الخميس، 17 نوفمبر 2011


علاج الإسلام لإنتشار الآفات الجنسية فى المجتمع

وعلاج الإسلام لهذه الأمراض الخطيرة يقوم أساسًا على:
-                        سد الأبواب المفتّحًة التي تؤدي إليها وغلق الدواعي التي تتسبب فيها وهذا أمر واسع يتطلب تضافر وتعاون الجميع.
-          تخصيص دروس تربوية واعية في هذا الميدان للتوعية وتكوين المروءة وتهذيب الأخلاق وترسيخ المعنى لدى الشباب أن التنظيم والتشريع الإسلامى لتصريف الطاقة الجنسية إنما جعل لمصلحة الشاب والفتاة والمجتمع برمته لا للتعنت ولا لحرمان أحد من سعادته.
-                        ثم التعجيل بتزويج الأيامى بعد انتهاء سن المراهقة والدخول في سن الشباب.
-                        مع الرجوع إلى إقامة الحدود الشرعية لأنها الصالحة للردع في كل زمان ومكان.

وهكذا نجد أن نظرة الإسلام إلى الجنس قائمة على إدراك فطرة الإنسان، ورامية إلى تلبية أشواقه وميوله، حتى لا يتجاوز أي فرد حدود فطرته، ولا يسلك سبيلاً منحرفًا يصطدم مع غريزته، وقد أنزل الله من التشريعات والأحكام ما يلبي حاجات هذه الميول والغرائز، وما يكفل لها الاستمرار والنماء والبقاء. وما الزواج الشرعي إلا تلبية لغريزة الميل إلى الجنس الآخر ليسير الإنسان مع فطرته الجنسية، وميله الغريزي بكل تلاؤم. ولذلك حرَّم الإسلام العزوف عن الزواج والزهد فيه ولو بنية التفرغ للعبادة، والتقرب إلى الله،
بل إنه من نظرات الإسلام الصائبة إلى الجنس اعتبار تصريف الشهوة بالحلال، وإشباع الغريزة بالزواج، من الأعمال الصالحة التي يؤجر عليها المسلم. روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه  :
{ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة؟ قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال صل الله عليه وسلم  : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر }.
ثانيًا[2]: التربية الإيمانية.
ويقصد بالتربية الإيمانية هنا تربية الشباب على أخلاق أهل الإيمان، وتدريبهم على السلوكيات الإسلامية؛ حتى يصيرون يمثلون الإسلام في كل حركاتهم وسكناتهم، ويكونون هم المعنيون بقول الله عزوجل  : } إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى { [13- الكهف].
مسئولية الآباء في متابعة الأبناء
وهذه المسئولية كلفهم بها الله عزوجل  ورسوله صل الله عليه وسلم  .
فيجب على كل مؤمن أن يكون له عين يقظة على تصرفات أولاده وبناته، ترعاهم عند الصلاة، وترعاهم عند مشاهدة التلفاز، وترعاهم عند اختيارهم للأصدقاء حتى لا يصطحبون قرناء السوء، وترعاهم عند ممارسة هواياتهم، وتراقبهم في عاداتهم، ويوجهونهم إلى الكمالات الإنسانية، والأخلاق الإيمانية باللطف والرقة واللين
فيا أخي المؤمن اجعل نصب عينيك قوله تعالى: } وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى { [132- طه].
وإياك أن تأخذك الشفقة بولدك أيام الامتحانات، وتقول: الولد مشغول وليس من المهم أن يحافظ على الصلاة الآن؛ لأنه مشغول بالاستذكار - وهذا ما يلجأ إليه بعض ضعاف النفوس، مع أن الله عزوجل  لا يبارك في عمل يلهي عن الصلاة - أو تقول له: اذهب إلى الدرس، واجمع الظهر مع العصر، ولا بأس عليك في ذلك. بل عليك أن تجعل أكبر همِّه، وأعظم حرصِهِ على العمل بأحكام دينه، والاقتداء بسنن نبيِّه، وتنفيذ أوامر ربه، حتى تكون مطمئن البال إلى أنك أنجبت رجالاً يمتثلون لأمر الله، وينفذون تعاليم الله.
واحكي لهم الأمثلة الطيبة من قصص سلفنا الصالح، بل ومن عبر هذه الحياة بما يجعلهم يتمسكون بالفضيلة، ولا ينخدعون بما تنشره لهم بعض وسائل الإعلام، والتي تصور لهم براعة الغش ومهارة الخداع، وتزيِّن لهم أقصر طريق للوصول إلى مآربهم الدنيوية وآمالهم الفانية هو الخداع والمؤامرات وأساليب النفاق. فإذا فعلت ذلك فنم بعد ذلك في قبرك قرير العين، وتأكد أنهم في حصن الله وفي كنفه عزوجل .
فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه  أنه خلف ثلاثة عشر ولدًا، ولم يترك لكل واحد منهم إلا دينارًا واحدًا عند وفاته - مع أنه كان خليفة المسلمين - فعاتبه بعض أقاربه وقالوا يا أمير المؤمنين، تركت أولادك ضياعًا!! فقال t أولادي أحد رجلين: أما الصالح منهم، فيتولاه الله: } وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ { [196-الأعراف]، وأما الطالح منهم، فما كنت أترك له ما أعينه به على فسقه وفجوره؛ فأشاركه في الوزر، فلم يمر عليهم عام واحد بعد وفاته إلا وقد حصّل كل رجل منهم مائة ألف دينار من التجارة الحلال بركة من الله عزوجل
بسبب هذا الأب الصالح.
وقد حكى القرآن الكريم أن الله عزوجل  أرسل نبيًّا كريماً ووليًّا عظيماً إكرامًا للجد السابع في قوله سبحانه: } وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا {[82- الكهف].
فقد روي أن المقصود بالأب الصالح في هذه الآية كان الجد السابع لهؤلاء الأبناء، فأرسل الله إليهم نبيًا كريمًا، ووليًا صالحًا ليقيما الجدار الذي تصدَّع ببيتهم، حتى يبلغا الرشد ليستخرجا كنزهما عناية من الله بسبب صلاح جدَّهم السابع!! فما بالك إذا كان الأب الصلب صالحاً؟ وماذا يكون حال أولاده وأهله وذويه؟!!
وهناك المثال المغاير، أولاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، فقد ترك ثمانية عشر ولدًا، وترك لكل واحد منهم مائة ألف دينار، فلم يمر عليهم عام واحد إلا وصاروا يتكففون الناس بعد أن ذهبت أموالهم في اللهو والشهوات؛ وذلك لأنه لم يربيهم على التُّقى والإيمان.
فأول تكليف كلَّفك به الله عزوجل
نحو أولادك أن تحفظ عليهم الإيمان، وأن تربيهم على قيم الإسلام وعلى تعاليم النبي العدنان، وأن توالي هذه القيم بنفسك؛ لأن مجتمعنا لن تنصلح أحواله إلا إذا ظهرت القيم الإسلامية.
فإن المجتمع لن ينصلح حاله ولو كان كله مهندسين وأطباء، إلا إذا كانوا متخلقين بأخلاق السماء، لكن ماذا ينفع الكم الكبير من المهندسين والأطباء وغيرهم، إذا لم يكن عندهم مراقبة لله، ولا يتورعون عن الغش لعباد الله، ولا يرحمون البائس والفقير والمسكين ويتنازلون له عن الأجر ابتغاء وجه الله! فقد وصف الله عزوجل  مجتمع المؤمنين بوصف جميل فيقول: } مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ {[29- الفتح].
وليس معنى هذا أننا ننكر ما يفعله الآباء نحو أولادهم من تسابق إلى حجز الدروس الخصوصية لضمان تفوقهم في الدراسة، ومتابعتهم الجادة في تحصيل علوم الحياة الحديثة، فإن هذا ما دعا إليه الإسلام. بل إن الإسلام يجعل كل شئ يوفره الأب لابنه من طعام أو شراب، أو ملبس أو درس، يُثاب الأب عليه إذا صدقت نيته، لقوله صل الله عليه وسلم  :
{ نفقة الرجل على أهله كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بمائة ألف درهم {، وقوله : { دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار تصدقت به على الفقراء والمساكن، ودينار أعتقت به رقبة، ودينار أنفقته على أهلك، خيرهما وأعظمهما أجرًا عند الله الذي أنفقته على أهلك }[3].
فكل مال ينفقه على أهله وولده فله ثوابه عند الله عزوجل ، وألا يطالب ولده بعد تخرجه بعوض ما أنفقه عليه، أو يعيره بما أنفقه عليه ويقول له: لقد أنفقت عليك كذا وكذا، ولكن كل هذا لم ينفع، ولم يؤثر فيك.
لكن الذي أريد أن أنبه نفسي وإخواني المسلمين إليه، هو أن معظمنا يظن أن كل ما عليه نحو أولاده هو تربية أجسامهم، وقد يزيد البعض على ذلك تعليمهم العلوم العصرية في المدارس والجامعات، ويفسرون بذلك قوله صل الله عليه وسلم : { كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته }، ونسينا المهمة العظمى وهي التربية الإيمانية والتي إليها الإشارة بقول الله:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ { [6التحريم]، و(قوا) يعني: احموا واحفظوا أنفسكم وأزواجكم وأولادكم وبناتكم من غضب الله وعذاب الله بتربيتهم التربية الإيمانية الحقة.
وهنا يا إخوانى الكرام أجمل لكم تلك الأسس فيما يلى:
أسس التربية الإيمانيـــة

أولا: القيم الإسلامية
فالصدق والأمانة والمروءة والوفاء والسماحة والعدالة والمساواة وغيرها قيم ذبحتها المادية الخبيثة لتنشر مبادئها الهدامة كالشيوعية والوجودية، مع أن الحياة بغير هذه القيم تتحول إلى جحيم لا يطاق، والإسلام لا بهذه المبادئ كشعارات جوفاء، وإنما يدعو إلى تطبيقها على مسرح الحياة، حتى نراها على أولادنا، ونلمسها في بيوتنا، ونحس بها في أعمالنا.
وإليك هذا المثال الرائع لحرص الإسلام على هذه القيم: فهذا رجل مسلم دخل في الإسلام حديثًا، وقد كان ذلك أثناء سفره بتجارة كبيرة لقريش إلى بلاد الشام - وهو العاص بين الربيع زوج السيدة زينب بنت رسول الله صل الله عليه وسلم  - وعندما كان في طريق العودة على مقربة من المدينة، أشار عليه بعض المنافقين قائلا: ما دمت قد أسلمت فخذ هذا المال غنيمة لك، ولا ترجع إلى مكة، فقد استولوا على أموال إخوانك المسلمين - وهؤلاء يقول الله تعالى فيهم وفي أمثالهم في كل زمان ومكان :  } شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {[112- الأنعام]:.
وما أكثرهم في زماننا يزينون للناس الشر فيقول أحدهم: أنت رجل فقير ولا بأس أن تأخذ من مال الدولة لأنك محتاج، فإذا لم يتيسر لك ذلك فلا مانع من الرشوة  ـ لكن انظر إلى هذا الرجل الذي ملأ اله قلبه بحقيقة الإيمان حيث قال: (لا ... لا أبدأ حياتي في الإسلام بالخيانة). وذهب إلى مكة، وسلم التجارة والأموال لأهلها، ثم قال لهم: (يا أهل مكة ماذا تعلمون عني؟ فقالوا: لا نعلم عنك إلاَّ كل خير. فقال: هل بقي لكم شئ في ذمتي؟ قالوا: لا، وجزاك الله خيراً. قال: فإني أشهدكم أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله).
وقد كان المثل الأعلى في ذلك نبيكم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان أهل مكة يحاربونه ويؤذونه، بل ويتفنون في إيذائه، ومع ذلك كانوا يسلمون له أماناتهم ليحفظها عنده ولم يغره استيلاؤهم على أموال أصحابه، وعلى دورهم، وعلى تجاراتهم أن يأخذ شيئًا من هذه الأمانات حين هجرته لأنه كان حريصًا صل الله عليه وسلم  أن يثبت دعائم الأمانة، وقواعد الوفاء في هذا الدين، حتى أنه عرَّض حياة ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب للخطر حين أمره أن يبيت مكانه ليؤدي الأمانات إلى أهلها، ليعلم العالم أجمع أن الإسلام دين القيم والمبادئ والمثل.

ثانيا: مكارم الأخلاق
وهي الغاية التي حددها صل الله عليه وسلم  من أجل بعثته حيث يقول:
{ إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }[4]
فمكارم الأخلاق كالعفو عند المقدرة، والتجاوز عن المسئ، والعفو، والصفح، والإحسان إلى من أساء وغيرها، هي الهدف الأسمى من العبادات الإسلاميه. فمثلاً: لماذا فرضت علينا الصلاة؟
يجيب على هذا السؤال قول الله عزوجل } إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ { [45- العنكبوت]. فالهدف من الصلاة هنا، أن تبقي الملاحظة الإيمانية في وادي قلبك، فتراقب النوافذ التي يدخل منها الشيطان كالعين والأذن واللسان والفرج والبطن، ولا تسمح بالدخول منها إلا لمن أذن الله له بالدخول، أو أذن له حضرة الرسول r .
فإذا دخل عن طريق العين مثلاً شئ يغضب الله، دق جرس الإيمان في قلبك منبهًا لتتنبه إلى أن هناك شئ غريب تسلل إلى مملكتك، وهذا لو تركته ولم تقض عليه، ربما يفسد عليك حالك، أو يُذهب صلاح قلبك، أو ربما يجعل حالك حال غوي، أو ضال شقي - والعياذ بالله. وربما مال بك إلى حال المنافقين، وكل هؤلاء تبغضهم السماء، وتلعنهم الملائكة. أما أهل الإيمان فيقول في شأنهم اللهعزوجل  :
} إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ { [201- الأعراف].
وقد أجمل ذلك أكثم بن صيفي حيث قال: (لو لم يكن ما أتى به مُحَمَّدٌ – صل الله عليه وسلم  - دينًا لكان في أخلاق الناس حسنًا).
ثالثا: بناء المراقبة الإيمانية (الضمير)
أخي المؤمن مهما شرع المشرعون، ومهما قلد المقلدون، ومهما أصدر مجلس الشعب أو مجلس الشورى، أو غيرهم من لوائح وقوانين، فلن تنصلح أحوالنا إلا إذا ربينا الضمير في نفوسنا، وفي نفوس آبنائنا وبناتنا، فهو العلاج الوحيد، ولا علاج سواه، ولن ينجينا من تخبطنا شرقًا وغربا إلا الضمير، ولن يصلح أحوالنا إلا الضمير، ولن يصلح الضمير إلا الدين الذي جاءنا به اللطيف الخبير سبحانه. وإلاَّ فبالله عليك خبرني أي قانون في دنيا الناس يجعل المرء يعترف بذنبه على رؤوس الأشهاد؟.
فإننا نرى في زماننا من يرتكب الخطيئة، ويفعل الفاحشة، ويعمل المنكر، وإذا وقع تحت طائلة العقوبة لجأ إلى التزوير وإلى الكذب، وأعانه شهود الزور وما أكثرهم! وساعده تلفيق المحامين، وما أكثر تلفيقهم!، بل ربما لجأوا إلى رشوة القضاة ليأخذوا حقًا من مظلوم ويعطوه لظالم.
لكن في ذلك الزمن الفاضل فهذه امرأة لم تتخرج من جامعة، وليس معها دكتوراه، ولم تتعلم في طوكيو أو لندن أو واشنطن، ولكنها تربت على مائدة الإيمان، وكل ما اكتسبته من العلوم والمعارف إنما هو الإيمان القوي بالله عزوجل ، هذه المرأة تذهب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم  لأن هيئة الرقابة الداخلية دفعا إلى هذا العمل فوقفت أمامه ولم تخجل وقالت: يا رسول الله زَنَيْتُ!!
فكرَّر صل الله عليه وسلم  القول قائلا: لعلك قبَّلت، لعلك فاخذت، لعلك ضاجعت وهي تصرُّ على قولها مؤكدة اعترافها: زنيت. فقال صل الله عليه وسلم  : ما الذي دعاك إلى هذا الاعتراف؟!! قالت سمعتك تقول: ( من أقيم عليه الحد في الدنيا لم يعذبه الله عزوجل  به يوم القيامة). فهي تريد أن تطهر خوفًا من عذاب الله عزوجل  يوم القيامة.
فأراد صل الله عليه وسلم  ، أن يلتمس لها المعاذير، والنيابة المحمدية دائما في جانب المتهم تلتمس له مخرجًا، وتحاول أن تجد له عذرًا، لأنها لا تريد أن تعذِّب أحدًا، أو تحكم على أحد بغير حق، لقوله صل الله عليه وسلم  : (لأن يخطئ الإمام في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة). أي لأن يخطئ فيحكم بالبراءة على مجرم، خير من أن يحكم بالعقوبة على برئ، فيكون إثماً كبير يوم لقاء العلي الكبير، فقال لها صل الله عليه وسلم  : هل بعقلك شئ؟ قالت: يا رسول الله إني حامل. فقال صل الله عليه وسلم  : من الذي يتولى أمرها: قالوا عمها. قال ائتوني به. فلما جاء قال له: خذها وأكرمها ولا تهنها حتى تضع ما في بطنها، فلما أتمت الوضع جاءت وكرر عليها الاعتراف مرة أخرى فثبتت على اعترافها، فقال لوليها: خذها حتى تتم رضاع طفلها حولين كاملين، ثم ائتني بها، فجاءت بعد العامين وقرَّرها فأصرَّت على الاعتراف، فقال: حتى يكبر الطفل، فقالت: يا رسول الله إنه قد فطم ويأكل وحده. وأشارت إلى الطفل وبيده قطعة خبر يأكلها فقال صل الله عليه وسلم  : أقيموا عليها الحد.
وبينما القوم يرجمونها بالحجارة، أصابت قطرة دم منها ثوب سيدنا خالد بن الوليد فسبَّها، فغضب رسول الله صل الله عليه وسلم  وقال: (لقد تابت توبة، لو وزِّعت على أهل المدينة جميعًا لوسعتهم).
من الذي يبني هذه المراقبة الإيمانية في قلب ابني؟!!
لا المدرسة، ولا الدروس الخصوصية التعليمية!! وإنما الدروس الخصوصية الإيمانية التي نتعلمها من الجامعة القرآنية، ومن قناة التليفزيون الإيمانية؛ فهي التي تبني عند الأولاد مراقبة الله، وتجعلهم يراقبون الله عزوجل  في السرِّ والعلانية، والجهر والخفاء، وهؤلاء حتى ولو كانوا فقراء فلا تخشى عليهم لقول الله عزوجل  :
 } وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا { [9- النساء].
أما الذي كافحت معه حتى تخرج من الجامعة وأصبح في منصب كبير، ولم يحصل على شهادة مراقبة الرقيب عزوجل ، فإنه يتعرض للأهواء، وقد يسير في طريق الفحشاء، أو تحتوشه شياطين الإنس، فيكون مصيره جهنم، وهناك يتعلق بك، ويكون الأمر كما قال صل الله عليه وسلم  فيما رواه الطبراني:
 (إذا كان يوم القيامة يتعلق بالرجل أهله وذويه ويقولون: يا ربنا خذ لنا بحقنا من هذا، 

فيقول الله عزوجل : وما ذاك؟ فيقولون كان يطعمنا من الحرام، ولم يعلمنا أحكام الإسلام).
فلو درَّبت أولادك يا أخي على مراقبة الله، وعلمتهم قيم الإيمان، ونزعت بعنايتك، وأخرجت بحسن تربيتك، واقتلعت بحسن طريقتك في توجيههم ما في صدورهم من غلِّ وحقد لبعضهم أو لجيرانهم، أو لأقاربهم وأحبابهم، فأطمأن كل الاطمئنان أنهم سيعاملون بقرار الحنان المنان:
 } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - في الدنيا - وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ - في الآخرة { [97- النحل]. وتدخل أنت في قوله صل الله عليه وسلم  :
(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فإذا ربيتهم على تعاليم الرحمن، وأجلستهم على مائدة القرآن، وحببتهم في الصفات والخصال التي أثنى على أهلها القرآن، وبغَّضت إليهم الأخلاق والأفعال التي حذَّر منها القرآن، ونفَّر منها النبي العدنان، فسيأتون في ميزان حسناتك يوم لقاء حضرة الديان فيكون عملهم شافع لك، ويكون لك مثل أجرهم جميعًا، لأنك السبب في هذه الأعمال، والأصل في غرس هذه الخصال والفعال، فقد كان منك هذه العناية، وبك نالوا تلك الرعاية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
رابعا: جهاد النفس [5]
لن يستطيع شبابنا مقاومة التيارات الإلحادية المعاصرة، أو مواجهة أتون الشهوات المستعرة، أو الوقوف أمام تيارات المادة الجارفة، إلا بجهاد النفس على وفق الشريعة المطهرة، وغرس مُثلها وقيمها في قلوبهم، لتكون هي الحصن الذي يتحطم عليه كل التيارات الوافدة. فإن الانتصار في ميدان القتال في زمننا صار سهلاً لأنه يتم بواسطة المدافع والدبابات والطائرات وغيرها من وسائل الدمار، لكن التغلب على نزعات النفس وحظوظها وأهوائها ورغباتها هو الذي يحتاج إلى الجهاد الأعظم جهاد النفس.
فنحن لا نحتاج لإصلاح أحوال مجتمعنا لتغيير اللوائح والقوانين، بقدر حاجتنا الماسة إلى تغيير ما بالنفوس لقول الله عزوجل فى[11- الرعد].:
} إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ {
فالذي بالنفس ويجعلها ترضخ للمغريات، وتُقبل على الشهوات، وتنسلخ من مبادئها، هو الطمع والشح، والحرص والشَّره، والغفلة والحقد، والحسد والغل، وغيرها من الصفات الذميمة ولا تتغير النفس من نفس أمّارة أو خبيثة إلى نفس لوامة أو مطمئنة إلا بالتخلي عن هذه الصفات، واقتلاع هذه الآفات مصداقًا لقول الله عزوجل  فى [47- الحجر].  :
} وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {
فكل صفات النفس التي تحجبها عن الأنوار، وتُقعدها عن متابعة النبي المختار، وتجعلها تخلد إلى دار البوار، يجب على شبابنا التنبه إلى أخطارها، والعمل على اقتلاعها من جذورها، فالنفس كما قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه في شأنها:     هي النفس للداني تحنُ وترغب     وللعاجل الفاني تميل وتطلب
هذه النفس كيف نعالجها؟ وكيف نقضي على شرورها ونزغاتها؟ أباللوائح والقوانين؟ أم بالدبابات والمدافع؟ لا هذا ولا ذاك. أنستطيع أن نُقَوِّمَهَا بالعلم الحديث؟ كلاَّ!!! فإن أوربا جعلت العلم المادي إلهاً يعبدونه من دون الله، ويدَّعون أنه يهيمن على كل شئ، فإذا سألناهم: ما رأي العلم الحديث في تعاطي الخمر؟قالوا: يحرمها ويجرمها - لأسباب كثيرة يضيق حيّز هذه الصفحات عن ذكرها - فلماذا تشربوها رغم كشف العلم عن مضارها؟! وهذا أيضًا رأي العلم في الزنا وغيرها من منكرات الطباع والأخلاق، ولكن العلم وحده ليس عنده القوة التي تدفعني إلى هذه المجاهدات وتلكالمكابدات، .... لكن الذي يدفعني لها نور القرآن، وهدي النبي العدنان، وصلابة الإيمان.
تم نقل الموضوع من كتاب : تربية القرآن لجيل الإيمان




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق