الأربعاء، 6 أكتوبر 2021

صفة الإرادة

 


صفات المعانى السبعة:
هى: القدرة، والحياة، والعلم، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام.
٤ـ الإرادة:
هى صفة قديمة تخصص الممكن بالوجود أو بالعدم، وبالطول أو القصر، وبالحسن أو القبيح، وبالعلم أو الجهل، إلى غير ذلك من الشؤون والأحوال، قال جل ذكره سبحانه فى بيان أنه تعالى مالك الملك يتصرف فى ملكه كيف يشاء وفق ما أراد وقدر( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) سورة آل عمران آية ٢٦-٢٧.
وقال تعالى فى بيان أنه فاعل مختار يتصرف بقدرته البالغة حد النهاية ما شاء وكيف شاء: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة المائدة آية ١٧.
وقال تعالى فى بيان أنه حكيم فى صنعه يفعل بحكمته واختياره ما تقتضيه إرادته ومشيئته حسبما تقضى به المصلحة: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) سورة الشورى آية ٢٧.
وقال جل ثناؤه فى بيان كمال إرادته وعظيم قدرته: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) سورة يس آية ٨٢-٨٣ وقال تعالى فى بيان أنه فاعل مختار يفعل ما يشاء أن يفعله بمقتضى إرادته ومشيئته: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) سورة الشورى آية ٤٩-٥٠ وقال سبحانه وتعالى فى بيان أنه فاعل مختار: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة القصص آية ٦٨.
وقال جلت قدرته فى بيان أن خلقة الإنسان وتصويره فى الرحم على صورة متنوعة وأشكال متباينة إنما هو بمحض إرادته ومشيئته: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة آل عمران آية ٦.
وقال سبحانه فى كمال تنزيهه عن الولد، وكمال اختياره: (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) سورة الزمر آية ٤.
وقال جل شأنه فى بيان أن الهداية والضلال إنما هما بمحض إرادته ومشيئته: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) سورة الأنعام آية ١٢٥-١٢٦.
وقال تبارك اسمه فى بيان أنه إذا تعلقت إرادته تعالى بإهلاك قوم سلط عليهم أنفسهم بالفسق ومخالفته تعالى فيما أمر به ونهى عنه: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) سورة الإسراء آية ١٦.
تفصيل ذلك أن الله تعالى مريد للكائنات، مدبر للحادثات، فلا يجرى فى الملك والملكوت قليل ولا كثير، ولا صغير ولا كبير، خير أو شر، نفع أو ضر، إيمان أو كفر، عرفان أو نكر، فوز أو خسر، زيادة أو نقصان، طاعة أو عصيان إلا بقضائه وقدره، وحكمه ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر، بل هو المبدىء المعيد، الفعال لما يريد، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمعونته وإرادته، لو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا فى العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته عجزوا عن ذلك، وأن إرادته قائمة بذاته فى جملة صفاته، لم يزل كذلك موصوفاً بها، مريداً فى أزله لوجود الأشياء فى أوقاتها التى قدرها، فوجدت فى أوقاتها كما أراد فى أزله من غير تقدم ولا تأخر، بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبدل ولا تغير، دَبَّر الأمور بلا ترتيب أفكار، وتربص زمان، فلذلك لا يشغله شأن عن شأن.
كمال اليقين بمعانى إرادة الله:
المؤمن المتحقق بأنوار صفة إرادة الله تعالى متجمل بحلة الرضا عن الله سبحانه لاعتقاده أن كل الأمور والشؤون والأحوال بإرادته سبحانه وبتقديره أزلاً، فيكون منشرح الصدر بمواقع القضاء، راضياً عن الله فى كل شأن من شؤونه، مقبلاً على الله بكليته وبذلك يفوز برضوان الله الأكبر، فإن رضا العبد عن الله فضل من الله عظيم ينبىء عن رضاء الله عن العبد، قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) سورة البينة آية ٨ وليس المراد من اليقين بإثبات الإرادة لله أن يكون المؤمن عالماً بالأشكال المنتجة، ولكن ليكون المؤمن مطمئناً بقضاء الله وقدره، راضياً عن الله فى كل شؤونه، راغباً فيما عند الله من الفضل العظيم، خائفاً مما قدر أزلاً مما لم يكاشف به، فيكون ممن أثنى الله سبحانه عليهم فى كتابه العزيز بقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) سورة فاطر آية ٢٨.
وليس العلم الذى يجعل الألسنة زلقة بإقامة الحجة، ويجعل القلوب مفعمة بحب الجدل والمناظرة والعناد علماً عند العلماء بالله تعالى، ولكنه جهل، لأن العلم عندهم هو الذى يوجب الخشية من الله تعالى، والمراقبة لجنابه عز وجل، والحضور معه سبحانه.
ومن يتناول عن طهور العلم بالإرادة حقاً لا يشهد فى الوجود فاعلاً مختاراً غير الله تعالى، وتمنعه الخشية من الله سبحانه أن يسىء الظن به سبحانه، أو يعترض عليه فى قضائه وقدره، ولا يكون عدم الرضا إلا من الجهلاء الذين يظنون أنهم علماء وليسوا علماء، فإن الله حصر العلم فى خشيته لا فى شقشقة اللسان والجدل والمناظرة، دليل ذلك قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) سورة فاطر آية ٢٨ فعالم عند الناس لا يخشى الله هو جاهل عند الله، ولو أنه كان عالماً حقيقة لما احتجب عن معانى الصفات المخوفة للعلماء العارفين، ولما غاب عن مشاهدة عظمة وكبرياء وجلال الله، غيبة تجعله يعصى الله تعالى بعلمه..وقد وصف الله العلماء فى كتابه العزيز، وأثنى عليهم، وجعلهم هم الأحياء وغيرهم أمواتاً، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة الزمر آية ٩ وقال تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) سورة النساء آية ٨٣ فبين سبحانه وتعالى أن أولى الأمر فينا هم العلماء الذين يستنبطون من كتاب الله عز وجل، وهم أهل الخشية الذين أمرنا الله بطاعتهم والاقتداء بهديهم.
وأنت يا أخى إذا تحققت أن مولاك الذى خلقك مريد فاعل مختار، لا يكون شىء إلا بإرادته وتدبيره، كيف تغضب أو تعترض عليه سبحانه؟ أسأل الله تعالى أن يجملنا بكمال اليقين بمعانى إرادته وجميع صفاته التى وردت عنه سبحانه، إنه مجيب الدعاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق