الأحد، 2 يونيو 2013

الإمام الجوينى ومذهب السلف فى المتشابه


قال إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى: 

فصل قد اختلف مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة.وامتنع على أهل الحق فحواها وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها.
فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب، وفيما صح من سنن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهبت أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب سبحانه .
والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقداً، اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع، وترك الابتداع.والدليل السمعي القاطع على ذلك، أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب النبي صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها.فلو كان تأويل هذه الآي والظواهر مسوغاً أو محتوماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.
وإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين رضي الله عنهم على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع بحق.
فعلى ذي الدين أن يعتقد تنزيه الرب عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب تعالى.

وعند إمام القراء وسيدهم الوقف على قوله:
(وما يعلم تأويله إلا الله) من العزائم،
 ثم الابتداء بقوله: (والراسخون في العلم).

ومما أستحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)
 فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة.فلتجر آية الاستواء والمجيء
وقوله: (لما خلقت بيدي) و(يبقى وجه ربك)،
وقوله: (تجري بأعيننا) وما صح من أخبار الرسول عليه السلام كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا.
فهذا بيان ما يجب لله تعالى .

قوله: (وذهبت أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب سبحانه) 

علق عليه الشيخ الكوثري بقوله:
( يعني أن المستفيض إطلاقه في السنة على الله سبحانه نطلقه عليه جل شأنه من غير خوض في المعنى، فيما فيه نوع إيهام، والظاهر هنا يقابل الغريب كما في قول مالك: خير العلم الظاهر، وشره الغريب.وليس المراد هنا الظاهر الذي هو من أقسام الوضوح؛ لأنه أعم من أن يكون رجحان أحد الاحتمالين على الآخر بالوضع أو بالدليل، ولا ظهور في جانب الوضع، إذا ناقضه البرهان، فلا يكون هناك ظهور بهذا المعنى حتى يحمل عليه، راجع تمهيد أبي الخطاب).
قوله: 
(فلو كان تأويل هذه الآي والظواهر مسوغاً أو محتوماً)

علق عليه الشيخ الكوثري بقوله:
 (أي صرفها إلى احتمال مرجوح من الاحتمالات الموافقة للتنزيه المستنبط من البراهين القاطعة مع عدم وجود ما يعين ذلك الاحتمال؛ لأن ذلك يكون تحكماً على مراد الله ومراد رسول الله، وأما عند تعين المعنى بالقرائن فلا مهرب من قبوله، وعن الصحابة والتابعين روايات من هذا القبيل من التأويلات المتعينة، وسرد ذلك يخرجنا من الاختصار المطلوب. وصنع المؤلف هنا احتياط بالغ منه في دين الله يشكر عليه، وعليه مضى أبو حنيفة وأصحابه من السلف، على أن الوقف على (إلا الله) لا يحتم الامتناع من تطلب، لأن النفي مسلط على العموم، فيكون المعنى سلب العموم، دون عموم السلب، فيكون الممنوع هو علم جميع التأويلات، فلا يمنع ذلك من تطلب بعضها، وبهذا وضح الحق وبطل ما سرده الحراني في تفسير سورة الإخلاص).
قوله: (ومما أستحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة)علق عليه الشيخ الكوثري بقوله: (واللفظ الثابت عن مالك إمام دار الهجرة هنا: والكيف غير معقول، والمصنف لم يتحر الرواية، راجع الأسماء والصفات للبيهقي 408، وفي لفظ عنده: (ولا يقال كيف، وكيفٌ عنه مرفوع))

ختم الشيخ الكوثري هذا الفصل بأن علق عليه الشيخ الكوثري بقوله: (وهذا الفصل مما يكتب بماء الذهب، ولا سيما أن هذا الكتاب من أواخر مؤلفات إمام الحرمين، كما ذكره صاحب اللمعة وغيره.وقد فرح به بعض الحشوية في غير مفرح ظناً منهم أنه مال إلأيهم في آخر أمره، وأنى ذلك ؟وقد صرح في فصول الكتاب بتنزيه الله قطعاً من الحوادث وصفات المحدثين.أما الاستواء فيكاد أن يكون المراد منه متعيناً من بين الاحتمالات، وهو الملك وأخذه تعالى يأمر عبيده وينهاهم بعد خلق السموات وخلقهم، على طريق الاستعارة التمثيلية، كما تجد بسط ذلك في (لفت اللحظ) ص 41.وأما المجيء فقد قال ابن حزم في الفصل: روينا عن الإمام أحمد في قوله تعالى: (وجاء ربك) إنما معناه وجاء أمر ربك، كقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك)، والقرآن يفسر بعضه بعضاً اهـ.ومثله في زاد المسير لابن الجوزي.وقوله: (لما خلقت بيدي) بمعنى بعناية خاصة، والعرب تقول: يداك أوكتا، وتعزو العناية الخاصة إلى اليدين.والمراد بقوله: (وجه ربك) الذات العلية، بدليل رفع ذي الجلال بعده.وأما قوله: (تجري بأعيننا) فبمعنى تحت علمنا في فهم أهل اللسان، فلا محيد عن هذا الفهم.والنزول ليس بمعنى الحركة من فوق إلى تحت حتماً؛ لأنه محال، فيدور أمره بين الاستعارة في الطرف بمعنى إقباله على العباد، كما يقول حماد بن زيد، وبين الإسناد المجازي، وقد تعين الثاني بحديث النسائي في بعث مالك ينادي، فخرج حديث النزول من أحاديث الصفات في التحقيق، بعد تعيين القائل مراده، وإنما مراد المؤلف هنا حسم النزاع بأكبر تنزل رفقاً بالجهلة الأغرار وجمعاً للكلمة، ولا مانع من ذلك بعد استيقان تنزه الله عن جميع ما يوهم التشبيه، كما فعله المؤلف في جميع أبواب الكتاب)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق