الأربعاء، 12 يونيو 2013

حكم دعاء ليلة النصف من شهر شعبان وأصله



 في حديث طويل للسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها في ليلة النصف من شعبان: أن سيدنا رسول الله محمداً صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سجد ليلاً طويلاً، وسمعته يقول في سجوده:" أعوذُ بعفـوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جلَّ وجهك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك "! فلمّا أصبح ذكرتهن له .. فقـال:" تَعَلَّمِيهِنَّ وَعَلِّمِيهِنَّ، فإنَّ جبريل عليه السلام عَلَّمَنِيهُنَّ وأمرني أن أُرَدِّدُهُنَّ في السّجود "[شعب الإيمان (383/3 - 385)].

وفي خبر آخر عنهـا رضي الله تعالى عنها: كان يقول في سجوده :" سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، فهذه يدي وما جنيتُ بها على نفسي، يا عظيم يُرْجَا لكل عظيم، يا عظيم اغفر لي الذنب العظيم، سـجد وجهي للذي خلقه، وشقَّ سمعه وبصره "، وفي روايـة " فتبارك الله أحسن الخالقين "، ثُمَّ رفع رأسه، ثُمَّ عاد سـاجداً فقـال:" أعوذُ برضاكَ من سخطك، وأعـوذُ بعفوك من عقابك، وأعوذُ بك منك: أنت كما أثنيت على نفسك، أقولُ كما قال أخي داود: أُعَفِّرُ وجهي في التراب لسيدي، وحق لسيدي أن يُسْـجَدَ له "، ثُمَّ رفع رأسه فقال:" اللَّهُمَّ ارزقني قلباً تقياً، من الشرك نقياً، لا جافياً ولا شقياً "، ثُمَّ انصرف.[شعب الإيمان (385/3)].
وفي هذا بيان لفضل هذه الليلة المكرمة، وندب التعبد فيها، لاسيما بالدعاء ..

الدعاء المشهور اللهم يا ذا المنّ:
وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (68/6) ، وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قال:" ما دعا قط عبدٌ بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته: يا ذا المنّ فلا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهرُ اللاجئين، وجارُ المستجيرين، ومأمنُ الخائفيـن، إن كنت كتبتني عندك في أم الكتـاب شقيّاً، فامح عنّي اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير، وإن كنت كتبتني عندك في أمِّ الكتاب محروماً أو مقتراً عليَّ في الرزق فامح حرماني، ويسّر رزقي، وأثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير! فإنّك تقول في كتابك الذي أنزلت { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } "[المصنف لابن أبي شيبة (68/6) وابن أبي الدنيا في الدعاء، والسيوطي في الدر المنثور (661/4)، والألوسي في روح المعاني (169/13)].
وإخبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالآثار لا يكون إلا عن النبي المختار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فلهذا الخبر حكم المرفوع.

قال الألوسي في تفسيره: أخرج بن أبي شيبة في المصنف وغيره عن ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: ما دعا عبد قط بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته: "يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًّا فامح عني اسم الشقاوة، وأثبتني عندك سعيدًا، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محرومًا مقترًا عليَّ رزقي، فامح حرماني، ويسر رزقي، وأثبتني عندك سعيدًا موفقًا للخير، فإنك تقول في كتابك الذي أنزلت: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

وأخرج عبد بن حميد وغيره عن عمرو- رضي الله عنه- أنه قال- وهو يطوف بالبيت-: "اللهم إن كنت كتبت عليَّ شقوة أو ذنبًا فامحه واجعله سعادة ومغفرة، فإنك تمحو ما شئت، وتثبت وعندك أم الكتاب"،
وذكر مثله عن شقيق أبي وائل هذا ما ورد في آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين في النهي عن سؤال محو الشقاوة وإثبات السعادة،
نقل ذلك بن جرير الطبري عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، وعن مجاهد كذلك من طرق عدة،
وذكر صاحب الإبداع أنه نقل عن اليافعي أن أول ما يدعى في ليلة النصف من شعبان: "اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه".

القسم الأول من الدعاء :
اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام لا إله الا انت ظهر اللاجئين و جار المستجرين وأمان الخائفين اللهم ان كنت قد كتبتني عندك في ام الكتاب شقيا او محروما او مطرودا ومقتراً علي في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي واكتبني عندك في ام الكتاب سعيداً مرزوقا موفقا للخيرات فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب )

وهذا القسم هو من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وبعض العلماء نسبه إلى عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ولكن لم اقف على اسناد لعمر بن الخطاب ولكن وجدت في مصنف ابن أبي شيبة نسبة هذا القسم إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقد جاء في مصنف ابن ابي شيبة :حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال : ما دعا قط عبد بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته ” يا ذا المن فلا يمن عليك ، يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الطول والانعام لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين ، إن كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا فامح عني اسم الشقاء ، وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير ، فإنك تقول في كتاب { يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب }. وهذا القسم لا إشكالية من حيث المحو والإثبات في ام الكتاب

فالمكتوب فى اللوح هو ما قدره الله على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق والله يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم ، والدعاء والعمل ينفع فى الأول لأنه معلق عليه ، وأما نفعه فى الثانى فهو التخفيف ، كما يقال : اللهم إنى لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء فى الحديث “إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل ” والنفع هو على النحو المذكور .

القسم الثاني من الدعاء
إلهي بالتجلي الاعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم التي يفرق قيها كل امر حكيم ويبرم أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم وأنت به اعلم أنت الأعز الأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

هذا الجزء من الدعاء هو زيادة على الدعاء الاصلي الوارد عن ابن مسعود رضي الله عنه و هى من زيادة الشيخ ماء العينين الشنقيطى فى كتاب “نعت البدايات ” وهذه الزيادة فيها إشكالية حيث جاء فيها جاء فيها أن ليلة النصف من شعبان هى التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم وهذا ليس بصحيح فالليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة القدر التي نزل فيها القرآن الكريم

إلا أنه لهذه الإشكالية تخريج معين فقد قال عكرمة: ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد .
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد أخرج اسمه في الموتى”
وروى أبو الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر. (تفسير البغوي )

أما الكلام على التعليق بالمشيئة فإن الدعاء الوارد لا يوجد فيه تعليق على المشيئة فالداعي بهذا الدعاء يطلب من الله الرحمة جازما ولكن هذا الداعي لا يعلم إن كان من اهل الشقاء ام من أهل الرحمة فهو يدعو الله سبحانه وتعالى أن كان من اهل الشقاء ان يرحمه ويجعله من اهل الرحمة وما يدل على ذلك هو فعل الامر (( امح )) و ((اكتبني )) وكلا الفعلين لم يتبعهما تعليق على المشيئة فالدعاء جازم ليس معلق على المشيئة والمقصود بالأمر هاهنا هو الإلتماس فحاشي للعبد أن يأمر السيد ولكن من الوجه التي يفيدها فعل الامر هو الالتماس والرجاء إذا ما كان ذلك الفعل صادرا من الادنى إلى الاعلى
ويقول الشيخ محمد علوى المالكى : وقوله في هذا الدعاء ( اللهم إن كنت كتبتني عندك … إلخ ) هذا هو الصواب عند التحقيق والمراجعة . وفي كثير من الكتب المشهورة المتداولة زيادة لفظ ( في أم الكتاب ) وهو غلط ، ولعله تحريف من النساخ . وذلك لأن ما في أم الكتاب لا يقبل المحو ولا الإثبات كما قال تعالى : ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ﴾ وقد عرضت هذا الأمر على جملة من مشايخنا من أئمة الحديث والفقه فثبتني عليه .

ونذكر هن قول الإمام الشافعى فى دعاء القنوت : 
وقنا واصرف عنا شر ما قضيت،
هو يطلب من الله أن يصرف عنه ويقيه شر ماقضاه ،
وهو عين ما يطلب بمحوه فى دعاء النصف من شعبان

ويقول الدكتور عزت عطية الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر
 أنه لم يرد دعاء خاص لليلة النصف من شعبان لكن بعض الصالحين اعد دعاء استخلصه من تفسير قول الله تعالي "فيها يفرق كل أمر حكيم". عند من قال أنها ليلة النصف من شعبان مع أن صريح القرآن الكريم يدل علي أنها ليلة القدر التي نزل فيها القرآن واخذ هذا الدعاء مما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قال: "ما دعا قط عبد بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته يا ذا المن فلا يمن عليك يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والأنعام لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين اللهم ان كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا فأمحو عني أثم الشقاء أتثبتني عندك سعيدا موفقا للخير فإنك تقول في كتابك "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب". 
ويشير د. عزت إلى أن في سند هذا الحديث عبد الرحمن بن اسحق الو اسطي ضعيف جداً لكن ابن أبي شيبه روي له هذا الحديث لأنه في الدعاء ومما ظهر عنده أنه يمكن ان يقبل وأن الدعاء به خير من الدعاء بغير ما ورد. وابن مسعود رضي الله عنه لم يخصص الدعاء للنصف من شعبانواعترض بعضهم علي هذا الدعاء بأن ما في أم الكتاب لا يقبل التغيير لكن البعض الآخر يري أن أم الكتاب فيها القضاء المعلق والقضاء المبرم وأن الكل مكتوب فيه ففيه ما يغير. وفيه ما يثبت بعد التغيير.
وهذا اقرب في المناسبة مع تثنية أم الكتاب أي الجامع لكل ما في الكتب الأخرى والمقصود به أن الدعاء به في ليلة النصف من شعبان لاشيء فيهلمن أراد بشرط إلا يعتبر ذلك من السنن الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر من أعمال الخير اللازمة للمسلمين في هذا الوقت. بل هو عمل خير لمن صلي في المسجد. 

وفي الدعاء اعتماد علي أحاديث أخرى في تجلي الله عز وجل في ليلة النصف من شعبان لمغفرة ذنوب من تاب وان ما جري العمل به بين المسلمين إنما هو من البدع الحسنة ولا يمكن أن يكون ضلالة إلا عند من تعند وتشدد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق