يارب تكونوا لسه فاكرين مقال «حرب الرقائق الإلكترونية» اللي اتكلمنا فيه من فترة عن مدى أهمية وخطورة «الرقائق الالكترونية -Microchips» أو ما يعرف بتكنولوجيا «أشباه الموصلات-Semiconductors» وقلت وقتها ان «حرب الرقائق الالكترونية» هي أخطر حرب ممكن نشوفها لأنها سوف تؤدي لحدوث شلل تام في العالم كله ، عشان كده بيُجمع العالم على ان حرب تايوان اذا بدأت هتكون أخطر من حرب أوكرانيا بمراحل ، لأن الرقائق الإلكترونية دي بتدخل في تركيب وعمل كل حاجة في حياتنا دلوقت تقريبا ؛ من أول الموبايل والغسالة الأتوماتيك وغسالة الأطباق وأجهزة المايكرويف والتليفزيونات والريسيفرات والتكييفات وأجهزة الريموت كنترول لمختلف الأجهزة ، والآلات الحاسبة ، والمعالجات «CPU» وكروت الشاشة واللوحات الأم للكمبيوترات ، وأجهزة الصوتيات ، و راوترات الإنترنت وكل القطع والأشياء التي تعتبر عصب شبكات الانترنت نفسها ، وحتى الفيديو جيمز ولعب الأطفال ، مرورا بالسيارات والقطارات الكهربائية ومختلف وسائل النقل، وصناعات أخرى عديدة متقدمة كصناعة الأجهزة الطبية والمعملية ، ووصولا للأقمار الصناعية والخلايا الشمسية والمقاتلات المتقدمة مثل الـ «F-35» و الدرونات والغواصات والرادارات وأنظمة الملاحة الجوية ومنظومات الدفاع الجوي والبوارج الحربية والمفاعلات النووية والصواريخ الباليستية وبرامج الفضاء ..
يعني باختصار مفيش حاجة في حياتنا دلوقت مش بتعتمد على الرقائق الالكترونية في عملها ، ومفيش حد النهاردة على سطح الكوكب مش بيستخدمها في حياته اليومية ، وأنا دلوقت وانا بكتب لك البوست ده بأكتبه من على جهاز لاب توب كله رقائق الكترونية ، وحضرتك وانت بتقرا كلامي ده بتقراه على جهاز لاب توب أو تابلت أو موبايل بيعتمد بشكل أساسي في عمله على هذه الرقائق أو الشرائح الالكترونية.
وأكيد فاكرين اني قلت في المقال إن المجال ده بتحتكره دول قليلة جدا على مستوى العالم ، أهمهم بالطبع «تايوان» عبر شركة «tsmc» التايوانية العملاقة اللي بتحتكر لوحدها أكتر من 60% من سوق تصنيع الرقائق الالكترونية وأشباه الموصلات على مستوى العالم ، لدرجة انها بتسبق أمريكا نفسها وبتتفوق عليها بمسافات بعيدة في المجال ده .. وعشان كده لما زادت التوترات بين الولايات المتحدة والصين وزادت معها احتمالات نشوب حرب حول تايوان، تنبهت الادارة الأمريكية للفجوة الخطيرة دي، لأنه مع الأسف لو اجتاحت الصين جزيرة تايوان هينقطع ، أو في أحسن الأحوال هيتعثر ، إمداد 80% من إنتاج أشباه الموصلات في الكوكب كله.
.
بس محدش سأل نفسه ، هي شركة «tsmc» التايوانية اللي بتصنع «الرقائق الالكترونية» فائقة الدقة دي بتصنعها إزاي وبتجيب الآلات أو «المكن» اللي بيصنع الرقائق دي منين ؟
في الحقيقة ان شركة «tsmc» بتعتمد في شغلها على ماكينات معقدة جدا اسمها ماكينات الطباعة الحجرية بالأشعة البنفسجية القصوى ، والماكينات أو الآلات دي بتصنعها وبتحتكرها شركة تانية خالص اسمها «ASML» والشركة دي موجودة حصريا في «هولندا» وهي الشركة الوحيدة في العالم اللي بتصنع الماكينات دي ، وعشان كده بتعتبر أمن قومي بالنسبة لأوروبا و أمريكا عموما و مش مسموح أبدا وتحت أي ظرف ان الماكينة دي تتباع لأي دولة في العالم ، وخصوصا «الصين»
.
ماكينة الطباعة الحجرية دي واللي اسمها بالكامل آلة "الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى" Extreme Ultraviolet Lithography وتنطق اختصارا «EUV» تعتبر حجر الأساس في عملية صناعة الرقائق والمعالجات المتقدمة اللي قايمة عليها حرفيا كل صناعة الإلكترونيات دلوقتي..
والماكينة دي بيعتبرها الخبراء أعقد ماكينة اخترعها العقل البشري على مر التاريخ ، ويكفي اننا نعرف ان الماكينة الواحدة منها بتحتوي على 100 ألف قطعة ، لكن أهم وأغلى جزء فيها و أكثرها تعقيداً، هو الأنظمة البصرية والمرايا العاكسة فائقة الحساسية اللي بتصنعها شركة «كارل زايس» الألمانية ، وعشان كده تمن الماكينة دي بيصل في بعض التقديرات إلى 250 مليون دولار ، يعني ربع مليار دولار ، وده تمن الماكينة الواحدة منها
.
آلات الـ «EUV» هي حجر الزاوية في صناعة الشرائح الالكترونية، و فكرتها باختصار انها بتستخدم شعاع ليزر ذو طول موجي بالغ القصر (13.5 نانومتر) لطباعة دوائر إلكترونية فائقة الدقة أرفع آلاف المرات من شعر الانسان على رقائق السيليكون في بيئة مفرغة من الهواء ، وكل ما كانت الدوائر دي أصغر، كل ما زادت قدرة وكفاءة الرقائق على المعالجة وقل استهلاكها للطاقة، وده بيخلي الآلات دي عنصر حاسم في سباق الذكاء الاصطناعي
المهم ان تقنية الـ «EUV» دي بتسمح بإنتاج رقائق الكترونية «Microchips» بمعمارية أقل من 7 نانومتر، ودي هي الشرائح اللي بتعتمد عليها أقوى المعالجات في العالم، من تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة التوجيه الصاروخي
.
فإيه اللي حصل ؟
لحد من كام يوم كانت الصين بتقدر تصنع رقائق الكترونية لحد مستوى الـ 28 نانو ، وبعدين اتقدمت شوية ووصلت لمستوى الـ 14 نانو ، بس مكانتش بتقدر توصل لأبعد من كده ، لأن تكنولوجيا ماكينات الـ «EUV» كانت سر حربي وحكر على الغرب فقط ، وتحديدا هولندا والولايات المتحدة ..
لكن فجأة كده بيظهر تقرير خطير من وكالة «رويترز» للأنباء بيقول ان «الصـيــــن» كانت شغالة من كام سنة على مشروع سري للغاية لتصنيع ماكينات الـ «EUV» بمعرفتها لتكسر بذلك الاحتكار الغربي لهذه الصناعة شديدة الخطورة والحساسية
اللي حصل ده يعتبر صفعة صينية على وجه أمريكا وزلزال في عالم الحرب الباردة التكنولوجية اللي شغالة من سنين بين الغرب والشرق ، ويكفي ان نعرف أن الصين أطلقت على المشروع السري ده من فرط خطورته وسريته اسم «مشروع مانهاتن» الصيني ، واللي ما يعرفش فهذا الاسم «مشروع مانهاتن» هو نفس اسم مشروع صناعة القنبلة الذرية الأمريكية اللي أطلقته واشتغلت عليه الولايات المتحدة بشكل سري في أربعينات القرن الماضي ، وبكده تكون الصين نجحت في اختراق المنظومة الغربية وكسرت الاحتكار الأوروأمريكي ، ونجحت في بناء أول نموذج «Prototype» للطباعة الحجرية بالاشعة البنفسجية القصوى ، متجاوزة بذلك عقوبات الولايات المتحدة اللي حرمتها منها عبر سلسلة من عمليات التقييد على الموردين.
تقرير «رويترز» بيقول ان «مشروع مانهاتن» الصيني ده تم تنفيذه في مختبر أبحاث شديد الحراسة بمدينة «شنتشن» الصينية بواسطة مهندسين الكترونيات صينيين تحت ظروف بالغة السرية والتعقيد ، والمختبر ده بقاله سنين طويلة شغال بشكل سري تماما، ومحدش يعرف عنه حاجة... لا له صور ولا أسماء موظفين أو عناوين، ولا أي شيء يدل على إنه فيه مكان بيشتغل على مشروع استراتيجي خطير بالشكل ده...
فريق المهندسين الصيني ، اشتغل على فكرة الهندسة العكسية (Reverse Engineering)، واللي هي عملية تحليل منتج أو نظام موجود بهدف فهم مكوناته، وتصميمه، وآلية عمله، ثم إعادة بناء المعرفة اللي أدت إلى إنشائه.
اللافت في الموضوع ان الصين جمعت مهندسين صينيين كبار كانوا شغالين قبل كده في شركة «ASML» بعضهم متقاعدين، وبعضهم رجعوا الصين بعقود مالية مغرية جدا، ومكافآت بملايين اليوانات، ومزايا عمرية، ودعم سكني، وضمانات أمنية...
وأول ما رجعوا للصين، وفي أول لحظة بعد دخولهم للمختبر اللي هيشتغلوا فيه على المشروع، استلموا هويات مزيفة بأسماء جديدة تماما، واتطلب منهم يتعاملوا جوه المعمل والمشروع بأسماء مختلفة تماما عن اسماءهم الحقيقية، وينسوا حرفيا كل حاجة عن حياتهم اللي كانوا عايشينها بره أسوار المعمل
وبعدها، المهندسين دول اتقسموا لفرق... ولسنين طويلة، كل فريق منهم كان شغال على جزء صغير جدا من الآلة، ومحدش شايف الصورة كاملة غير دائرة ضيقة جدا تحت إشراف الرئيس الصيني نفسه
مفيش موبايلات، مفيش خروج وعودة طبيعية، ومفيش حتى معلومة عن الشيء اللي الفريق اللي جنبك بيشتغل عليه، كل واحد عارف المعلومات اللي هو محتاجها بالضبط (المعرفة على قدر الحاجة)، ومايعرفش أي حاجة تانية عن المشروع ولا الهدف النهائي منه إيه...
وبعد سنين طويلة من الشغل المتواصل، قدروا أخيرا يوصلوا لتصميم وحش هندسي بكل معنى الكلمة
.
وبحسب مصادر «رويترز» فإن النموذج الأولي اللي صنعته الصين واللي اكتمل بناؤه مطلع عام 2025 ويخضع حالياً للاختبار، هو نموذج شديد الضخامة لدرجة انه بيشغل مساحة طابق كامل تقريباً من المصنع ، والصور الأولية اللي اتسربت للماكينة الصينية أضخم بكتير من النسخة الغربية... بس الهدف الرئيسي منها، واللي هو توليد شعاع الـ EUV بأي ثمن؛ نجح بالفعل واستطاع في النهاية توليد شعاع EUV بشكل مستقر، ودي أخطر خطوة في المشروع كله، لأن معظم الخبراء الغربيين كانوا فاكرين إن وصول الصين للنقطة دي لوحده محتاج عشرات السنين، والتقديرات الاستخباراتية كانت بتقول إن الصين ممكن تحتاج لحد 2040 أو أبعد علشان توصل للمرحلة دي...
ورغم ان النموذج الصيني لسه في مرحلة الـ «Prototype» ولسه الآلة لم تنتج شرائح فائقة الدقة بشكل تجاري، إلا إن الوضع الحالي خلاص تجاوز مرحلة الصعوبة القياسية، ومبقاش السؤال "هل" هيحلوا المشاكل اللي باقية... الموضوع كله بقى مسألة وقت مش أكتر ، وهو ما سوف يعيد رسم موازين القوة في صناعة أشباه الموصلات عالميا
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق