الجمعة، 25 نوفمبر 2011



 التربية الإيمانية.
ويقصد بالتربية الإيمانية هنا تربية الشباب على أخلاق أهل الإيمان، وتدريبهم على السلوكيات الإسلامية؛ حتى يصيرون يمثلون الإسلام في كل حركاتهم وسكناتهم، ويكونون هم المعنيون بقول الله عزوجل : } إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى { [13- الكهف].
مسئولية الآباء في متابعة الأبناء
وهذه المسئولية كلفهم بها الله عزوجل ورسوله صل الله عليه وسلم .
فيجب على كل مؤمن أن يكون له عين يقظة على تصرفات أولاده وبناته، ترعاهم عند الصلاة، وترعاهم عند مشاهدة التلفاز، وترعاهم عند اختيارهم للأصدقاء حتى لا يصطحبون قرناء السوء، وترعاهم عند ممارسة هواياتهم، وتراقبهم في عاداتهم، ويوجهونهم إلى الكمالات الإنسانية، والأخلاق الإيمانية باللطف والرقة واللين
فيا أخي المؤمن اجعل نصب عينيك قوله تعالى: } وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى { [132- طه].
وإياك أن تأخذك الشفقة بولدك أيام الامتحانات، وتقول: الولد مشغول وليس من المهم أن يحافظ على الصلاة الآن؛ لأنه مشغول بالاستذكار - وهذا ما يلجأ إليه بعض ضعاف النفوس، مع أن الله عزوجل لا يبارك في عمل يلهي عن الصلاة - أو تقول له: اذهب إلى الدرس، واجمع الظهر مع العصر، ولا بأس عليك في ذلك. بل عليك أن تجعل أكبر همِّه، وأعظم حرصِهِ على العمل بأحكام دينه، والاقتداء بسنن نبيِّه، وتنفيذ أوامر ربه، حتى تكون مطمئن البال إلى أنك أنجبت رجالاً يمتثلون لأمر الله، وينفذون تعاليم الله.
واحكي لهم الأمثلة الطيبة من قصص سلفنا الصالح، بل ومن عبر هذه الحياة بما يجعلهم يتمسكون بالفضيلة، ولا ينخدعون بما تنشره لهم بعض وسائل الإعلام، والتي تصور لهم براعة الغش ومهارة الخداع، وتزيِّن لهم أقصر طريق للوصول إلى مآربهم الدنيوية وآمالهم الفانية هو الخداع والمؤامرات وأساليب النفاق. فإذا فعلت ذلك فنم بعد ذلك في قبرك قرير العين،
 وتأكد أنهم في حصن الله وفي كنفه عزوجل .
فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه خلف ثلاثة عشر ولدًا، ولم يترك لكل واحد منهم إلا دينارًا واحدًا عند وفاته - مع أنه كان خليفة المسلمين - فعاتبه بعض أقاربه وقالوا يا أمير المؤمنين، تركت أولادك ضياعًا!! فقال رضى الله عنه أولادي أحد رجلين: أما الصالح منهم، فيتولاه الله: } وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ { [196-الأعراف]، وأما الطالح منهم، فما كنت أترك له ما أعينه به على فسقه وفجوره؛ فأشاركه في الوزر، فلم يمر عليهم عام واحد بعد وفاته إلا وقد حصّل كل رجل منهم مائة ألف دينار من التجارة الحلال بركة من الله عزوجل
بسبب هذا الأب الصالح.
وقد حكى القرآن الكريم أن الله عزوجل أرسل نبيًّا كريماً ووليًّا عظيماً إكرامًا للجد السابع في قوله سبحانه: } وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا {[82- الكهف].
فقد روي أن المقصود بالأب الصالح في هذه الآية كان الجد السابع لهؤلاء الأبناء، فأرسل الله إليهم نبيًا كريمًا، ووليًا صالحًا ليقيما الجدار الذي تصدَّع ببيتهم، حتى يبلغا الرشد ليستخرجا كنزهما عناية من الله بسبب صلاح جدَّهم السابع!! فما بالك إذا كان الأب الصلب صالحاً؟ وماذا يكون حال أولاده وأهله وذويه؟!!
وهناك المثال المغاير، أولاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، فقد ترك ثمانية عشر ولدًا، وترك لكل واحد منهم مائة ألف دينار، فلم يمر عليهم عام واحد إلا وصاروا يتكففون الناس بعد أن ذهبت أموالهم في اللهو والشهوات؛ وذلك لأنه لم يربيهم على التُّقى والإيمان.
فأول تكليف كلَّفك به الله عزوجل نحو أولادك أن تحفظ عليهم الإيمان، وأن تربيهم على قيم الإسلام وعلى تعاليم النبي العدنان، وأن توالي هذه القيم بنفسك؛ لأن مجتمعنا لن تنصلح أحواله إلا إذا ظهرت القيم الإسلامية.
فإن المجتمع لن ينصلح حاله ولو كان كله مهندسين وأطباء، إلا إذا كانوا متخلقين بأخلاق السماء، لكن ماذا ينفع الكم الكبير من المهندسين والأطباء وغيرهم، إذا لم يكن عندهم مراقبة لله، ولا يتورعون عن الغش لعباد الله، ولا يرحمون البائس والفقير والمسكين ويتنازلون له عن الأجر ابتغاء وجه الله! فقد وصف الله عزوجل مجتمع المؤمنين بوصف جميل فيقول: } مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ {[29- الفتح].
وليس معنى هذا أننا ننكر ما يفعله الآباء نحو أولادهم من تسابق إلى حجز الدروس الخصوصية لضمان تفوقهم في الدراسة، ومتابعتهم الجادة في تحصيل علوم الحياة الحديثة، فإن هذا ما دعا إليه الإسلام. بل إن الإسلام يجعل كل شئ يوفره الأب لابنه من طعام أو شراب، أو ملبس أو درس، يُثاب الأب عليه إذا صدقت نيته، لقوله صل الله عليه وسلم :
{ نفقة الرجل على أهله كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بمائة ألف درهم
 {، وقوله : { دينار أنفقته في
سبيل الله، ودينار تصدقت به على الفقراء والمساكن، ودينار أعتقت به رقبة،
ودينار أنفقته على أهلك، خيرهما وأعظمهما أجرًا عند الله الذي أنفقته على أهلك }[3].
فكل مال ينفقه على أهله وولده فله ثوابه عند الله عزوجل ، وألا يطالب ولده بعد تخرجه بعوض ما أنفقه عليه، أو يعيره بما أنفقه عليه ويقول له: لقد أنفقت عليك كذا وكذا،
ولكن كل هذا لم ينفع، ولم يؤثر فيك.
لكن الذي أريد أن أنبه نفسي وإخواني المسلمين إليه، هو أن معظمنا يظن أن كل ما عليه نحو أولاده هو تربية أجسامهم، وقد يزيد البعض على ذلك تعليمهم العلوم العصرية في المدارس والجامعات، ويفسرون بذلك قوله صل الله عليه وسلم : { كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته }، ونسينا المهمة العظمى وهي التربية الإيمانية والتي إليها الإشارة بقول الله:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ { [6التحريم]، و(قوا) يعني: احموا واحفظوا أنفسكم وأزواجكم وأولادكم وبناتكم من غضب الله وعذاب الله بتربيتهم التربية الإيمانية الحقة.
وهنا يا إخوانى الكرام أجمل لكم تلك الأسس فيما يلى:

أسس التربية الإيمانيـــة


أولا: القيم الإسلامية
فالصدق والأمانة والمروءة والوفاء والسماحة والعدالة والمساواة وغيرها قيم ذبحتها المادية الخبيثة لتنشر مبادئها الهدامة كالشيوعية والوجودية، مع أن الحياة بغير هذه القيم تتحول إلى جحيم لا يطاق، والإسلام لا بهذه المبادئ كشعارات جوفاء، وإنما يدعو إلى تطبيقها على مسرح الحياة، حتى نراها على أولادنا، ونلمسها في بيوتنا، ونحس بها في أعمالنا.
وإليك هذا المثال الرائع لحرص الإسلام على هذه القيم: فهذا رجل مسلم دخل في الإسلام حديثًا، وقد كان ذلك أثناء سفره بتجارة كبيرة لقريش إلى بلاد الشام - وهو العاص بين الربيع زوج السيدة زينب بنت رسول الله صل الله عليه وسلم - وعندما كان في طريق العودة على مقربة من المدينة، أشار عليه بعض المنافقين قائلا: ما دمت قد أسلمت فخذ هذا المال غنيمة لك، ولا ترجع إلى مكة، فقد استولوا على أموال إخوانك المسلمين - وهؤلاء يقول الله تعالى فيهم وفي أمثالهم في كل زمان ومكان : } شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {[112- الأنعام]:.
وما أكثرهم في زماننا يزينون للناس الشر فيقول أحدهم: أنت رجل فقير ولا بأس أن تأخذ من مال الدولة لأنك محتاج، فإذا لم يتيسر لك ذلك فلا مانع من الرشوة ـ لكن انظر إلى هذا الرجل الذي ملأ اله قلبه بحقيقة الإيمان حيث قال: (لا ... لا أبدأ حياتي في الإسلام بالخيانة). وذهب إلى مكة، وسلم التجارة والأموال لأهلها، ثم قال لهم: (يا أهل مكة ماذا تعلمون عني؟ فقالوا: لا نعلم عنك إلاَّ كل خير. فقال: هل بقي لكم شئ في ذمتي؟ قالوا: لا، وجزاك الله خيراً. قال: فإني أشهدكم أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله).
وقد كان المثل الأعلى في ذلك نبيكم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان أهل مكة يحاربونه ويؤذونه، بل ويتفنون في إيذائه، ومع ذلك كانوا يسلمون له أماناتهم ليحفظها عنده ولم يغره استيلاؤهم على أموال أصحابه، وعلى دورهم، وعلى تجاراتهم أن يأخذ شيئًا من هذه الأمانات حين هجرته لأنه كان حريصًا صل الله عليه وسلم أن يثبت دعائم الأمانة، وقواعد الوفاء في هذا الدين، حتى أنه عرَّض حياة ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب للخطر حين أمره أن يبيت مكانه ليؤدي الأمانات إلى أهلها، ليعلم العالم أجمع أن الإسلام دين القيم والمبادئ والمثل.


ثانيا: مكارم الأخلاق
وهي الغاية التي حددها صل الله عليه وسلم من أجل بعثته حيث يقول:
{ إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }[4]
فمكارم الأخلاق كالعفو عند المقدرة، والتجاوز عن المسئ، والعفو، والصفح، والإحسان إلى من أساء وغيرها، هي الهدف الأسمى من العبادات الإسلاميه. فمثلاً: لماذا فرضت علينا الصلاة؟
يجيب على هذا السؤال قول الله عزوجل : } إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ { [45- العنكبوت]. فالهدف من الصلاة هنا، أن تبقي الملاحظة الإيمانية في وادي قلبك، فتراقب النوافذ التي يدخل منها الشيطان كالعين والأذن واللسان والفرج والبطن، ولا تسمح بالدخول منها إلا لمن أذن الله له بالدخول، أو أذن له حضرة الرسول صل الله عليه وسلم .
فإذا دخل عن طريق العين مثلاً شئ يغضب الله، دق جرس الإيمان في قلبك منبهًا لتتنبه إلى أن هناك شئ غريب تسلل إلى مملكتك، وهذا لو تركته ولم تقض عليه، ربما يفسد عليك حالك، أو يُذهب صلاح قلبك، أو ربما يجعل حالك حال غوي، أو ضال شقي - والعياذ بالله. وربما مال بك إلى حال المنافقين، وكل هؤلاء تبغضهم السماء، وتلعنهم الملائكة. أما أهل الإيمان فيقول في شأنهم اللهعزوجل :
} إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ { [201- الأعراف].
وقد أجمل ذلك أكثم بن صيفي حيث قال: (لو لم يكن ما أتى به مُحَمَّدٌ – صل الله عليه وسلم - دينًا لكان في أخلاق الناس حسنًا).
تم نقل الموضوع من كتاب : تربية القرآن لجيل الإيمان 

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...ان&id=73&cat=2

أضافة تقييم إلى حسن العجوز تقرير بمشاركة سيئة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق