السبت، 20 ديسمبر 2014

أين الله وأقوال العلماء فى حديث الجارية

 من كتاب فيض السديد شرح جوهرة التوحيد:
و أما احتجّوا به من أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم سأل الجارية،
 فقال: "أين الله ؟فهو شاذ من حيث السند واللفظ كما قال البيهقي في الأسماء والصفات - (ج 2 / ص 427): وهذا صحيح ، قد أخرجه مسلم مقطعا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف ، عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية ، وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه، قلت:والحديث:أخرجه مسلم في صحيحه - (ج 3 / ص 140) من طريق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَال:" قَالَ وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ".
وهلال بن أبي ميمونة هو هلال بن علي بن أسامة العامري وهو صدوق وليس ثقة باتفاق فقد قال فيه أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه وقال النسائي: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الدارقطني وابن مسلة وقد خالفه في هذا الحديث من أوثق منه فرواه بلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ لا بلفظ :أين الله ، وهو ابن جريج الثّقة الحافظ المُتّفق عليه، كما رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه
ج 9 / ص 175)، وإن كان أصل الحديث صحيحا لكن لفظ:"أين الله" شاذة فلا تقوم بها الحجّة، وخاصّة أن الحديث قد روي من عدة من الصحابة بأسانيد ثابتة وافقوا فيه ابن جريج في لفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله، وأغرب من ذلك فقد رواه مرة هلال بلفظ: من ربّك، كما رواه عنه فليح بن سليمان عنه أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة - (ج 6 / ص 177) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ، نا معافى بن سليمان ، نا فليح ، عن هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم: أنه أراد عتق أمة له سوداء فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : " من ربك" ؟ قالت :" الذي في السماء فقال لها : " من أنا "؟ قالت :" رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال " أعتقها ؛ فإنها مؤمنة ".
*وأخرجه النسائي في سننه الصغرى - (ج 11 / ص 426) و أحمد بن حنبل في مسنده - (ج 36 / ص 378) و الدارمي في سننه - (ج 7 / ص 194) و ابن حبان في صحيحه - (ج 1 / ص 371) و البيهقي في سننه الكبرى - (ج 7 / ص 388) عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ:" أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ تُعْتَقَ عَنْهَا رَقَبَةٌ وَإِنَّ عِنْدِي جَارِيَةً نُوبِيَّةً أَفَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُعْتِقَهَا عَنْهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَبُّكِ قَالَتْ اللَّهُ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ".
صحيح
فمن تدبّر من أهل الحديث طرق المتن علم أنّ لفظ أين الله شاذة من كلّ الوجوه فلا تقوم بها الحجّة. قال النووي كما في شرحه على مسلم (ج 2 / ص 298): هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات ، وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرهمَا مَرَّات فِي كِتَاب الْإِيمَان . أَحَدهمَا : الْإِيمَان بِهِ مِنْ غَيْر خَوْض فِي مَعْنَاهُ ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَتَنْزِيهه عَنْ سِمَات الْمَخْلُوقَات . وَالثَّانِي تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بِهِ ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ : كَانَ الْمُرَاد اِمْتِحَانهَا ، هَلْ هِيَ مُوَحِّدَة تُقِرّ بِأَنَّ الْخَالِق الْمُدَبِّر الْفَعَّال هُوَ اللَّه وَحْده ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اِسْتَقْبَلَ السَّمَاء كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة ؟ وَلَيْسَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر فِي السَّمَاء كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَة الْكَعْبَة ، بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاء قِبْلَة الدَّاعِينَ ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَة قِبْلَة الْمُصَلِّينَ ، أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْن أَيْدِيهمْ ، فَلَمَّا قَالَتْ : فِي السَّمَاء ، عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَة وَلَيْسَتْ عَابِدَة لِلْأَوْثَانِ . وقال العلامة الكوثري عند قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله".. على أن "أين" تكون للسؤال عن المكان، وللسؤال عن المكانة. وقال أبو بكر العربي: المراد بسؤال بـ "أين" عنه تعالى: "المكانة" فإن المكان يستحيل عليه".
وقد صحّ أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سئل: أين كان ربّنا؟ فأجاب: بنفي المكان عن الله تعالى ونزّهه عن الجهة والحدّ وذكر أنّ الله تعالى متّصفا بالعلّو والارتفاع قبل خلق الخلق وأنّ علوّه لا كعلوّ الأجسام أخرج الطبري في تفسيره - (ج 15 / ص 246) و أحمد بن حنبل في مسنده - (ج 32 / ص 414)و الترمذي في سننه - (ج 10 / ص 377) و ابن ماجة في سننه - (ج 1 / ص 214) و ابن حبان في صحيحه - (ج 25 / ص 325)و الطيالسي في مسنده - (ج 3 / ص 267) و ابن عبد البر في التمهيد - (ج 5 / ص 111) و الطبراني في المعجم الكبير - (ج 14 / ص 89) و البيهقي في الأسماء والصفات - (ج 2 / ص 341) و ابن أبي شيبة في العرش - (ج 1 / ص 9) و أبو الشيخ في العظمة - (ج 1 / ص 90) و ابن بطة في الإبانة الكبرى - (ج 6 / ص 157) وابن أبي زمنين في أصول السنة - (ج 1 / ص 15) عن أَبِي رَزِينٍ قَالَ:" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ" ؟قَالَ:" كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاء".
اسناده حسنِ
ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم:"كَانَ فِي عَمَاءٍ" العماء هو السّحاب في اللغة، والعرب تقول فلان في السّحاب أي رفيع المنزلة،وليس مرادهم الجهة ، بدليل ما بعده حيث نفى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الله تعالى الجهة والحدّ، فقال: ما فوقه هواء وما تحته هواء ، أي ليس فوقه شيء أو تحته شيء وذلك لأنّه ليس بجوهر تحدّه الجهات، والله تعالى أعلم.
-وأمّا حديث النزول:فقال ابن أبي زمنين في أصول السنة - (ج 1 / ص 21):
قَوْل أَهْل اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا، وَيُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا.
*وأخرج ابن أبي زمنين في أصول السنة - (ج 1 / ص 22) عن الحافظ اِبْنُ وَضَّاحٍ القرطبيّ: وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ اَلنُّزُولِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ: أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ حَدًّا، وَسَأَلْتُ عَنْهُ اِبْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: نَعَمْ، أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا.
وقال الحافظ كما في فتح الباري شرح البخاري - (ج 11 / ص 133) وَمَعَ ذَلِكَ فَمُعْتَقَد سَلَف الْأَئِمَّة وَعُلَمَاء السُّنَّة مِنْ الْخَلَف أَنَّ اللَّه مُنَزَّه عَنْ الْحَرَكَة وَالتَّحَوُّل وَالْحُلُول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء.
علق الإمام النووي رحمه الله على حديث الجارية 

في شرحه على مسلم قائلا :

(هذا الحديث من أحاديث الصِّفات، وفيها مذهبان 

تقدَّم ذكرهما مرَّات في كتاب الإيمان:

أحدهما:

الإيمان به من غير خوض في ((( معناه )))، مع 


اعتقاد أنَّ الله ليس كمثله شيء،وتنزيهه عن سمات المخلوقات.
والثَّاني:
(((تأويله ))) بما يليق به.
فمن قال بهذا – أي التأويل - قال: كان المراد 

امتحانها هل هي موحِّدة تقرُّ بأنَّ الخالق المدبِّر 

الفعَّال هو الله وحده، وهو الَّذي إذا دعاه الدَّاعي

 استقبل السَّماء،كما إذاصلَّى المصلِّي استقبل 

الكعبة،وليس ذلك لأنَّه منحصر في السَّماء، كما 

أنَّه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأنَّ 

السَّماء قبلة الدَّاعين، كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين


.أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان الَّتي 

بين 
أيديهم، فلمَّا قالت: في السَّماء علم أنَّها موحِّدة 

وليست عابدة للأوثان. ) انتهى من شرح النووي 

على مسلمإن الله تعالى من أسمائه وصفاته 

العلي الأعلى ونؤمن بذلك إيمانا جازما كما قال 

تعالى من غير تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا 

تجسيم ولا تحديد

أخرج البيهقي في الأسماء والصفات - (ج 2 / ص 

438)عن أبي داود ،قال : كان سفيان الثوري 

وشعبة وحماد بن زيد وشريك وأبو عوانة لا يَحُدُّون

 ولا يُشبِّهون ولا يمثلون ،يروون الحديث لا يقولون 


كيف ، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر . قال أبو داود :

وهو قولنا.*أخرج البيهقي في الأسماء والصفات -

 (ج 2 / ص 443)عن ابن عيينة ،

يقول : ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره 

قراءته ،ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى ، 

أو رسله صلوات الله عليهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق