الخميس، 19 أغسطس 2021

التبَرُّك

 يقول الدكتور عمر بن عبد العزيز أن القرآن الكريم ذَكَرَ كلمة التبَرُّك في مواضع عديدة

حين وصف المسجد الحرام بالبَرَكَة بقوله: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ 98} [آل عمران: 96 - 98]،

 وهو ما تكرر فيما يتعلق بالمسجد الأقصى بالبَرَكَة هو ومن حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: ١]، 

ولا يبارك حوله إلا ما حفته البَرَكَة وفاضت.

وطالتِ البَرَكَةُ كذلك نفراً كبيراً من الأنبياء ومنهم المسيح ابن مريم حين كان أولَ من نطق في المهد {قَالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30 - 31].

وقد وصف الله عز وجل كتابه الكريم بالبركة، فقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92]، وذُكرت البَرَكَة في ماء السماء {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْـحَصِيدِ} [ق: ٩]، وكذلك حازت بقاع جغرافية بعينها البَرَكَة مثل ما قاله الله في سورة الأنبياء: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]، وهنا المقصود بلاد الشام وما حولها.

بل إن التبَرُّك بالأولياء ورغم كل ما يُثار حوله يمكن أن يسير في إطار كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يمكن أن نتبرك بالأولياء تشبُّهاً وتأسِّياً، فهم من خير خلق الله بعد الأنبياء {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ 63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]، ولا نقصد هنا إمكانية الوصول بهم لمرحلة العِصْمة، فهم ليسوا معصومين؛ فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله، بل إن التأسِّي بهم يأتي من باب

فَتَشَبَّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم

إنَّ التشبـُّـه بالرِّجــال فلاحُ


 رواه الخطيب البغدادي بسنده عن الحسن بن إبراهيم أنه قال: «ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله لي ما أحب» تاريخ بغداد (1/422)

ما رواه ابن حبان في ترجمة علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق: «وقبره بسناباذ، خارج النوقان، مشهور يزار، بجنب قبر الرشيد، قد زرته مرارًا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه، ودعوت الله إزالتها عني: إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارًا فوجدته كذلك» الثقات (8/457)

وما ذكره ابن ماكولا عن: «علي بن بيان الزاهد، من أهل دير العاقول، له كرامات، وقبره في ظاهرها يتبرك به، وقد زرته»الإكمال (1/367)

قال الله تعالى { وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم ٱلتابوت فيه سكينةٌ من ربكم وبقيةٌ مما ترك آل موسىٰ وآل هارون تحمله ٱلملاۤئكة إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين } * { فلما فصل طالوت بٱلجنود قال إن ٱلله مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه منيۤ إلا من ٱغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم فلما جاوزه هو وٱلذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا ٱليوم بجالوت وجنوده قال ٱلذين يظنون أنهم ملاقوا ٱلله كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن ٱلله وٱلله مع ٱلصابرين }
تفسير البيضاوي
{ فيه سكينةٌ من ربكم } الضمير للإتيان أي في إتيانه سكون لكم وطمأنينة، أو للتابوت أي مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة. وكان موسى عليه الصلاة والسلام إذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون
{ وبقيةٌ مما ترك ءال موسىٰ وءال هـٰرون } رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وعمامة هرون، وآلهما أبناؤهما أو أنفسهما. والآل مقحم لتفخيم شأنهما، أو أنبياء بني إسرائيل لأنهم أبناء عمهما
تفسير الفيروزآبادي
وبقيةٌ مما ترك آل موسىٰ } مما ترك موسى يعني كتابه ويقال ألواحه وعصاه { وآل هارون } مما ترك هارون رداؤه وعمامته { تحمله } تسوقه { ٱلملاۤئكة } إليكم { إن في ذلك } في رد التابوت إليكم { لآيةً } علامة { لكم } أن ملكه من الله { إن كنتم مؤمنين }
تفسير السمرقندي
قال الله تعالى: { وقال لهم نبيهم: إن ءاية ملكه أن يأتيكم ٱلتابوت } وذلك أن الكفار كانوا أخذوا التابوت وكان التابوت للمسلمين فإذا خرجوا للغزو والتابوت معهم كانوا يرجون الظفر
قال قوله تعالى: { وبقيةٌ مما ترك ءال موسىٰ وءال هـٰرون } يعني الرضاض من الألواح وقفيز من من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون
تفسير البغوي
{ فيه سكينةٌ من ربكم } عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء،
وبقيةٌ مما ترك ءال موسىٰ وءال هـٰرون } يعني موسى وهرون أنفسهما كان فيه لوحان من التوراة ورضاض الألواح التي تكسرت وكان فيه عصا موسى ونعلاه وعمامة هرون وعصاه وقفيز من المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل
قال وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوهم فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت.
تفسير ابن عطية
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى، فالمعهود أن الله ينصر الحق والأمور الفاضلة عنده، والسكينة على هذا فعيلة مأخوذة من السكون، كما يقال عزم عزيمة وقطع قطيعة.
واختلف المفسرون في البقية ما هي؟: فقال ابن عباس: هي عصا موسى ورضاض الألواح، وقال الربيع: هي عصا موسى وأمور من التوراة. وقال عكرمة: هي التوراة والعصا ورضاض الألواح.

١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق