ويسألونك عن "القرآنيين"؟
طرحت واقعة سب كبار الصحابة والطعن فيهم، ووصفهم بـ"الجواسيس"، على شاشة قناة "العربي" القطرية، التي يتم بثها من لندن، قضية جماعة "القرآنيون"، الذين يسقطون السنة النبوية، ويتمسكون بالقرآن الكريم كمصدر للتشريع فقط.
وتتلخص أفكار القرآنيين في عدد من النقاط الأساسية منذ نشأتهم على يد الخوارج وأتباعهم.
أولاً: منهج القرآنيين في تدبر القرآن منهج عقلي يعتمد على فهم القرآن بالقرآن، ويرفضون كلمة تفسير القرآن، حيث يعتقدون أن التفسير يكون للشيء الغامض أو المعقد، بينما القرآن ميسر للفهم والتدبر كما هو مذكور في القرآن نفسه.
ثانياً: يرفض القرآنيون روايات أسباب النزول أو التفسيرات المذكورة في كتب التراث.
ثالثاً: لا يعترفون بـ"الناسخ والمنسوخ" في القرآن، وهم بذلك يخالفون اعتقاد عامة المسلمين بنسخ الآيات، وهو أن تلغي إحدى الآيات حكما مذكورا في آية أخرى.
رابعاً:يعتبر القرآنيون، أن كل ما صدر عن الرسول ليس وحيا من الله، ومن ثم لايتروفن بالأحاديث النبوية، ويقولون بأن المنهجية التي اتبعت في تصحيح الأحاديث النبوية كانت تفتقر للموضوعية ومخالفة للمنهج العلمي السليم.
خامساً: يعمل القرآنيون بما يسمونه "السنة الفعلية" وهي الأفعال التي انتقلت بالتواتر، مثل كيفية الصلاة والحج والزكاة وغيرها من الأمور التي لم تذكر تفصيلا في القرآن، ولكن انتقلت من جيل إلى جيل.
سادساً: يؤمن القرآنيون بعدم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بشر يوحى إليه، ويجوز أن يخطئ ويصيب، باستثناء تبليغه للآيات القرآنية فهو معصوم من السهو والخطأ وفقا للنص القرآني.
سابعاً: لا يؤمن القرآنيون بعدالة الصحابة، ولا ينزلونهم منازلتهم من التوقير والاحترام، ويرون أنهم لا يكتسبون العصمة لمجرد رؤيتهم للرسول، وكان منهم المنافق والفاسق وضعيف الإيمان كما كان منهم المؤمنين والصالحين.
يعتبر بعض الباحثين أن فكرة "إنكار السنة" ظهرت لأول مرة على يد الخوارج الذين رفضوا إقامة حد رجم الزاني، ومسح الخفين وغيرها من التشريعات الواردة في السنة النبوية.
ثم انتشرت في القرن الثاني الهجري، ودعت إلى الاكتفاء بأحد مصدري التشريع، وهو القرآن والاستغناء عن السنة النبوية، بحجة أن القرآن منقول بالتواتر القطعي الثبوت المحفوظ من الله تعالى، بينما السنة ظنية، ومن ثم لا يجوز الاحتجاج بها، وبهذا المنطق شككوا في علم الحديث برمته دراية ورواية، وانتهى بهم الأمر إلى إنكار كل معلوم من الدين بالضرورة.
وفي العصر الحديث عادت فكرة "إنكار السنة"، في الهند خلال فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان، الذي فسر القرآن بمنهج عقلي، ووضع شروطا تعجيزية لقبول الحديث، مما جعله ينكر أغلب الأحاديث، ثم تلاه عبدالله جكرالوي في باكستان الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، فتوصل في النهاية لإنكار كافة الأحاديث، وأسس جماعة تسمى "أهل الذكر والقرآن"، التي دعا من خلالها إلى أن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة.
وتبنى نفس الفكر أحمد الدين الأمرتسري مؤسس جماعة "أمة مسلمة" التي كان يدعو فيها لأفكاره، وأخيرا غلام أحمد برويز، الذي نشر أفكار "القرآنيين" من خلال مجلة "طلوع الإسلام"، بشبه القارة الهندية.
بيننما يعتبر أحمد صبحي منصور، الزعيم الروحي للقرآنيين في مصر والعالم العربي حاليا، وترجع جذوره الفكرية إلى حركة الشيخ محمد عبده عام 1905 فيقول: إن "محمد عبده رفض الحديث والتصوف وانتقد البخاري وأنكر الشفاعة، ولكن تلميذه محمد رشيد رضا خالف مبادئه وتعاون مع السلفية وهو أستاذ لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان".
عمل صبحي منصور، مدرسا بجامعة الأزهر عام1977 ، ثم فصل عام 1987 بسبب إنكاره للسنة النبوية القولية، وتأسيس المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي، ما كان سببا في سجنه لشهرين.
عمل بعدها بشكل مستقل ونشر أفكاره من خلال كتبه ومقالاته وأبحاثه وندواته في مركز ابن خلدون، وفي عام 2002 حصل صبحي منصور، على اللجوء السياسي من الولايات المتحدة الأمريكية،، بعدما قدم أوراقا تثبت أنه مضطهد دينيا في مصر، وذلك بعد إغلاق مركز ابن خلدون، واعتقال عدد كبير من مريديه، بتهمة ازدراء الأديان.
بعدما استقرت أحواله في أمريكا ظهر على الساحة العربي داعيا لمنهجه الجديد، فأسس المركز العالمي للقرآن الكريم "IQC" في ولاية فيرجينيا، وموقع "أهل القرآن" على الإنترنت.
وأعلن القرانيون عن أنفسهم بشكل رسمي من خلال مؤتمر دولي في مارس 2008 في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، معلنين الغاء "السنة النبوية" والالتزام فقط بصحيح القرآن الكريم، تحت عنوان "الاحتفال بالهرطقة (الكفر): التفكير النقدي لإصلاح الإسلام"، أو "الكفار المسلمون" وفقا للترجمة الحرفية، وهو عنوان حمل في ثنايه سخرية من الاتهامات الموجه لـ"القرآنيين" بالكفر والخروج عن الإسلام وإنكار السنة.
وكان الداعي الرئيسي للمؤتمر السوداني عبدالله نعيم ، أستاذ القانون بجامعة إيموري الأمريكية بأتلانتا، كما ضم المؤتمر عددا من الأسماء المعروفة بمواقفها المثيرة للجدل، أمثال الكاتبة الأمريكية الإيرانية ميلودي معزي، والمخرجة المصرية نادية كامل مخرجة فيلم "سلطة بلدي" الذي تحكي فيه عن قصص الإسلام في مصر، وعلياء هوجبن، المديرة التنفيذية لمجلس النساء المسلمات في كندا، والكاتبة الأمريكية ساندرا ماكاين، وأمينة ودود وهي التي قامت بإلقاء خطبة وإمامة صلاة الجمعة في نيويورك في داخل كاتدرائية سانت جون في مارس 2005 .
وإرشاد مانجي، الكندية ذات الأصول الباكستانية التي اعترفت بشذوذها الجنسي علنا وتطالب بإصلاح الإسلام في أمريكا الشمالية لتقبل الشواذ، والناشطة إسراء نعماني التي تطالب بأن تعقد الصلوات الخمس بوجود الرجال والنساء في نفس الصفوف داخل المساجد.
ووفقا لعلماء السنة، فإن القرآنيين، خالفوا القرآن نفسه، حيث جاء فيه أمر من الله للمسلمين فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، الحشر(7).
وتحدث عنهم الإمام ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" الذي انتقدهم انتقادا شديدا، وكذلك الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات في أصول الشريعة"، حيث قال: "الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة، إذ عوّلوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شئ، فطرحوا أحكام السنة، فأدى بهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل إليه"،
وألف فيهم الإمام السيوطي رسالة أسماها "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" وهاجمهم هجوما شديدا وذكر الكثير من أقوال السلف في من يقول بقولهم.
وحول رأي الأزهر الشريف، فيهم فكان واضحا، إذ وصفهم، الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل، كل من ينادي بالاعتماد على القرآن الكريم فقط وإغفال السنة النبوية بالجاهل الذي لا يفقه الدين ولا يعرف أركانه وثوابته، وأوضح أن السنة النبوية الشريفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أيضا من عند الله تعالى بمعناها أما ألفاظها فبإلهام من الله عز وجل لنبيه.
وقال شيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام أحمد الطيب، : "إن العبث بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والاجتراء على قدسيتها أمر قديم قدم الإسلام نفسه ولن يتوقف ما دام أمر هذا الدين قائماً".
وأضاف أنه من الطبيعي أن يطل برأسه الآن ومستقبلا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا الذي يحدث بين الحين والحين من توجهات تدعو المسلمين إلى أن ينفضوا أيديهم من أحاديث نبيهم الكريم جملة وتفصيلا، بالتشكيك في توثيق هذه الأحاديث مرة، وبالطعن في سيرة الرواد من رواة الأحاديث وأئمته من أهل السنة على وجه الخصوص مرة أخرى.
واعتبر فضيلة الإمام الأكبر أن هؤلاء "لو أنهم يعرفون القرآن ودرسوه وفهموه لأدركوا هذا المعنى الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، فإننا نجد المماثلة لا تتحقق في شيء غير السنة النبوية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءنا بهذين الأصلين معا: "القرآن والسنة، فدل ذلك على أن السنة وحي من الله عز وجل".
منقوول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق