من المؤسف في الآونة الأخيرة خروج طائفة على الساحة العالمية
بشكل قوي يثبتون لله ما لا يليق بجلاله سبحانه وتعالى ويتكلمون في الذات المقدس
بجرءة لم نعهدها وبوقاحة بحيث يثبتون لله الحيّز و المكان والجسم
و الكيفية و الأعضاء و الأذية و الإنزعاج
حيث ظهر لنا رأي المشبهة المجسمة في إثبات و نسبة صفات البشر للذات المقدس
” كالأذى والأسف” وغيرهما لله تبارك وتعالى
وقال بعضهم : “ إن الله يتأذى أذي يليق بجلاله “وفي نفس الوقت نجدهم ينسبون أنفسهم للسلف رضي الله عنهم
ومع ما يدعونه من النسبة للسلف إلا أنهم أبعد ما يكونوا عن المنهج السلفي
حيث أنهم لم يأتوا لنا بقول واحد لعلم من أعلام السلف في نسبته التحيز
و المكان و الجسمية لله سبحانه و تعالى
فنجد أول من أثبتها وتكلم وخاض فيها هذا المخاض هو ابن تيمية
ثم بعد ذلك لحقه محمد بن عبد الوهاب
قال صلى الله عليه وسلم : قال الله تعال )يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(أخرجه أحمد (2/238 ، رقم 7244) ، والبخاري (4/1825 ، رقم 4549) ، ومسلم (4/1762 ، رقم 2246) ، وأبو داود (4/369 ، رقم 5274) .
و قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل [يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنِّى أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا] أخرجه مسلم (4/1762 ، رقم 2246) . وأخرجه أيضًا : عبد الرزاق عن معمر فى الجامع (11/436 ، رقم 20938) ، وأحمد (2/272 ، رقم 7669) ، والحاكم (2/492 ، رقم 3692) ، وقال : صحيح على شرطهما .
فنجد أن الوهابية ” أدعياء السلفية ” يزعمون أن الله ما أراد إلا أن يثبت الأذى لنفسه ويصرّون على ذلك بل ويدّعون أن الله لحقه الأذى من بعض الناس وأنهم أزعجوه! فها هو أحد رؤسائهم محمد بن صالح بن عثيمين يقول في مجموع الفتاوى جـ 1 جوابا على احد الأسئلة ما نصه : ( يؤذيني ابن آدم” أي إنه سبحانه يتأذى بما ذكر في الحديث ولكنه لا يتضرر}.اهـ
ثم يلحق ابن عثيمين أحد مشايخهم في نسبة الأذى لله ,ألا وهو الغنيمان حيث أنه يقول في شرحه لكتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ما نصه” وسب الدهر يدل على أن الأذى يقع من ابن آدم على الله ” اهـ و قال صالح الفوزان مانصه: (يقول جل وعلا: "يؤذيني ابن آدم" الله يتأذّى ببعض أفعال عباده، لكنّه لا يتضرّر بها)ا.هـ وقالسليمان بن عبد الله آل الشيخ: (قوله: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر"، فيه أن سب الدهر يؤذي اللّه تبارك وتعالى)ا.هـ
نعوذ بالله من هذه الأقوال الكفرية الصريحة .. أرادوا أن ينفوا الضرر فنسبوا الأذى لله على ظاهره وقالوا أن العبد يمكنه أن يؤذي ربه! و بهذه الأقوال فتحوا الباب على مصرعيه لكل كاره للإسلام أن يأتي و يطعن بديننا الحنيف فيقول "أيها المسلمون إن ربكم لضعيف يتأذى و يأسف من سبكم للدهر!"
أما قول أهل السنة و الجماعة في تأويل هذا الحديث, فنقول:
إن هذا الحديث لا يؤخذ على ظاهره بالتأكيد لأنه يوهم التشبيه للذين زاغت قلوبهم
أمثال المجسمة المشبّهة, كلمة “ يؤذيني ابن أدم ” هي من المتشابه لفظاً وفيها أمرين الأول هو إمرارها كما أخذ هذا المسلك بعض العلماء، والثاني وهو تأويلها بما يتوافق معها لغوياً وفوق ما يقتضيه تنزيه الله تبارك وتعالى وعلى ذلك نقول أن الكلمة هنا تعني أن ابن آدم يفعل أفعالاً لا يرضى بها الله ,كقول النصارى أن عيسى ابن الله و كقول اليهود أن عزير ابن الله و قولهم أن الله يجلس على العرش و يستقر عليه –تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- و كقول المجسمة أن الله جسم مستقر في جهة فوق يطلع و ينزل و يجلس على العرش. هذا التفسير قاله القرطبي وحكاه أيضاً عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني فى موسوعة فتح الباري.
و إن أردنا أن نبسطها أكثر من حيث التفسير:
معاني المفردات السب : الشتم أو التقبيح والذم .
الدهر : الوقت والزمان .
يؤذيني : أي ينسب إليَّ ما لا يليق بي .
. وأنا الدَّهر : أنا ملك الدهر ومصرفه ومقلبه
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره :
(الإيذاء: إيقاع الألم من المؤذي للمؤذَي، سواء أكان الإيذاء بالقول أم بالفعل، والإيذاء بهذا المعنى أمر لا يتناسب مع الحق سبحانه وتعالى. إذن ما معنى: يؤذون الله؟
قالوا: الله تعالى لا يُؤذَي بالفعل؛ لأنهم لا يستطيعون ذلك، فهو أمر غير ممكن، أما القول فممكن، والإيذاء هنا يكون بمعنى إغضاب الله تعالى بالقول الذي لا يليق به سبحانه، كقولهم: {إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ... } [آل عمران: 181] وبعضهم أنكر وجود الله.
وقولهم: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ ... } [المائدة: 64] .
وقولهم: {عُزَيْرٌ ابن الله ... } [التوبة: 30] .
الله لا يصل إليه ضر ولكنهم آذوه بانتقاص قدره وتشويه كمالاته ونسب النقص إلى أفعاله. )
4618 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ، ثنا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَسَبَّ عَلِيًّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَحَصَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " يَا عَدُوَّ اللَّهِ آذَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا لَآذَيْتَهُ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 262]
فالأذى هنا كما قلت انتقاص وإساءة, فإذا كان الأذى في حق البشر يغلب أن يتبعه ضرر فهذا لا يجب في حق الله! فهم آذوا الله كما أوذي هؤلاء المساكين ولكن بداهة لن يصل ضرهم إلى الله.
بخصوص آيات الأحزاب نجد أن الإيذاء للرسول كان بالدرجة الأولى كلاما!
فكافرون ومنافقون يلحون على الرسول ليطبق أحكام الجاهلية ونساء النبي يراودنه ليوسع عليهن الدنيا وطُعن فيه بسبب موضوع زيد (كلام) كما أن هناك من كانوا يريدون الزواج من أزواجه بعده ... الخ
وكما رأيت فكله إيذاء بكلام وليس إيذاء جسديا, وكذلك الحال مع الله إيذاء بأوصاف لا تليق ولكنه لم تلحق بذاته الضرر وإنما بمكانته, وهذا ضرر, فعندما ينفر الناس من ربهم ويكفرون به, فهذا ضر للمكانة وليس للذات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق