حياة رسول الله البرزخية
1-الحياة البرزخية حياة حقيقية وهذا ما دلت عليه الآيات البينات والأحاديث المشهورة الصحيحة وهذه الحياة الحقيقية لا تعُارض وصفهم بالموت كما جاء ذلك في كتاب الله العزيز إذ يقول {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }الأنبياء34ويقول {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }الزمر30 أن معنى قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقية أي ليست خيالية أو مثالية كما يتصورها بعض الملاحدة ممن لا تتسع عقولهم للإيمان إلا بالمُشاهد المحسوس دون الغيب الذي لا يطيق العقل البشرى تصوره ولا تسليم كيفيته لقدرة الله جل جلاله إن وقفة تأمل قصيرة عند قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقة لا تبقى من الأشكال أدنى ذرة حتى عند من يقصر فهمه وذوقه عن تعقل المعاني فكلمة (حقيقية) ليست إلا لنفى الباطل وطرد الوهم ونفى الخيال الذي قد يقع في ذهن الإنسان المتشكك المرتاب في أحوال عالم البرزخ وغيرها من العوالم الأخرى كالنشر والبعث والحشر والحساب وهذا المعنى يدركه الإنسان العربي البسيط الذي يعرف أن كلمة (حقيقية) تعنى حقيقة وهى ما يقابل الوهم والخيال والمثال فحقيقية أي ليست بوهيمية وهذا هو المقصود بعينه وهذا هو مفهومنا وتصورنا لهذه القضية ولقد تضافرت الأحاديث والآثار التي تثبت أن الميت يسمع ويحس ويعرف سواء كان مؤمنا أم كافرا فمنها حديث القليب وهو ثابت في الصحيحين من وجوه متعددة عن أبى طلحة وعمر وابنه عبد الله : أن النبي أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوي من أطواء بدر فناداهم رسول الله وسماهم ( ي أبا جهل بن هشام ي أمية بن خلف يا عتيبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة يا فلان بن فلان أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقا ) فقال عمر يا رسول الله ما تُكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال عليه الصلاة والسلام ( والذي نفسي بيده ما انتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبون ) وهكذا رواه الشيخان من حديث ابن عمر والبخاري من حديث أنس عن أبى طلحة ومسلم من حديث أنس عن عمر ورواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه : قالوا: يا رسول الله وهل يسمعون ؟ قال ( يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون ) ومنها ما رواه البزار وصححه ابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدى عن أبيه عن أبى هريرة : عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ) واخرج ابن حبان أيضا من طريق محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي نحوه في حديث طويل . وقال البخاري في صحيحه باب الميت يسمع خفق النعال ثم روى عن انس عن النبي قال ( العبد إذا وُضع في قبره وتولّى وذهب أصحابه حتى انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه ) وذكر الحديث في سؤال القبر ورواه مسلم أيضا وسماع الميت خفق النعال وارد في عدة أحاديث ومنها الأحاديث الواردة في سؤال القبر وهى كثيرة منتشرة وفيها التصريح بسؤال الملكين له وجوابه بما يطابق حاله من سعادة أو شقاء ومنها ما شرعه النبي لأمته من السلام على أهل القبور ومخاطبتهم بلفظ السلام عليكم دار قوم مؤمنين قال ابن القيم : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجموعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ثم ذكر جملة منها في كتاب الروح . فليراجع .
قلت : وقد روى عبد الرازق في هذا الباب حديثا عن زيد بن أسلم قال : مر أبو هريرة وصاحب له على قبر فقال أبو هريرة سلم فقال الرجل : أسلم على القبر فقال أبو هريرة إن كان رآك في الدنيا يوما قط إنه ليعرفك الآن . رواه عبد الرازق في المصنف (ج3 ص 577 ) وهذا الذي قلناه هو عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين وهم أهل السنة والجماعة فلا أدرى كيف يغفل هؤلاء الذين يدعون أنهم على مذهب السلف عن هذه الحقيقة وقد أفاض الشيخ ابن القيم في كتاب الروح بما يشفى ويكفى وننقل هنا فتوى عظيمة لشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في هذا الموضوع كما جاء في الفتاوى الكبرى سُئل الشيخ عن الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم ؟ هل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره ؟ فأجاب : الحمد لله نعم جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات , كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الانصارى قال : ( إذا قُبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يلتقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض , انظروا أخاكم ليستريح فإنه كان في كَرْب شديد , قال : فيُقْبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت ) الحديث .
وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من احد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ) قال ابن المبارك ثبت ذلك عن النبي وصححه عبد الحق صاحب الأحكام ( ا.ھ مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية ) ( ج24 ص 331 ) وجاء في موضع آخر أيضا سُئل الشيخ ابن تيمية : هل الميت يسمع كلام زائره ويرى شخصه ؟ وهل تُعاد روحه إلى جسده في ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره ؟ في ذلك الوقت وغيره ؟ وهل تُجمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه الذين ماتوا قبله ؟ فأجاب : الحمد لله رب العالمين . نعم ! يسمع في الجملة كما ثبت في الصحيحين عن النبي انه قال ( يسمع خفق نعالهم حين يُولْون عنه ) ثم ساق أحاديث متعددة في هذا المعنى ثم قال : فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ولا ينبغي أن يكون السمع له دائما بل قد يسمع في حال دون حال كما يُعرض للحى فإنه قد يسمع أحيانا خطاب من يخاطبه وقد لا يسمع لعارض يعرض له وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفى بقوله ({إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى }النمل80 فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى . فالميت وان سمع الكلام وفقه المعنى فإنه لا يمكن إجابة الداعي ولا امتثال ما أمر به ونُهى عنه فلا ينتفع بالأمر والنهى وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهى وان سمع الخطاب وفهم المعنى كما قال تعالى ({وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ }الأنفال23 وأما رؤية الميت فقد روى في ذلك آثار عن عائشة وغيرها . وأما قول القائل هل تعاد روحه إلى بدنه ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره في ذلك الوقت وغيره ؟ . فإن روحه تُعاد إلى البدن في ذلك الوقت كما جاء في الحديث وتُعاد أيضا في غير ذلك . ومع ذلك فتتصل بالبدن متى شاء الله وذلك في اللحظة بمنزلة نزول الملك وظهور الشعاع في الأرض وانتباه النائم . وهذا جاء في عدة آثار أن الأرواح تكون في أفنية القبور قال مجاهد : الأرواح تكون في أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه فهذا يكون أحيانا وقال مالك بن انس بلغني أن الأرواح مرسلة تذهب حيث شاءت والله اعلم . ا.ه مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية (ج24 ص 362 ) وقال الشيخ ابن تيمية في موضع آخر : أما ما اخبر الله من حياة الشهيد ورزقه وما جاء في الحديث الصحيح من دخول أرواحهم الجنة فذهبت طوائف إلى أن ذلك مختص بهم دون الصديقين وغيرهم والصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة أن الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصا بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة ويختص الشهيد بالذكر لكون الظانّ يظن انه يموت فينكل عن الجهاد فأخبر بذلك ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة . كما نهى عن قتل الأولاد خشية الإملاق لأنه هو الواقع وان كان قتلهم لا يجوز مع عدم خشية الإملاق . (ا.ه مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج24ص332) . رأى رسول الله رجلا قد اتكأ على قبر فقال له ( لا تؤذ صاحب القبر) ذكره المجد ابن تيمية في المنتقى (ج2ص104) وعزاه لأحمد في المسند وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح (ج3ص178) وقال إسناده صحيح وأخرجه الطحاوى في معاني الآثار(ج1ص296) من حديث ابن عمرو بن حزم بلفظ رآني رسول الله على قبر فقال ( انزل عن القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك ) (ا.ه مجمع الزوائد ج3ص61) . وينبغي أن نبين للناس معنى تلك الحياة وإنها حياة برزخية وإنها ليست كحياتنا هذه بل هي حياة خاصة لائقة بهم وبالعالم الذي هم فيه لكن لا بد أن نبين لهم أيضا أنها ليست كحياتنا لان حياتنا اقل وأحقر وأضيق واضعف فالإنسان فيها بين عبادة وعادة وطاعة ومعصية وواجبات مختلفة لنفسه وأهله ولربه وانه تارة يكون طاهرا وتارة يكون على ضد ذلك , تارة يكون في المسجد وتارة يكون في الحمام وانه لا يدرى بما يُختم له . فقد يكون بينه وبين الجنة ذراع ثم ينقلب الأمر رأسا على عقب فيصير من أهل النار وبالنقيض أما في البرزخ فانه إن كان من أهل الإيمان فإنه قد جاوز قنطرة الامتحان التي لا يثبت عندها إلا أهل السعادة . ثم انه قد انقطع عنه التكليف وأصبح روحا مشرقة طاهرة مفكرة سياحة سباحة جوالة في ملكوت الله وملكه سبحانه وتعالى لا هم ولا حزن ولا بأس ولا قلق لأنه لا دنيا ولا عقار ولا ذهب ولا فضة فلا حسد ولا بغى ولا حقد . وان كان غير ذلك ففي نقيض ذلك . وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام في البرزخ خصائص انفردوا بها دون غيرهم من البشر ولو شاركهم غيرهم في بعضها فهو على وجه الإلحاق النسبي وتبقى الخصوصية للأنبياء من جهتين .
الأولى : من جهة الأصالة
الثانية : من جهة الكمال
وذكرنا فيما تقدم أن الحياة البرزخية حياة حقيقية وان الميت يسمع ويحس ويعرف سواء أكان مؤمنا أم كان كافرا وان الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصا بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة . وهذا هو الصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة ومن هنا فإن القول بحياة الأنبياء من فضول القول وهو أمر ظاهر كالشمس لا يحتاج إلى إثبات بل إن الصواب هو أن نُقرر أن حياتهم أكمل واجل وأتم وأعظم وهكذا حياة الناس على ظهر الأرض في الدنيا فإنها درجات ومقامات ومراتب متفاوتة . فمنهم أموات في صورة أحياء قال فيهم المولى جل شأنه ({لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179ومنهم الذين قال فيهم {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62 ومنهم من قال فيهم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ }المؤمنون 10 ومنهم من قال فيهم (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ{16} كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{18} الذاريات وهكذا الحياة البرزخية درجات ومراتب ومقامات متفاوتة {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }الإسراء72 أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن حياتهم ورزقهم ومعرفتهم وسماعهم وإدراكهم وشعورهم وإحساسهم أكمل وأتم وارفع من غيرهم والدليل هو قوله تعالى في حق الشهداء {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169 وإذا كانت الحياة معناها هو بقاء الروح فلا تفنى ولا تبلى فلا مزية للشهيد يستحق أن تُذكر وتشهر إذ أرواح جميع بني ادم باقية لا تفنى ولا تبلى وهو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم كما حققه الشيخ ابن القيم في كتاب الروح فلابد من وجود مزية ظاهرة يزيد بها الشهداء على من سواهم وإلا كان ذكر حياتهم عبثا لا فائدة منه خصوصا وان الله تعالى نهى أن نقول عنهم أموات فقال {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }البقرة154 وحينئذ نقول انه لا بد أن تكون حياتهم أكمل من غيرهم واشرف وهذا ما يؤيده ظاهر النصوص فأرواحهم مرزوقة ترد انهار الجنة وتأكل ثمارها كما قال تعالى : (عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ثم إحساسهم بذلك الطعام والشراب والنعيم إحساس كامل بشعور تام وتلذذ تام وتمتع حقيقي كما جاء في الحديث : فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا ( قال ابن كثير رواه احمد) وأرواحهم لها تصرف اكبر من غيرها وأوسع فهي تتجول وتسرح في الجنة حيث تشاء ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش (كذا في الصحيح) وهم يسمعون الكلام ويفهمون الخطاب فقد جاء في الصحيح أن الله تعالى يقول لهم ما تشتهون ؟ فيقولون كذا وكذا ويعود السؤال ويعود الجواب . ثم يطلبون أن يعودوا إلى الدنيا للجهاد ثم يطلبون أن يُبلغ الله عنهم رسالة منهم إلى إخوانهم بالدنيا فيها بيان ما أكرمهم الله به فيقول الله : أنا ابلغ عنكم . فإذا ثبت هذا في حق الشهداء ثبت في حق الأنبياء من وجهين :
الأول : أن هذه رتبة شريفة أعطيت للشهيد كرامة له ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء . ولا شك أن حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء . فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ولا يحصل للأنبياء لا سيما أن هذا الكمال الذي يوجب زيادة القربى والزلفى والنعيم والأنس بالعلي الأعلى .
الثاني : أن هذه الرتبة حصلت للشهيد أجرا على جهادهم وبذلهم أنفسهم لله تعالى . والنبي هو الذي سن لنا ذلك ودعانا إليه وهدانا له بإذن الله تعالى وتوفيقه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) وقال أيضا ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقصه ذلك من أجورهم شيئا , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه لا ينقصه ذلك من آثامهم شيئا ) والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة فكل اجر حصل للشهيد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم لسعيه مثله والحياة اجر فيحصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثلها
إن حياة الأنبياء البرزخية الحقيقية وخصوصا نبينا محمد هي ارفع وأكمل من أن يتصور جاهل أو أحمق أننا نعنى بها أن يعيشوا كما نعيش فيأكلوا ويشربوا محتاجين إلى الأكل والشرب ويبولوا ويتغوطوا مضطرين إلى ذلك ويخرجون من قبورهم لحضور مجالس الذكر ومجامع القرآن ولمشاركة الأمة في أفراحها وأحزانها وأعيادها ومواسمها . ثم يرجعون إلى قبورهم تحت الأرض في تلك الحفرة الضيقة وفوقهم التراب . ليس في هذا أدنى كرامة أو منقبة بل هو عين الإهانة التي لا يرضاها الإنسان لتابع أو خادم له فضلا عن أن يمن الله تعالى بذلك على خير خلقه واجل عبيده حاشا وكلا وألف حاشا وكلا. إن الحياة البرزخية الحقيقية هي الشعور التام والإدراك الكامل والمعرفة الصادقة . إنها حياة طيبة صالحة : دعاء وتسبيح وتهليل وتحميد وصلاة. ومن ثمرات تلك الحياة البرزخية صلاتهم في قبورهم صلاة حقيقية ليست خيالية ولا مثالية وقد جاءت أحاديث في هذا الموضوع فمنها عن انس بن مالك قال : قال رسول الله ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ) . رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبى يعلى ثقات كذا في مجمع الزوائد (ج8ص211) قال الإمام الحافظ البيهقى في الجزء الخاص بهذه المسألة . وفى رواية عن انس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الأنبياء لا يُتْركون في قبورهم بعد أربعين ليلة, ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى يُنفخ في الصور) قال البيهقى إن صح بهذا اللفظ فالمراد به- والله اعلم- لا يُتركون لا يُصلون إلا هذا المقدار, ثم يكونون مصلين بين يدي الله تعالى, قال البيهقى : ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة. ثم ذكر البيهقى بأسانيده حديث (مررت بموسى وهو قائم يصلى في قبره). وحديث (قد رأيتني في جماعة من الأنبياء, فإذا موسى قائم يصلى وإذا رجل ضَرْب جَعْد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى اقرب الناس به شبها عروة ابن مسعود الثقفي, وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم- يعنى نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت الصلاة قال لي قائل : يا محمد, هذا مَالِك صاحب النار فسلّم عليه فالتفتُّ إليه فبدأني بالسلام ) . قلت أخرجه مسلم عن انس (ج2ص268) وأخرجه عبد الرازق في المصنف (ج3ص577) وقوله ضَرْب : أي خفيف اللحم الممشوق المستقد. وقال البيهقى في دلائل النبوة : وفى الحديث الصحيح عن سليمان التيمى وثابت البنان عن انس بن مالك أن رسول الله قال ( أتيتُ على موسى ليلة اسري بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره ). قلت وهو صحيح أخرجه مسلم (ج2ص268) وقد ثبت بما لا يقبل الشك أن السبب في تخفيف الصلاة علينا من خمسين إلى خمس صلوات هو موسى عليه السلام وهو ميت قد أدى رسالة ربه وانتقل إلى جواره في الرفيق الأعلى ولكنه هو السبب في إيصال أعظم خير إلى الأمة المحمدية حينما طلب من نبينا محمد مراجعة ربه وقال له سَلْ ربك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فهل هذه المراجعة حقيقية أو خيالية وهل في اليقظة أو في المنام وهل هي صحيحة أم مكذوبة وهل موسى مات أم لا يزال حيا حتى وقت تلك المراجعة ؟ أخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي مر على ثَنّية فقال : ما هذه قالوا ثنية كذا وكذا, قال لأني انظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبّة من صوف وهو يقول لبيك اللهم لبيك ) ا.ه الدر المنثور (ج4ص334). وفى حديث آخر (أراني ليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من الرجال من آدم الرجال, له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجّلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين بالبيت فسألت من هذا ؟ فقيل هذا المسيح بن مريم ). وفى حديث آخر ( أن رسول الله مر بوادي الأزرق فقال : كأني انظر إلى موسى هابطا من الثنيّة وله جؤار إلى الله بالتلبية ثم أتى على ثنية هرشي فقال : كأني انظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعده عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة وهو يلبى ) وفى حديث أخر ( كأني انظر إلى موسى واضعا إصبعيه في أذنيه) وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وقد تقدم في موسى وعيسى, وكذلك صلاتهم قياما وإمامة النبي بهم ولا يقال إن ذلك رؤيا منام وإن قوله أراني فيه إشارة إلى النوم لأن الإسراء وما اتفق فيه كان يقظة على الصحيح الذي عليه جمهور السلف والخلف ولو قيل بأنه نوم فرؤيا الأنبياء حق, وقوله أراني لا دلالة فيه على المنام بدليل قوله رأيتني في الحجر وكان ذلك في اليقظة كما يدل عليه بقية الكلام . جاء في الحديث عن أوس بن أوس قال : قال رسول الله : (أفضل أيامكم الجمعة فيه خلق آدم. وفيه قبض. وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علىَّ, قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت- يقولون بليت- فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) هذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة واحمد في مسنده وابن عاصم في الصلاة له وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم والطبراني في معجمه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم البيهقى في حياة الأنبياء وشعب الإيمان وغيرهما من تصانيفه . واعلم بأن حديث أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ورد من طرق كثيرة جمعها الحافظ المنذرى في جزء مخصوص وقال في الترغيب والترهيب رواه ابن ماجه بإسناد جيد ورواه احمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه وقال ابن القيم في كتاب الروح نقلا عن أبى عبد الله القرطبي : صح عن النبي أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وانه اجتمع مع الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء خصوصا موسى وقد اخبر : (ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام)إلى غير ذلك ما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غُيّبوا عنا بحيث لا ندركهم وان كان موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودين ولا نراهم .وقد نقل كلام القرطبي واقره أيضا الشيخ محمد السفارينى الحنبلي في شرح عقيدة أهل السنة ونصه : قال أبو عبد الله القرطبي قال شيخنا احد بن عمر القرطبي صاحب المفهم في شرح مسلم والذي يزيح هذا الإشكال أن الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال ويدل على ذلك أن الشهداء بعد موتهم وقتلهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين. وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء أحق بذلك وأولى . وذكر القرطبي أن أجساد الشهداء لا تبلى, وقد صح عن جابر أن أباه وعمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنهم وهما ممن استشهدا بأحد ودفنا في قبر واحد حفر السيل قبرهما فوجدا لم يتغيرا. وكان احدهما قد جُرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك , فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين ذلك وبين احد ست وأربعون سنة ولما أجرى معاوية العين التي استنبطها بالمدينة وذلك بعد احد بنحو من خمسين سنة ونقل الموتى وأصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فسال منه الدم ووجد عبد الله بن حرام كأنما دُفن بالأمس . وروى جميع أهل المدينة أن جدار النبي لما انهدم أيام الوليد بدت لهم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد قتل شهيدا . وقد ذكر الشيخ ابن تيمية انه لما حصل الهدم بدت لهم قدم بساق وركبة ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال هذه ساق عمر وركبته فسُرى عن عمر بن عبد العزيز . ا.ه اقتضاء الصراط المستقيم 365. وقد ألف في هذا الموضوع الإمام الحجة أبو بكر بن الحسين البيهقى رسالة خاصة جمع فيها جملة من الأحاديث التي تدل على حياة الأنبياء وبقاء أجسادهم. وكذلك ألف الحافظ جلال الدين السيوطي رسالة خاصة بذلك.وقد ثبت لنبينا محمد حياة برزخية أكمل وأعظم من غيره تحدث عنها بنفسه تثبت اتصاله بالأمة المحمدية ومعرفته بأحوالها واطلاعه على أعمالها وسماعه لكلامهم ورده لسلامهم والأحاديث في هذا الباب كثيرة. فمنها عن عبد الله بن مسعود عن النبي انه قال (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ) قال المنذر رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. ا. ه . من الترغيب والترهيب (ج2ص498) . قلت رواه إسماعيل القاضي وغيره من طرق مختلفة بأسانيد صحيحة لا ريب فيها إلى سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود وصرح الثوري بالسماع فقال : حدثني عبد الله بن السائب هكذا في كتاب القاضي إسماعيل وعبد الله بن السائب وزاذان روى لهما مسلم. ووثقهما ابن معين فالإسناد إذن صحيح . ومنها : عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال : (حياتي خير لكم تحدْثون ويُحْدث لكم ووفاتي خير لكم تُعرض أعمالكم على فإن رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) قال الحافظ العراقي في كتاب الجنائز من طرح التثريب في شرح التقريب : إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمى في مجمع الزوائد ج9ص24 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح , وصححه الحافظ السيوطي في المعجزات والخصائص وكذا القسطلانى شارح البخاري ونص المناوى في فيض القدير ج3ص401 بأنه صحيح وكذا الزرقانى في شرح المواهب للقسطلانى وكذا الشهاب الخفاجى في شرح الشفا ج1ص102 وكذا الملا على قاري في شرح الشفا ج1ص102 وقال رواه أيضا الحارث بن أسامة في مسنده بسند صحيح . وذكره ابن حجر في المطالب العالية ج4ص22 وجاء هذا الحديث من طريق آخر مرسلا عن بكر بن عبد الله المزني ورواه الحافظ إسماعيل القاضي في جزء الصلاة على النبي , قال فيه الشيخ الألباني : مرسل صحيح وصححه الحافظ ابن عبد الهادي مع تعنته وتشدده في كتابه الصارم المكي. فالحديث صحيح لا مطعن فيه وهو يدل على أن النبي يعلم أعمالنا بعرضها عليه ويستغفر الله لنا على ما فعلنا من سئ وقبيح وإذا كان كذلك فإنه يجوز لنا التوسل به إلى الله ونستشفع به لديه لأنه يعلم بذلك فيشفع فينا ويدعو لنا وهو الشفيع المشفع وقد اخبر الله في القرآن أن النبي شهيد على أمته وذلك يقتضى أن تعرض أعمالهم عليه ليشهد على ما رأى وعلم . قال ابن المبارك اخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو انه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا يعرض فيه على النبي أمته غدوة وعشيا فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41 ومنها : عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله ( إن الله وكل بقبري ملكا أعطاه الله أسماع الخلائق فلا يصلى على احد إلى يوم القيامة إلا ابلغني باسمه واسم أبيه هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك ) رواه البزار وأبو الشيخ ابن حبان ولفظه قال رسول الله ( إن الله تبارك وتعالى وكل ملكا أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت فليس أحدا يصلى على صلاة إلا قال : يا محمد صلى عليك فلان بن فلان قال : فيصلى الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا ) رواه الطبراني في الكبير بنحوه أ.ه من الترغيب ج2ص500 ومنها عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبى هلال عن زيد ابن أيمن عن عبادة بن يسىّ عن أبى الدرداء قال : قال رسول الله : ( أكثروا الصلاة علىّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وان أحدا لن يصلى على : إلا عرضت علىّ صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت ؟ قال : وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق) رواه ابن ماجه في السنن. وفى الزوائد هذا الحديث صحيح إلا انه منقطع في موضعين عبادة روايته عن أبى الدرداء مرسلة قاله العلاء وزيد بن أيمن عن عبادة مرسلة قاله البخاري. انتهى من سنن ابن ماجه ص524 . ومنها عن أبى هريرة أن رسول الله قال ( ما من مسلم يسلم علىّ إلا ردَ الله علىّ روحي حتى أرد عليه السلام) رواه أبو داود كذا في الترغيب ج2ص499 قال الشيخ ابن تيمية هذا الحديث على شرط مسلم وقال : قال رسول الله ( من صلى علىّ سمعته ومن صلى علىّ نائيا بُلِّغته) رواه الدارقطنى . وفى النسائي وغيره أن رسول الله قال ( إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام) إلى أحاديث أخرى في هذا الباب متعددة أ.ه اقتضاء الصراط المستقيم ص324 وفى حديث هريرة عند أبى يعلى في ذكر عيسى ( ولئن قام على قبري فقال : يا محمد لأجيبنه ) ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 4/ ص23 بعنوان حياته صلى الله عليه وسلم في قبره . عن يزيد المهدي قال لنا ودّعت عمر بن عبد العزيز قال : إن لي إليك حاجة قلت يا أمير المؤمنين كيف ترى حاجتك عندي ؟ قال أنى أراك إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي فأقرئه منى السلام. وعن حاتم بن وردان قال : كان عمر بن عبد العزيز يُوجّه البريد قاصدا من الشام إلى المدينة ليُقرئ عنه النبي السلام ذكره القاضي عياض في الشفاء في باب الزيارة ج2ص83 وذكر الخفاجى كان من دأب السلف أنهم يرسلون السلام إلى رسول الله وكان ابن عمر يفعله ويرسل له عليه الصلاة والسلام ولأبى بكر وعمر رضي الله عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبلغه سلام من سلم عليه وان كان بعيدا عنه لكن في هذا فضيلة خطابه عنده ورده عليه السلام بنفسه . أ. ه . من نسيم الرياض للخفاجى ج3ص516 وذكره الفيروزابادى في الصلاة والبشر ص153. روى الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله الدرامي في كتابه السنن الذي يعتبر من كتب الأصول الحديثية الستة قال اخبرنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال لما كان أيام الحرّة لم يؤذّن في مسجد النبي ثلاثا ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي فذكر معناه . أ.ه من سنن الدرامي ج1ص44. ونقل هذه الرواية الإمام مجد الدين الفيروزابادى صاحب القاموس في الصلاة والبشر ص154 وقال : قال إبراهيم بن شيبان حججت فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر النبي فسلمت عليه فسمعت من داخل الحجرة وعليك السلام . ذكر الشيخ ابن تيمية هذه الوقائع في معرض كلامه عن اتخاذ القبر مسجدا أو وثنا يعبد , ثم قال ولا يدخل في هذا الباب ما يروى من أن قوما سمعوا رد السلام من قبر النبي أو قبور غيره من الصالحين وان سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرّة ونحو ذلك أ.ه اقتضاء الصراط المستقيم 373 وقد ذكر الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه أحكام الموت نصا يؤيد بعض هذه الوقائع . قال اخرج ابن سعد عن ابن المسيب انه كان يلازم المسجد أيام الحرّة والناس يقتتلون قال فكنت اسمع أذانا يخرج من قبل القبر النبوي . كذا في مجموع المؤلفات 3/47. وقال الشيخ ابن تيمية في موضع آخر وكذلك كل ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقى الشياطين والبهائم لها واندفاع النار عنها وعمن جاورها وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى واستحباب الاندفان عند بعضهم وحصول الأنس والسكينة عندها ونزول العذاب بمن استهان بها فجنس هذا حق ليس ما نحن فيه وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك . أ.ه. اقتضاء الصراط المستقيم ص374 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
من كتاب : الكمالات المحمدية
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
ريس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
بجمهورية مصر العربية
1-الحياة البرزخية حياة حقيقية وهذا ما دلت عليه الآيات البينات والأحاديث المشهورة الصحيحة وهذه الحياة الحقيقية لا تعُارض وصفهم بالموت كما جاء ذلك في كتاب الله العزيز إذ يقول {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }الأنبياء34ويقول {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }الزمر30 أن معنى قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقية أي ليست خيالية أو مثالية كما يتصورها بعض الملاحدة ممن لا تتسع عقولهم للإيمان إلا بالمُشاهد المحسوس دون الغيب الذي لا يطيق العقل البشرى تصوره ولا تسليم كيفيته لقدرة الله جل جلاله إن وقفة تأمل قصيرة عند قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقة لا تبقى من الأشكال أدنى ذرة حتى عند من يقصر فهمه وذوقه عن تعقل المعاني فكلمة (حقيقية) ليست إلا لنفى الباطل وطرد الوهم ونفى الخيال الذي قد يقع في ذهن الإنسان المتشكك المرتاب في أحوال عالم البرزخ وغيرها من العوالم الأخرى كالنشر والبعث والحشر والحساب وهذا المعنى يدركه الإنسان العربي البسيط الذي يعرف أن كلمة (حقيقية) تعنى حقيقة وهى ما يقابل الوهم والخيال والمثال فحقيقية أي ليست بوهيمية وهذا هو المقصود بعينه وهذا هو مفهومنا وتصورنا لهذه القضية ولقد تضافرت الأحاديث والآثار التي تثبت أن الميت يسمع ويحس ويعرف سواء كان مؤمنا أم كافرا فمنها حديث القليب وهو ثابت في الصحيحين من وجوه متعددة عن أبى طلحة وعمر وابنه عبد الله : أن النبي أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوي من أطواء بدر فناداهم رسول الله وسماهم ( ي أبا جهل بن هشام ي أمية بن خلف يا عتيبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة يا فلان بن فلان أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقا ) فقال عمر يا رسول الله ما تُكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال عليه الصلاة والسلام ( والذي نفسي بيده ما انتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبون ) وهكذا رواه الشيخان من حديث ابن عمر والبخاري من حديث أنس عن أبى طلحة ومسلم من حديث أنس عن عمر ورواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه : قالوا: يا رسول الله وهل يسمعون ؟ قال ( يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون ) ومنها ما رواه البزار وصححه ابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدى عن أبيه عن أبى هريرة : عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ) واخرج ابن حبان أيضا من طريق محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي نحوه في حديث طويل . وقال البخاري في صحيحه باب الميت يسمع خفق النعال ثم روى عن انس عن النبي قال ( العبد إذا وُضع في قبره وتولّى وذهب أصحابه حتى انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه ) وذكر الحديث في سؤال القبر ورواه مسلم أيضا وسماع الميت خفق النعال وارد في عدة أحاديث ومنها الأحاديث الواردة في سؤال القبر وهى كثيرة منتشرة وفيها التصريح بسؤال الملكين له وجوابه بما يطابق حاله من سعادة أو شقاء ومنها ما شرعه النبي لأمته من السلام على أهل القبور ومخاطبتهم بلفظ السلام عليكم دار قوم مؤمنين قال ابن القيم : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجموعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ثم ذكر جملة منها في كتاب الروح . فليراجع .
قلت : وقد روى عبد الرازق في هذا الباب حديثا عن زيد بن أسلم قال : مر أبو هريرة وصاحب له على قبر فقال أبو هريرة سلم فقال الرجل : أسلم على القبر فقال أبو هريرة إن كان رآك في الدنيا يوما قط إنه ليعرفك الآن . رواه عبد الرازق في المصنف (ج3 ص 577 ) وهذا الذي قلناه هو عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين وهم أهل السنة والجماعة فلا أدرى كيف يغفل هؤلاء الذين يدعون أنهم على مذهب السلف عن هذه الحقيقة وقد أفاض الشيخ ابن القيم في كتاب الروح بما يشفى ويكفى وننقل هنا فتوى عظيمة لشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في هذا الموضوع كما جاء في الفتاوى الكبرى سُئل الشيخ عن الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم ؟ هل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره ؟ فأجاب : الحمد لله نعم جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات , كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الانصارى قال : ( إذا قُبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يلتقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض , انظروا أخاكم ليستريح فإنه كان في كَرْب شديد , قال : فيُقْبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت ) الحديث .
وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من احد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ) قال ابن المبارك ثبت ذلك عن النبي وصححه عبد الحق صاحب الأحكام ( ا.ھ مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية ) ( ج24 ص 331 ) وجاء في موضع آخر أيضا سُئل الشيخ ابن تيمية : هل الميت يسمع كلام زائره ويرى شخصه ؟ وهل تُعاد روحه إلى جسده في ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره ؟ في ذلك الوقت وغيره ؟ وهل تُجمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه الذين ماتوا قبله ؟ فأجاب : الحمد لله رب العالمين . نعم ! يسمع في الجملة كما ثبت في الصحيحين عن النبي انه قال ( يسمع خفق نعالهم حين يُولْون عنه ) ثم ساق أحاديث متعددة في هذا المعنى ثم قال : فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ولا ينبغي أن يكون السمع له دائما بل قد يسمع في حال دون حال كما يُعرض للحى فإنه قد يسمع أحيانا خطاب من يخاطبه وقد لا يسمع لعارض يعرض له وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفى بقوله ({إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى }النمل80 فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى . فالميت وان سمع الكلام وفقه المعنى فإنه لا يمكن إجابة الداعي ولا امتثال ما أمر به ونُهى عنه فلا ينتفع بالأمر والنهى وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهى وان سمع الخطاب وفهم المعنى كما قال تعالى ({وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ }الأنفال23 وأما رؤية الميت فقد روى في ذلك آثار عن عائشة وغيرها . وأما قول القائل هل تعاد روحه إلى بدنه ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره في ذلك الوقت وغيره ؟ . فإن روحه تُعاد إلى البدن في ذلك الوقت كما جاء في الحديث وتُعاد أيضا في غير ذلك . ومع ذلك فتتصل بالبدن متى شاء الله وذلك في اللحظة بمنزلة نزول الملك وظهور الشعاع في الأرض وانتباه النائم . وهذا جاء في عدة آثار أن الأرواح تكون في أفنية القبور قال مجاهد : الأرواح تكون في أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه فهذا يكون أحيانا وقال مالك بن انس بلغني أن الأرواح مرسلة تذهب حيث شاءت والله اعلم . ا.ه مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية (ج24 ص 362 ) وقال الشيخ ابن تيمية في موضع آخر : أما ما اخبر الله من حياة الشهيد ورزقه وما جاء في الحديث الصحيح من دخول أرواحهم الجنة فذهبت طوائف إلى أن ذلك مختص بهم دون الصديقين وغيرهم والصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة أن الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصا بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة ويختص الشهيد بالذكر لكون الظانّ يظن انه يموت فينكل عن الجهاد فأخبر بذلك ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة . كما نهى عن قتل الأولاد خشية الإملاق لأنه هو الواقع وان كان قتلهم لا يجوز مع عدم خشية الإملاق . (ا.ه مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج24ص332) . رأى رسول الله رجلا قد اتكأ على قبر فقال له ( لا تؤذ صاحب القبر) ذكره المجد ابن تيمية في المنتقى (ج2ص104) وعزاه لأحمد في المسند وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح (ج3ص178) وقال إسناده صحيح وأخرجه الطحاوى في معاني الآثار(ج1ص296) من حديث ابن عمرو بن حزم بلفظ رآني رسول الله على قبر فقال ( انزل عن القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك ) (ا.ه مجمع الزوائد ج3ص61) . وينبغي أن نبين للناس معنى تلك الحياة وإنها حياة برزخية وإنها ليست كحياتنا هذه بل هي حياة خاصة لائقة بهم وبالعالم الذي هم فيه لكن لا بد أن نبين لهم أيضا أنها ليست كحياتنا لان حياتنا اقل وأحقر وأضيق واضعف فالإنسان فيها بين عبادة وعادة وطاعة ومعصية وواجبات مختلفة لنفسه وأهله ولربه وانه تارة يكون طاهرا وتارة يكون على ضد ذلك , تارة يكون في المسجد وتارة يكون في الحمام وانه لا يدرى بما يُختم له . فقد يكون بينه وبين الجنة ذراع ثم ينقلب الأمر رأسا على عقب فيصير من أهل النار وبالنقيض أما في البرزخ فانه إن كان من أهل الإيمان فإنه قد جاوز قنطرة الامتحان التي لا يثبت عندها إلا أهل السعادة . ثم انه قد انقطع عنه التكليف وأصبح روحا مشرقة طاهرة مفكرة سياحة سباحة جوالة في ملكوت الله وملكه سبحانه وتعالى لا هم ولا حزن ولا بأس ولا قلق لأنه لا دنيا ولا عقار ولا ذهب ولا فضة فلا حسد ولا بغى ولا حقد . وان كان غير ذلك ففي نقيض ذلك . وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام في البرزخ خصائص انفردوا بها دون غيرهم من البشر ولو شاركهم غيرهم في بعضها فهو على وجه الإلحاق النسبي وتبقى الخصوصية للأنبياء من جهتين .
الأولى : من جهة الأصالة
الثانية : من جهة الكمال
وذكرنا فيما تقدم أن الحياة البرزخية حياة حقيقية وان الميت يسمع ويحس ويعرف سواء أكان مؤمنا أم كان كافرا وان الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصا بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة . وهذا هو الصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة ومن هنا فإن القول بحياة الأنبياء من فضول القول وهو أمر ظاهر كالشمس لا يحتاج إلى إثبات بل إن الصواب هو أن نُقرر أن حياتهم أكمل واجل وأتم وأعظم وهكذا حياة الناس على ظهر الأرض في الدنيا فإنها درجات ومقامات ومراتب متفاوتة . فمنهم أموات في صورة أحياء قال فيهم المولى جل شأنه ({لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179ومنهم الذين قال فيهم {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62 ومنهم من قال فيهم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ }المؤمنون 10 ومنهم من قال فيهم (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ{16} كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{18} الذاريات وهكذا الحياة البرزخية درجات ومراتب ومقامات متفاوتة {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }الإسراء72 أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن حياتهم ورزقهم ومعرفتهم وسماعهم وإدراكهم وشعورهم وإحساسهم أكمل وأتم وارفع من غيرهم والدليل هو قوله تعالى في حق الشهداء {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169 وإذا كانت الحياة معناها هو بقاء الروح فلا تفنى ولا تبلى فلا مزية للشهيد يستحق أن تُذكر وتشهر إذ أرواح جميع بني ادم باقية لا تفنى ولا تبلى وهو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم كما حققه الشيخ ابن القيم في كتاب الروح فلابد من وجود مزية ظاهرة يزيد بها الشهداء على من سواهم وإلا كان ذكر حياتهم عبثا لا فائدة منه خصوصا وان الله تعالى نهى أن نقول عنهم أموات فقال {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }البقرة154 وحينئذ نقول انه لا بد أن تكون حياتهم أكمل من غيرهم واشرف وهذا ما يؤيده ظاهر النصوص فأرواحهم مرزوقة ترد انهار الجنة وتأكل ثمارها كما قال تعالى : (عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ثم إحساسهم بذلك الطعام والشراب والنعيم إحساس كامل بشعور تام وتلذذ تام وتمتع حقيقي كما جاء في الحديث : فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا ( قال ابن كثير رواه احمد) وأرواحهم لها تصرف اكبر من غيرها وأوسع فهي تتجول وتسرح في الجنة حيث تشاء ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش (كذا في الصحيح) وهم يسمعون الكلام ويفهمون الخطاب فقد جاء في الصحيح أن الله تعالى يقول لهم ما تشتهون ؟ فيقولون كذا وكذا ويعود السؤال ويعود الجواب . ثم يطلبون أن يعودوا إلى الدنيا للجهاد ثم يطلبون أن يُبلغ الله عنهم رسالة منهم إلى إخوانهم بالدنيا فيها بيان ما أكرمهم الله به فيقول الله : أنا ابلغ عنكم . فإذا ثبت هذا في حق الشهداء ثبت في حق الأنبياء من وجهين :
الأول : أن هذه رتبة شريفة أعطيت للشهيد كرامة له ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء . ولا شك أن حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء . فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ولا يحصل للأنبياء لا سيما أن هذا الكمال الذي يوجب زيادة القربى والزلفى والنعيم والأنس بالعلي الأعلى .
الثاني : أن هذه الرتبة حصلت للشهيد أجرا على جهادهم وبذلهم أنفسهم لله تعالى . والنبي هو الذي سن لنا ذلك ودعانا إليه وهدانا له بإذن الله تعالى وتوفيقه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) وقال أيضا ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقصه ذلك من أجورهم شيئا , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه لا ينقصه ذلك من آثامهم شيئا ) والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة فكل اجر حصل للشهيد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم لسعيه مثله والحياة اجر فيحصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثلها
إن حياة الأنبياء البرزخية الحقيقية وخصوصا نبينا محمد هي ارفع وأكمل من أن يتصور جاهل أو أحمق أننا نعنى بها أن يعيشوا كما نعيش فيأكلوا ويشربوا محتاجين إلى الأكل والشرب ويبولوا ويتغوطوا مضطرين إلى ذلك ويخرجون من قبورهم لحضور مجالس الذكر ومجامع القرآن ولمشاركة الأمة في أفراحها وأحزانها وأعيادها ومواسمها . ثم يرجعون إلى قبورهم تحت الأرض في تلك الحفرة الضيقة وفوقهم التراب . ليس في هذا أدنى كرامة أو منقبة بل هو عين الإهانة التي لا يرضاها الإنسان لتابع أو خادم له فضلا عن أن يمن الله تعالى بذلك على خير خلقه واجل عبيده حاشا وكلا وألف حاشا وكلا. إن الحياة البرزخية الحقيقية هي الشعور التام والإدراك الكامل والمعرفة الصادقة . إنها حياة طيبة صالحة : دعاء وتسبيح وتهليل وتحميد وصلاة. ومن ثمرات تلك الحياة البرزخية صلاتهم في قبورهم صلاة حقيقية ليست خيالية ولا مثالية وقد جاءت أحاديث في هذا الموضوع فمنها عن انس بن مالك قال : قال رسول الله ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ) . رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبى يعلى ثقات كذا في مجمع الزوائد (ج8ص211) قال الإمام الحافظ البيهقى في الجزء الخاص بهذه المسألة . وفى رواية عن انس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الأنبياء لا يُتْركون في قبورهم بعد أربعين ليلة, ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى يُنفخ في الصور) قال البيهقى إن صح بهذا اللفظ فالمراد به- والله اعلم- لا يُتركون لا يُصلون إلا هذا المقدار, ثم يكونون مصلين بين يدي الله تعالى, قال البيهقى : ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة. ثم ذكر البيهقى بأسانيده حديث (مررت بموسى وهو قائم يصلى في قبره). وحديث (قد رأيتني في جماعة من الأنبياء, فإذا موسى قائم يصلى وإذا رجل ضَرْب جَعْد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى اقرب الناس به شبها عروة ابن مسعود الثقفي, وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم- يعنى نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت الصلاة قال لي قائل : يا محمد, هذا مَالِك صاحب النار فسلّم عليه فالتفتُّ إليه فبدأني بالسلام ) . قلت أخرجه مسلم عن انس (ج2ص268) وأخرجه عبد الرازق في المصنف (ج3ص577) وقوله ضَرْب : أي خفيف اللحم الممشوق المستقد. وقال البيهقى في دلائل النبوة : وفى الحديث الصحيح عن سليمان التيمى وثابت البنان عن انس بن مالك أن رسول الله قال ( أتيتُ على موسى ليلة اسري بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره ). قلت وهو صحيح أخرجه مسلم (ج2ص268) وقد ثبت بما لا يقبل الشك أن السبب في تخفيف الصلاة علينا من خمسين إلى خمس صلوات هو موسى عليه السلام وهو ميت قد أدى رسالة ربه وانتقل إلى جواره في الرفيق الأعلى ولكنه هو السبب في إيصال أعظم خير إلى الأمة المحمدية حينما طلب من نبينا محمد مراجعة ربه وقال له سَلْ ربك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فهل هذه المراجعة حقيقية أو خيالية وهل في اليقظة أو في المنام وهل هي صحيحة أم مكذوبة وهل موسى مات أم لا يزال حيا حتى وقت تلك المراجعة ؟ أخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي مر على ثَنّية فقال : ما هذه قالوا ثنية كذا وكذا, قال لأني انظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبّة من صوف وهو يقول لبيك اللهم لبيك ) ا.ه الدر المنثور (ج4ص334). وفى حديث آخر (أراني ليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من الرجال من آدم الرجال, له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجّلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين بالبيت فسألت من هذا ؟ فقيل هذا المسيح بن مريم ). وفى حديث آخر ( أن رسول الله مر بوادي الأزرق فقال : كأني انظر إلى موسى هابطا من الثنيّة وله جؤار إلى الله بالتلبية ثم أتى على ثنية هرشي فقال : كأني انظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعده عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة وهو يلبى ) وفى حديث أخر ( كأني انظر إلى موسى واضعا إصبعيه في أذنيه) وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وقد تقدم في موسى وعيسى, وكذلك صلاتهم قياما وإمامة النبي بهم ولا يقال إن ذلك رؤيا منام وإن قوله أراني فيه إشارة إلى النوم لأن الإسراء وما اتفق فيه كان يقظة على الصحيح الذي عليه جمهور السلف والخلف ولو قيل بأنه نوم فرؤيا الأنبياء حق, وقوله أراني لا دلالة فيه على المنام بدليل قوله رأيتني في الحجر وكان ذلك في اليقظة كما يدل عليه بقية الكلام . جاء في الحديث عن أوس بن أوس قال : قال رسول الله : (أفضل أيامكم الجمعة فيه خلق آدم. وفيه قبض. وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علىَّ, قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت- يقولون بليت- فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) هذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة واحمد في مسنده وابن عاصم في الصلاة له وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم والطبراني في معجمه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم البيهقى في حياة الأنبياء وشعب الإيمان وغيرهما من تصانيفه . واعلم بأن حديث أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ورد من طرق كثيرة جمعها الحافظ المنذرى في جزء مخصوص وقال في الترغيب والترهيب رواه ابن ماجه بإسناد جيد ورواه احمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه وقال ابن القيم في كتاب الروح نقلا عن أبى عبد الله القرطبي : صح عن النبي أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وانه اجتمع مع الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء خصوصا موسى وقد اخبر : (ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام)إلى غير ذلك ما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غُيّبوا عنا بحيث لا ندركهم وان كان موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودين ولا نراهم .وقد نقل كلام القرطبي واقره أيضا الشيخ محمد السفارينى الحنبلي في شرح عقيدة أهل السنة ونصه : قال أبو عبد الله القرطبي قال شيخنا احد بن عمر القرطبي صاحب المفهم في شرح مسلم والذي يزيح هذا الإشكال أن الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال ويدل على ذلك أن الشهداء بعد موتهم وقتلهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين. وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء أحق بذلك وأولى . وذكر القرطبي أن أجساد الشهداء لا تبلى, وقد صح عن جابر أن أباه وعمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنهم وهما ممن استشهدا بأحد ودفنا في قبر واحد حفر السيل قبرهما فوجدا لم يتغيرا. وكان احدهما قد جُرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك , فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين ذلك وبين احد ست وأربعون سنة ولما أجرى معاوية العين التي استنبطها بالمدينة وذلك بعد احد بنحو من خمسين سنة ونقل الموتى وأصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فسال منه الدم ووجد عبد الله بن حرام كأنما دُفن بالأمس . وروى جميع أهل المدينة أن جدار النبي لما انهدم أيام الوليد بدت لهم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد قتل شهيدا . وقد ذكر الشيخ ابن تيمية انه لما حصل الهدم بدت لهم قدم بساق وركبة ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال هذه ساق عمر وركبته فسُرى عن عمر بن عبد العزيز . ا.ه اقتضاء الصراط المستقيم 365. وقد ألف في هذا الموضوع الإمام الحجة أبو بكر بن الحسين البيهقى رسالة خاصة جمع فيها جملة من الأحاديث التي تدل على حياة الأنبياء وبقاء أجسادهم. وكذلك ألف الحافظ جلال الدين السيوطي رسالة خاصة بذلك.وقد ثبت لنبينا محمد حياة برزخية أكمل وأعظم من غيره تحدث عنها بنفسه تثبت اتصاله بالأمة المحمدية ومعرفته بأحوالها واطلاعه على أعمالها وسماعه لكلامهم ورده لسلامهم والأحاديث في هذا الباب كثيرة. فمنها عن عبد الله بن مسعود عن النبي انه قال (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ) قال المنذر رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. ا. ه . من الترغيب والترهيب (ج2ص498) . قلت رواه إسماعيل القاضي وغيره من طرق مختلفة بأسانيد صحيحة لا ريب فيها إلى سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود وصرح الثوري بالسماع فقال : حدثني عبد الله بن السائب هكذا في كتاب القاضي إسماعيل وعبد الله بن السائب وزاذان روى لهما مسلم. ووثقهما ابن معين فالإسناد إذن صحيح . ومنها : عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال : (حياتي خير لكم تحدْثون ويُحْدث لكم ووفاتي خير لكم تُعرض أعمالكم على فإن رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) قال الحافظ العراقي في كتاب الجنائز من طرح التثريب في شرح التقريب : إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمى في مجمع الزوائد ج9ص24 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح , وصححه الحافظ السيوطي في المعجزات والخصائص وكذا القسطلانى شارح البخاري ونص المناوى في فيض القدير ج3ص401 بأنه صحيح وكذا الزرقانى في شرح المواهب للقسطلانى وكذا الشهاب الخفاجى في شرح الشفا ج1ص102 وكذا الملا على قاري في شرح الشفا ج1ص102 وقال رواه أيضا الحارث بن أسامة في مسنده بسند صحيح . وذكره ابن حجر في المطالب العالية ج4ص22 وجاء هذا الحديث من طريق آخر مرسلا عن بكر بن عبد الله المزني ورواه الحافظ إسماعيل القاضي في جزء الصلاة على النبي , قال فيه الشيخ الألباني : مرسل صحيح وصححه الحافظ ابن عبد الهادي مع تعنته وتشدده في كتابه الصارم المكي. فالحديث صحيح لا مطعن فيه وهو يدل على أن النبي يعلم أعمالنا بعرضها عليه ويستغفر الله لنا على ما فعلنا من سئ وقبيح وإذا كان كذلك فإنه يجوز لنا التوسل به إلى الله ونستشفع به لديه لأنه يعلم بذلك فيشفع فينا ويدعو لنا وهو الشفيع المشفع وقد اخبر الله في القرآن أن النبي شهيد على أمته وذلك يقتضى أن تعرض أعمالهم عليه ليشهد على ما رأى وعلم . قال ابن المبارك اخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو انه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا يعرض فيه على النبي أمته غدوة وعشيا فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41 ومنها : عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله ( إن الله وكل بقبري ملكا أعطاه الله أسماع الخلائق فلا يصلى على احد إلى يوم القيامة إلا ابلغني باسمه واسم أبيه هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك ) رواه البزار وأبو الشيخ ابن حبان ولفظه قال رسول الله ( إن الله تبارك وتعالى وكل ملكا أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت فليس أحدا يصلى على صلاة إلا قال : يا محمد صلى عليك فلان بن فلان قال : فيصلى الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا ) رواه الطبراني في الكبير بنحوه أ.ه من الترغيب ج2ص500 ومنها عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبى هلال عن زيد ابن أيمن عن عبادة بن يسىّ عن أبى الدرداء قال : قال رسول الله : ( أكثروا الصلاة علىّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وان أحدا لن يصلى على : إلا عرضت علىّ صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت ؟ قال : وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق) رواه ابن ماجه في السنن. وفى الزوائد هذا الحديث صحيح إلا انه منقطع في موضعين عبادة روايته عن أبى الدرداء مرسلة قاله العلاء وزيد بن أيمن عن عبادة مرسلة قاله البخاري. انتهى من سنن ابن ماجه ص524 . ومنها عن أبى هريرة أن رسول الله قال ( ما من مسلم يسلم علىّ إلا ردَ الله علىّ روحي حتى أرد عليه السلام) رواه أبو داود كذا في الترغيب ج2ص499 قال الشيخ ابن تيمية هذا الحديث على شرط مسلم وقال : قال رسول الله ( من صلى علىّ سمعته ومن صلى علىّ نائيا بُلِّغته) رواه الدارقطنى . وفى النسائي وغيره أن رسول الله قال ( إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام) إلى أحاديث أخرى في هذا الباب متعددة أ.ه اقتضاء الصراط المستقيم ص324 وفى حديث هريرة عند أبى يعلى في ذكر عيسى ( ولئن قام على قبري فقال : يا محمد لأجيبنه ) ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 4/ ص23 بعنوان حياته صلى الله عليه وسلم في قبره . عن يزيد المهدي قال لنا ودّعت عمر بن عبد العزيز قال : إن لي إليك حاجة قلت يا أمير المؤمنين كيف ترى حاجتك عندي ؟ قال أنى أراك إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي فأقرئه منى السلام. وعن حاتم بن وردان قال : كان عمر بن عبد العزيز يُوجّه البريد قاصدا من الشام إلى المدينة ليُقرئ عنه النبي السلام ذكره القاضي عياض في الشفاء في باب الزيارة ج2ص83 وذكر الخفاجى كان من دأب السلف أنهم يرسلون السلام إلى رسول الله وكان ابن عمر يفعله ويرسل له عليه الصلاة والسلام ولأبى بكر وعمر رضي الله عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبلغه سلام من سلم عليه وان كان بعيدا عنه لكن في هذا فضيلة خطابه عنده ورده عليه السلام بنفسه . أ. ه . من نسيم الرياض للخفاجى ج3ص516 وذكره الفيروزابادى في الصلاة والبشر ص153. روى الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله الدرامي في كتابه السنن الذي يعتبر من كتب الأصول الحديثية الستة قال اخبرنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال لما كان أيام الحرّة لم يؤذّن في مسجد النبي ثلاثا ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي فذكر معناه . أ.ه من سنن الدرامي ج1ص44. ونقل هذه الرواية الإمام مجد الدين الفيروزابادى صاحب القاموس في الصلاة والبشر ص154 وقال : قال إبراهيم بن شيبان حججت فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر النبي فسلمت عليه فسمعت من داخل الحجرة وعليك السلام . ذكر الشيخ ابن تيمية هذه الوقائع في معرض كلامه عن اتخاذ القبر مسجدا أو وثنا يعبد , ثم قال ولا يدخل في هذا الباب ما يروى من أن قوما سمعوا رد السلام من قبر النبي أو قبور غيره من الصالحين وان سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرّة ونحو ذلك أ.ه اقتضاء الصراط المستقيم 373 وقد ذكر الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه أحكام الموت نصا يؤيد بعض هذه الوقائع . قال اخرج ابن سعد عن ابن المسيب انه كان يلازم المسجد أيام الحرّة والناس يقتتلون قال فكنت اسمع أذانا يخرج من قبل القبر النبوي . كذا في مجموع المؤلفات 3/47. وقال الشيخ ابن تيمية في موضع آخر وكذلك كل ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقى الشياطين والبهائم لها واندفاع النار عنها وعمن جاورها وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى واستحباب الاندفان عند بعضهم وحصول الأنس والسكينة عندها ونزول العذاب بمن استهان بها فجنس هذا حق ليس ما نحن فيه وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك . أ.ه. اقتضاء الصراط المستقيم ص374 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
من كتاب : الكمالات المحمدية
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
ريس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
بجمهورية مصر العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق