الأربعاء، 6 أكتوبر 2021

الحقيقة المحمدية من العلم المكنون للإمام أبوالعزائم

 



الحقيقة المحمدية
الحقيقة المحمدية وجمال العود للبدء:
معلوم إن أول الإرادة آخر العمل، وأول مراد الله تعالى هو حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، وسبق فى علمه أنه حبيبه ومصطفاه، وأنه الإنسان الكلى الممد لجميع العوالم، وخلق جميع الخلائق له صلى الله عليه وسلم كما ورد فى الحديث بسند الإمام محمد بن سهل رضى الله عنه فى تفسيره للقرآن، يقول الله تعالى: (إنى خلقت محمداً لذاتى، وخلقت آدم لمحمد، وخلقت كل شىء لبنى آدم) إلى أخر الحديث.
أبرز الله الكون متطوراً أطواراً ليعده لإشراق شمس حبيبه ومصطفاه، فكان صلى الله عليه وسلم فاتحاً خاتماً، كما قال على عليه السلام: (اللهم صلِ على محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق وآله).
أشرقت شمسه صلى الله عليه وسلم بالنور العام الدائم الذى لا يغيب، لأن شمسه لا تأفل كما قال عبد القادر الجيلانى رحمه الله:
أفلت شموس الأولين وشمسنا أبدا على فلك العلا لا تغرب
فجعله الله تعالى فاتحة الإِيجاد، وخاتمة للرسل، فلا نبى بعده.
أرسله الله رحمة للعالمين، وسراجاً منيراً أسرج سرج الرسل والأنبياء من قبله، والصديقين والشهداء من بعده، سماه الله سراجاً منيراً ولم يسميه شمساً، لأن السراج يسرج غيره، ولكن الشمس لا تجعل شمساً غيرها، وهو صلى الله عليه وسلم أول الإرادة وآخر العمل.
وهنا أبسط لك بساط المؤانسة لتلحظ بعيون روحك وميضاً من سر منازلاته صلى الله عليه وسلم، وتقتبس بسرك قبساً من مشكاته المحمدية، تكون به متجملاً باليقين الحق فى مقام العبودية المطلقة.
إن مقتضى كمال الأسماء والصفات إبراز المرائى التى تظهر فيها تلك المعانى، ولما كان العالم أجمع إنما خلقه الله تعالى ليظهر سبحانه ببدائع إبداع صنعه، وغرائب حكمته وعجائب قدرته، وظهوره إما لنفسه فاعلاً مختاراً أو لخلقه رباً معبوداً قهاراً اقتضت إرادته الأزلية تعيين حقيقة كاملة قابلة لكمال تجليه، وظهور معانيه، فكانت تلك الحقيقة المختارة لحضرته: هى حقيقة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اقتضت تلك الحقيقة فى حضرة العلم مقتضياتها التى بها تكون سدرة منتهى علوم الخلائق المغشية بكمال ظهور المعانى- معانى الأسماء الربانية- ومظهراً أكمل لكمال المعانى المناسبة لحضرة الألوهة من العبودية والعبادة، روحاً وعقلاً وجسماً وحساً، ومقتضيات تلك الحقيقة ظهور:
(أ)- عالم يطيع فلا يعصى، وهو ثلاثة أنواع:
١- أعلى عليين، وهم الآلهون المهيمون بجلال الله فوق عمار سماواته.
٢- وعالون، وهم الحافون بعرش الرحمن، ومنهم الكربيون.
٣- وعمار السموات، وملكوت الأرض، وهم الملائكة المقربون.
(ب)- ونوع يعصى ولا يطيع، وهم المردة وشياطين الجن.
(ج) –واقتضى الكمال الربانى أن تكون حقيقة أخرى قابلة للطاعة والمعصية، ليتم ظهور معانى الصفات، فخلق سبحانه آدم، ورفعه على الملائكة، قال تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٣١﴾
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ) البقرة ٣١-٣٢، وادم علم الملائكة بعض الأسماء فكان آدم محيطاً بكل الأسماء والملائكة فى حاجة إلى تعلم بعضها منه ( أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ) سورة البقرة آية ٣٣.
ظهر مقتضى إرادة الله فى تلك الحقيقة، فأطاع آدم وعصى قال تعالى: (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) طه آية ١٢١ إبراز لسر الإرادة، وإظهاراً لتجلى الاسم التواب، الغفور العفو، وتنبيها لأولاده من بعده أن يسارعوا بالتوبة إذا أخطأوا؛ فانبلجت حقيقة إرادة الله تعالى فى إظهار آدم.
افتتح سبحانه وتعالى إبراز تلك الحقائق بآدم ليكاشف من اجتباهم بحقيقة نشأتهم الأولى أنها من أركان الوجود: التراب، والماء، والهواء، والنار، فيعلم الإنسان نشأته الأولى فيقف موقف العبد خشوعاً لربه، ولذلك فالله تعالى كرر تلك الحقيقة فى القرآن أكثر مما كرر غيرها، وهى الدواء الأخير لمرض الشرك المنزل منزلة الكى فى المرض العضال، فكم قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) المؤمنون ١٢-١٣، فأثبت أن نشأة الإنسان الأولى من طين، أو ماء مهين، ليستحضر عند إسباغ آلاء الله عليه رتبته الأولى، شاكراً الله على جزيل نعماه، وإنى أبين لك فى هذه العجالة ما يمكن أن يحيط به عبد ووجه بأنوار تلك المكانة المحمدية على قدره لا على قدر مكانتها من الله، قال سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) سورة الإسراء ٨٥.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق