في خلاص من قدر عليه من المهالك، واستقامت النار تضطرم في حارة النصارى سبعة أيام، والناس فوضى كأنه لم يكن لهم إمام، فلما أحضروا من أحضروه من النصارى إلى الميدان، وقد امتلأت البيوت أخذنا نطوف عليهم نهنيهم بالسلامة ونطيب قلوبهم بالأمن والأمان، وكنا ما نرى منهم غير دمع سائل، وبصر جائل، وقلب واجف، ورجاء قليل وبال كاسف، وهذه تقول أين ولدي؟ وهذه تقول قد انفلق كبدي، وهذه تقول مالي، وهذه تقول كيف احتيالي؟ والرجال منهم حيارى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، وقد ذهب عنهم البهاء والجمال، وأوقعهم المقدور في الضيق والنكال، فلم نستطع الصبر عن البكاء والنحيب، وكدنا مما رأينا أن نذهل عن نفوسنا ونغيب، فيا لها من مصيبة ما أعظمها، ونكبة ما أجسمها، قد أبكت ذوي الرحمة بدل الدمع دما، وكادت أن تثبت لهم بعد الإبصار العمى، ثم ذهبنا جملة كبرى من الميدان لعلنا نجد حياً نخلصه ونقيه، وننقذه من أيدي من يريد قتله ولا يبقيه، فلم نجد غير من أمضى عليه حد الحسام حكمه، وأنفذ فيه جور الأيام ظلمه، فمنهم من استولى القضاء المحتوم، ومنهم من قد بلغت الروح الحلقوم، وما ترى في محلتهم من مغيث سوى كلب عقور أو شقي خبيث، والأرض رويت من دمائهم، وتعطلت الأماكن من أسمائهم، وعاد صبح جمالهم عاتماً، وأقامت محلاتهم عليهم مآتماً، فخروا على الوجوه والأفواه، وصعقوا على الصدور والجباه، وغدوا صرعى تسفى عليهم الشمال والجنوب، بعد أن وقعوا في أسنة المكاره والخطوب، صرعى على وجه الأرض، معفرين كأنه يوم النشور والعرض، قد افترشوا التراب بدلاً من الأرائك الحسان، وتضرجوا بالدماء بعد التضمخ بالمسك والزعفران، وغدا مصرعهم من نجيعهم مشوباً بالحمرة والسواد، ولبست نساؤهم لأجلهم ثياب الحزن والحداد، وصارت لحومهم للوحوش ولائم، والطيور عليها ما بين هابط وحائم، والنار تلعب ألسنتها في تلك القصور، وقد جعلتها رماداً بعد زينتها بالولدان والحور:
النار في ضرم والدمع منهمل ...
 لعظم خطب له الأحزان تتصل
لا الدمع يطفىء نار الحزن من كبد ..
.ولا لحر لظاها ينشف البلل 
مصيبة عظمت حتى لقد صدعت
. قلب اللبيب فأضحى وهو منذهل
ولما علم دروز الجبل الشرقي أن أهل الميدان، قد أدخلوا النصارى في حصن الأمان، ووضوهم في أماكنهم مع عيالهم، واجتلبوا لهم سرورهم بقدر الإمكان وراحة بالهم، تجمعوا وتحزبوا وتوجهوا إلى الشام، إلى أن وصلوا إلى أرض القدم بالكبرياء والعظمة والاحترام، ثم أرسلوا خبراً إلى الميدان إما أن تسلمونا النصارى لنذيقهم كؤوس المنية، ونبيدهم بالكلية، وإما أن ننشر بيننا راية القتال، ونطوي بساط السلم واستقامة الحال، فبرز أهل الميدان إليهم بروز الأسد، وقالوا لهم بلسان واحد ليس لكم على قتالنا من جلد، أظننتم أنكم تصلون إليهم، وتحكمون بما تريدون عليهم، إن ذلك أمر محال، إياكم أن تتوهموه بحال، إننا وحق من أحيا الأشباح بالأروح، لا نسمح لكم منهم بقلامة ظفر وليس لكم في مطلوبكم من نجاح، وكثر القيل والقال، وكانت البيداء قد امتلأت من الفرسان والأبطال، وتجمع الصفان، وتقابل الصنفان، وارتفع العجيج وعلا العجاج، وكثر الضجيج من كل الفجاج، وأشهر كل سلاحه، واعتقد أن في قتل عدوه فلاحه، وأن شرر الموت ينقدح من ألحاظه، ويفصح بصريح ألفاظه، فلما رأى الدروز ما كان، من المشاة والركبان من أهل الميدان، علاهم الوجل، وقد خاب منهم الأمل، وضاق بهم من الأرض فضاؤها، وتضعضعت من أركانهم أعضاؤها، فتنازلوا عن العناد إلى الوداد، وقالوا نحن العين وأنتم لها بمنزلة السواد، وليس لنا عنكم غنى، وأنتم لنا غاية المنى، ونزيلكم عندنا مصون، ومن كل ما يضره مأمون، والذي وقع منا كان هفوة مغفورة، وسقطة هي بعفوكم مستورة، فقابلوها بالسماحة والغفران، ونحن وإياكم أحباب وإخوان، ثم تفرقوا بعد الوداع، وانقاد كل منهما للسلم وأطاع، وتفضل الله وأنعم، وحسم مادة الشر وتكرم. انتهى 

وهذا المقال أيضا بموقع مسيحي يشير إلى دور الأمير عبد القادر الجزائري في إخماد الفتنة وحماية النصارى: