انتشر في الآونة الأخيرة من ينكر على من يطلق لفظ السيادة بحق النبي صلى الله عليه وسلم ويشنع عليه فأحببنا أن نضع بين أيديكم ما يجلي الأمر ويبينه حتى لا يدع مجالا لمعاند أو مخالف أو مشنع
من التقديرِ الواجبِ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتهِ وأهلِ بيته وأولياءِ أمتهِ تكريمُهم بألفاظِ التقديرِ والرفعةِ، منها لفظُ السيادة . وقد رأى الإمام الشافعيُ أن ذكر اسمِ الرسول صلى الله عليه وسلم بلا سيادة، فيه من سوء الأدب ما يكفي، بل إن الإمام ابن عبد السلام أفتى في قضية الطالب الذي قال لا يزاد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سيدنا، بأن يؤدب في السجن، وبقي هناك حتى شُفِّع فيه فخلى سبيله، كما في كتاب «إكمال الإكمال».
والملفت للنظر أن الذين يذكرونَ الاسم الشريف مجرداً هم المستشرقون ومن لا خلاق لهم.فلا يجوزُ أبداً التشبهُ أيضاً بالكفار في ذكره صلى الله عليه وسلم من غير السيادة، لأنهم هم الذين يذكرونَه باسمه مجرداً استهانة بقدره الشريف.
وإذا نظرنا إلى آيات القرآن العظيم نجد أن الله تعالى ذكر السيادة للبشر، فامتدح سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلامُ بقوله تعالى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (39 آل عمران) بل إن القرآن الكريم ذكر لفظ السيادة في حق من لا يملكون الرفعة فقال في سورَةِ يوسف {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (25 يوسف) والأمر نفسه ينطبق على لفظ المولى قال تعالى {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (41 الدخان).
أما أولئك الذين يتعللون بالحديث الشريف (السيدُ الله...) فقد حَرموا أنفسهم من خير عميم لجهلهم بأمورِ دينهم، فقد ردَّ عليهم العارفُ بالله ابنُ عجيبةَ في حاشيته على «الجامع الصغير» بأن الحديث يبين أن الله هو الذي يحق له السيادة المطلقة على الكون، بمعنى المالك القاهر والمهيمن، لأنه سيد كل ذي سيادة، إذ الخلق كلهم عبيده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لَمَّا خوطب بما يخاطب به رؤساء القبائل من قومهم أنت سيدنا ومولانا (بالمعنى القبلي للسيادة) أنت سيد قريش، وكانوا قريبي عهد بالإسلام وأراد رسول الله صلى الله عليه أن يمكِّن العقيدة في نفوسهم بأن الخضوع التام للمالك الحقيقي وهو الله سبحانه.
وقد نُقل عن الإمام مالك رضي الله عنه امتناع إطلاق السيد على الله، إلا إذا أريد بيان هذا المعنى الذي قصده صلى الله عليه وسلم. ولا شك بأن هذه الشبهة المثارة لا تحمل استدلالاً على عدم التسويد لأن القرآن ذكرها للبشر بحق سيدنا يحيى وبحق العزيز في قصة يوسف.
أما السنة النبوية فقد تواترت فيها الأحاديث في شرعية التسويد وإطلاقه على غير الله تعالى. روى البخاريُ في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وليقل المملوكُ سيدي وسيدتي فانهم المملوكون والربُ الله عز وجل) في إشارة إلى أنهم كانوا يستخدمون لسادتهم لفظ (ربي) كما ذكر القرآن حكاية قولهم في سورة يوسف {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} (42 يوسف) فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرهم بإطلاق لفظ (سيدي وسيدتي) وفي رواية أبي داودَ أيضاً (وليقل سيدي ومولاي). فإذا كان هذا بالنسبة للعبد مع سيده فكيف لا يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!؟.
وكتبَ الشيخ محمد سليمان فرج رسالة بعنوان «دلائل المحبة وتعظيم المقام في الصلاة والسلام على سيد الأنام» بين فيها وجوب ذكر لفظِ السيادة عند ذكرِ اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها عددا من الأدلة الشرعية نسوق بعضها لإخواننا:
جاء في صحيحِ مسلمٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يقول للعبد يوم القيامة ألم أكرمك وأسودك)، أي أجعلُك سيداً.فهذا الامتنانُ من الله تعالى بنعمة السيادة يدلنا على أنها شرفٌ للإنسان، فكيف لا يكون أفضل الخلق جديراً بهذا الشرف. وبذلك يتجلى لنا أن من يقول إن السيادة لا تطلق إلا على الله سبحانه وتعالى فقط، لا يُعتدُّ بقوله لأنه مخالف لمنهج القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية. وكم من الصفات اشترك بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الله، تكون لله مطلقةً ولرسوله ولغيره مقيدةً، كاسمي الرحيم والرؤوف، فهما من أسماء الله الحسنى وصفاته، إلا أن الله وصف بهما نبيه فقال {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (128 التوبة) كما أن اسم السيد لم يرد في أسماء الله الحسنى.
وهناك أيضاً شبهة أخرى (أوردها صاحب الرسالة المشار إليها سابقا): "وهي ما يظنه بعض الناس حديثا نبويا وهو قولهم (لا تسيدوني في الصلاة)، فهو لا يصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لحن فاحش، وخطأ لغوي لا تجوز نسبته لأفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم. لأن الفعل (سَيَّدَ) لم يرد في لغة العرب وإنما (سَوَّدَ). ولذلك أدرك بعض الناس هذا المعنى فقالوا إن الحديث يجب أن يكون بعبارة (لا تسودوني في الصلاة)، ولكن هذا أيضاً أشد بطلانا، وكذبٌ وافتراءٌ على سيدنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورده الكثير من المحدِّثين في الموضوعات التي وضعت كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بذلك السيوطي والحافظ السخاوي والإمام جلال الدين المحلي والشمس الرملي وابن حجر الهيثمي وبعض فقهاء الشافعية والمالكية والقاري في موضوعاته".
وكذلك قولهم (لا تعظموني في المسجد) فانه باطل أيضاً، وقيل لا أصل له. وقد جاء في «كشف الخطأ» للحافظ العجلوني ما نصه: "قال في المقاصد (أي السخاوي) لا أصل له". وقال الياجي في أوائل مولده المسمى «كنـز العفاة» "بل انه لو فرضنا مجرد احتمال وروده مع أن هذا بعيد أشد البعد، ومع أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فانه يمكن تأويله بما يناسب المقام كما أوّل العلماء حديث (السيد الله…)".
إن التزام الأدب معه صلى الله عليه وسلم مقدمٌ على امتثال الأوامر، كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما جاء سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يؤم الناس فتأخر أبو بكر، فأمره أن يثبت مكانه فلم يمتثل، ثم سأله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة عن ذلك فأبدى له أنه فعل ذلك تأدباً معه صلى الله عليه وسلم قائلاً: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.
وكذلك التزام سيدنا علي بن أبي طالب الأدب دون امتثال الأمر حين كتب الكتاب للمصالحة في الحديبية وكان فيه لفظ رسولُ الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسولُ الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد ابن عبد الله. فقال صلى الله عليه وسلم إني رسول الله وان كذبتموني، امحه (أمرٌ لعلي بمحو لفظ رسول الله) فقال سيدنا علي: والله لا أمحوه. ومحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، ولم يُنكر على الإمام علي حُسن أدبه. قال العلماء المحققون وهذا من الأدب المستحب. وكذلك زيادة لفظ السيد عند ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم من الأدب المستحب، بل إن الأدلة الشرعية الآتية ترقى بذلك إلى درجة الوجوب.
ومن الأدب أيضا أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه أخّر الطواف لما دخل مكة في قصة صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على من دخل البيت الحرام، أدباً معه صلى الله عليه وسلم أن يطوف قبله وقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم بعد علمه ذلك.
وجاء في صحيح البخاري ومسلم قولهُ صلى الله عليه وسـلم (أنا سيُد ولد آدم ولا فخر) وقال ابن عباس: السيد: الكريم على ربه. وقال قتاده: السيد: الذي لا يغلبه غضبه.
وفي البخاري ومسلم وأحمد (أنا سيدُ الناس يوم القيامة). وذلك شامل لسيدنا آدم عليه السلام، لقوله صلى الله عليه وسلم (آدمُ فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي). ومما رواه الخطيب قوله صلى الله عليه وسلم {أنا إمام المسلمين وسيد المتقين}.
فهذه الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد التواتر تدل دلالة لا لبس فيها على أن لفظ السيادة واجب على كل مسلمٍ محبٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلكَ لفظُ (مولى) للحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده و الترمذي والنسائي وابن ماجة (قال صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعليٌ مولاه). وليس هذا فحسب، بل إن الصحابة الأجلاء وآل بيت رسول الله الكرامَ الأطهار هم سادتنا، فقد روى البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للسيدة فاطمة رضي الله عنها (يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سَيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة). فيجب علينا أن نذكر سيدتنا ومولاتنا فاطمة بلفظ السيادة عند ذكرها دائما. وكذلك سيُّدنا الحسن فقد روى البخاريُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندما رأى سَيِّدنا الحسن (إن ابني هذا سيدٌ يصلح الله على يده بين فئتين متحاربين). وأيضا سيُدنا ومولانا الحسين فقد اخرج الترمذي بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الحسنُ والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
وكذلك ورد في حق سيدنا ومولانا أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وسيدنا ومولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه الترمذي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكرٍ وعمرُ سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا من النبيين والمرسلين). بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه ذلك المعنى بأجلى وضوح، فقد روى البخاريُ ومسلمٌ عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء على حمارٍ فقال صلى الله عليه وسلم للصحابةِ (قوموا إلى سيدكم). فهل بعد ذلك حجة!؟.
فإذا كانت هذه أخلاقُ الإسلام في معاملة أصحاب الفضل والعلم، فكيف تكون المعاملةُ مع أحب الخلق إلى الله وهو بمنزلة الأب الحقيقي للمؤمنين قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6 الأحزاب)
إذاً هذه أدلة على جواز قول كلمة سيدي ومولاي لرسول الله صلى الله عليه وسلم..اما أدلة جوازها لأخيه المسلم فقد مر بعضها والآن نورد بعضها الآخر..
وكان الصحابة ينادون بعضهم بعضاً بهذا اللفظ الذي يشعر بالتكريم والإجلالِ، فقد روى الحاكمُ في المستدرك بسند صحيح (أن أبا هريرةَ رضي الله عنه لما ردَّ السلام على سيدنا الحسن قال وعليك السلام يا سيدي. ثم قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيد).
وما قاله الفاروق رضي الله عنه: (أبو بكرٍ سيدنا واعتق سيدنا) (أي سيدنا بلال) رضي الله عنه.
وروى الحاكم بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (سيدُ الشهداء حمزةُ بن عبد المطلب).
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغ الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، فقد قال المحققون يزاد فيها لفظُ السيادة سواء في الصلاة أو خارجها مستدلين بعمل سيدنا أبي بكر في المحرابِ وامتناع سيدنا علي في قصة الصحيفة وليس في ذلك مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هناك قاعدتين: امتثال الأمر، والتزام الأدب، والأرجحُ التزامُ الأدبِ، وبهذا أفتى الإمام عز الدين بن عبد السلام وجماعةٌ من فقهاء الشافعية
ورد في حديث ابن مسعودأنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين.... الحديث. أخرجه ابن ماجه
أما حكم تسويده صلى الله عليه وآله وسلم فى العبادات وغير العبادات .
- بالنسبة لغير العبادات . فلا خلاف على جوازه بين أحد من العلماء فهو اجماع ولا عبرة لمن شذ ممن عجز عن الجمع بين الادلة .
- أما بالنسبة للعبادات كالصلاة والاذان . فاختلف الفقهاء فى هذه المسالة وقد نقل فى كتب المذاهب الفقهية المعتمدة ندب الاتيان بلفظ سيدنا قبل الاسم الشريف حتى فى العبادات كالاذان والصلاة .
- فمن الحنفية الحصفكى صاحب الدر المختار حيث قال : ندب السيادة ، لأن زيادة الاخبار بالواقع هو عين سلوك الأدب وهو أفضل من تركه ، ذكره الرملى الشافعى وغيره وما نقل لا تسيدونى فى الصلاة فكذب .
- كما صرح من المالكية باستحبابه النفراوى وقالوا : ان ذلك من قبيل الأدب ورعاية الأدب خير من الامتثال ، ويقول الشيخ الحطاب المالكى ذكر عن ابن مفلح نحو ذلك .
- أما من الشافعية قال به شمس الدين الرملى وقال بعض الشافعية :ويسن زيادة لفظ السيد فى التشهد فنقول سيدنا محمد وسيدنا ابراهيم ، واستدلوا بأن الأدب مقدم على الاتباع ، ويؤيد ذلك حديث سيدنا أبو بكر حين أمره النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدى رسول الله ، وكذلك امتناع سيدنا على أن يمحو اسمه الشريف من الصحيفة حين أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وقال والله لا امحو اسمك ابدا .
- وذكر عن الشيخ العز بن عبد السلام : أن الاتيان بها فى الصلاة ينبنى على الخلاف ، هل الأولى امتثال الأمر أو سلوك الأدب ، قلت :والذى يظهر لى وأفعله فى الصلاة وغيرها الاتيان بلفظ السيد والله اعلم .
مواهب الجليل شرح مختصر الخليل الحطاب ج1ص21.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق