الاثنين، 15 ديسمبر 2025

جواز رقية الكتابي للمسلم




 ماذا لو وقفتم على هذا النص للإمام الشافعي؟! هل كنتم تتهمونه في دينه، وتقولون: "أخطأ الشافعي وأبو الشافعي؟!".

بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف
محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف
جاء في كتاب [الأم]، للإمام المُطَّلِبي، محمد بن إدريس الشافعي، الملقب بناصر السنة، رواية الربيع بن سليمان عنه؛ ما نصه:
"باب ما جاء في الرقية.
سألت الشافعي عن الرُّقْيَة، فقال: "لا بأس أن يَرْقِيَ الرجلُ بكتاب الله، وما يُعرف من ذكر الله".
قلت: "أيَرْقِي أهلُ الكتابِ المسلمين؟!".
فقال: "نعم، إذا رَقُوا بما يُعرف من كتاب الله، أو ذكر الله!".
فقلت: "وما الحجة في ذلك؟".
قال: "غيرُ حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك؛ فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل على عائشة - رضي الله عنها - وهي تشتكي، ويهودية تَرْقِيها، فقال أبو بكر: "ارقيها بكتاب الله!".
فقلت للشافعي: "فإنَّا نَكْره رُقْيَةَ أهل الكتاب!".
فقال: "ولِمَ، وأنتم تَرْوُونَ هذا عن أبي بكر؟! ولا أعلمكم تَرْوُون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافَه، وقد أحلَّ الله - جلَّ ذِكْرُه - طعام أهل الكتاب، ونساءهم، وأحسب الرُّقْية - إذا رَقُوا بكتاب الله - مثلَ هذا، أو أخفَّ!". انتهى.
قلت: فانظر إلى فقه الإمام الشافعي - رضي الله عنه - كيف استدل بالأثر والنظر، على جواز رقية أهل الكتاب للمسلمين، إذا كانت الرقية بالقرآن وبما يُعرف من الأذكار المشروعة!
فأما الأثر فما رُوي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - من رُقية امرأة يهودية لها في شكواها، وإقرار سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - لها على ذلك، بشرط أن تكون الرقية بالقرآن والأذكار المشروعة!
وإسناد هذا الأثر من أصح الأسانيد، وقد تكرر ذكره كثيرا في [الموطأ]!
وأما النظر فالقياس على إباحة الأكل من طعام أهل الكتاب، وإباحة الزواج من نسائهم، بنص القرآن، فإباحة الرقية أخفُّ من هذا، فهي أولى بالإباحة، مع ما عضدها من الأثر، الذي لا يُعلم له مخالف!
وبهذا ردَّ الإمام الشافعي على تلميذه الربيع، كراهته لهذا الأمر - كراهة مجردة - مع وجود الدليل من الأثر والنظر على عدم الكراهة!
ولو قال هذا عالم في زماننا؛ لاتهم في دينه، وبأنه يبيع دينه بدنياه، وبأنه يغازل اليهود والنصارى، من أجل منصب أو دنيا!
ولا شك أن رقية المسلم للمسلم أفضل، والمسلم الصالح خير من غيره، ولكن القصد هنا بيان جواز رقية الكتابي للمسلم!
وإنما أكثر من ذكر مثل هذه الوقائع والمعاني؛ ليتبين للناس كم جرى في الدين من تدليس وتلبيس وتلاعب، على أيدي أدعياء العلم والتقوى، وبأن الدين ليس هو التشدد والتنطع والتطرف، وإنما الأمر - كما قال سيدنا سفيان الثوري، أمير المؤمنين في الحديث -: "إنما الفقه رخصة من ثقة، أما التشدد فيحسنه كل أحد!".
وبالله التوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق