يقول الدكتور عمر بن عبد العزيز أن القرآن الكريم ذَكَرَ كلمة التبَرُّك في مواضع عديدة
حين وصف المسجد الحرام بالبَرَكَة بقوله: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ 98} [آل عمران: 96 - 98]،
وهو ما تكرر فيما يتعلق بالمسجد الأقصى بالبَرَكَة هو ومن حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: ١]،
ولا يبارك حوله إلا ما حفته البَرَكَة وفاضت.
وطالتِ البَرَكَةُ كذلك نفراً كبيراً من الأنبياء ومنهم المسيح ابن مريم حين كان أولَ من نطق في المهد {قَالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30 - 31].
وقد وصف الله عز وجل كتابه الكريم بالبركة، فقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92]، وذُكرت البَرَكَة في ماء السماء {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْـحَصِيدِ} [ق: ٩]، وكذلك حازت بقاع جغرافية بعينها البَرَكَة مثل ما قاله الله في سورة الأنبياء: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]، وهنا المقصود بلاد الشام وما حولها.
بل إن التبَرُّك بالأولياء ورغم كل ما يُثار حوله يمكن أن يسير في إطار كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يمكن أن نتبرك بالأولياء تشبُّهاً وتأسِّياً، فهم من خير خلق الله بعد الأنبياء {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ 63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]، ولا نقصد هنا إمكانية الوصول بهم لمرحلة العِصْمة، فهم ليسوا معصومين؛ فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله، بل إن التأسِّي بهم يأتي من باب
فَتَشَبَّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم
إنَّ التشبـُّـه بالرِّجــال فلاحُ
رواه الخطيب البغدادي بسنده عن الحسن بن إبراهيم أنه قال: «ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله لي ما أحب» تاريخ بغداد (1/422)
ما رواه ابن حبان في ترجمة علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق: «وقبره بسناباذ، خارج النوقان، مشهور يزار، بجنب قبر الرشيد، قد زرته مرارًا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه، ودعوت الله إزالتها عني: إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارًا فوجدته كذلك» الثقات (8/457)
وما ذكره ابن ماكولا عن: «علي بن بيان الزاهد، من أهل دير العاقول، له كرامات، وقبره في ظاهرها يتبرك به، وقد زرته»الإكمال (1/367)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق