الجمعة، 18 يوليو 2014

طريق الشيخ أبي الحسن الأشعري

يقول الشيخ محمد صالح بن أحمد الغرسي في كتابه الذي رد فيه على الشيخ سفر الحوالي
 ( منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام ) :
قد أورد الإمام تاج الدين السبكي في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" فصلا عنونه بقوله: (ذكر بيان أن طريق الشيخ أبي الحسن الأشعري هي التي عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام، والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام) هذا هو عنوان الفصل ثم قال: قد قدمنا في تضاعيف الكلام ما يدل على ذلك، وحكينا لك مقالة الشيخ ابن عبد السلام ومن سبقه إلى مثلها وتلاه على قولها حيث ذكروا: أن الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون. هذه عبارة ابن عبد السلام شيخ الشافعية وابن الحاجب شيخ المالكية، والحصيري شيح الحنفية، ثم قال السبكي:
ومن كلام ابن عساكر حافظ هذه الأمة الثقة الثبت: هل من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق للأشعري ومنتسب إليه وراض بحميد سعيه في دين الله، ومثن بكثرة العلم عليه، غير شرذمة قليلة تضمر التشبيه وتعادي كل موحد يعتقد التنزيه، أو تضاهي قول المعتزلة في ذمه. ثم قال السبكي: ونحن نحكي لك هنا مقالات أخر لجماعة من معتبري القول من الفقهاء. ثم أورد السبكي مجموعة من فتاوى علماء المذاهب الأربعة في تأييد المذهب الاشعري، ثم قال السبكي: سمعت الشيخ الإمام (الوالد) رحمه الله يقول: ما تضمنه عقيدة الطحاوي هو ما يعتقده الاشعري لا يخالفه إلا في ثلاث مسائل ثم قال: قلت: أنا اعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدا، والشافعية غالبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة، أعني يعتقدون عقد الأشعري، لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة اكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة، لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم، وهم في هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم، وقد تأملت عقيدة الطحاوي... إلى آخر ما نقلناه عنه آنفا.
أقول: وقد ذكر الإمام الحافظ ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري) جملة من علماء المذاهب ممن اشتهر بالمناضلة عن الإمام أبي الحسن، وقد أورد أسماءهم تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، ثم قال السبكي: فهذه جملة من ذكرهم الحافظ في التبيين، وقال (الحافظ) لولا خوفي من الإملال والإسهاب لتتبعت ذكر جميع الأصحاب، وكما لا يمكنني إحصاء نجوم السماء كذلك لا أتمكن من استقصاء جميع العلماء مع انتشارهم في الأقطار والآفاق من المغرب والشام وخراسان والعراق، ثم قال السبكي: ولقد أهمل على سعة حفظه من الأعيان كثيرا وترك ذكر أقوام كان ينبغي حيث ذكر هؤلاء أن يشمر عن ساعد الاجتهاد في ذكرهم تشميرا... ثم أضاف السبكي جملة من أعيان علماء الأمة ممن فات ابن عساكر ذكره، وممن تأخر عنه.
ونقل الذهبي عن الإمام الحافظ أبي ذر الهروي أنه قال في حق إمام الأشاعرة في عصره القاضي أبي بكر الباقلاني: "كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقته". هذه الجملة من كلام أبي ذر وحدها –فضلا عما تقدمها- كافية في إثبات دعوى أن أكثر أئمة المسلمين على مذهب الأشاعرة.
أقول: احترز الإمام ابن عبد السلام ومن وافقه بقولهم: "إن فضلاء الحنابلة أشعريون" عن أناس من الحنابلة ذهبوا إلى التشبيه وشانوا مذهب الإمام أحمد.
قال ابن الجوزي:
"ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبو عبد الله بن حامد وصاحبه القاضي وابن الزاغوني، فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس... وأخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات... ولم يقنعوا أن يقولوا: صفة فعل، حتى قالوا: صفة ذات... وفد تبعهم خلق من العوام...
وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم: لقد شان المذهب شينا قبيحا لا يغسل إلى يوم القيامة" والخطاب في أئمتكم للحنابلة.
هل وعيت بماذا حسم هؤلاء السادة العلماء الأجلاء في أمر الأشاعرة ؟
ثم إنك لم تذكر الذين حسموا حسب ما ترون !
أبهذا الكلام المرسل يحسم أمر أهل السنة والجماعة كما ذكر من ذكرت لك من السادة الفضلاء ؟
ألا تراجع منهجك بعد قراءة ما أرسلت إليك عصمة لك من ألقاء الكلام على عواهنه مجازفة منك أم تقليدا لغيرك ؟!
الثانية :
أما ذكرت لك أقوال الأشاعرة في العلو والاستواء ؟
وإني أحتسب عند الله إعادة ما رددت به عليك فخذه ولا تغمض عينيك عنه مرة أخرى :
[وأما الإستواء : الذي يتهم بعدم الإيمان به أوتعطيله الأشاعرة المفترى عليهم
فلم ينكره أحد منهم ، وإنما أنكروا أن يكون بالمعنى المحال في حقه تعالى مما هو من صفات المحدثات والأجسام المقتضى لمشابهة الله تعالى بخلقه، فأنكروا أن يكون بمعنى الإستقرار والتمكن والحلول والانتقال، وهم في ذلك موافقون للإمام أحمد رحمه الله تعالى، ففي عقيدة الإمام أحمد المطبوعة في آخر مجلد الثاني من طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: «وكان يقول في معنى الإستواء: هو العلو والارتفاع، ولم يزل الله عاليا رفيعا قبل أن يخلق عرشه، فهو فوق كل شيئ والعالي على كل شيئ، وإنما خص الله العرش لمعنى فيه مخالف لسائر الأشياء، والعرش أفضل الأشياء وأرفعها، فامتدح الله تعالى نفسه بأنه على العرش استوى، أي عليه علا. ولا يجوز أن يقال: استوى بمماسة ولا بملاقاة. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل، ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش»
وقال إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري (324 هـ) رضي الله عنه ما نصه : " كان الله ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه " اهـ
نقله الحافظ ابن عساكر نقلا عن القاضي أبي المعالي الجويني.
وقال القاضي أبي بكر بن الباقلاني: وأن الله تعالى مستو على العرش ومستول على جميع خلقه كما قال تعالى ((الرحمن على العرش استوى )) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة وأنه في السماء إله وفي الأرض إله كما أخبر بذلك.
قال الإمام ابن بطال المالكي أحد شراح البخاري (449هـ)
ما نصه : "غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان، وانما أضاف المعارج اليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه- أي تعاليه- مع تنزيهه عن المكان " اهـ وقال الشيخ ابن المنيِّر المالكي (695 هـ) ما نصه:"جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها إلا حديث ابن عباس فليس فيه إلا قوله "رب العرش" ومطابقته، والله أعلم من جهة أنه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة أخذا من قوله (ذِى المَعَارِجِ) (سورة المعارج/3) ، ففهم أن العلو الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبيَّن المصنف- يعني البخاري- أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش، كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه يحيل وصفه بالتحيز فيها" اهـ، نقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره عليه .
وقال الفقيه الإمام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (476 هـ)
في عقيدته ما نصه (20):
"وان استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب عز وجل قديم أزلي، فدل على أنه كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو على ما عليه كان " اهـ.
وقال الغزالي في "قواعد العقائد":
«...وأنه مستوى على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواءاً منزهاً عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته»
ثم قال:
«تعالى الله عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل خلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان».
وقال أيضاً (الإحياء 1 / 108)
(الأصل الثامن: العلم بأنه تعالى مستوٍ على عرشه بالمعنى الذي أراده الله تعـالى بالاستـواء وهو لا ينافي الكبريـاء ولا يتطرق إليه سمـات الحدوث والفناء) 1هـ.
وقال نحو هذا عز الدين بن عبد السلام ( سلطان العلماء )
في "العقائد" له.
وقال الألوسي في تفسيره للآية في سورة يونس: وأنت تعلم أن المشهور من مذهب السلف في مثل ذلك تفويض المراد منه إلى الله تعالى فهم يقولون : استوى على العرش على الوجه الذي عناه سبحانه منزها عن الاستقرار والتمكن . أ ـ هـ ]
أما أعجبتك هذه العقيدة السلفية ؟
وهل تريد أن تقول ما قاله بعضهم : وهل يكون الاستواء إلا بالجلوس ؟!
قال ابن أبي يعلى: ( وسمعت أخي أبا القاسم - نضر الله وجهه- يقول: لم يكن البربهاري يجلس مجلسا إلا ويذكر فيه أن الله عز وجل يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم معه على العرش) طبقات الحنابلة 2/ 43،
أليس القعود والمماسة من وصف الأحسام ؟!
وقال ابن الأثير في الكامل تحت عنوان:
(فتنة الحنابلة ببغداد)
[وفيها عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم، وصاروا يكبسون من دور القواد والعامة... واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد، وكانوا إذا مر بهم شافعي المذهب أغروا به العميان فيضربون بعضهم حتى يكاد يموت، فخرج توقيع الراضي (الخليفة العباسي) بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم ويوبخهم باعتقاد التشبيه وغيره.
فمنه (أي من التوقيع) تارة إنكم تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين، وهيئتكم الرذيلة على هيئته، وتذكرون الكف والأصابع والرجلين، والنعلين المذهبين، والشعر القطط، والصعود إلى السماء، والنزول إلى الدنيا، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا... إلى آخر ما ورد في المرسوم من الزيغ والضلال والمخازي والفضائح، وقد كان هذا المرسوم والتوقيع من الخليفة العباسي ضد أصحاب أبي محمد البربهاري ]. الكامل 6/ 248 في حوادث سنة 323 ص294
أتعتقد ماكان عليه البربهاري ياحبيب وتلزمنا به معتقدا سلفيا !
أيصح بعد ذلك أن تقول :
[ بالغت الأشاعرة في نفي هذه الصفة حتى بالغوا أكثر من المعتزلة فلحقوا بالجهمية ، الجهمية هم الغلاة ، الأشاعرة في صفة العلو والاستواء والفوقية هم جهمية محضة ]
فقولك هذا باطل وغير صحيح ومحض تقول وافتراء والدليل ماذكرته لك من أقوال علماء الأشاعرة ، ثم أعدته لئلا تكون لك حجة بعدم ذكره !
وكلام الأشاعرة هو الصواب وقول غيرهم ليس بصواب ،
الثالثة :
اقرأ المذكرة تجد الرد على كل التساؤلات
الصفات، والقرآن وغيرهما مما ملأت به صفحتك بدون فائدة ،
الرابعة :
سبحان الله !
تنقل متندرا بقول صاحب العقيدة السنوسية :
ليس الله فوق العرش ولا تحت العرش ولا على يمين العرش ولا على [
شمال العرش
أين الله عند الأشاعرة؟؟ إما أنه ليس بموجود أو انه موجود في كل مكان ، جهمية محضة]،
ما هذا التساؤل العاري عن التنزيه والتكريم ، والذي تفوح منه رائحة التشبيه والتجسيم ؟
تريد أن تبحث عن( ذات ) الله جل جلاله بين المخلوقات والحوادث ؟!!!
ألا تؤمن أن الفوق والتحت واليمين والشمال حادث !
أين التعقل والعقول ؟
بل أين جلا ل النص المنقول : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )
تقول :
أين الله عند الأشاعرة؟؟] [
فإذا كانت العقول معتبرة كما تقول :
[فالعقول مُعْتَبَرة وهي التي بها التكليف لا يستهان بالعقول وبالأدلة العقلية]
فهل تبحث عن الله في هذه الأمكنة المخلوقة ؟
وإن لم يجعلوه في جهة من مخلوقاته كان الله معدوما عند الأشاعرة ؟
ما هذا الخلل ؟
إما أن يكون الأشعرية ( يشم منهم التجسيم ) فيثبتون وجود الله في جهة من جهات العرش فوق أو تحت أو يمين أو شمال !!!
فيتفضل عليهم ويحشرون في زمرة أهل السنة والجماعة ، أو ينزهون الله ويعظمونه ويمتثلون قوله :
( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )
فيكون التجهم و الجهمية المحضة !!!،
أليس العرش خلقا من خلقه ؟
أليست الجهات خلقا من خلقه ؟
أيصح - في عقيدة أهل السنة والجماعة – أن يكون الله في شيْ من خلقه ؟
أتقول بالحلول يا حبيب ؟ !
أيحل الله في الحوادث أو تحل فيه الحوادث ؟
وهذه عقيدة السلف !!
وإلا فلا !!
ياقوم : إن الله لا يحل في مكان وإلا كان جسما !
ألم تقل من قبل : إن العقول معتبرة ؟!
فأين التعقل ؟!
ألم يقل الشيخ الطحاوي رحمه الله :
[ تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات]
أما كان سبحانه قبل خلق العرش ؟
الخامسة :
أين التعقل في قولك الآتي :
[العلو صفة ذاتية بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لم يزل في علوه فهو الأول الذي ليس قبله شيء وهو في علوه ولا يزال في علوه فنزوله فقربه فمجيئه لا ينافي علوه لأن علوه كما يليق بالله]
تعقل قولك الذي تفرضه مذهبا لأهل السنة والجماعة - وحاشاهم – أن يقولوا به :
[وهو في علوه ولا يزال في علوه فنزوله فقربه فمجيئه لا ينافي علوه لأن علوه كما يليق بالله]
أين عقلك يا أحمد ومن تنقل عنه يا أحبة حين تقولون :
فنزوله [بذاته على الحقيقة] وقربه [بذاته على الحقيقة] ومجيئه[ بذاته على الحقيقة] لا ينافي علوه !
وهل تنفعك كلمة [ كما يليق بالله ] ؟
ما فائدتها عند تعقل العقول المعتبرة ؟
أم نلغي العقل لكلامك الذي ليس كلام الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم !
أ لغيت العقل ياحبيب ؟!
ذهب التعقل والعقول ... قل لي بربك ما أقول ؟!!!
والذي تسبب في هذا الاضطراب بدعة ( بذاته ) و( على الحقيقة ) التي لا يعرف عنها الكتاب والسنة شيئا وما نقلها أحد عنهما ، وما علمها رسول الله صلى الله عليه لأصحابه !
والتي تؤذن بالتشبيه والتجسيم !
السادسة :
وفي المذكرة إجابة اعترضك الآتي :
[ أما إذا تجاوزت العقول حدها وخرجت على النصوص
واعتُبرت النصوص فضلة ليست عمدة بل العمدة الأدلة العقلية هذا هو الضلال المبين هذا هو ما يؤخذ على الأشاعرة]،
سبحان الله
هل قال الأشاعرة مصدر التلقي في العقيدة هو العقل؟ وهل قالوا بتقديم العقل على النقل عند التعارض؟
إن كنت ناقلا عنهم فالنصَّ، وإن كنت مستنبطا فالدليلَ.
يقول الشيخ صلاح الدين الإدلبي في رده على الشيخ سفر الحوالي في كتابه : عقائد الأشاعرة
[ الاستدلال في كتب العقيدة عند الأشاعرة يكون بالأدلة العقلية والنقلية على وجه التعاضد، فكل منهما يؤيد الآخر، فالعقل الصحيح والنقل الثابت الصريح لا يتعارضان، ولا تجد في كتبهم ولو مرة واحدة أنهم قالوا لقد تعارض في هذه المسألة الحكم العقلي مع حكم النص النقلي القطعي الثبوت والدلالة، فضلا عن أن يقولوا ذلك ويقدموا العقل على النقل، ومن ادّعى غير ذلك فليأت بالدليل. ولا بد من التنبيه إلى الفرق الكبير بين حكم النص النقلي وبين ظواهر ألفاظ النص النقلي]
ويقول الإدلبي :[هل يعني تقديم العقل إنكار النقل؟؟
وللجواب لا بد من تقسيم النصوص النقلية من حيث طريقُ وصولها إلينا ومن حيث قوة الدلالة إلى أربعة أقسـام:
القسـم الأول: قطعي الورود قطعي الدلالة، وهو نصوص القرآن الكريم والسنة المتواترة الدالةُ على المعنى المُسـْتَدَلِّ بها عليه دلالة واضحة بيِّنة قطعية.
القسـم الثاني: قطعي الورود ظنيُّ الدلالة، وهو نصوص القرآن الكريم والسنة المتواترة الدالة على المعنى المستدَل بها عليه دلالة ظهرت ولاحت للمستدِل ولكنها غير قطعية.
القسـم الثالث: ظني الورود قطعي الدلالة، وهو نصوص السنة التي وصلتنا بطريق آحادي ودلت على المعنى المستدَل بها عليه دلالة واضحة بينة قطعية.
القسـم الرابع: ظني الورود ظني الدلالة، وهو نصوص السنة التي وصلتنا بطريق آحادي ودلت على المعنى المستدَل بها عليه دلالة ظهرت ولاحت للمستدِل ولكنها غير قطعية.
والجواب بعد فهم هذا التقسـيم:
أنه يستحيل وقوع التعارض بين قضية عقلية قطعية ونص نقلي إذا كان قطعي الورود قطعي الدلالة، وهو القسـم الأول، لأن الحقائق تتآلف ولا تتخالف
ويُتصور وقوعُ التعارض بين قضية عقلية قطعية ونص نقلي قطعي الورود ظني الدلالة، وهو القسـم الثاني، وفي هذه الحالة لا بد من تأويل النص، أي تفسيره بما لا يتعارض مع القضايا العقلية القطعية، وبيان أن ذلك الظاهر الذي ظهر ولاح للمستدِل غير مراد قطعاً
ويُتصور وقوع التعارض بين قضية عقلية قطعية ونص نقلي ظني الورود قطعي الدلالة، وهو القسـم الثالث، وإن ورد شـيء من ذلك فلا بد من حمل النص على أنه خطأ من بعض الرواة
وكذا يُتصور وقوع التعارض بين قضية عقلية قطعية ونص نقلي ظني الورود ظني الدلالة، وهو القسـم الرابع،
وإذا ورد شـيء من ذلك فيؤول، وقد يُحمل على أنه خطأ من بعض الرواة
ثم قال: [وأخيراً فلا تعجل ـ أيها الأخ الباحث، واعلم أن ابن تيمية رحمه الله يقر مبدأ التفريق بين الدليل النقلي الذي لم يعارضه دليل عقلي وبين ما عارضه دليل عقلي أو نقلي آخر، واستمع إليه إذ يقول في معرض استدلاله على أمر من أمور العقيدة: والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم عن المعارض المقاوم].
ثم قال: [وابن تيمية ـ رحمه الله ـ يقول: إذا قيل تعارض دليلان سواء كانا سمعيين أو عقليين أو أحدهما سمعياً والآخر عقلياً ،
فالواجب أن يقال: لا يخلو إما أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين وإما أن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً، فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما سواء كانا عقليين أو سمعيين أو أحدهما عقلياً والآخر سمعياً، وهذا متفق عليه بين العقلاء،... وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء، سواء كان هو السمعيَّ أو العقلي، فإن الظن لا يرفع اليقين، وأما إن كانا جميعاً ظنيين فإنه يُصار إلى طلب ترجيح أحدهما، فأيهما ترجح كان هو المُقّدَّمَ سواء كان سمعياً أو عقلياً.

فهل وقفتَ على هذه النقول التي نقلها الإدلبي عن ابن تيمية رحمه الله؟
!. وما الجواب؟
إنه أمر عجيب حقا، فأنت ترد على الأشاعرة في تلك القاعدة التي قرروها وتثني دائما على عقيدة ابنِ تيمية وابنُ تيمية يقرر تلك القاعدة عينها، إنه يقول لنا بالصريح :
[وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء، سواء كان هو السمعيَّ أو العقلي]0
ونقَل قول ابن تيمية رحمه الله إذ يقول عن النصارى: [ولا يميزون بين ما يحيله العقل ويبطله ويعلم أنه ممتنع وبين ما يعجِز عنه العقل فلا يعرفه ولا يحكم فيه بنفي ولا إثبات، وأن الرسل أخبرت بالنوع الثاني ولا يجوز أن تخبر بالنوع الأول]0
ونقَل عن ابن تيمية رحمه الله إذ يقول:
[ولو فُرض على سبيل التقدير أن العقل الصريح الذي لا يكْذب ناقضَ بعض الأخبار للزم أحد أمرين:
إما تكذيب الناقل أو تأويل المنقول، لكن ـ ولله الحمد ـ هذا لم يقع، ولا ينبغي أن يقع قط]0
فهل ما زلت تخطِّئ الأشاعرة أو إنك ترجع الآن عن ذلك بعد الوقوف على هذه النقول؟
السابعة :
وأما أن الجهة المعينة مستحيلة على الله تعالى فقد استدل عليها الأشاعرة بالمعقول والمنقول.
أما المعقول :
فقد استدلوا منه بدلائل كثيرة نكتفي منها بما يلى:
فنقول:
الجهة ليس أمرا ثابتا لا يتغير، بل هي أمر إضافي نسبي يختلف بإختلاف الناس واختلاف الأحوال والأوضاع، فهذا فوق لهذا، وهو نفسه تحت للآخر، ويمين لهذا وشمال للآخر، وفوق لهذا في حالة وتحت له في حالة أخرى، كسطح البيت فإنه فوق لمن هو في داخل البيت، وتحت لمن هو على السطح.
فنقول لمثبت الجهة المعينة لله تعالى:
لا ريب في أنك تثبت لله تعالى جهة العلو والفوقية كما أنه لاريب في أنك تثبت هذه الجهة لله تعالى بالنسبة إلى جميع الناس في كل الأحوال،
وقد ثبت أن الأرض كروية،
فالذي فوق بالنسبة إلى ناس هو تحت بالنسبة إلى آخرين، فلا يكون هذا الحكم صحيحا بالنسة إلى جميع الناس، وقد ثبت أيضا أن الأرض متحركة، فالجهة التى هي فوق بالنسبة إلى بعض الناس في هذه الساعة لا تبقى فوقا لهذا البعض بعد عدة ساعات، بل تتحول إلى تحت لهم، فلا يكون هذا الحكم صحيحا بالنسة إلى كل الأحوال أيضا. ونكتفي من المعقول بهذا الدليل.
وأما المنقول :
فقد استدل الأشاعرة على نفي الجهة والمكان لله تعالى بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقول في دعائه:
(الهم أنت الأول، فليس قبلك شيئ، وأنت الآخر، فليس بعدك شيئ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيئ، وأنت الباطن فليس دونك شيئ، أقض عنا الدين وأغننا من الفقر)
قال البيهقي:
استدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على نفي المكان عن الله تعالى، فإذا لم يكن فوقه شيئ ولا دونه شيئ لم يكن في مكان.
وهذه الدلائل من المعقول والمنقول هي التى أدت بالطحاوي أن يقول في عقيدته الملقبة ببيان أهل السنة والجماعة:
(لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات)
وأدت بشيخ الحنابلة القاضي أبي يعلى أن يقول:
(كما جازت رؤيته لا في جهة) ،
الثامنة :
آمل أن تقرأ وتمعن النظر فيما كتبت إليك ،
ووصيتي : اقرأ كتاب :
درر العوالي ) )
فإن قرأته وفهمت رده على الشيخ سفر ما بقيت لك أولغيرك اعتراضات وإني أؤكد أن الأشعرية غير معصومين من الخطأ ولكنه كخطأ غيرهم يؤجرون عليه لإرادتهم الحق ، و سلامة القصد ،
ولا يخرجون به من أهل السنة والجماعة ،
اللهم ألهمنا رشدنا ، وقنا شر أنفسنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق