اعلم وفقني الله وإياك إلى ما يحب ويرضى أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الصحيح الذي قال فيه :" فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ".
قد أرشدنا إلى العمل بسنة الخلفاء الراشدين وقد ثبت بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين قال :"نعمت البدعة هذه" فثبت والحمد لله أن إطلاق مفهوم البدعة الحسنة جائز وأن القائلين بأن ليس َثم بدعة حسنة كلامهم مردود وقولهم هذا من البدعة الضلالة كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نقتدي بالخلفاء الراشدين وهم أفهم الناس لكلام الله ورسوله من غيرهم وأخشى لله وأطوعَ له وهؤلاء القوم ُيلبسون علينا أن لا َثم بدعة حسنة وقائل هذا الكلام والعياذ بالله إنما هوإنكارعلى الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وردٌ لكلامه وفي رد كلامه رد لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بالأخذ بسنة خلفائه الراشدين وعمر منهم ، فأي الفريقين أحق بالإتباع ؟ من أمرنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم أو من يأمرنا بعدم الاقتداء بمن أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم.
والقائلين بعدم تقسيم البدعة رغم جحودهم وتعنتهم إلا أنهم قسموا البدعة رغما عنهم وجعلوها باسم آخر وهو المصلحة ، ولتقريب هذا المعنى سأضرب مثلا من كتاب الاعتصام للشاطبي باعتباره رأس القائلين بعدم التقسيم وكل من تحدث بهذا الرأي إنما ينهل منه ويدور في فلكه لايعدوه .
ففي القصة المبسوطة في صحيح البخاري( باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا) أشار سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن في صحف حين كثر القتل بين الصحابة في وقعة اليمامة فتوقف أبو بكر وقال:" كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"
فقال له عمر:" هو والله خير." فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له وبعث إلى زيد ابن ثابت رضي الله عنه فكلفه بتتبع القرآن وجمعه قال زيد:" فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما كلفني به من جمع القرآن." قال زيد:" كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم." قال:" هو والله خير" فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
فقول أبي بكر وعمر:" هو والله خير" يؤيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المندوبات أو جميع ماهو خير وجمع القرآن كان واجبا على المسلمين مع أنه بدعة ليحفظ من الضياع فألهم الله عمر بفعل هذه البدعة الواجبة لما فيها من خير كبير للإسلام والمسلمين . قال عبد الله ابن الصديق في إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة :" وقد اعترف الشاطبي بهذا العمل وأنه واجب وسماه مصلحة وأبى أن يسميه بدعة." إهـ
قال في الاعتصام إثر هذه القصة :" ولم يرد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما صنعوا من ذلك ولكن رأوه مصلحة تناسب تصرفات الشرع قطعا ."
ولا يدري رحمه الله ولا من قلده أن هذا هو عين ما أجمعت عليه الأمة في التعريف بالبدعة وإنما أتعب نفسه في كتابه الاعتصام بما لا طائل وراءه والمتمعن في كتابه هذا يجده يعرف البدعة في مجمل كلامه على أنها الزيادة على الشرع والمسلمين قاطبة لم يقل أحد منهم بالزيادة في الدين والزيادة في الدين أمر مردود بالإجماع ، والذين قسموا البدعة إلى مذمومة ومحمودة إنما مراعاة لأصول الدين فالمحمودة منها ما شهدت أصول الدين لها كما بين هو أن العمل الذي أحدثه هؤلاء الصحابة في جمع القرآن يناسب تصرفات الشرع وإن لم يرد نص يدل عليه ولكن عموميات الشرع تشهد بجواز هذا الفعل.
أما المذمومة منها فهي التي تشهد أصول الدين أيضا لها بعدم جوازها لا أقل ولا أكثر.
أولاً :
لغويًا :
إن هذا الحديث (كل بدعة ضلالة) مخصص لغويًا حيث أن ألفاظ (كل) قد وردت في أحاديث وآيات قرآنية ولكنها ليست بمعنى (كل) العام الذي لا يخصص .
ومنها قوله تعالى : { فتحنا عليهم ابواب كل شيء } ولم يفتح لهم أبواب الرحمة .
ومنها قوله تعالى : { تدمر كل شيء } ولم تدمر الجبال والسماوات والأرض .
ومنها قوله تعالى : { يأخذُ كُل سفينةٍ غصبا } ومع ذلك لم يأخذ الملك السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام .
ومنها قوله تعالى : { الله خالق كل شيء } فعندما ناظر المعتزلة الإمام أحمد في هذه الآية أجابهم أن القرآن مستثنى من الآية وأن كل ليست على عمومها وذكر بعدها مثال الريح التي (تدمر كل شيء) فسكت المعتزلة وعندما نذكر للوهابية ما يذكره الإمام أحمد للمعتزلة لا تسكت الوهابية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومنها قوله تعالى : { واوتيت من كل شيء } ولم تؤت عرش سليمان .
قال الإمام القرطبي في تفسيره في الكلام على الفطرة التي فطر الله الناس عليها من سورة الروم قال: (والعموم بمعنى الخصوص كثير في لغة العرب).
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم يأكله التراب الاعجب الذنب) . قال ابن عبد البر في التمهيد :ظاهر هذا الحديث وعمومه يوجب أن يكون بنو آدم كلهم في ذلك سواء الا أنه قد روي أن أجساد الأنبياء والشهداء لا تأكلها .
ثانيًا:
شرعيًا :
من الأحاديث التي تخصص حديث (كل بدعة ضلالة) الحديث ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشرط في أن يكون (رد) أن يكون (ليس عليه أمرنا)
وإنما ان (كان عليه أمرنا) أي يمكن تخريج له أصل من القرآن والسنة فهو ليس رد قال ابن رجب الحنبلي :
(إن هذا الحديث يدل بمنطوقهِ على أن كُل عمل ليس عليهِ أمر الشارع فهو مردود , ويدل بمفهومهِ على أن كل عمل عليهِ أمره ُ فهو غير مردود ) اهـ
ومن الأفعال التي تخصصه إجتهاد كثير من الصحابة رضوان الله عليهم في فعل أمور
ومنها إجتهاد سيدنا عبدالله بن مسعود حيث كان يقول في التشهد بعد قولهِ (ورحمةُ الله وبركاته) كان يقول: ( السلام علينا من ربنا ). رواه الطبراني في الكبير ورجالهِ رجال الصحيح كما في مُجمع الزوائد.
ومنها زيادة عبد الله بن عمر ( البسملة ) في أول التشهد
وكذلك ما زاده في التلبية بقوله: (( لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل..)) وهو مبسوط في صحيح البخاري (2/170 )، ومسلم (1184) .
ومنها قراءة سورة العصر قبل التفرق أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي مدينة الدارمي وكانت لهُ صُحبة قال :- ( كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة { والعصر إن الإنسان لفي خسر ... } )
ومنها الصلاة التي تقام في رمضان في الأيام العشر الأخيرة وبعد منتصف الليل صلاة التهجد .
ومنها قراءة دعاء ختم القرآن في رمضان .
ومنها المؤسسات الخيرية التي تكثر الآن ودار الإفتاء وهيئات الأمر بالمعروف ومسابقات تحفيظ القرآن وتوزيع الجوائز على حفظة القرآن .
ومنها تخصيص ليلة 27 أو 29 لختم القرآن
ومنها قول المنادي بعد صلاة التراويح: (صلاة القيام أثابكم الله)
ومنها ......
فكل هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه خير منهم ؟!!
وهذا نموذج من كلام من رد التقسيم قال صاحب أصول الفقه على منهج
أهل الحديث زكريا ابن غلام قادر الباكستاني :" ليس في الشرع بدعة حسنة بل
كل بدعة هي ضلالة عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال:" إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة
في النار ." هذا الحديث يدل على أنه ليس في الشرع بدعة حسنة بل كل بدعة
ضلالة وهذا ما فهمه الصحابة فقد قال عبد الله ابن عمر:" كل بدعة ضلالة وإن
رآها الناس حسنة." أخرجه اللالكائي بإسناد صحيح ومنه تعلم أن تقسيم بعض
أهل العلم البدعة إلى خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة
تقسيم ليس بصحيح لمخالفته للأحاديث ولفهم السلف الصالح." إهـ
وحسبنا في رد هذا الكلام ما مر معنا من كلام الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب نعمت البدعة وما ورد عن ابنه عبد الله رضي الله عنهما الذي استشهد به في جعل كل بدعة ضلالة وإن حسنها الناس أنه جاء عنه فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في الكبير عن الأعرج قال : سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال:" بدعة ونعمت البدعة ." ورواه أيضا البخاري في تاريخه الكبير، والأمة المحمدية لما قسمت البدعة إنما استنادا لأصول الشرع الحنيف لا اعتمادا على تحسين الناس ، وما ثبت أيضا في مصنف ابن أبي شيبة في باب كتاب الأذان والإقامة (في التثويب في أي صلاة هو) عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال :" ما ابتدعوا بدعة أحب إلي من التثويب في الصلاة يعني العشاء والفجر،وما نقله السيوطي في كتابه الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع عن الحسن قال :" القصص بدعة ونعمت البدعة كم من أخ يستفيد ودعوة تستجاب."، هذا هو فهم السلف الصالح الصحيح ثناءٌ وتَحْسِينٌ للمحدثة إن كانت الشريعة تشهد لها الذي لا يسعنا إلا الرجوع إليه لا تأويلات واستدلالات هؤلاء المانعين عفا الله عنا وعنهم أما أهل العلم الذين نبزهم بالبعض سأختم إنشاء الله هذه السطور بكلامهم ِلنَسْتبينَ أَهُمْ بعضُ أهل العلم أم هُم أكابرُ علماءِ هذه الأمةوحُماةدِينها.
قال الدكتور عمر عبد الله كامل في سلسلته مفاهيم يجب أن تصحح المفهوم العاشر (البدعة) :" وقد تطرف البعض وجعل كل محدث (وهو الأمر المبتدأ من غير مثال) من أعمال الخير والطاعات لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في القرون الثلاثة أنه بدعة ضلالة وأنكروا على الفقهاء تقسيمهم للبدعة إلى مقبولة ومردودة أو إلى حسنة وسيئة مستدلين على إنكارهم للتقسيم بما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة له :"وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة." وقد تناسى هؤلاء المنكرون للتقسيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قسم المحدث إلى مقبول ومردود فيما رواه مسلم عن جرير رضي الله عنه وابن ماجة عن أبي جحيفة أنه قال صلى الله عليه وسلم :" من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
ففي هذا الحديث تقسيم للأمر المبتدأ من غير مثال إلى مردود ومقبول وهو يشرع ابتداء الخير في أي عصر ....
ويكفي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البادئ بالتقسيم القائل في التقسيم من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة ، فالتهويش الوارد في حديث كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة هو من باب تضليل الناس بأن الحديث وارد في البدعة مطلقا لصرف نظرهم عن استعمالها في الحديث بالاستعمال الشرعي الذي يطلق شرعا على ما يصادم أصول التشريع ، ومن سمى المقْبولَ من البدعة اللغوية سنة حسنة فبرسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدى في التسمية.
ولقد حاول البعض التخلص مما تضمنه حديث من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة من تقسيم البدعة ففسر الحديث بما لا ينطبق على ألفاظه فزعم أن المراد من الحديث من أحيا سنة مهجورة بينما ألفاظ الحديث واضحة في الحث على إنشاء سنن الخير وهناك أحاديث تحث على إحياء السنن المهجورة وفرق بين إنشاء سنن الخير وبين إحياء السنن المهجورة. إهـ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها إلى آخره فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات ...وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة."
وقال السندي في حاشيته على ابن ماجة:" قوله:" سنة حسنة " أي طريقة مرضية يقتدي بها والتمييز بين الحسنة والسيئة بموافقة أصول الشرع وعدمها."
وقال صاحب التحفة: من سن سنة خير وفي رواية مسلم من سن في الإسلام سنة حسنة أي طريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين ...ومن سن في الإسلام سنة سيئة أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين. وإذا تأملت الحديث المذكور علمت بأنه صلى الله عليه وسلم قد أجاز لنا ابتداع ماهو حسن وسماه سنة وجعل فيه الأجر للذي ابتدعه أولا ولمن عمل به إلى يوم القيامة ثانيا ولا يسمى المحدث بدعة حتى يخالف صريح الكتاب والسنة فمتى وافقهما فهو سنة حسنة يكون لمبتدعه أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة.
(طريفة) ـ قال الشيخ محمد الحافظ المصري في كتابه أهل الحق العارفون بالله : وقد زارنا رجل من الصالحين من شنقيط وكان دائم التلاوة لكتاب الله عز وجل وزار عالما ينكر على الطريقة (التجانية) فقال له:" يا فلان أنت رجل عالم وصالح فلم لم تكتف بكتاب الله ؟ ودعك من أوراد الطريقة." فقال له:" وأنت عالم أيضا وهل أوراد الطريقة إلا كتاب الله أو ما أمر به كتاب الله ؟ فلفظ الجلالة لا إله إلا الله هو أفضل ما في كتاب الله وهي ذكر وقرآن في آن واحد والاستغفار أمر به الكتاب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها الكتاب وما شغلنا ذلك عن كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولله الحمد."
فقال له:" ولِمَ لَمْ تأخذ أنت ذلك من كتاب الله والسنة مباشرة فتنتقي لنفسك ما شئت من الذكر والدعاء ؟" فقال له:" وماذا علي أن آخذ عمن أخذ عن الكتاب والسنة فيكون له أجر الدلالة على الخير ولي أجر العمل ولن ينقص من أجري شيئا ؟ ولم يفرض ذلك علي وإنما أنا الذي أعجبني اختياره ووثقت به في علمه وعمله وهل بك الحسد أن يعطي الله الشيخ أجر التعليم والدلالة على الخير؟" فقال له :" صدقت وليس في أوراد الطريقة(التجانية) إلا ما أذن فيه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما خالف ذلك فالشيوخ ومن تبعهم منه بريئون قال تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. "
وحديث من سن في الإسلام سنة حسنة لهو أقوى دليل على أن البدعة إذا كانت حسنة فهي داخلة في عموم الشريعة المحمدية وإنكارها هو البدعة المحرمة ونحن والحمد لله ضد البدع المخالفة للكتاب والسنة وضد الأوهام والخرافات الباطلة أيا كان مصدرها نسعى إلى محقها والقضاء عليها بكل ما أوتينا من حول وقوة ولكننا في نفس الوقت نرى وجوب التمييز بين المحدثات الحسنة والمحدثات المذمومة لنسمي الأولى سنة كما في الحديث من سن في الإسلام سنة حسنة ونسمي الثانية بدعة كما في الحديث كل بدعة ضلالة وحديث من سن في الإسلام سنة... الخ لا يعارضه البتة حديث أم المؤمنين رضي الله عنها الذي رواه الشيخان قالت:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد." وفي رواية لمسلم :"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد." وفي بعض ألفاظه " من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد."، كما يردد الكثير من المتمسكين بعدم التقسيم فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح:" هذا الحديث معدود في أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يُلتفت إليه." ، وقال ابن رجب الحنبلي:" هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود ويدل على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود."
أخرج البزار والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده حسن ورواته موثقون عن أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا."
قال تقي الدين الهلالي في كتيبه الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق :" لو أن المبتدعين تأملوا هذا الحديث وأخلصوا لله لم يبتدعوا في دين الله ولكن طبع الله على قلوبهم وأصمهم وأعمى أبصارهم والمقصود هنا أن كل شيء لم ينص الكتاب والسنة على تحريمه ولا على تحليله فقد عفا الله عنه وهو مباح ."إهـ
ولم يدري أنه هو الأولى بالتأمل في هذا الحديث إذ لا أحد من المسلمين يجرؤ على مناقشة القسمين الأولين فالحلال حلال والحرام حرام أما المباح فهو القسم الذي يختلف فيه الناس وهذا القسم هو الذي أنكروا فيه هم على المسلمين باسم البدعة وشنعوا عليهم والحديث يشهد بأنه عافية من الله .
فتأمل معي أخي أن أحدا من المسلمين بعدما صلى خَمْسَهُ على أحسن ما أمر به الشرع وبات ليله يصلي (النافلة) تقربا إلى الله أيحق لنا أن ننكر عليه قيامه ليله بالصلاة وأن نرميه بالبدعة بحجة أن النبي:( ما بات يومًا ُركوعْ سجودْ ركوعْ سجودْ حتى الفجر كما هو مشهور من كلامهم) هذا لا يقول به إلا الذين لا يقبلون من الله عافيته ، أو مسلم بات ليله يستغفر الله أو يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجوز لأحد أن يبدعه مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه ذلك لم يثبت عنه أنه قام ليله بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولكن عموميات الشرع تبيح ذلك وتشهد لصاحبه بالمصداقية ، فمن لا يقدر على قيام الليل بطوله وبركعات محدودة أو غير محدودة أو بأي نوع من أنواع التعبدات بالاستغفار أو التسبيح أو التهليل أو قراءة القرآن أو مُدارسة العلم إلى غير ذلك من أنواعها فلا ينكر على الذي يفعله.
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء وغيره من أصحاب السير أن الإمام أحمد كان يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وفيه أيضا عن الأوزاعي أن علي ابن عبد الله ابن عباس كان يصلي في اليوم ألف سجدة وفيه أيضا أن علي ابن الحسين زين العابدين كان يصلي مثلها في كل ليلة وفيه أيضا أن الباقر كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة وفيه أيضا عن ابن سيرين أن تميما الداري كان يقرأ القرآن في ركعة وفيه أيضا أن تميم الداري صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } وفيه أيضا أن عبد الرحمان ابن الأسود صلى يوم جمعة قبل الصلاة ستا وخمسين ركعة.
قال أبو بكر بن العربي المعافري في كتابه القبس في شرح موطأ مالك بن أنس:" ليس لصلاة رمضان ولا غيرها تعديد إنما التعديد والتقدير للفرائض وإنما هو قيام الليل كله إلى طلوع الفجر لمن استطاع أو بعضه على قدر ما تنتهي إليه قدرته. وأحوال الصحابة والتابعين وأهل القرون الثلاثة المشهودِ لها بالخيرية في الصلاة والصيام وقراءة القران مشحونة بها كتب السير والتراجم لمن أراد التوسع في الاطلاع والمنكرون لهذه الخصائص والمناقب وهم كُثر لِضُعْفٍ في إيمانهم ولإسقاط أحوالهم على غيرهم وباحْتِكامِهم للوقت وخفي عليهم أن الذي عنده علمٌ من الكتاب أتى بعرش ملكة سبأ في أقل من ارتداد الطرف
والمباح باب واسع يأخذ كل واحد منا على قدر طاقته والمانع المحارب لذلك هو المبتدع على الحقيقة وعلته والله أعلم أنه لا يفعل ولا يريد من يفعل .روى ابن حبان في صحيحه عن عمران ابن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخوف ما أخاف عليكم جدال المنافق عليم اللسان."
( معالجة) : ـ فإن قال قائل بأن الورد التجاني بدعة ليس من الدين لأن الدين قد تم قبل الشيخ التجاني لقوله تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا." وقوله تعالى:" وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله." ويزعم أن هذا الورد من السبل المعنية في نص الآية .
نقول :"هذا الدين الذي تم قبل الشيخ التجاني هل تم بلا استغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا إله إلا الله التي هي أركان الورد التجاني والتي عليها مداره وهي الأذكار التي يلتزمها كل تجاني أينما وجد فإن كان قد تم بدونها حكمنا على الورد التجاني بالضلال لأنه زاد على الدين الذي كمل واكتمل ما ليس منه وإن كانت هذه الثلاثة (الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا إله إلا الله ) مما أمر به الدين ومما حث عليه ونطق بها الكتاب والسنة وكانت من الدين الذي اكتمل وهي كذلك نقول إذن بأن هذا الورد التجاني من الدين وبالتالي لا نلقي بالا لمن أنكره .
وليطمئن من ينكر على أهل الله الصوفية باسم البدعة أن الشاطبي الذي أقام الدنيا وأقعدها في كتابه الاعتصام حول عدم تقسيم البدعة يقول فيهم في كتابه الموافقات:" ومن ههنا يفهم شأن المنقطعين إلى الله فيما امتازوا به من نحلتهم المعروفة(التصوف)فإن الذي يظهر لبادئ الرأي منهم أنهم التزموا أمورا لا توجد عند العامة ولاهي مما يلزمهم شرعا فيظن الظان أنهم شددوا على أنفسهم وتكلفوا ما لم يكلفوا ودخلوا على غير مدخل أهل الشريعة وحاشا لله ما كانوا ليفعلوا ذلك وقد بنوا نِحْلتهم على إتباع السنة وهم باتفاق أهل السنة صفوة الله من الخليقة." إهـ
وهذه جملة من التعريفات التي عرف بها العلماء البدعة وأوجه تقسيمها سائلا من الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى الحق والصراط المستقيم:
1ـ القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى { بديع السماوات والأرض} قال :" كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أولا فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عليه فهي في حيز المدح وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه ويعضد هذا قول عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح وهي وإن كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهي في حيز الذم والإنكار قال معناه الخطابي وغيره قلت وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته : وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة أو عمل الصحابة رضي الله عنهم وقد بين هذا بقوله : من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وهذا إشارة إلى ما ابتدع من قبيح وحسن وهو أصل هذا الباب وبالله العصمة والتوفيق لا رب غيره."
2ـ العلامة بدر الدين العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري : "والبدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم البدعة على نوعين إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة. "
3ـ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري:" والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. وقال في محل آخر قول عمر:" نعمت البدعة " هو فعل ما لم يسبق إليه فما وافق السنة فحسن وما خالف فضلالة."
4ـ ابن بطال في شرحه على البخاري قال :" فالبدعة اختراع ما لم يكن قبلُ فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة وما وافقها فهو بدعة هُدى. "
5ـ ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم:" المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة وإن كان بدعة لغة.... فقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة من جوامع الكلام يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد، فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقاد أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة ....قال الشافعي البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم ....ومراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه من قبل وهو أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه وهي البدعة في إطلاق الشرع وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة وقد روي عن الشافعي كلام آخر يفسر هذا وهو أنه قال: والمحدثات ضربان ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه هي بدعة الضلالة وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة." ( وكلام الشافعي هذا رواه البيهقي في كتابه :مناقب الشافعي)
6ـ الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار شرح الموطأ : " فالبدعة في لسان العرب اختراع ما لم يكن وابتداؤه فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة كما قال عمر لأن أصل ما فعله سنة. "
7ـ الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: " وكل بدعة ضلالة... مخصوص والمراد غالب البدع قال أهل اللغة هي كل شيء عمل على غير مثال سابق قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة.....وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة في تهذيب الأسماء واللغات ....ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله كل بدعة مؤكدا بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى : " تدمر كل شيء..."." (ونقل السيوطي في الديباج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج كلام النووي هذا في تقسيم البدعة كما نقله أيضا في شرحه لسنن النسائي)
8ـ شرح الأربعين لإبن دقيق العيد : قوله:" وإياكم ومحدثات الأمور." اعلم أن المحدث على قسمين محدث ليس له أصل في الشريعة فهذا باطل مذموم ومحدث بحمل النظير على النظير فهذا ليس بمذموم لأن لفظ المحدث ولفظ البدعة لا يذمان لمجرد الاسم بل لمعنى المخالفة للسنة والداعي للضلالة ولا يذم ذلك مطلقا."
9ـ عون المعبود شرح سنن أبي داوود للعظيم آبادي : " قال المنذري:" والمحدث على قسمين محدث ليس له أصل إلا الشهرة (الشهوة) والعمل بالإرادة فهذا باطل وما كان على قواعد الأصول أو مردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة. "
10ـ حاشية السندي على النسائي :" قال :" محدثاتها يريد المحدثات التي ليس في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة. ". "
11ـ المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير :" من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة (قال الأشرفي ُروي بالإضافة ويَصح نَصبُه نعتا ومنعوتا وفيه إشارة إلى أن بعض البدع غير ضلالة) وقال أيضا وشر الأمور محدثاتها التي لم يشهد لها أصل من أصول الشرع وقال أيضا المراد بالمحدث الذي هو بدعة وضلالة ما لا أصل له في الشرع ...بخلاف محدث له أصل فيه . "
12ـ الطحاوي في حاشيته على المراقي: " عند ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على المنارة قال: والصواب من الأقوال أنها بدعة حسنة. "
13ـ الألوسي في تفسيره روح المعاني قال:" وتفصيل الكلام في البدعة ما ذكره محي الدين النووي في شرحه صحيح مسلم قال العلماء:" البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة."."
14ـ وفي: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد ابن إبراهيم بن عيسى قال: عند قوله والكل بعد فبدعة أو فرية:" البدعة هي ما أحدث مما يخالف كتاب أو سنة."
15ـ أبو شامة في كتابه :" الباعث على إنكار البدع والحوادث: بعد ما ذكر تقسيم الشافعي للمحدثات قال : فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي .....وأما المستقبحة فهي التي أردنا نفيها بهذا الكتاب وإنكارها وهي كل ما كان مخالفا للشريعة أو ملتزما لمخالفتها. "
16ـ وفي تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا على صحيح البخاري عند قول عمر رضي الله عنه نعم البدعة هذه قال:" نعم البدعة هذه ليدل على فضلها وأن من البدع ما هو مستحسن ومقبول إن كان يندرج تحت مستحسن في الشرع. "
17ـ التفتازاني في شرحه على المقاصد : "من الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة وإن لم يقم دليل على قبحه تمسكا بقوله عليه السلام : إياكم ومحدثات الأمور ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه."
18ـ ابن الأثير في النهاية قال:" البدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلالة فما كان في خلاف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار وما كان واقعا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو في حيز المدح ."
19ـ حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين:" ليس كل ما أبدع منهيا عنه بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع. "
20ـ ابن حجر المكي في شرحه للأربعين :" البدعة لغة ما كان مخترعا وشرعا ما أحدث على خلاف الشرع ودليله الخاص والعام."
21ـ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة قال:" كل ما ظهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة وكل ما وافق سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة."
22ـ نقل النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات وقال:" قال الشيخ المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة."
23ـ عبد الله بن الصديق في كتابه إتقان الصنعة:" فمن زعم في فعلِ خير مُستحدثٍ أنه بدعة مذمومة فقد أخطأ وتجرأ على الله ورسوله حيث ذم ما ندب الله إليه في عموميات الكتاب والسنة."
24ـ قال ابن لب في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة (أنظر إتقان الصنعة) : "غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن التزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف وعلى تقدير صحة هذا النقل فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا ولاسيما فيما له أصل جملي مقرر في الشرع كالدعاء. "
25ـ روى البيهقي بإسناده في كتابه مناقب الشافعي أنه قال : "المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلالة والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة."
26ـ قال الشيخ سعيد رمضان البوطي نقلا من الرد المحكم المنيع على منكرات وشبهات ابن منيع تأليف السيد هاشم الرفاعي:" إن مناط إنكار البدعة وردها على صاحبها أن المبتدع يقحم في بنية الدين وجوهره ما ليس منه ولما كان المشرع هو الله عز وجل لم يبق مجال لأي تزيد أو تغيير على شرعه أما سائر الأفعال والتصرفات الأخرى التي تصدر من الإنسان دون أن يتصور أنها جزء من جوهر الدين أو واحد من أحكامه وإنما يندفع إليها ابتغاء تحقيق هدف أو مصلحة له دينية كانت أو دنيوية فهي في أبعد ما تكون عن احتمال تسميتها بدعة وإن كانت مستحدثة في حياة المسلمين غير معروفة لهم من قبل بل مآلها أن تصنف إما تحت ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة حسنة أو تحت ما سماه سنة سيئة وأنت تعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه مسلم وغيره من سن في الإسلام سنة حسنة ...." إهـ
27ـ قال ابن كثير في تفسيره : " والبدعة على قسمين تارة تكون شرعية كقوله:" فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة." وتارة تكون لغوية كقول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم" نعمت البدعة هذه. "."
28ـ قال الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته :" أن الأئمة متفقون على أن إعادة الإمام الصلاة مرتين بأن يؤم الناس مرتين في صلاة واحدة بدعة مكروهة ، وقال أيضا عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان أن الفقهاء قالوا بدعة حسنة."
29ـ قال صاحب التحرير والتنوير : "وفي هذه الآية على أظهر الاحتمالين إشارة إلى مشروعية تحقيق المناط وهو إثبات العلة في آحاد جزئياتها وإثبات القاعدة الشرعية في صورها وفي حجة لانقسام البدعة إلى محمودة ومذمومة بحسب اندراجها تحت نوع من أنواع المشروعية فتعتريها الأحكام الخمسة كما حققه القرافي وحذاق العلماء وأما الذين حاولوا حصرها في الذم فلم يجدوا مصرفا. "
30ـ قال الخطابي في معالم السنن شرح أبي داوود :" كل محدثة بدعة هي كل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه وما كان منها مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها فليس ببدعة ولا ضلالة ."
31ـ قال الأمير الصنعاني في كتابه سبل السلام :" البدعة لغة ما عمل على غير مثال سابق والمراد بها هنا ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة وقد قسم العلماء البدعة على خمسة أقسام ..... فقوله كل بدعة ضلالة عام مخصوص."
32ـ اللكنوي في شرحه على موطأ مالك :" وكل ما لم يكن في زمانه (صلى الله عليه وسلم) يسمى بدعة لكنها منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك ."
33ـ ابن علان في كتابه دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين:" والمراد بالضلالة هنا ما ليس له أصل في الشرع وإنما حمل عليه مجرد الشهوة أو الإرادة بخلاف محدث له أصل في الشرع إما بحمل النظر على النظير أو بغير ذلك فإنه حسن إذ هو سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين فمنشأ الذم في البدعة ليس مجرد لفظ محدث أو بدعة بل ما اقترن به من مخالفته للسنة ورعايته للضلالة ولذا انقسمت البدعة إلى الأحكام الخمسة لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية لم تخل عن واحد منها ..... فعلم أن قوله وكل بدعة ضلالة عام أريد به خاص. "
34ـ قال الكشميري في العرف الشذي :" البدعة مالا يكون في الكتاب والسنة واجتهاد مجتهد مسلم الاجتهاد."
35ـ قال المباركفوري في تحفة الأحوذي مستشهدا بكلام ابن رجب الحنبلي :" والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كانت بدعة لغة. "
36ـ سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام:" البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة."
37ـ الشيخ ابن عابدين الحنفي في حاشيته رد المحتار قسم البدعة إلى خمسة أقسام.
38ـ الإمام الزرقاني المالكي في شرحه على الموطأ قال :" وهي لغة (البدعة) ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق شرعا على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة. "
39ـ شمس الدين بن أبي الفتوح الحنبلي في كتابه المطلع على أبواب المقنع من كتاب الطلاق: "والبدعة مما عمل على غير مثال سابق والبدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلالة والبدعة منقسمة بانقسام أحكام التكليف الخمسة."
40ـ الونشريسي في المعيار المعرب قال ما نصه:" وأصحابنا وإن اتفقوا على إنكار البدع في الجملة فالتحقيق الحق عندهم أنها خمسة أقسام ....فالحق في البدعة إذا عرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بها. "
41ـ الملا علي قاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح مستشهدا بكلام النووي والعز بن عبد السلام والشافعي في تقسيم البدعة .
42ـ القاضي عياض المالكي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار : " كل ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة والبدعة فعل ما لم يسبق إليه فما وافق أصلا من السنة يقاس عليها فهو محمود وما خالف أصول السنن فهو ضلالة ."
43ـ الشوكاني في نيل الأوطار استشهد بكلام الحافظ ابن حجر في الفتح في تقسيم البدعة. وقال في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد :" أن المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلالة والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذه الأمور وهذه محدثة غير مذمومة."
44ـ القاضي الباجي في المنتقى شرح موطأ مالك :" وإنما وصفها بنعمت البدعة لما فيها من وجوه المصالح. "
وحسبنا في رد هذا الكلام ما مر معنا من كلام الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب نعمت البدعة وما ورد عن ابنه عبد الله رضي الله عنهما الذي استشهد به في جعل كل بدعة ضلالة وإن حسنها الناس أنه جاء عنه فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في الكبير عن الأعرج قال : سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال:" بدعة ونعمت البدعة ." ورواه أيضا البخاري في تاريخه الكبير، والأمة المحمدية لما قسمت البدعة إنما استنادا لأصول الشرع الحنيف لا اعتمادا على تحسين الناس ، وما ثبت أيضا في مصنف ابن أبي شيبة في باب كتاب الأذان والإقامة (في التثويب في أي صلاة هو) عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال :" ما ابتدعوا بدعة أحب إلي من التثويب في الصلاة يعني العشاء والفجر،وما نقله السيوطي في كتابه الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع عن الحسن قال :" القصص بدعة ونعمت البدعة كم من أخ يستفيد ودعوة تستجاب."، هذا هو فهم السلف الصالح الصحيح ثناءٌ وتَحْسِينٌ للمحدثة إن كانت الشريعة تشهد لها الذي لا يسعنا إلا الرجوع إليه لا تأويلات واستدلالات هؤلاء المانعين عفا الله عنا وعنهم أما أهل العلم الذين نبزهم بالبعض سأختم إنشاء الله هذه السطور بكلامهم ِلنَسْتبينَ أَهُمْ بعضُ أهل العلم أم هُم أكابرُ علماءِ هذه الأمةوحُماةدِينها.
قال الدكتور عمر عبد الله كامل في سلسلته مفاهيم يجب أن تصحح المفهوم العاشر (البدعة) :" وقد تطرف البعض وجعل كل محدث (وهو الأمر المبتدأ من غير مثال) من أعمال الخير والطاعات لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في القرون الثلاثة أنه بدعة ضلالة وأنكروا على الفقهاء تقسيمهم للبدعة إلى مقبولة ومردودة أو إلى حسنة وسيئة مستدلين على إنكارهم للتقسيم بما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة له :"وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة." وقد تناسى هؤلاء المنكرون للتقسيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قسم المحدث إلى مقبول ومردود فيما رواه مسلم عن جرير رضي الله عنه وابن ماجة عن أبي جحيفة أنه قال صلى الله عليه وسلم :" من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
ففي هذا الحديث تقسيم للأمر المبتدأ من غير مثال إلى مردود ومقبول وهو يشرع ابتداء الخير في أي عصر ....
ويكفي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البادئ بالتقسيم القائل في التقسيم من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة ، فالتهويش الوارد في حديث كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة هو من باب تضليل الناس بأن الحديث وارد في البدعة مطلقا لصرف نظرهم عن استعمالها في الحديث بالاستعمال الشرعي الذي يطلق شرعا على ما يصادم أصول التشريع ، ومن سمى المقْبولَ من البدعة اللغوية سنة حسنة فبرسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدى في التسمية.
ولقد حاول البعض التخلص مما تضمنه حديث من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة من تقسيم البدعة ففسر الحديث بما لا ينطبق على ألفاظه فزعم أن المراد من الحديث من أحيا سنة مهجورة بينما ألفاظ الحديث واضحة في الحث على إنشاء سنن الخير وهناك أحاديث تحث على إحياء السنن المهجورة وفرق بين إنشاء سنن الخير وبين إحياء السنن المهجورة. إهـ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها إلى آخره فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات ...وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة."
وقال السندي في حاشيته على ابن ماجة:" قوله:" سنة حسنة " أي طريقة مرضية يقتدي بها والتمييز بين الحسنة والسيئة بموافقة أصول الشرع وعدمها."
وقال صاحب التحفة: من سن سنة خير وفي رواية مسلم من سن في الإسلام سنة حسنة أي طريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين ...ومن سن في الإسلام سنة سيئة أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين. وإذا تأملت الحديث المذكور علمت بأنه صلى الله عليه وسلم قد أجاز لنا ابتداع ماهو حسن وسماه سنة وجعل فيه الأجر للذي ابتدعه أولا ولمن عمل به إلى يوم القيامة ثانيا ولا يسمى المحدث بدعة حتى يخالف صريح الكتاب والسنة فمتى وافقهما فهو سنة حسنة يكون لمبتدعه أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة.
(طريفة) ـ قال الشيخ محمد الحافظ المصري في كتابه أهل الحق العارفون بالله : وقد زارنا رجل من الصالحين من شنقيط وكان دائم التلاوة لكتاب الله عز وجل وزار عالما ينكر على الطريقة (التجانية) فقال له:" يا فلان أنت رجل عالم وصالح فلم لم تكتف بكتاب الله ؟ ودعك من أوراد الطريقة." فقال له:" وأنت عالم أيضا وهل أوراد الطريقة إلا كتاب الله أو ما أمر به كتاب الله ؟ فلفظ الجلالة لا إله إلا الله هو أفضل ما في كتاب الله وهي ذكر وقرآن في آن واحد والاستغفار أمر به الكتاب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها الكتاب وما شغلنا ذلك عن كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولله الحمد."
فقال له:" ولِمَ لَمْ تأخذ أنت ذلك من كتاب الله والسنة مباشرة فتنتقي لنفسك ما شئت من الذكر والدعاء ؟" فقال له:" وماذا علي أن آخذ عمن أخذ عن الكتاب والسنة فيكون له أجر الدلالة على الخير ولي أجر العمل ولن ينقص من أجري شيئا ؟ ولم يفرض ذلك علي وإنما أنا الذي أعجبني اختياره ووثقت به في علمه وعمله وهل بك الحسد أن يعطي الله الشيخ أجر التعليم والدلالة على الخير؟" فقال له :" صدقت وليس في أوراد الطريقة(التجانية) إلا ما أذن فيه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما خالف ذلك فالشيوخ ومن تبعهم منه بريئون قال تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. "
وحديث من سن في الإسلام سنة حسنة لهو أقوى دليل على أن البدعة إذا كانت حسنة فهي داخلة في عموم الشريعة المحمدية وإنكارها هو البدعة المحرمة ونحن والحمد لله ضد البدع المخالفة للكتاب والسنة وضد الأوهام والخرافات الباطلة أيا كان مصدرها نسعى إلى محقها والقضاء عليها بكل ما أوتينا من حول وقوة ولكننا في نفس الوقت نرى وجوب التمييز بين المحدثات الحسنة والمحدثات المذمومة لنسمي الأولى سنة كما في الحديث من سن في الإسلام سنة حسنة ونسمي الثانية بدعة كما في الحديث كل بدعة ضلالة وحديث من سن في الإسلام سنة... الخ لا يعارضه البتة حديث أم المؤمنين رضي الله عنها الذي رواه الشيخان قالت:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد." وفي رواية لمسلم :"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد." وفي بعض ألفاظه " من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد."، كما يردد الكثير من المتمسكين بعدم التقسيم فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح:" هذا الحديث معدود في أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يُلتفت إليه." ، وقال ابن رجب الحنبلي:" هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود ويدل على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود."
أخرج البزار والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده حسن ورواته موثقون عن أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا."
قال تقي الدين الهلالي في كتيبه الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق :" لو أن المبتدعين تأملوا هذا الحديث وأخلصوا لله لم يبتدعوا في دين الله ولكن طبع الله على قلوبهم وأصمهم وأعمى أبصارهم والمقصود هنا أن كل شيء لم ينص الكتاب والسنة على تحريمه ولا على تحليله فقد عفا الله عنه وهو مباح ."إهـ
ولم يدري أنه هو الأولى بالتأمل في هذا الحديث إذ لا أحد من المسلمين يجرؤ على مناقشة القسمين الأولين فالحلال حلال والحرام حرام أما المباح فهو القسم الذي يختلف فيه الناس وهذا القسم هو الذي أنكروا فيه هم على المسلمين باسم البدعة وشنعوا عليهم والحديث يشهد بأنه عافية من الله .
فتأمل معي أخي أن أحدا من المسلمين بعدما صلى خَمْسَهُ على أحسن ما أمر به الشرع وبات ليله يصلي (النافلة) تقربا إلى الله أيحق لنا أن ننكر عليه قيامه ليله بالصلاة وأن نرميه بالبدعة بحجة أن النبي:( ما بات يومًا ُركوعْ سجودْ ركوعْ سجودْ حتى الفجر كما هو مشهور من كلامهم) هذا لا يقول به إلا الذين لا يقبلون من الله عافيته ، أو مسلم بات ليله يستغفر الله أو يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجوز لأحد أن يبدعه مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه ذلك لم يثبت عنه أنه قام ليله بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولكن عموميات الشرع تبيح ذلك وتشهد لصاحبه بالمصداقية ، فمن لا يقدر على قيام الليل بطوله وبركعات محدودة أو غير محدودة أو بأي نوع من أنواع التعبدات بالاستغفار أو التسبيح أو التهليل أو قراءة القرآن أو مُدارسة العلم إلى غير ذلك من أنواعها فلا ينكر على الذي يفعله.
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء وغيره من أصحاب السير أن الإمام أحمد كان يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وفيه أيضا عن الأوزاعي أن علي ابن عبد الله ابن عباس كان يصلي في اليوم ألف سجدة وفيه أيضا أن علي ابن الحسين زين العابدين كان يصلي مثلها في كل ليلة وفيه أيضا أن الباقر كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة وفيه أيضا عن ابن سيرين أن تميما الداري كان يقرأ القرآن في ركعة وفيه أيضا أن تميم الداري صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } وفيه أيضا أن عبد الرحمان ابن الأسود صلى يوم جمعة قبل الصلاة ستا وخمسين ركعة.
قال أبو بكر بن العربي المعافري في كتابه القبس في شرح موطأ مالك بن أنس:" ليس لصلاة رمضان ولا غيرها تعديد إنما التعديد والتقدير للفرائض وإنما هو قيام الليل كله إلى طلوع الفجر لمن استطاع أو بعضه على قدر ما تنتهي إليه قدرته. وأحوال الصحابة والتابعين وأهل القرون الثلاثة المشهودِ لها بالخيرية في الصلاة والصيام وقراءة القران مشحونة بها كتب السير والتراجم لمن أراد التوسع في الاطلاع والمنكرون لهذه الخصائص والمناقب وهم كُثر لِضُعْفٍ في إيمانهم ولإسقاط أحوالهم على غيرهم وباحْتِكامِهم للوقت وخفي عليهم أن الذي عنده علمٌ من الكتاب أتى بعرش ملكة سبأ في أقل من ارتداد الطرف
والمباح باب واسع يأخذ كل واحد منا على قدر طاقته والمانع المحارب لذلك هو المبتدع على الحقيقة وعلته والله أعلم أنه لا يفعل ولا يريد من يفعل .روى ابن حبان في صحيحه عن عمران ابن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخوف ما أخاف عليكم جدال المنافق عليم اللسان."
( معالجة) : ـ فإن قال قائل بأن الورد التجاني بدعة ليس من الدين لأن الدين قد تم قبل الشيخ التجاني لقوله تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا." وقوله تعالى:" وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله." ويزعم أن هذا الورد من السبل المعنية في نص الآية .
نقول :"هذا الدين الذي تم قبل الشيخ التجاني هل تم بلا استغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا إله إلا الله التي هي أركان الورد التجاني والتي عليها مداره وهي الأذكار التي يلتزمها كل تجاني أينما وجد فإن كان قد تم بدونها حكمنا على الورد التجاني بالضلال لأنه زاد على الدين الذي كمل واكتمل ما ليس منه وإن كانت هذه الثلاثة (الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا إله إلا الله ) مما أمر به الدين ومما حث عليه ونطق بها الكتاب والسنة وكانت من الدين الذي اكتمل وهي كذلك نقول إذن بأن هذا الورد التجاني من الدين وبالتالي لا نلقي بالا لمن أنكره .
وليطمئن من ينكر على أهل الله الصوفية باسم البدعة أن الشاطبي الذي أقام الدنيا وأقعدها في كتابه الاعتصام حول عدم تقسيم البدعة يقول فيهم في كتابه الموافقات:" ومن ههنا يفهم شأن المنقطعين إلى الله فيما امتازوا به من نحلتهم المعروفة(التصوف)فإن الذي يظهر لبادئ الرأي منهم أنهم التزموا أمورا لا توجد عند العامة ولاهي مما يلزمهم شرعا فيظن الظان أنهم شددوا على أنفسهم وتكلفوا ما لم يكلفوا ودخلوا على غير مدخل أهل الشريعة وحاشا لله ما كانوا ليفعلوا ذلك وقد بنوا نِحْلتهم على إتباع السنة وهم باتفاق أهل السنة صفوة الله من الخليقة." إهـ
وهذه جملة من التعريفات التي عرف بها العلماء البدعة وأوجه تقسيمها سائلا من الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى الحق والصراط المستقيم:
1ـ القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى { بديع السماوات والأرض} قال :" كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أولا فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عليه فهي في حيز المدح وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه ويعضد هذا قول عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح وهي وإن كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهي في حيز الذم والإنكار قال معناه الخطابي وغيره قلت وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته : وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة أو عمل الصحابة رضي الله عنهم وقد بين هذا بقوله : من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وهذا إشارة إلى ما ابتدع من قبيح وحسن وهو أصل هذا الباب وبالله العصمة والتوفيق لا رب غيره."
2ـ العلامة بدر الدين العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري : "والبدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم البدعة على نوعين إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة. "
3ـ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري:" والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. وقال في محل آخر قول عمر:" نعمت البدعة " هو فعل ما لم يسبق إليه فما وافق السنة فحسن وما خالف فضلالة."
4ـ ابن بطال في شرحه على البخاري قال :" فالبدعة اختراع ما لم يكن قبلُ فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة وما وافقها فهو بدعة هُدى. "
5ـ ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم:" المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة وإن كان بدعة لغة.... فقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة من جوامع الكلام يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد، فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقاد أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة ....قال الشافعي البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم ....ومراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه من قبل وهو أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه وهي البدعة في إطلاق الشرع وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة وقد روي عن الشافعي كلام آخر يفسر هذا وهو أنه قال: والمحدثات ضربان ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه هي بدعة الضلالة وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة." ( وكلام الشافعي هذا رواه البيهقي في كتابه :مناقب الشافعي)
6ـ الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار شرح الموطأ : " فالبدعة في لسان العرب اختراع ما لم يكن وابتداؤه فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة كما قال عمر لأن أصل ما فعله سنة. "
7ـ الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: " وكل بدعة ضلالة... مخصوص والمراد غالب البدع قال أهل اللغة هي كل شيء عمل على غير مثال سابق قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة.....وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة في تهذيب الأسماء واللغات ....ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله كل بدعة مؤكدا بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى : " تدمر كل شيء..."." (ونقل السيوطي في الديباج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج كلام النووي هذا في تقسيم البدعة كما نقله أيضا في شرحه لسنن النسائي)
8ـ شرح الأربعين لإبن دقيق العيد : قوله:" وإياكم ومحدثات الأمور." اعلم أن المحدث على قسمين محدث ليس له أصل في الشريعة فهذا باطل مذموم ومحدث بحمل النظير على النظير فهذا ليس بمذموم لأن لفظ المحدث ولفظ البدعة لا يذمان لمجرد الاسم بل لمعنى المخالفة للسنة والداعي للضلالة ولا يذم ذلك مطلقا."
9ـ عون المعبود شرح سنن أبي داوود للعظيم آبادي : " قال المنذري:" والمحدث على قسمين محدث ليس له أصل إلا الشهرة (الشهوة) والعمل بالإرادة فهذا باطل وما كان على قواعد الأصول أو مردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة. "
10ـ حاشية السندي على النسائي :" قال :" محدثاتها يريد المحدثات التي ليس في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة. ". "
11ـ المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير :" من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة (قال الأشرفي ُروي بالإضافة ويَصح نَصبُه نعتا ومنعوتا وفيه إشارة إلى أن بعض البدع غير ضلالة) وقال أيضا وشر الأمور محدثاتها التي لم يشهد لها أصل من أصول الشرع وقال أيضا المراد بالمحدث الذي هو بدعة وضلالة ما لا أصل له في الشرع ...بخلاف محدث له أصل فيه . "
12ـ الطحاوي في حاشيته على المراقي: " عند ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على المنارة قال: والصواب من الأقوال أنها بدعة حسنة. "
13ـ الألوسي في تفسيره روح المعاني قال:" وتفصيل الكلام في البدعة ما ذكره محي الدين النووي في شرحه صحيح مسلم قال العلماء:" البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة."."
14ـ وفي: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد ابن إبراهيم بن عيسى قال: عند قوله والكل بعد فبدعة أو فرية:" البدعة هي ما أحدث مما يخالف كتاب أو سنة."
15ـ أبو شامة في كتابه :" الباعث على إنكار البدع والحوادث: بعد ما ذكر تقسيم الشافعي للمحدثات قال : فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي .....وأما المستقبحة فهي التي أردنا نفيها بهذا الكتاب وإنكارها وهي كل ما كان مخالفا للشريعة أو ملتزما لمخالفتها. "
16ـ وفي تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا على صحيح البخاري عند قول عمر رضي الله عنه نعم البدعة هذه قال:" نعم البدعة هذه ليدل على فضلها وأن من البدع ما هو مستحسن ومقبول إن كان يندرج تحت مستحسن في الشرع. "
17ـ التفتازاني في شرحه على المقاصد : "من الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في عهد الصحابة بدعة مذمومة وإن لم يقم دليل على قبحه تمسكا بقوله عليه السلام : إياكم ومحدثات الأمور ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل من الدين ما ليس منه."
18ـ ابن الأثير في النهاية قال:" البدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلالة فما كان في خلاف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار وما كان واقعا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو في حيز المدح ."
19ـ حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين:" ليس كل ما أبدع منهيا عنه بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع. "
20ـ ابن حجر المكي في شرحه للأربعين :" البدعة لغة ما كان مخترعا وشرعا ما أحدث على خلاف الشرع ودليله الخاص والعام."
21ـ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة قال:" كل ما ظهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة وكل ما وافق سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة."
22ـ نقل النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات وقال:" قال الشيخ المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة."
23ـ عبد الله بن الصديق في كتابه إتقان الصنعة:" فمن زعم في فعلِ خير مُستحدثٍ أنه بدعة مذمومة فقد أخطأ وتجرأ على الله ورسوله حيث ذم ما ندب الله إليه في عموميات الكتاب والسنة."
24ـ قال ابن لب في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة (أنظر إتقان الصنعة) : "غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن التزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف وعلى تقدير صحة هذا النقل فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا ولاسيما فيما له أصل جملي مقرر في الشرع كالدعاء. "
25ـ روى البيهقي بإسناده في كتابه مناقب الشافعي أنه قال : "المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلالة والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة."
26ـ قال الشيخ سعيد رمضان البوطي نقلا من الرد المحكم المنيع على منكرات وشبهات ابن منيع تأليف السيد هاشم الرفاعي:" إن مناط إنكار البدعة وردها على صاحبها أن المبتدع يقحم في بنية الدين وجوهره ما ليس منه ولما كان المشرع هو الله عز وجل لم يبق مجال لأي تزيد أو تغيير على شرعه أما سائر الأفعال والتصرفات الأخرى التي تصدر من الإنسان دون أن يتصور أنها جزء من جوهر الدين أو واحد من أحكامه وإنما يندفع إليها ابتغاء تحقيق هدف أو مصلحة له دينية كانت أو دنيوية فهي في أبعد ما تكون عن احتمال تسميتها بدعة وإن كانت مستحدثة في حياة المسلمين غير معروفة لهم من قبل بل مآلها أن تصنف إما تحت ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة حسنة أو تحت ما سماه سنة سيئة وأنت تعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه مسلم وغيره من سن في الإسلام سنة حسنة ...." إهـ
27ـ قال ابن كثير في تفسيره : " والبدعة على قسمين تارة تكون شرعية كقوله:" فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة." وتارة تكون لغوية كقول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم" نعمت البدعة هذه. "."
28ـ قال الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته :" أن الأئمة متفقون على أن إعادة الإمام الصلاة مرتين بأن يؤم الناس مرتين في صلاة واحدة بدعة مكروهة ، وقال أيضا عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان أن الفقهاء قالوا بدعة حسنة."
29ـ قال صاحب التحرير والتنوير : "وفي هذه الآية على أظهر الاحتمالين إشارة إلى مشروعية تحقيق المناط وهو إثبات العلة في آحاد جزئياتها وإثبات القاعدة الشرعية في صورها وفي حجة لانقسام البدعة إلى محمودة ومذمومة بحسب اندراجها تحت نوع من أنواع المشروعية فتعتريها الأحكام الخمسة كما حققه القرافي وحذاق العلماء وأما الذين حاولوا حصرها في الذم فلم يجدوا مصرفا. "
30ـ قال الخطابي في معالم السنن شرح أبي داوود :" كل محدثة بدعة هي كل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه وما كان منها مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها فليس ببدعة ولا ضلالة ."
31ـ قال الأمير الصنعاني في كتابه سبل السلام :" البدعة لغة ما عمل على غير مثال سابق والمراد بها هنا ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة وقد قسم العلماء البدعة على خمسة أقسام ..... فقوله كل بدعة ضلالة عام مخصوص."
32ـ اللكنوي في شرحه على موطأ مالك :" وكل ما لم يكن في زمانه (صلى الله عليه وسلم) يسمى بدعة لكنها منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك ."
33ـ ابن علان في كتابه دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين:" والمراد بالضلالة هنا ما ليس له أصل في الشرع وإنما حمل عليه مجرد الشهوة أو الإرادة بخلاف محدث له أصل في الشرع إما بحمل النظر على النظير أو بغير ذلك فإنه حسن إذ هو سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين فمنشأ الذم في البدعة ليس مجرد لفظ محدث أو بدعة بل ما اقترن به من مخالفته للسنة ورعايته للضلالة ولذا انقسمت البدعة إلى الأحكام الخمسة لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية لم تخل عن واحد منها ..... فعلم أن قوله وكل بدعة ضلالة عام أريد به خاص. "
34ـ قال الكشميري في العرف الشذي :" البدعة مالا يكون في الكتاب والسنة واجتهاد مجتهد مسلم الاجتهاد."
35ـ قال المباركفوري في تحفة الأحوذي مستشهدا بكلام ابن رجب الحنبلي :" والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كانت بدعة لغة. "
36ـ سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام:" البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة."
37ـ الشيخ ابن عابدين الحنفي في حاشيته رد المحتار قسم البدعة إلى خمسة أقسام.
38ـ الإمام الزرقاني المالكي في شرحه على الموطأ قال :" وهي لغة (البدعة) ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق شرعا على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة. "
39ـ شمس الدين بن أبي الفتوح الحنبلي في كتابه المطلع على أبواب المقنع من كتاب الطلاق: "والبدعة مما عمل على غير مثال سابق والبدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلالة والبدعة منقسمة بانقسام أحكام التكليف الخمسة."
40ـ الونشريسي في المعيار المعرب قال ما نصه:" وأصحابنا وإن اتفقوا على إنكار البدع في الجملة فالتحقيق الحق عندهم أنها خمسة أقسام ....فالحق في البدعة إذا عرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بها. "
41ـ الملا علي قاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح مستشهدا بكلام النووي والعز بن عبد السلام والشافعي في تقسيم البدعة .
42ـ القاضي عياض المالكي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار : " كل ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة والبدعة فعل ما لم يسبق إليه فما وافق أصلا من السنة يقاس عليها فهو محمود وما خالف أصول السنن فهو ضلالة ."
43ـ الشوكاني في نيل الأوطار استشهد بكلام الحافظ ابن حجر في الفتح في تقسيم البدعة. وقال في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد :" أن المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلالة والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذه الأمور وهذه محدثة غير مذمومة."
44ـ القاضي الباجي في المنتقى شرح موطأ مالك :" وإنما وصفها بنعمت البدعة لما فيها من وجوه المصالح. "
منقووول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق