في عام ١٩٢٠م ولد "موريس بوكاي"، ونشأ الغلام نشأة نصرانيّة كاثوليكيّة، تلقى تعليمه العام في مدرسة كاثوليكيّة في إقليم نورماندي الأدنى في شمال غرب فرنسا، ولم يسمح له بقراءة الإنجيل كاملاً طيلة فترة دراسته، وفي عام ١٩٣٥م اكتشفت رسوم بشريّة في كهف في إسبانيا ترجع إلى ١٥٠٠٠ سنة، بينما المعلومات التي تلقاها من الكتب المقدّسة ترجع ظهور الإنسان إلى ٤٠٠٠ سنة قبل المسيح! وعندما سأل الأبّ مدرّسه لم يجد إلا الإجابة السلبيّة التي تطلب منه عدم الخلط بين الدين والعلم.
ثم التحق موريس بمدرسة كلية الطب بجامعة باريس، ثم التحق بالعلوم المصريّة في مطلع الخمسينات، وتعلّم الهيروغلوفيّة، ثم قدّر له أن يطبب قريباً لجيهان السادات التي عرّفته بعدئذ بالملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله-، والذي صار طبيبه الخاص حتى قتله عام ١٩٧٥، وحينها تعرّف على الإسلام، وقرأ القرآن باللغة العربيّة، والتي أتقنها في مصر خلال أربعة أعوام، وألّف كتابه "القرآن والتوراة والإنجيل: دراسة في ضوء العلم الحديث"، وقد لقي كتابه وأبحاثه صدى كبيراً في الغرب، بين مهاجم ومتهم ومؤيّد، حتى ظهر تصنيف لبعض الدراسات المقارنة في الغرب تُعرف بـ "البوكايية": وتعني المحاولات الرابطة بين الدين والعلم، وخصوصاً الإسلام. وقد أثّرت أبحاثه ودراساته في الكثيرين فأسلموا كما أسلم.
هذا الكتاب هو دراسة تقوم على مقارنة نسب توافق الكتب المقدسة: التوراة، والأناجيل، والقرآن، مع العلم الحديث، وأوضح الكاتب من البداية بأن التوراة والأناجيل بها الكثير مما يتعارض مع العلم بخلاف القرآن الذي لا يتعارض بأي شكل مع العلم.. كما تحدث عن أن الأناجيل تتشابه مع الأحاديث النبوية في أن من دونوها لم يشهدوا قائلها، بل اعتمدوا فيها على النقل، لذا بها الكثير من الخلاف في صحتها من عدمه.
بدأ الكاتب بالحديث عن التوراة، وبدأ سؤاله بمن هو مؤلف التوراة؟ ثم تحدث عن أصلها، وقال:
" كان الكتاب المقدس قبل أن يكون مجموعة أسفار، تراثًا شعبيًا لا سند له إلا الذاكرة، وهي العامل الوحيد الذي اعتمد عليه في نقل الأفكار. وكان هذا التراث يغنى "
ثم يتحدث عن أسفار موسى الخمسة: التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية.. ويتناولهم بالنقد، وتوضيح العديد من المتناقضات بين الأسفار، بل متناقضات في نفس السفر.
وتناول أكثر ثلاث متناقضات مع العلم الحديث في سفر التكوين، وهم:
1- خلق العالم ومراحله، وهما روايتان: الأولى: قال بأنها الرواية الكهنوتية، وهي الإصحاح الأول وأول ثلاث آيات من الإصحاح الثاني، تناول الآيات بالتفصيل والنقد العلمي، وأوضح فيها الكثير مما يخالف العلم. الثانية: وهي أقدم من الأولى بثلاث قرون، وهي قصيرة جدًا ولا يوجد بها متناقضات مثل الأولى، وهي الرواية اليهوية.
2- تاريخ خلق العالم وظهور الإنسان على الأرض: وتحدث عن أن التاريخ الذي وضعته التوراة وهو بحسب يومنا هذا 5777 سنة.
3- الطوفان: وقال أن هناك الكثير من المتناقضات وعلتها وجود مصدرين بشكل جلي: المصدر اليهوى، والمصدر الكهنوتي، ومن أبرز المتناقضات التي تحدث عنها بأن بالأنساب في كما أوحى بها سفر التكوين تقول بأن الطوفان وقع في القرن 21 أو 22 ق.م. وذلك هو الوقت التي ظهرت من قبله حضارات انتقلت أطلالها للأجيال التي تلتها، ومن المعروف أنه لم يحدث انقطاع في هذه الحضارات، وبالتالي لم يحدث إعدام يخص البشرية برمتها كما تقول التوراة.
ثم تحدث عن مواقف الكتاب المسيحيين تجاه الأخطاء العلمية في نصوص العهد القديم ودراساتها النقدية.. ثم اختتم حديثه عن التوراة.
وتحدث في الجزء الثاني عن الأناجيل، وبدأ بالحديث عن الصدام بين اليهودية-المسيحية والمسيحية البوليسية، وكيف أثر هذا الخلاف في تدوين الإنجيل، فمتى كان يميل بشكل جلي إلى اليهودية-المسيحية، ولوقا وثني اعتنق المسيحية وكان ضد اليهودية بشكل كبير، فأثرت انتماءاتهم على أهوائهم في تدوين الإنجيل.. ثم تناول كل إنجيل على حدا من حيث كاتبه وتاريخ كتابته ومصادره، وبين العديد من التناقضات بين الأناجيل الأربعة والمبالغات والتحريف فيهم، وبعد أن انتهى، قال:
"إذن فمن يجب أن نصدق؟ أنصدق متى أم مرقس أم لوقا أم يوحنا؟"
ثم يأتي الحديث عن الأناجيل والعلم الحديث، وأول ما تناوله كان أحد التناقضات التي وقعت فيها الأناجيل، وهي نسب المسيح، حيث عرض متى ولوقا نسب للمسيح يختلف فيه كلًا منهم عن الآخر، وإن اتفقوا في العديد من الأسماء إلا أنهم مختلفين بشكل كبير، كما أن التواريخ والأنساب تتعارض مع نظرة العلم الحديث لها.
وتحدث عن تناقضات أخرى وأمور غير معقولة في الروايات، كـ: روايات الآلام، غياب رواية تأسيس القربان المقدس من إنجيل يوحنا، ظهور المسيح بعد قيامته، صعود المسيح، أحاديث المسيح الأخيرة.
ثم تأتي الخاتمة، لينهي الكاتب هذا الجزء المثير.
ثم ينتقل إلى الجزء الثالث الخاص بالقرآن الكريم، وافتتح هذا الجزء بكلامه عن نظرة الغرب الخاطئة للإسلام، وكيف كانت ترجمات القرآن قديمًا لا تستطيع أن توفي النص حقه فتورد معناه ناقصًا؛ وبناءً على هذا رفضوا وشوهوا الإسلام. وينفي أن يكن بشر هو من كتب هذا الكلام؛ لصعوبة أن يعطي هذه المعطيات العلمية الدقيقة. وقال بأن الإسلام حث على طلب العلم، أورد حديث ضعيف، وهو: "اطلبوا العلم ولو في الصين"، وهو حديث كذبه الألباني وغيره.. والحديث الثابت هو ما رواه ابن ماجة من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
ويظل يمهد للموضوعات التي يتناولها لاحقًا من مقارنات العلم الحديث بالقرآن، وكيف أن القرآن لا يحتوي على ما يخالف النظرة العلمية الحديثة. ويتحدث عن أنه لم يكن يؤمن بالقرآن والإسلام نهائيًا بناءً على نشأته، فيقول:
" في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة. وإن كان هناك تأثير ما قد مورس فهو بالتأكيد تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الغالبية تتحدث عن المسلمين وإنما عن المحمديين لتأكيد الإشارة إلى أن المعني به دين أسسه رجل وبالتالي فهو دين عديم القيمة تمامًا إزاء الله. وككثيرين كان يمكن أن أظل محتفظًا بتلك الأفكار الخاطئة عن الإسلام، وهي على درجة من الانتشار بحيث إنني أدهش تمامًا حين التقي، خارج المتخصصين، بمحدثين مستنيرين في هذه النقاط أعترف إذًا أنني كنت جاهلًا قبل أن تعطى لي عن الإسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيناها في الغرب. "
ثم يبدأ بالحديث عن صحة القرآن ووقت وطريقة تدوينه. ويتناول جزئية خلق السماوات والأرض بالمقارنة مع التوراة، و مراحل الخلق الستة، وعملية تشكيل الكون، ثم يتحدث عن بعض معطبات العلم الحديث عن تكوين الكون: النظام الشمسي، والمجرات، ومفهوم تعدد العوالم، والمادة الكونية المنتشرة بين النجوم. ثم يقابلها مع المعطيات القرآنية عن الخلق، والرد على بعض الاعتراضات في هذا الصدد.
ويربط بين علم الفلك والقرآن، فيتحدث عن الشمس والقمر، والنجوم، والكواكب، والسماء الدنيا.. ثم يتحدث عن البنية السماوية، وأول ما طرحه وجود مدارين للقمر والشمس، والإشارة إلى تنقل القمر والشمس في الفضاء بحركة خاصة، وتعاقب الليل والنهار، وتوسع الكون، ونظرية غزو الفضاء، ويتحدث عن تكوين الأرض وتضاريسها وجوها، والبحار وتكوينها ودورة المياه في الأرض، ويتحدث عن عالم الحيوان والنبات وكيفية تناسلهما، ثم ينتقل إلى جزئية التناسل الإنساني.. ويفصِّل القول في هذه النقاط ويربط بينها وبين ما بينه القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
ويتناول الكاتب موضوعان لهما روايات مشتركة في التوراة والقرآن، وهما : الطوفان، وخروج سيدنا موسى من مصر.. ويقول:
"والأول مهم لأنه لم يترك في تاريخ الحضارات الآثار التي تضمنتها رواية التوراة، على حين أن المعطيات الحديثة لا تثير أي نقض بالنسبة إلى رواية القرآن.
أما الثاني فهو مهم لأن رواية القرآن ورواية التوراة تبدوان متكاملتين في خطوطهما العريضة ولأن المعطيات الحديثة، على ما يبدو، تأتي لكل من الروايتين بدعم تاريخي ملحوظ."
ويقول عن الطوفان أن الفرق الأول الأساسي بين الروايتين أن التوراة قالت بأن الطوفان أباد البشرية كلها وكان عقاب للبشر أجمعين، أما القرآن فيقول بأنه عقاب لقوم نوح فقط.. والفرق الثاني الجوهري في أن القرآن لم يحدد زمن الطوفان ولا يعطي أي إشارة على مدته بخلاف التوراة.
وينتقل للنقطة الثانية وهي خروج موسى من مصر ومن هو فرعون موسى، وهي النقطة التي حيرت الكثيرين ومازالوا يبحثون فيها إلى يومنا هذا.. فعرض الكثير من آراء الباحثين ثم يعلق عليها.. وهذه النقطة الأطول والأهم في الجزء الثالث الخاص بالقرآن.
وكان آخر ما اختتم به الكتاب موازنة بين القرآن والأحاديث النبوية والعلم، والغرض من هذا الجزء هو التأكيد على أن كاتب القرآن يستحيل أن يكون بشر كما قال البعض بأن محمد –صلى الله عليه وسلم- هو من كتبه، فالأحاديث النبوية فيها ما يتعارض مع العلم بخلاف القرآن، وحديث النبي –صلى الله عليه وسلم- "إذا أتيتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر" صحيح مسلم. وفي رواية أخرى "إذا أتيتكم بشيء من أمر دينكم فاعملوا به، وإذا أتيتكم بشيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمر دنياكم"هو الدليل الذي استند إليه الكاتب.
مراجعة احمد إبراهيم
منقول من موقع goodreads
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق