الخميس، 25 ديسمبر 2025

من أقوال المفكر الإسلامي الزعيم التركي نجم الدين أربكان

 



من أقوال المفكر الإسلامي الزعيم التركي نجم الدين أربكان — رحمه الله تعالى

«تريدون مني أن أتعبد في المسجد، وتعلمون ابني كراهية الإسلام في المدرسة، ليعود ابني ويهـ.دم المسجد فوق رأسي.»
«إن قوة هذه الأمة ليست بالمدفع ولا بالدبابة ولا بالبندقية، بل قوتها الشباب المؤمن التقي.»
«الحياة إيمان وجهاد، والنصر لمن اتصف بهما.»
«القرآن خريطة والعقل بوصلة، وإذا كان هناك إيمان؛ يكون عندنا منارة تنير لنا الطريق.»
«إذا فرقتم (هذا تركي وهذا عربي)؛ عندها لا يبقى لا تركي ولا عربي، أما إذا تحالفتم مثل تحالفكم في (جناق قلعة)؛ لا يبقى إنكليزي ولا فرنسي.»
«أصغِ إلي؛ لو كان الإسلام مجرد صلاة وقراءة قرآن وتسبيحٍ لله، قبر الصحابي (أبو أيوب الأنصاري) ماذا يفعل اليوم في إسطنبول؟!»
«إذا لم تعلموا أولادكم الحلال والحرام، والدنيا والآخرة، علموهم ما شئتم، فلن تصنعوا منهم رجالاً.»
«الصـ..ـهيـ..ونية هي تمساح، وهذا التمساح فكه العلوي أمريـ.كا، وفكه السفلي هي أوروبا، وعقله إسـ..رائيـ..ل، وجسده المتعاونون الخونة بيننا.»
«مليار ونصف مسلم ينتظرون الطير الأبابيل لتقضي على ثمانية ملايين إسـ..رائيـ..لي؟! والله لو جاءت الأبابيل لرمتنا نحن بالحجارة.»
«كما كان البحر الأحمر مقبـ.رة لفرعون، سيكون البحر المتوسط مقبـ.رة لإسـ..رائيـ..ل.»
«استبدال الدولار الأمـ.ريكـ.ـي بالدينار الإسلامي أهم من صناعة القنبـ..ـلة النـ..ووية وأكثر تأثيراً في موازين القوى العالمية.»
«المسلم الفطن لا ينظر إلى الأحداث بل ينظر إلى المؤامرة المحاكة خلفها.»
«أمتنا العظيمة هي امتداد لأولئك الفاتحين الذين قهروا الجيوش قبل ألف عام، أولئك الذين قرعوا أبواب فيينا قبل 400 سنة. هذه الأمة تحاول اليوم أن تنهض من كبوتها تجدد عهدها وقوتها.»
«الحركة الإسلامية كشعر الوجه؛ كلما حُلق نَبَتَ أقوى مما كان.»
«المسلمون الذين لا يهتمون بالسياسة يحكمهم ساسة لا يهتمون بالإسلام.»
«إذا أصبحت سوريا قضية في يوم من الأيام فاعلموا أن الهدف هو تركيا.»
«لا ترسلوا أولادكم إلى مدارس فتح الله كولن، ستجدونهم بعد 20 سنة في صفوف جيش الدفاع الإسـ..رائيـ..ـلي.»
«إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام، ولقد حاول الماسـ..ونيـ..ون والشـ..ـيوعيـ..ون بأعمالهم المتواصلة أن يُخربوا هذه الأمة ويفسدوها، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، فالتوجيه والإعلام بأيديهم، والتجارة بأيديهم، والاقتصاد تحت سيطرتهم، وأمام هذا الطوفان؛ فليس أمامنا إلا العمل معاً يداً واحدة، وقلباً واحداً؛ حتى نستطيع أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، ونصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريده مشرقاً.»

الأحد، 21 ديسمبر 2025

الصين وصناعة الشرائح الالكترونية

 










يارب تكونوا لسه فاكرين مقال «حرب الرقائق الإلكترونية» اللي اتكلمنا فيه من فترة عن مدى أهمية وخطورة «الرقائق الالكترونية -Microchips» أو ما يعرف بتكنولوجيا «أشباه الموصلات-Semiconductors» وقلت وقتها ان «حرب الرقائق الالكترونية» هي أخطر حرب ممكن نشوفها لأنها سوف تؤدي لحدوث شلل تام في العالم كله ، عشان كده بيُجمع العالم على ان حرب تايوان اذا بدأت هتكون أخطر من حرب أوكرانيا بمراحل ، لأن الرقائق الإلكترونية دي بتدخل في تركيب وعمل كل حاجة في حياتنا دلوقت تقريبا ؛ من أول الموبايل والغسالة الأتوماتيك وغسالة الأطباق وأجهزة المايكرويف والتليفزيونات والريسيفرات والتكييفات وأجهزة الريموت كنترول لمختلف الأجهزة ، والآلات الحاسبة ، والمعالجات «CPU» وكروت الشاشة واللوحات الأم للكمبيوترات ، وأجهزة الصوتيات ، و راوترات الإنترنت وكل القطع والأشياء التي تعتبر عصب شبكات الانترنت نفسها ، وحتى الفيديو جيمز ولعب الأطفال ، مرورا بالسيارات والقطارات الكهربائية ومختلف وسائل النقل، وصناعات أخرى عديدة متقدمة كصناعة الأجهزة الطبية والمعملية ، ووصولا للأقمار الصناعية والخلايا الشمسية والمقاتلات المتقدمة مثل الـ «F-35» و الدرونات والغواصات والرادارات وأنظمة الملاحة الجوية ومنظومات الدفاع الجوي والبوارج الحربية والمفاعلات النووية والصواريخ الباليستية وبرامج الفضاء ..
يعني باختصار مفيش حاجة في حياتنا دلوقت مش بتعتمد على الرقائق الالكترونية في عملها ، ومفيش حد النهاردة على سطح الكوكب مش بيستخدمها في حياته اليومية ، وأنا دلوقت وانا بكتب لك البوست ده بأكتبه من على جهاز لاب توب كله رقائق الكترونية ، وحضرتك وانت بتقرا كلامي ده بتقراه على جهاز لاب توب أو تابلت أو موبايل بيعتمد بشكل أساسي في عمله على هذه الرقائق أو الشرائح الالكترونية.
وأكيد فاكرين اني قلت في المقال إن المجال ده بتحتكره دول قليلة جدا على مستوى العالم ، أهمهم بالطبع «تايوان» عبر شركة «tsmc» التايوانية العملاقة اللي بتحتكر لوحدها أكتر من 60% من سوق تصنيع الرقائق الالكترونية وأشباه الموصلات على مستوى العالم ، لدرجة انها بتسبق أمريكا نفسها وبتتفوق عليها بمسافات بعيدة في المجال ده .. وعشان كده لما زادت التوترات بين الولايات المتحدة والصين وزادت معها احتمالات نشوب حرب حول تايوان، تنبهت الادارة الأمريكية للفجوة الخطيرة دي، لأنه مع الأسف لو اجتاحت الصين جزيرة تايوان هينقطع ، أو في أحسن الأحوال هيتعثر ، إمداد 80% من إنتاج أشباه الموصلات في الكوكب كله.
.
بس محدش سأل نفسه ، هي شركة «tsmc» التايوانية اللي بتصنع «الرقائق الالكترونية» فائقة الدقة دي بتصنعها إزاي وبتجيب الآلات أو «المكن» اللي بيصنع الرقائق دي منين ؟
في الحقيقة ان شركة «tsmc» بتعتمد في شغلها على ماكينات معقدة جدا اسمها ماكينات الطباعة الحجرية بالأشعة البنفسجية القصوى ، والماكينات أو الآلات دي بتصنعها وبتحتكرها شركة تانية خالص اسمها «ASML» والشركة دي موجودة حصريا في «هولندا» وهي الشركة الوحيدة في العالم اللي بتصنع الماكينات دي ، وعشان كده بتعتبر أمن قومي بالنسبة لأوروبا و أمريكا عموما و مش مسموح أبدا وتحت أي ظرف ان الماكينة دي تتباع لأي دولة في العالم ، وخصوصا «الصين»
.
ماكينة الطباعة الحجرية دي واللي اسمها بالكامل آلة "الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى" Extreme Ultraviolet Lithography وتنطق اختصارا «EUV» تعتبر حجر الأساس في عملية صناعة الرقائق والمعالجات المتقدمة اللي قايمة عليها حرفيا كل صناعة الإلكترونيات دلوقتي..
والماكينة دي بيعتبرها الخبراء أعقد ماكينة اخترعها العقل البشري على مر التاريخ ، ويكفي اننا نعرف ان الماكينة الواحدة منها بتحتوي على 100 ألف قطعة ، لكن أهم وأغلى جزء فيها و أكثرها تعقيداً، هو الأنظمة البصرية والمرايا العاكسة فائقة الحساسية اللي بتصنعها شركة «كارل زايس» الألمانية ، وعشان كده تمن الماكينة دي بيصل في بعض التقديرات إلى 250 مليون دولار ، يعني ربع مليار دولار ، وده تمن الماكينة الواحدة منها
.
آلات الـ «EUV» هي حجر الزاوية في صناعة الشرائح الالكترونية، و فكرتها باختصار انها بتستخدم شعاع ليزر ذو طول موجي بالغ القصر (13.5 نانومتر) لطباعة دوائر إلكترونية فائقة الدقة أرفع آلاف المرات من شعر الانسان على رقائق السيليكون في بيئة مفرغة من الهواء ، وكل ما كانت الدوائر دي أصغر، كل ما زادت قدرة وكفاءة الرقائق على المعالجة وقل استهلاكها للطاقة، وده بيخلي الآلات دي عنصر حاسم في سباق الذكاء الاصطناعي
المهم ان تقنية الـ «EUV» دي بتسمح بإنتاج رقائق الكترونية «Microchips» بمعمارية أقل من 7 نانومتر، ودي هي الشرائح اللي بتعتمد عليها أقوى المعالجات في العالم، من تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة التوجيه الصاروخي
.
فإيه اللي حصل ؟
لحد من كام يوم كانت الصين بتقدر تصنع رقائق الكترونية لحد مستوى الـ 28 نانو ، وبعدين اتقدمت شوية ووصلت لمستوى الـ 14 نانو ، بس مكانتش بتقدر توصل لأبعد من كده ، لأن تكنولوجيا ماكينات الـ «EUV» كانت سر حربي وحكر على الغرب فقط ، وتحديدا هولندا والولايات المتحدة ..
لكن فجأة كده بيظهر تقرير خطير من وكالة «رويترز» للأنباء بيقول ان «الصـيــــن» كانت شغالة من كام سنة على مشروع سري للغاية لتصنيع ماكينات الـ «EUV» بمعرفتها لتكسر بذلك الاحتكار الغربي لهذه الصناعة شديدة الخطورة والحساسية
اللي حصل ده يعتبر صفعة صينية على وجه أمريكا وزلزال في عالم الحرب الباردة التكنولوجية اللي شغالة من سنين بين الغرب والشرق ، ويكفي ان نعرف أن الصين أطلقت على المشروع السري ده من فرط خطورته وسريته اسم «مشروع مانهاتن» الصيني ، واللي ما يعرفش فهذا الاسم «مشروع مانهاتن» هو نفس اسم مشروع صناعة القنبلة الذرية الأمريكية اللي أطلقته واشتغلت عليه الولايات المتحدة بشكل سري في أربعينات القرن الماضي ، وبكده تكون الصين نجحت في اختراق المنظومة الغربية وكسرت الاحتكار الأوروأمريكي ، ونجحت في بناء أول نموذج «Prototype» للطباعة الحجرية بالاشعة البنفسجية القصوى ، متجاوزة بذلك عقوبات الولايات المتحدة اللي حرمتها منها عبر سلسلة من عمليات التقييد على الموردين.
تقرير «رويترز» بيقول ان «مشروع مانهاتن» الصيني ده تم تنفيذه في مختبر أبحاث شديد الحراسة بمدينة «شنتشن» الصينية بواسطة مهندسين الكترونيات صينيين تحت ظروف بالغة السرية والتعقيد ، والمختبر ده بقاله سنين طويلة شغال بشكل سري تماما، ومحدش يعرف عنه حاجة... لا له صور ولا أسماء موظفين أو عناوين، ولا أي شيء يدل على إنه فيه مكان بيشتغل على مشروع استراتيجي خطير بالشكل ده...
فريق المهندسين الصيني ، اشتغل على فكرة الهندسة العكسية (Reverse Engineering)، واللي هي عملية تحليل منتج أو نظام موجود بهدف فهم مكوناته، وتصميمه، وآلية عمله، ثم إعادة بناء المعرفة اللي أدت إلى إنشائه.
اللافت في الموضوع ان الصين جمعت مهندسين صينيين كبار كانوا شغالين قبل كده في شركة «ASML» بعضهم متقاعدين، وبعضهم رجعوا الصين بعقود مالية مغرية جدا، ومكافآت بملايين اليوانات، ومزايا عمرية، ودعم سكني، وضمانات أمنية...
وأول ما رجعوا للصين، وفي أول لحظة بعد دخولهم للمختبر اللي هيشتغلوا فيه على المشروع، استلموا هويات مزيفة بأسماء جديدة تماما، واتطلب منهم يتعاملوا جوه المعمل والمشروع بأسماء مختلفة تماما عن اسماءهم الحقيقية، وينسوا حرفيا كل حاجة عن حياتهم اللي كانوا عايشينها بره أسوار المعمل
وبعدها، المهندسين دول اتقسموا لفرق... ولسنين طويلة، كل فريق منهم كان شغال على جزء صغير جدا من الآلة، ومحدش شايف الصورة كاملة غير دائرة ضيقة جدا تحت إشراف الرئيس الصيني نفسه
مفيش موبايلات، مفيش خروج وعودة طبيعية، ومفيش حتى معلومة عن الشيء اللي الفريق اللي جنبك بيشتغل عليه، كل واحد عارف المعلومات اللي هو محتاجها بالضبط (المعرفة على قدر الحاجة)، ومايعرفش أي حاجة تانية عن المشروع ولا الهدف النهائي منه إيه...
وبعد سنين طويلة من الشغل المتواصل، قدروا أخيرا يوصلوا لتصميم وحش هندسي بكل معنى الكلمة
.
وبحسب مصادر «رويترز» فإن النموذج الأولي اللي صنعته الصين واللي اكتمل بناؤه مطلع عام 2025 ويخضع حالياً للاختبار، هو نموذج شديد الضخامة لدرجة انه بيشغل مساحة طابق كامل تقريباً من المصنع ، والصور الأولية اللي اتسربت للماكينة الصينية أضخم بكتير من النسخة الغربية... بس الهدف الرئيسي منها، واللي هو توليد شعاع الـ EUV بأي ثمن؛ نجح بالفعل واستطاع في النهاية توليد شعاع EUV بشكل مستقر، ودي أخطر خطوة في المشروع كله، لأن معظم الخبراء الغربيين كانوا فاكرين إن وصول الصين للنقطة دي لوحده محتاج عشرات السنين، والتقديرات الاستخباراتية كانت بتقول إن الصين ممكن تحتاج لحد 2040 أو أبعد علشان توصل للمرحلة دي...
ورغم ان النموذج الصيني لسه في مرحلة الـ «Prototype» ولسه الآلة لم تنتج شرائح فائقة الدقة بشكل تجاري، إلا إن الوضع الحالي خلاص تجاوز مرحلة الصعوبة القياسية، ومبقاش السؤال "هل" هيحلوا المشاكل اللي باقية... الموضوع كله بقى مسألة وقت مش أكتر ، وهو ما سوف يعيد رسم موازين القوة في صناعة أشباه الموصلات عالميا
.

الجمعة، 19 ديسمبر 2025

فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي

 







في مِثْلِ هذا اليومِ –التَّاسعَ عَشَرَ منْ ديسمبر عامَ 1930م، المُوافِقِ الثَّامنَ والعشرِينَ منْ رجبٍ سنةَ 1349هـ- وُلِدَ الأستاذُ الدُّكتور حسن محمود عبد اللطيف الشافعي، المُفكِّرُ الإسلاميُّ، في قريةِ بني ماضِي، التَّابعةِ لمدينة بِبَا، بمُحافَظةِ بني سُوَيْفٍ بالصَّعيدِ الأدنَى لمِصرَ.
نَشَأَ فضيلتُه نشأةً دينيَّةً في قريتِه؛ حيثُ أتمَّ حفظَ القرآنِ الكريمِ، وتلقَّى دُروسَه الأوَّليَّةَ هناكَ، ثمَّ ألحَقَه والدُه -الَّذي كانَ منْ عُلماءِ الأزهرِ-بمعهدِ القاهرةِ الدِّينيِّ، فحصلَ منْه على الشَّهادتَيْنِ: الابتدائيَّةِ، والثَّانويَّةَ.
التَحَقَ بكلِّيَّةِ أصولِ الدِّينِ بالأزهرِ، وفي الوقتِ نفسِه بدارِ العُلومِ بجامعةِ القاهرةِ، وحصلَ على اللِّيسانس والشَّهادةِ العاليةِ منْهما بمرتبةِ الشَّرفِ، فاختِيرَ مُعيدًا فيهما، وتسلَّمَ عملَه بدارِ العُلومِ في قسمِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ عامَ 1963م.
أشرفَ أستاذُه رئيسُ القسمِ وعميدُ الكلِّيَّةِ الدُّكتور محمود قاسم عليه؛ لنَيْلِ درجةِ الماجستير في الفلسفةِ الإسلاميَّةِ، فحصلَ عليها عامَ 1969م، وعُنوانُها «سيفُ الدِّينِ الآمديُّ المُتكلِّمُ الأشعريُّ»، وقدْ نشرَ المجلسُ الأعلى للشُّؤونِ الإسلاميَّةِ بالقاهرةِ الجُزءَ النَّصِّيَّ منْها عامَ 1971م، وعُنوانُه: «غايةُ المَرامْ في علمِ الكلامْ»، بتزكيةٍ مِنَ الأستاذَيْنِ الجليلَيْنِ: الدُّكتور شوقي ضيف، رئيسِ قسمِ اللُّغةِ العربيَّةِ بكلِّيَّةِ الآدابِ بجامعةِ القاهرةِ حينَئذٍ، والأستاذِ محمد أبي الفضل إبراهيم المُحقِّقِ الشَّهيرِ، ثمَّ نُشِرَتِ الدِّراسةُ بعدَ ذلك بنَحْوِ ثلاثين عامًا، وعُنوانُها: «الآمديُّ وآراؤُه الكلاميَّةُ».
استمرَّ فضيلةُ الأستاذ الدكتور حسن الشافعي يعملُ معَ أستاذِه؛ للحُصولِ على درجةِ الدُّكتوراه في موضوعِ «نصيرُ الدِّينِ الطُّوسيُّ وآراؤُه الكلاميَّةُ والفلسفيَّةُ»، مُحافِظًا في الوقتِ نفسِه على صلتِه الوثيقةِ بأستاذِه الشَّيخِ عبد الحليم محمود شيخِ الأزهرِ الشَّريفِ.
حينَ أوشكَ على إتمامِ رسالتِه، أُتِيحَتْ له فرصةُ السَّفرِ إلى كلِّيَّةِ الدِّراساتِ الشَّرقيَّةِ والإفريقيَّةِ، بجامعةِ لندن عامَ 1973م، وأشرفَ عليه هناكَ كلٌّ مِنَ: الأستاذ جونسون والبروفسور لامبتون في قسمِ دراساتِ الشَّرقِ الأوسطِ، وقدْ نالَ فضيلتُه درجةَ الدُّكتوراه في الدِّراساتِ الإسلاميَّةِ عامَ 1977م عنْ «تطوُّرُ علمِ الكلامِ الاثنا عشريِّ في القرنِ السَّابعِ الهجريِّ»، وهو العملُ الَّذي قُدِّرَ له أنْ يصدرَ بعدَ نحو ثلاثين عامًا أيضًا باللُّغةِ الإنجليزيَّةِ عنْ مَجْمَعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بإسلام آباد بباكستانَ عامَ 2005م.
عادَ فضيلةُ الدُّكتور حسن الشافعي مُدرِّسًا بقِسمِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ بدارِ العُلومِ منْ عامِ 1977م حتَّى 1981م، تخلَّلَها زيارتانِ لمدَّةِ شهرٍ واحدٍ إلى كلٍّ منْ جامعتَيْ: أمِّ القُرى بالمملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ، وأمِّ دُرمان بالسُّودانِ، خلالَ عامِ 1979م.
أُعِيرَ فضيلتُه عامَ 1981م إلى «الجامعةِ الإسلاميَّةِ» بإسلام آباد عاصمةِ باكستانَ؛ حيثُ عملَ -معَ كوكبةٍ مِنَ الأساتذةِ المِصريِّينَ- في إنشائِها، ووَضْعِ مناهجِ التَّدريسِ، والعملِ بها، وتولَّى عامَ 1983م عِمادةَ كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والقانونِ فيها، وحينَ صارَتِ الجامعةُ عالميَّةً عامَ 1985م عُيِّن نائبًا لرئيسِها، واستمرَّ حتَّى عامَ 1989م؛ حيثُ عادَ إلى القاهرةِ ليُعَيِّنَ وكيلًا لكلِّيَّةِ دارِ العلومِ حتَّى عامِ 1992م، ثمَّ رئيسًا لقِسمِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ حتَّى بُلُوغِه سِنَّ المعاشِ عامَ 1995م، ثمَّ أستاذًا مُتفرِّغًا حتَّى عامِ 1998م.
سافَرَ فضيلتُه مرَّةً أخرَى إلى باكستانَ رئيسًا للجامعةِ الإسلاميَّةِ العالميَّةِ؛ حيثُ صدرَ قرارٌ منْ مجلسِ أمناء الجامعةِ بالإجماعِ باختيارِه رئيسًا لها، فأنشأَ المَقرَّ الجديدَ لها في قلبِ العاصمةِ الباكستانيَّةِ، وأضافَ إليها ثلاثَ كُلِّيَّاتٍ جديدةٍ: العُلومِ الإداريَّةِ، والعُلومِ الاجتماعيَّةِ، والعُلومِ التَّطبيقيَّةِ؛ وحينَ انتهَتْ رئاستِه عامَ 2002م مُدَّتْ خدمتُه عامَيْنِ آخرَيْنِ.
عادَ فضيلتُه إلى القاهرةِ أستاذًا غيرَ مُتفرِّغٍ بكلِّيَّةِ دارِ العُلومِ عام 2004م وفيه اختِيرَ عُضوًا بمَجْمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ بالقاهرةِ، ثمَّ انتُخِبَ رئيسًا لمَجْمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ بالقاهرةِ لفترتَيْنِ مُتتاليتَيْنِ، بين عامي: 2012، و2020م.
وعندَما أعادَ الإمامُ الأكبرُ الأستاذُ الدُّكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهرِ هيئةَ كبارِ العلماءِ مرَّةً أُخرَى، كانَ فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي منْ أوائلِ الأعضاءِ المُؤسِّسينَ للهيئةِ؛ حيثُ عُيِّنَ فضيلتُه عضوًا بالهيئةِ بمُقتضَى قرارِ رئيسِ الجمهوريَّةِ رَقْمِ (24) الصَّادرِ في السَّابعِ والعشرِينَ منْ شعبانَ سنةَ 1433هـ، المُوافِقِ السَّابعَ عَشَرَ منْ يوليو عامَ 2012م.
وقدْ أثرَى فضيلتُه هيئةَ كبارِ العُلماءِ بالكثيرِ منْ مُقترحاتِه العِلميَّةِ، وضربَ بسهمٍ وافرٍ في جميعِ المُناقشاتِ التَّي دارَتْ داخلَها، كما حرصَ فضيلتُه على حضورِ جلِّ جلساتِها، فلمْ يتغيَّبْ إلَّا لظُروفٍ خارجةٍ عنِ الإرادةِ.
وتكريمًا لجهودِ فضيلةِ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي اختِيرَ لجائزةِ الملكِ فيصلٍ العالميَّةِ لخدمةِ الإسلامِ عامِ 2022م، كما أنَّ فضيلتَه منْ عُشَّاقِ العربيَّةِ المُحافِظينَ عليها، المُدافعِينَ عنْها، ولا يقلُّ دورُه في خدمتِها عنْ دورِه في خدمةِ الإسلامِ.
ومع كثرةِ الوظائفِ الَّتي تولَّاها فضيلةُ الأستاذِ الدكتور حسن الشافعي فإنَّه استطاعَ أنْ يُثرِيَ المكتبةَ العربيَّةَ والإسلاميَّةَ بكثيرٍ مِنَ الكُتبِ والأبحاثِ العلميَّةِ، ومنْها: «تحقيقُ ودراسةُ كتابِ: غايةُ المرامْ في علمِ الكلامْ»، «في الفلسفةِ: منهجٍ وتاريخٍ» بالاشتراكِ معَ الدُّكتور كمال جعفر، «تحقيقُ كتابِ: المُبِينْ في معاني ألفاظِ الحُكماءِ والمتكلمينْ، لسَيْفِ الدِّينِ الآمديِّ»، «ترجمةُ كتابِ: تاريخُ التَّشريعِ الإسلاميِّ، لكولسون، عن الإنجليزية» بالاشتراكِ معَ الدُّكتور محمد سراج، «في فكرِنا الحديثِ والمُعاصِرِ»، «تطوُّرُ الفكرِ الفلسفيِّ في إيرانَ» مُترجَمٌ مِنَ الإنجليزيَّةِ بالاشتراكِ معَ الأستاذِ الدُّكتور محمد السعيد جمال الدين، «المنطقُ ومناهجُ البحثِ»، «المَدْخَلُ إلى دراسةِ علمِ الكلامِ»، «فصولٌ في التَّصوُّفِ»، «مُقدِّمةٌ في الفلسفةِ العامَّةِ»، «لمحاتٌ مِنَ الفكرِ الكلاميِّ»، «التَّيَّارُ المَشَّائِيُّ في الفلسفةِ الإسلاميَّةِ»، «تحقيقُ وترجمةُ كتابِ: عَطْفُ الألِفِ المَألوفْ على اللَّامِ المعطوفْ، لأبي الحسنِ الدَّيلميِّ منْ صُوفيَّةِ القرنِ الرَّابعِ الهجريِّ»، «تجريدُ الاعتقادِ» دراسةٌ بالإنجليزيَّةِ لعلمِ الكلامِ الاثنا عشريِّ وتطوُّرِه حتَّى القرنِ السَّابعِ الهجريِّ، «تحقيقُ كتابِ: أساسُ الاقتباسِ في المنطقِ، لنصيرِ الدِّينِ الطُّوسيِّ» بالاشتراكِ، «حياتِي في حكاياتِي» سيرةٌ ذاتيَّةٌ نُشرِتْ بالسعوديَّةِ، «الدُّرَّةُ الكلاميَّةُ» منظومةٌ في أُصولِ الدِّين الإسلاميِّ، نشرَتْها الأمانةُ العامَّةُ لهيئةِ كبارِ العُلماءِ بالأزهرِ الشَّريفِ عامَ 2020م، «أغاريدُ الحبِّ والحُرِّيَّةِ» ديوانُ شعرٍ، «مقالٌ في المنهجِ»، «مُقدِّمةٌ تأسيسيَّةٌ لعلمِ القواعدِ الاعتقاديَّةِ»، «حِكَمٌ منْ عطاءِ اللهِ»، «قولٌ في التَّجديدِ»، «الأربعون الصِّحِّيَّةِ في الأحاديثِ النَّبويَّةِ» نشرَتْها الأمانةُ العامَّةُ لهيئةِ كبارِ العُلماءِ بالأزهرِ الشَّريفِ، «مقالاتٌ وبحوثٌ في الفِكرِ والحياةِ»، «تحقيقُ كتابِ: اللُّمَعْ في الرَّدِّ على أهلِ الزَّيغِ والبِدَعْ، للإمامِ أبي الحسنِ الأشعريِّ»، « ترجمةُ كتابِ: نحوَ علمِ اجتماعٍ إسلاميٍّ» للدُّكتور محمد الغزالي منْ عُلماءِ باكستانَ.
كما كَتَبَ فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي عشراتِ المقالاتِ في المجلَّاتِ والدَّوريَّاتِ العِلميَّةِ في مِصرَ وخارجِها، إلى جانبِ الإشرافِ والتَّحكيمِ لعشراتِ الرَّسائلِ الجامعيَّةِ، والمناهجِ المُتخصِّصةِ في مصرَ والعالمِ العربيِّ والإسلامي.
وهكذا نجدُ أنَّ المَهامَّ الكثيرةَ الَّتي تولَّاها فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي لمْ تحُلْ بينَه وبينَ العملِ العِلميِّ؛ معلّمًا ومُؤلفًا ومشاركًا في الهيئاتِ العِلميَّةِ الثَّقافيَّةِ، فمنذُ أكثرَ منْ عشرين عامًا وفضيلةُ الدُّكتور حسن الشافعي يُدرِّسُ كتابَ «المواقف»، وغيرَه منْ كُتُبِ علمِ الكلامِ والفلسفةِ، ويشرحُ الحِكَمَ العطائيَّةَ، وكتابَ «الفُتوحاتُ الإلهيَّةِ»، وغيرَه منْ كُتُبِ التَّصوُّفِ، في درسِه الأسبوعيِّ يومَ الخميسِ بالجامعِ الأزهرِ الشَّريفِ.
تسعونَ عامًا، بلْ تزيدُ أربعةً، ولا يزالُ فضيلتُه خادمًا للعلمِ: بينَ كتابٍ يُخرجُه، أو دَرْسٍ يُقدِّمُه، فحفظَ اللهُ فضيلته، وباركَ في عُمُرِه وعلمِه، وجزاه عنِ العلمِ وطُلَّابِه خيرًا.
نسألُ اللهَ أنْ يمدَّ في عُمُرِه، ويرزقَه الصِّحَّةَ والعافيةَ والعملَ الصَّالحَ

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

اللغة العربية في مصر قبل الإسلام

 

اللغة العربية في مصر قبل الإسلام

 

لم تكن اللغة العربية غريبة على مصر حين جاء الإسلام إليها، فقد كان لها هناك تاريخ طويل يمتد عدَّة قرون قبل ظهور الإسلام، وربما قبل ظهور المسيحية أيضًا، حين كانت وفود القبائل العربية تقصد مصر إما للتجارة أو للاستقرار.

 

فمن ناحية التجارة، أشار المؤرخون إلى أنه كانت هناك خطوط تجارية برية وبحرية تصل بين مصر والجزيرة العربية. وتفيد المصادر اليونانية واللاتينية[1] وغيرها أن مدينة غزة كانت في ذلك الوقت ميناء تجاريًّا هامًا، ومركزًا يلتقي فيه التجار ورجال الأعمال لعقد الصفقات التجارية. وكان التجار العرب يقدمون إليه لبيع ما عندهم من حاصلات اليمن وجنوب الجزيرة العربية وشراء ما يلزمهم مما يرد على هذه المدينة من البحر من حاصلات اليونان وإيطالية ومصر وغيرها. وتشير إحدى الوثائق[2] التي يرجع تاريخها إلى عام 263 ق. م إلى وجود علاقات تجارية بين المصريين والعرب في تلك الفترة النائية. ومن الثابت كذلك أن عمرو بن العاص زار مصر قبل الفتح الإسلامي بوصفه تاجرًا، وذهب إلى الدلتا ومن بعدها إلى الإسكندرية[3]، وأن خبرته بالبلاد المصرية هي التي جعلته يفكر في غزوها ويغري الخليفة بذلك، وهي التي سهلت له عملية الفتح.

 

وأمَّا بالنسبة للهجرات العربية بقصد الاستقرار، فقد كانت هناك كثير من الموجات دفعت بها بلاد العرب إلى مصر في العصور الفرعونية.

 

وكان طريق سيناء قنطرة ثابتة مفتوحة للهجرات منذ القدم. ومن هذه الهجرات ما كان يؤخذ فيه رأي حاكم مصر ويتم بموافقته. وقد أشار المؤرخون إلى سلسلة من تلك الهجرات أخذت مكانها قبل الفتح الإسلامي، ومن بينها:

1 – هجرة قبائل كهلانية من عرب الجنوب ذات أصل قحطاني استقرت في الجزء الشمالي الشرقي من مصر، وقد تم ذلك مع مطلع المسيحية[4].

 

2 – هجرة قبائل من "طيء" (فرع كهلاني آخر من المجموعة الجنوبية) كان من أهمها قبيلتا لخم وجذام اللتان استقرتا في إقليم الشرقية[5].

 

3 – قبيلة "بل" التي دخلت مصر قبل الإسلام واستوطنت ما بين القُصَيْر وقِنا. وكان عليهم الاعتماد في نقل التجارة الهندية. وقد قدِم وفد منهم إلى الرسول وأسلموا[6].

 

4 – هجرة بطون من خزاعة، وهم فرع من الأزد خرجوا في الجاهلية إلى مصر والشام لأن بلادهم أجدبت.

 

5 – استقرار بعض الجماعات العربية قبل الإسلام في شرق الدلتا.

 

6 – وقد أشار المؤرخون اليونان بما فيهم استرابو ( 66 ق . م ) وبلينيوس ( 70 م ) إلى أن عدد العرب في عهدهم قد تضاعف على الضفة الغربية من البحر الأحمر حتى شغلوا كل المنطقة بينه وبين نهر النيل في أعلى الصعيد. وكان لهم جمال ينقلون عليها التجارة والناس بين البحر الأحمر والنيل[7].

 

وقد وصف استرابو كذلك مدينة قِفْط (Koptos) بأنها مدينة واقعة تحت حكم العرب[8]، وصرح بأن نصف سكاها يتكونون من أولئك العرب[9].

 

7 – ذكر هيرودوت[10] أن الأقسام الشرقية من مصر بين سواحل البحر الأحمر ونهر اليل كانت مأهولة بقبائل عربية.

 

8 – في عهد عمر بن الخطاب – بعد فتح الشام وقبل فتح مصر – هاجرت بعض القبائل من غسان ولخم وجذام وعاملة – التي كانت تدين بالمسيحية – إلى مصر، واستقرت هناك في الجزء الشمالي الغربي من "سيناء". وقد منحهم الإمبراطور الروماني حينذاك إقطاعية "تنيس(صان الحجر)[11] وقد قابلت النجدة التي أرسلها عمر بن الخطاب عبر وسط سيناء لمساعدة عمرو جمعًا هائلا يبلغ نحو ثلاثة آلاف، وحين سألوهم عرفوا أنهم من عرب غسان ولخم وعاملة[12].

 

وبالإضافة إلى هذا فإن الوثيقة السابق الإشارة إليها، والتي يرجع تاريخها إلى عام 263 ق . م تفيدنا أنه كانت توجد في ذلك الوقت المبكر جالية عربية كبيرة مكونة من القبائل التي هاجرت من جنوب الجزيرة العربية واستقرت في مصر.

 

وإنه لمن الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن لغة هذه الوثيقة تبدو قوية الصلة باللغة العربية، مما يدل على أن هؤلاء العرب كانوا يكوّنون جزيرة لغوية في مصر، وأن هذه الجالية ظلت مخلصة لقوميتها محتفظة بأبجديتها تكتب بها وتعتز بتراثها. والوثيقة قصيرة، ولكنها ذات أهمية كبيرة لأنها تحدثت عن وجود العرب الجنوبيين بمصر في ذلك العهد السحيق، وعن وجود علاقات تجارية ربطت بين مصر وجزيرة العرب من البر والبحر. وهي تتحدث أيضًا عن رجل اسمه "زيد بن زيد ايل" اعترف بوجود دَيْن عليه وواجب هو توريد وتزويد بيوت آلهة مصر بالمُرِّ وقصب الطيب.

 

ومن الكلمات التي وردت في هذه الوثيقة، والتي يمكن بسهولة ردها إلى أصل عربي أو ساميٍّ الكلمات "دَيْن" التي استعملت في نفس معناها العربي، و"نفقس" التي تعني ثروته أو نفقته من الأصل الثلاثي "نفق"، و"محرمهى" التي تعني الحرم، و"رثد" التي تعني رصد أو خصص.

 

وعلى أي حال فمن الطبيعي أن يكون قد نشب نوع من الاحتكاك في ذلك الوقت بين اللغتين العربية والمصرية، وأن تكون قد حدث بينهما قدر ما من التبادل. ويبدو أن آثار كلتا اللغتين على الأخرى كانت قوية لدرجة أنها خلقت تشابها أو تقاربا بين اللغتين، أو بين المجموعتين السامية والحامية[13] (من المجموعة السامية اللغة العربية ومن المجموعة الحامية اللغة المصرية القديمة).

 

ولكن الحقيقة أن هذا التشابه سببه ما حدث من اختلاط بين الساميين والمصريين في العصور السحيقة.

 

وممن حاول اكتشاف العلاقة بين اللغات السامية والحامية المستشرق المشهور أوليرى (دي لاسى) الذي كتب بحثًا حاول فيه أن يبين أوجه الشبه بين العائلتين اللغويتين[14].

 

وقد كان نفوذ اللغة المصرية (أو اللغات المصرية إذا أردنا بهذا المصطلح ما يشمل اللغة اليونانية التي كانت صاحبة نفوذ في مصر في تلك الفترة) على اللغة العربية كبيرًا من ناحية المفردات. فهناك كلمات مصرية كثيرة دخلت اللغة العربية وأصبحت ينظر إليها على أنها من اللغة الأدبية النموذجية. من هذه الكلمات ألفاظ نحو "قبس" التي وردت في القرآن الكريم، و"صداع"، و"مشط" التي وردت في الحديث النبوي: "الناس سواسية كأسنان المشط"، وكلمة "برْدي" التي وردت في شعر الأعشى.

 

وقد ذكر السيوطي[15] – إلى جانب ذلك – قائمة من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم ولها – على ما يزعم – أصل قبطي. ومما ذكره في هذا الخصوص قوله: وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ [ص: 3] أي فرار بالقبطية. وفي قوله تعالى: ﴿ بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾ [يوسف: 88] أي قليلة بالقبطية. وحكى الكرماني وغيره في قوله تعالى: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾ [مريم: 24] أي بطنها بالقبطية. وفي قوله تعالى: ﴿ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ﴾ [ص: 7] أي الأولى بالقبطية .. وواضح أن قائمة السيوطي لا يمكن التسليم بها مطلقًا ولذا فنحن لا نعطيها أي اعتبار.

 

وهناك قائمة أخرى كبيرة لكلمات ذات أصل يوناني، ولكن أحدًا لا يمكنه أن يقطع هل كان انتقال هذه الكلمات إلى اللغة العربية قد تم في مصر أو في سورية.

 

وخلاصة القول أن اللغة العربية كانت تتكلم في مصر في فترة ما قبل الإسلام بين أبناء الجاليات العربية وعلى ألسنة التجار العرب وأن تبادلًا حدث بين اللغتين المصرية والعربية، أدى إلى ترك آثار من كلا الجانبين على الآخر ولكن دون أن يفقد أي منهما شخصيته.

 

المصدر:
كتاب: تاريخ اللغة العربية في مصر



[1] تاريخ العرب قبل الإسلام، تأليف جواد علي 8 / 132.

[2] المرجع السابق 8 / 67 و 68.

[3] الكندي: الولاة ص 6  7 ، طبعة بيروت 1908 ، وانظر تاريخ مصر الإسلامية للشيال ص 5 وما بعدها.

[4] عباس عمار: The people of Sharqiya.( القاهرة 1944 ) 1 / 21.

[5] المرجع السابق 1 / 23.

[6] المرجع السابق 1 / 24.

[7] انظر: البيان والإعراب ص 89.

[8] انظر: دائرة المعارف الإسلامية مادة (Kibtص991 (طبعة أولى). والبيان والإعراب، للمقريزي 89.

[9] عروبة مصر من قبائلها، للأستاذ مصطفى كامل الشريف ص 22. (الطبعة العالمية سنة 1965)، ومصر العربية الإسلامية، للدكتور علي حسن الخربوطلي ص 15.

[10] جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام 7 / 25 و 26.

[11] المقريزي: البيان والإعراب ص 90  91 ( طبعة القاهرة 1961).

[12] عروبة مصر من قبائلها ص 23.

[13] انظر:

Frach Jehangier Sorabji : Elements of th Science of Language, Calcutta, 1932.

[14] انظر: مقدمة كتاب Characteristice of the Hamitic Languages.

[15] المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة الحبشية والفارسية .... ص 12.