الجمعة، 18 يوليو 2014

كلام الله تعالى


قال صاحب كتاب ( الأشاعرة في ميزان أهل السنة ) ص 483 :
( المطلب الأول : تقرير أن الله تعالى يتكلم متى شاء وأن كلامه يسمع من ذاته تعالى من كلام أبى الحسن الأشعري .
قال في الإبانة في الباب الرابع : الكلام فى أن القرآن كلام الله غير مخلوق …. دليل آخر : وقد قال الله عز وجل ” وكلّم الله موسى تكليما ” والتكليم المشافهة ) انتهى نقله من الإبانة .
قال بعده : قال الجوهري : المشافهة المخاطبة من فيك إلى فيه . )
ثم قال معلقا : ( وهذا ظاهر في أن أبا الحسن الأشعري يثبت أن الله تعالى شافه موسى عليه السلام ، فخاطبه تعالى من ذاته ، وأن موسى سمع كلام الله تعالى حينئذ بلا واسطة ، ولا يكون هذا إلا إذا كان حرفاً وصوتا مسموعا . ) انتهى كلامه .
والآن لنتأمّل قليلا في كلامه الغريب !!
- الله تعالى كلّم موسى تكليما .
- والتكليم المشافهة ، بدليل نص الإبانة . !
- والمشافهة المخاطبة من الفم ، بدليل تفسير الجوهري للمشافهة ، فيلزم أن يكون لله تعالى فم كي تصح المشافهة والتكليم !!
نستنتج من كل هذا أن الكلام كان بحرف وصوت .
لن نناقش هذا الرجل في كلامه هذا كثيرا ، لتهافت قوله وسقوطه ، لا سيما استشهاده بشرح لفظ المشافهة ، في حين أن الجوهري يشرح المشافهة التي هي من شأن المخلوقين بدليل قوله من فيك إلى فيه .
فهل يقول مثلاً ، إن الهرولة المنسوبة إلى الله تعالى في الحديث هي ضرب من العدو بين المشي والعدو لأن أهل اللغة فسرّوها بهذا ؟ !
أم هل يقول إن الضحك المنسوب إلى الله تعالى هو عبارة عن افترا ر الثغر عن الأسنان ، لأن أهل اللغة فسّروا الضحك بهذا ؟!
لا علينا من هذا ، وإليكم هذه الغريبة :
من المقرِّظين الذين قرظوا كتاب هذا الرجل ، مشهور حسن سلمان ، قال هذا المقرظ في تقريظه :
( فقد أطلعني أخي الباحث الشيخ فيصل بن قزار الجاسم حفظه الله ورعاه وسدده ونفع به على كتابه القيم ” الأشاعرة في ميزان أهل السنة ” فقرأته ، فوجدته نافعاً نصر فيه مذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات . ) انتهى
فهو قد قرأه بل وتذوقه ورآه ناصراً لمنهج السلف في الصفات ، ولكنه فاته على ما يبدو أن المشافهة التي أثبتها صاحب الكتاب تناقض ما عليه منهج السلف الصالح في الصفات ، فاته أن يقول لصاحب الكتاب أن وجود شيء من ذلك فيما ينسب إلى السلف من كتب وأقوال يطعن بصحة هذه النسبة .
فانظروا إلى قول هذا المقرظ في كتابه ( كتب حذر منها العلماء ) الجزء 2 / ص 297 عند كلامه على رسالة الإصطخرى المنسوبة للإمام أحمد ، قال هناك :
هذه الرسالة منحولة على الإمام أحمد ….. والدليل على ذلك أمران :
الأول : فيها من العبارات ما يخالف منهج السلف الصالح في الصفات ، وفيها من التفصيلات والإثباتات ما يجعل المنصف يستبعد صدور مثل ذلك من مثل هذا الإمام … ففيها مثلا :” وكلّم الله موسى تكليما من فيه ” ، ” وناوله التوراة من يده إلى يده ” ، وهكذا .. ) .انتهى
فجعل هذا دليلاً على بطلان نسبة هذه الرسالة إلى أحمد – وهذا حق – وجعل هذا المنهج مخالفا لمنهج السلف الصالح.
في الجانب الآخر نرى صاحب الرد يجعل ذات الأمر بعينه من منهج السلف الصالح ، وأن الله كلّم موسى مشافهة أي مخاطبة من فيه إلى فيه أي أن لله تعالى فماً ، ثم يستنتج من هذا كله أن الكلام بحرف وصوت .
ترى أي العقيدتين هي عقيدة السلف الصالح ؟!
وإن تعجب فعجبٌ قول المقرِّظ في تقريظه ( فقرأته فوجدته نافعاً نصر فيه مذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات ) !!
فهل قرأه فعلا ؟
إن كان قد فعل ، كيف يكون التوفيق بين ما قاله في نفى رسالة الإصطخرى عن أحمد وبين ما قاله صاحب الكتاب فى المشافهة ؟
وإن كان لم يقرأه ، فهذا لا شك أنه كذب صريح ، وشهادة زور شهد بها لصاحب الكتاب ، ويصدق عليه قول الإخوة المصريين (( شاهد ما شافش حاجة )) .
وقريب مما مرّ ،اعتماد صاحب الرد على كتب اعتبرها – بزعمه – ممثلة لعقيدة السلف الصالح ، ونعيه علينا عدم نقلنا عنها ، مثل كتاب ” الرد على الجهمية ” المكذوب على الإمام أحمد ، و ” السنة ” المنسوب إلى ابنه عبد الله وكتاب ” النقض ” المنسوب إلى عثمان الدارمى ، وفى هذه الكتب من العبارات المستشنعة ما يجعل العبارات الموجودة في رسالة الإصطخرى لا شيء إذا قورنت بها .
وقد وردت نفس العبارات التي استشنعها مشهور من المشافهة ، ووضع اليد باليد في كتاب السنة المنسوب إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، واعتبره صاحب الرد من الكتب المعتمدة في نقل اعتقاد السلف الصالح ، وسكت المقرِّظون ومنهم مشهور مع أنه رجَّح كذب رسالة الإصطخرى وما فيها لا يدانى في التجسيم ما في كتاب السنة !!
وإليك نماذج مما جاء في كتاب السنة، لتعلم قدر التناقض والتطفيف من المقرِّظ، والمقرَّظ، والمقرَّظ له.
قال صاحب كتاب السنة ص 28 : ( عن محمد بن كعب القرظى قال : كأن الناس إذا سمعوا القرآن من فى الرحمن يوم القيامة فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك ) ، أثبت للرحمن فماً !!
وهذا دليل لصاحب الرد لعله فاته !!
وفى ص 11 : ( حدثني أحمد بن سعيد أبو جعفر الدارمى ، سمعت أبى سمعت خارجة يقول : …..
” الرحمن على العرش استوي ” فهل يكون الاستواء إلا الجلوس ؟ ) !!
وفى ص 14 : ( عن محمد بن عيسى الطباع ، سمعت ابن إدريس سئل عن قوم يقولون : القرآن مخلوق ، فاستشنع ذلك ، وقال : سبحان الله شيء منه مخلوق ، وأشار بيده إلى فيه )
وفى ص56 : ( ثم يأتينا ربنا بعد ذلك يمشى )
وفى ص 64 : ( كيف كلّم الله موسى ؟ قال : مشافهة ) ، فليضم صاحب الرد هذا إلى أدلته !!
وغير ذلك مما يقشعر منه البدن مثل ( حتى يضع بعضه على بعض )،( حتى يضع يده بيده ) ، رآه على كرسي من ذهب …) ، ( كتب الله التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة … )، (شبهت صوته – تعالى – بصوت الرعد حين لا يرجع ).
فهل هذه الألفاظ والعبارات على مذهب مشهور مقرِّظ الكتاب مما يستشنع ؟
فإن كانت كذلك، كيف يسكت على قول المؤلف وهو يعدِّد الكتب المعتبرة – بزعمه – في اعتقاد السلف:
( و ” السنة ” لابنه عبد الله ) ، كيف يكون ” السنة ” مع وجود هذه المخازي ممثلاً لاعتقاد السلف الصالح ؟ !!
وفيما يلتحق بما ذكرنا عن هذا المقرِّظ ، عدُّه كتاب الفقه الأكبر لأبى حنيفة رحمه الله تعالى ضمن الكتب التي حذر منها العلماء ، فقال في الجزء 2 / ص292 :
( في صحة نسبة الكتاب للإمام أبى حنيفة رحمه الله وقفة ، لأنه متضمن مسائل لم يكن الخوض فيها معروفا في عصره ولا العصر الذي سبقه ، على أن عددا غير قليل من مسائله يؤيدها ما تناثر في كتب الفقه والتراجم من نقول عن الإمام . )
ثم قال عن أبى مطيع راوي الرسالة عن الإمام : ( وأبو مطيع هذا متكَلَّم فيه كما تراه في الميزان .) انتهى
ولكنه يغض الطرف عن النصوص التي أوردها صاحب الرد عن الفقه الأكبر. !!
ولسنا بصدد نقد مضمون تلك النصوص، إذ قد يكون مضمونها صحيحا، وإنما قصدنا هو غرابة المنهج المتبع.
على أنه لنا أن نحتج بما جاء في الفقه الأكبر برواية حماد على أن كلام الله ليس بحرف ولا صوت ، ولا حدَّ له ، وأنه تعالى خلق الأشياء لا من شيء . الخ .
أم أنه سيعترض علينا بأن الفقه الأكبر غير ثابت للإمام ، وأن هذه المسائل من المسائل التي لم تكن في عصره ؟ !
قال صاحب الرد ص 100 :
( وقال – يعنى أحمد بن حنبل – في كتابه الرد على الجهمية والزنادقة في باب بيان ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلّم موسى ، قال : ” فلما خنقته الحجج قال : إن الله كلّم موسى إلا أن كلامه غير …. وحديث الزهري قال: ” لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك ؟
قال: نعم يا موسى هو كلامي، إنما كلّمتُك بقوة عشرة آلاف لسان، ولى قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك …..
فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك ؟ قال : سبحان الله ! وهل أستطيع أن أصفه لكم ؟
قالوا فشبِّهْه
قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها ؟ فكأنه مثله . “
فقال صاحب الرد معلِّقا: ( وليس أبين من هذا في أن الله يتكلم حقيقة بصوت عظيم لائق به لا يشبه أصوات الخلق ) انتهى.
ونحن نقول: هكذا فليكن البحث العلمي الأمين الدقيق، وإلا فلا !!
- كتاب الرد على الجهمية الموضوع على الإمام أحمد ، قال الذهبي :
( ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبى عبد الله فإن الرجل كان تقياً ورعاً لا يتفوّه بمثل ذلك . ولعلّه قاله).!!
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط معلِّقاً في الهامش :
( ومما يؤكِّد أن هذا الكتاب ليس للإمام أحمد أننا لا نجد له ذكراً لدى أقرب الناس إلى الإمام أحمد بن حنبل ممن عاصروه وجالسوه ، أو أتوا بعده مباشرة وكتبوا في الموضوع ذاته … ) انتهى
وعبارة (( ولعله قاله )) بعد الكلام الأول لا معنى لها إذ كيف يكون ( تقياً ورعاً لا يتفوَّه بمثل ذلك ) أي إن ما في هذه الرسالة يَجِلُّ قدر أحمد أن يقوله، فكيف يقال بعد ذلك ( ولعله قاله ) !!
فيكون المعنى : ولعله قاله على الرغم من تقواه وورعه ، وعلى الرغم من أن مضمون الرسالة منافٍ للتقوى والورع .!
وهذا غريب !!
وقال في الهامش مخرجا للخبر : ( الرد على الجهمية والزنادقة …. وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه : منها مجموع الفتاوى …. ودرء التعارض ….
وهذا لفظ حديث جابر رضي الله عنه : رواه ابن أبى حاتم فى تفسيره … والبزار كما في مجمع الزوائد …. وابن بطة في الإبانة …. و أبو نعيم في الحلية ….. والآجرى فى الشريعة …. والبيهقى في الأسماء والصفات ….. وعزاه ابن كثير في تفسيره إلى ابن مردويه …. وفيه الفضل بن عيسى الرقاشى ، قال ابن كثير .. ” ضعيف بمرة ” ) انتهى
فليتأمل المنصف منهج هذا الرجل البعيد عن الأمانة العلمية، انظر كيف عزا الخبر إلى تسعة مصادر بغية التأكيد على حجيته، ولكي لا يقال: تعمّد تجاهل حال الراوي الذي عليه مدار سقوط الخبر، قال: ( قال عنه ابن كثير: ضعيف بمرة ) هكذا !!
واكتفى هنا بقول ابن كثير، والسبب أنه هنا يهمُّه ثبوت الخبر ، لكي يثبت الدعوى المسبقة في الذهن، وهى وصف الله تعالى بما جاء في هذا الخبر الواهي ، بيد أنه في الجانب الآخر هناك ، كردِّه لرواية حبيب عن مالك فأنت تراه يبالغ في نقل الأقوال في جرحه .
وهذا أسلوب سماته واضحة في كتاب الرجل ، وهو بعيد كل البعد عن الأمانة العلمية .
وإليك أيها القارئ الكريم بعض أقوال أئمة الجرح والتعديل في الفضل بن عيسى الرقاشى :
قال سلام بن أبى مطيع عن أيوب : لو أن فضلاً وُلد أخرس لكان خيراً له .
وقال أحمد: ضعيف
وعن يحيى بن معين: لا تسأل عن القدري الخبيث
وعن ابن عيينة قال: لا شيء
وقال أبو زرعة : منكر الحديث
وقال الآجرى : قلت لأبى داود : أكتب حديث الفضل ؟
قال: لا ولا كرامة، وقال مرة: كان هالكا، وقال أيضا: كان من أخبث الناس قولا.
وعن ابن عيينة: كان يرى القدر، وكان أهلاً أن لا يروى عنه.
هذا بعض ما قيل في الرجل، ولكن الكاتب لم يتعرض لذكر أي شيء من هذا ولو من بعيد، واقتصر على قول ابن كثير لأن المقام مقام استشهاد بالنص المطلوب وهو بحاجة إليه !!
ثم قال نفس الهامش: ( وأما حديث الزهري فقد رواه عبد الرزاق في تفسيره … وابن أبى حاتم في تفسيره … وعبد الله في السنة … وابن جرير …. وابن بطة في الإبانة … والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق …. كلهم من طريق الزهري عن أبى بكر بن عبد الرحمن قال : أخبرني جرير بن جابر الخثعمى أنه سمع كعب الأحبار يقول :
” ( لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا، حتى كلمه آخر ذلك بلسانه بمثل صوته
فقال موسى : هذا كلامك يا رب ؟
قال الله تعالى: لو كلمتك كلامي لم تكن شيئا، أو قال لم تستقم له.
قال: أي رب، هل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟
قال: لا، وأقرب خلقي شبهاً بكلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق ). انتهى
ثم يعلق: ( قال ابن كثير: هذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكى عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين.
قلت: ( القول لصاحب الرد ) وليست الحجة في هذا الحديث الضعيف، وإنما استشهاد الإمام أحمد به وقبوله لما دل عليه من صفة كلام الله تعالى وأنه بصوت مسموع حقيقة ). انتهى
ولنا أن نسأل: هل يحق لأحمد أن يثبت حكماً فقهيا ً- فضلاً عن أن يكون صفة لله تعالى – لا دليل عليه ؟
وعند التحقيق في كلامه هذا نخرج بقاعدة لو سمعها الإمام أحمد ذاته لمات خوفاً من الله تعالى وهى : أن صفات الله تعالى تثبت بقول الله تعالى أو بقول رسوله صلى الله عليه وسلم أو بقول أحمد !!
ولينظر القارئ المنصف إلى المنهج الغريب في نقد الأخبار وإثباتها أو نفيها ، فهناك – مثلاً – في خبر تأويل أحمد للمجيء ، يصحح الخبر الإمام البيهقى ، ويقرُّه ابن كثير ، ويقول به نفر من متقدمي الحنابلة ويعتبرونه رواية عن أحمد
يكفى في نسف هذا كله عند الرجل قول ابن تيمية أنه خلاف المشهور عنه
وهنا :
- كتاب موضوع مكذوب على الإمام أحمد ، وعلى أقل تقدير هو مشكوك في صحة نسبته إليه.
- خبران تالفان سندا، وباطلان ساقطان متنا لمناقضتهما للقطعي من كلام الله تعالى، فالله تعالى يقول مخبرا عن نفسه ( ليس كمثله شيء )
ويجيء هنا تشبيه لكلام الله تعالى بكلام خلقه
( فكأنه – صوت الصواعق – مثله )
و ( أقرب خلقي شبها بكلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق )
هذا كله لا يقدح في القضية التي ساق هذه الأخبار لإثباتها، ثم لا يكتفي بهذا، بل يزيد، ويقول:
( وليس أبين من هذا …. ) انتهى .
أي أنه في غاية البيان حتى أنه لا أبين منه في الدلالة !!
لا تعجب – أيها القارئ الكريم – من هذا ، واعجب من مرور مقرظي هذا الكتاب ، كيف يمرون على هذا الكلام الساقط ثم لا يكون لهم تعليق ، أو تنبيه للكاتب على هذا التلاعب ، ويأبون إلا المبالغة في إضفاء الصفة العلمية والموضوعية على الكاتب وكتابه !!!
ولله في خلقه شؤون .
المثال الثاني:
قال صاحب الكتاب : ( الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت قال رحمه الله في وصيته في التوحيد ” ونقر بأن الله سبحانه وتعالى استوي من غير أن يكون له حاجة، واستقر عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج. فانظر كيف فسر الاستواء على العرش بالاستقرار عليه . ) انتهى من ص172 .
إن الحاجة تدفع صاحبها إلى الرعونة أحيانا حتى قيل ( صاحب الحاجة أرعن )، وهذا الرجل صاحب حاجة، كلف في إدراكها، وهذا جعله يتلقف القول دون تدبر ولا نظر ويطير به فرحا، وهو لا يدرى أن الكلام عليه لا له.
والعجيب منه أنه اكتفى بالنقل من كلام الإمام عند قوله: ( من غير احتياج )، وتمام الكلام كما في وصية الإمام
( من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل العرش أين كان الله ؟ تعالى عن ذلك علواً كبيرا ) انتهى.
وتمام الكلام يهدم ما قاله هذا الرجل من أساسه ، بل إن النقل الذي نقله صريح في الرد عليه لو تدبر ركاكة الكلام المنقول ، وغرّه أن طبعة الكوثرى جاء بها الكلام على النسق الذي نقله .
وتصويب النص حسب المخطوط وما ذكره ملا على قاري في شرحه على الفقه الأكبر يكون هكذا:
( استوي على العرش من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه … ) .
والعبارة على وضوحها التبست على هذا، وما هذا إلا لولعه في إثبات ما يريد ولو على حساب النص.
أما كتاب الوصية والفقه الأكبر وغيرهما من رسائل الإمام أبى حنيفة رحمه الله تعالى فزاخرة بالنصوص التي تفند كثيرا من الدعاوى التي ملأ بها هذا الرجل كتابه .
فعلى سبيل المثال ، يقول الإمام أبو حنيفة في الوصية :
( ونقول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ووحيه وتنزيله ، لا هو ، ولا غيره ، بل صفته على التحقيق مكتوب في المصاحف ، مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور غير حالٍّ فيها ، والحبر والكاغد والكتابة كلها مخلوقة ، لأنها أفعال العباد ، وكلام الله تعالى غير مخلوق ، لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن لحاجة العباد إليها ، وكلام الله تعالى قائم بذاته ومعناه مفهوم بهذه الأشياء … )
وقال قبل ذلك : ( الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان …. والإيمان لا يزيد ولا ينقص …. العمل غير الإيمان والإيمان غير العمل ….. والاستطاعة مع الفعل ، لا قبل الفعل ولا بعد الفعل …) انتهى
وفى رسائله الأخرى الكثير من النصوص التي تخالف و تهدم ما جاء به هذا الرجل في كتابه.
ويكفى من العقد ما أحاط بالجيد، والحمد لله تعالى على فضله إنه حميد مجيد.
المثال الثالث:
وقال رادا علينا في إيرادنا تأويل الإمام مالك للنزول: ( فالجواب أن هذا الأثر لا يصح عن الإمام مالك لأمور،
أولها : أنه من رواية حبيب كاتب مالك وهو كذاب …..
والثاني: أن هذا الأثر مخالف للمعروف المستفيض عن الإمام مالك
ثم قال متهكما متعالما: ( ولا أدرى هل يعرف المؤلفان معنى الشهرة المستفيضة أم لا ؟ )
والذي قلناه : ( إلا أن أصحاب المذهب أعرف بأقوال إمامهم من غيره ، لا سيما إذا كان القول مشهورا عندهم شهرة مستفيضة . )
هذا ما قلناه ولم نعد الحقيقة فالخبر كما رواه حبيب فقد رواه غيره كما ذكر ابن عبد البر في التمهيد فقال:
( وقد قال قوم من أهل الأثر أيضا: أنه ينزل أمره وتنزل رحمته، وروى ذلك حبيب كاتب مالك وغيره …. وقد روى محمد بن على الجبلي وكان من ثقات المسلمين بالقيروان قال ، حدثنا جامع بن سوادة بمصر قال ، حدثنا مطرف عن مالك بن أنس أنه سئل … فقال مالك : يتنزل أمره .
وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة وذلك من أمره أي أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت …. ) انتهى من التمهيد 7 / 143 .
فابن عبد البر لم يقل هذا لم يصح عن مالك لأن حبيبا فيه كذا ، أو لأن جامع بن سوادة فيه كذا ، كلا ، لم يقل أي شيء من ذلك بل جزم بأن القول لمالك ، وذلك بقوله ( كما قال مالك ) .
وكثير من أئمة المالكية ينقلون هذا عن مالك في كتبهم دون إنكار أو قدح، كأبي عمرو الداني وابن عبد البر، والقاضي عياض و أبى بكر بن العربي ، وغير المالكية كذلك، كالإمام النووي وابن حجر وغيرهم.
إلا أننا لم نسق هذا لإثبات دعوانا، كلا، فهذا محلُّه الرد المفصّل الذي ننوى إظهاره – يسَّر الله تمامه – وإنما ليرى القارئ التناقض الغريب الذي وقع فيه الرجل وسكت عنه مقرظو كتابه.
فهو في الوقت الذي ينتفخ فيه بالتظاهر بالعلم والإحاطة بالرجال فينبري ينقل لنا في حبيب كاتب مالك ومحمد بن على الجبلي وجامع بن سوادة أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم ، يغفل عن رجال أثبت عن طريقهم أقوالا للسلف وعلماء الأمة ، مثل نوح بن جامع وأبى طالب العشارى وابن كادش
قال في ص 397 :
وقال نوح بن الجامع : قلت لأبى حنيفة ، ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام ؟ فقال : مقالات الفلاسفة …)
فلننظر ماذا قال العلماء في نوحٍ هذا
قال أبو حاتم ومسلم والدولابى والدارقطنى : متروك الحديث
وقال النسائي : ليس بثقة
وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث
وقال البخاري : قال ابن المبارك لوكيع ، عندنا شيخ يقال له أبو عصمة – يعنى نوحا – كان يضع كما يضع المعلى بن هلال
وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به بحال ، وقال أيضا : نوح بن جامع جمع كل شيء إلا الصدق .
إلى آخر حاله التي بينها أئمة الشأن
ومع كل هذا ترى الكاتب يحتج به ويثبت عن الإمام أبى حنيفة قولا بروايته، ويسكت كل من قرظ كتابه عن مثل هذا .
هذا يسير من كثير سنحصيه عليه بإذن الله تعالى في بيان أغاليطه ومغالطاته التي شحن رده بها ، منها دعوى الإجماع التي أكثر منها لا سيما على العلو الحسي ، هذه الدعوى التي أخذت جزءا كبيرا من رده ، فهي دعوى ذهبت مشرقة ، وذهبت الأدلة على إثباتها مغربة ، فطاشت سهامه وتبددت أحلامه ، إلى غير ذلك من الدعاوى العريضة التي ملأ بها صفحات كتابه الذي أربى على سبعمائة صفحة .
س : جاء عن الدارمى قوله في الرد على المريسى ” وإلا فمن ادّعى أن الله لم يلِِ خلق شيء ….. وولى خلق آدم بيده مسيساً . ما تعليقكم على هذا ؟
ج : من اعتقد بأن الله يجوز أن يَمس و يُمَس فقد جهل ربه وجعل الله تعالى جسماً يجوز عليه ما يجوز على الأجسام .
نعم نعتقد كما أخبر ربنا أنه تعالى خلق يده بيده ، ونؤمن بأن الله تعالى له يدين كلتاهما يمين ، أما معنى يديه وحقيقتهما فلا نعلمهما ونقف حيث أوقفنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتجاوزه .
وكتاب الرد على بشر المريسى المنسوب للدارمى ، والرد على الجهمية المكذوب على أحمد ، والسنة المنسوب لابنه وغيرها طافحة بأقوال يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان ، فلا عبرة فيها ولا كرامة .
س : سؤالي عن الصلاح والأصلح …. ؟
ج : يرى المعتزلة أنه يجب على الله نعالي في وجود أمرين أحدهما صلاح والآخر فساد أن يفعل الصلاح ، وإذا كان أمران أحدهما صلاح والآخر أصلح أن يفعل الأصلح
ومثال الصلاح والفساد ، الإيمان والكفر ، ومثال الصلاح والأصلح ككون المؤمن في أدنى منازل الجنة في مقابلة الفردوس الأعلى .
ويتضح هذا من المناظرة التي وقعت للإمام أبى الحسن الأشعرى رحمه الله تعالى مع شيخه الجبائى المعتزلى ، حيث افترض الإمام أبو الحسن ثلاثة إخوة ، الأول منهم مات خبيرا طائعا، ومات الثاني كبيراً عاصيا ، ومات الثالث صغيرا ، وسأله شيخه عن مآلهم .
فقال الجبائى : الأول يثاب بالجنة ، والثاني يعاقب بالنار ، والثالث ليس عليه عقاب ولا ثواب .
فقال أبو الحسن: فإن قال الثالث الذي مات صغيرا، لِمَ يا رب أمتّني صغيرا ولم تبقني حتى أبلغ فأطيعك فأدخل الجنة مثل أخي فلان ؟
فقال الجبائى : يقول له ربه : علمت لأنك لو كبرت عصيت فتدخل النار ، فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا .
فقال أبو الحسن: فإن قال الثاني الذي مات كبيراً عاصيا: يا رب قد علمت أنني إن كبرت عصيتك فأدخل النار، فلِمَ لم تمتني صغيرا مثل أخي فلان ؟
ماذا يقول الرب ؟
فبهت الجبائى ولم يحر جوابا .
والذي يعتقد أهل السنة أنه لا يجب على الله تعالى شيء البتة ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون .
س : قال صاحب كتاب ” ألأشاعرة في ميزان أهل السنة ….. ولهذا عجز المؤلفان أن ينقلا حرفاً واحداً عن السلف في أن المراد بالصفات أو بعضها المجاز لا الحقيقة “.
ج : الحقيقة والمجاز مصطلحان حادثان بعد قرون السلف الأولى – ونعنى بالقرن الأجيال – شأنهما شأن المصطلحات الأخرى التي طرأت بعد انقراض عصور السلف ، ومطالبتنا بمثل هذا النقل عنهم ،تحكُّمٌ وتعسُّفٌ وحيدةٌ عن الحق .
وكما أنه لم ينقل عنهم رضي لله عنهم أنها مجاز ، لم ينقل عنهم أنها حقيقة ، وإلا فليأت صاحب الكتاب بنقل عن الصحابة أو التابعين أن تابعيهم بما يفيد على حقيقتها وظاهرها اللغوي ؟ !
ويوضُّح ما نقول تلك الآيات الكثيرة التي أطبق العلماء على أنها مجاز واستعارة، كقوله تعالى:
” واخفض لهما جناح الذل ” ، وقوله تعالى : ” واشتعل الرأس شيبا “
فهذه ونحوها ليست على حقيقتها، فليس ثمة جناح أو اشتعال حقيقيان، ومع ذلك لم ينقل عن السلف أنهما مجاز لا حقيقة.
وآيات الصفات شأنها شأن الآيات التي كان السلف يسمعونها فيفهمون منها ما أفادت، إنْ حقيقة فحقيقة، وإنْ مجازاً فمجاز
يفهمون من آيات الصفات معاني إجمالية لا تفصيلية، أي لا يعلمون ما المراد من كل لفظة من حيث هي مفردة، وإنما يفهمون من عموم النص معنى إجماليا، كمعنى الجود والكرم والعطاء الذي لا ينفد، من قوله تعالى ” بل يداه مبسوطتان “
ومعنى القهر والسلطان المفهوم من قوله تعالى ” الرحمن على العرس استوي “
ومعنى النصر والتأييد المفهوم من قوله تعالى ” يد الله فوق أيديهم “
أما ألفاظ هذه النصوص حال كونها مفردة، كلفظ ( يداه )، ولفظ ( استوي )، ولفظ ( يد الله )، فليس لديهم لها معنى مفهوم.
وما فسر به لفظ الاستواء بأنه العلو والارتفاع لا يجعله مفهوماً إلا إذا ما أُضيف إلى الله تعالى ، أي أننا نفهم الاستواء في اللغة من معانيه العلو والارتفاع ، ولكننا لا نفهم ما معنى ( علو الله ) إلا أنه علو معنوي ، فمن أراد معنى وائدا على ما فهمناه فليُفْهِمْنا مراده !!
الخلاصة: أن السلف الصالح رضوان الله عليهم لم يتكلموا لا بحقيقة ولا مجاز، ومطالبة صاحب الكتاب لنا بنقلٍ عنهم بذلك، يُفهم منها إما جهله لما يقول أو تعنّته بقصد المغالبة والظهور بغير حق.
س1: ما هو الأصل في الصفات التفويض أو التأويل ؟
ج1 : الأصل في نصوص الصفات تلاوتها والإيمان بها وإمرارها كما جاءت وعدم التعرض لها بتفسير أو شرح أو بيان ، وذلك ما لم تدع حاجة إلى البيان كطروء شبهة أو نحو ذلك مما يقتضى البيان والتفسير.
والذي نراه هو الالتزام بالوظائف التي ذكرها حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في كتابه إلجام العوام ، فلتراجع لأهميتها .
س2 : هل يصح القول بأن السادة الأشاعرة يقولون : إن القرآن مخلوق ؟ وما حجة هذا القول ؟
ج2 : ليس بصحيح هذا القول .
الأشاعرة طائفة من طوائف أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة مطبقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وليس شيء من صفاته تعالى القائمة بذاته مخلوقا .
ولابد من التنبه حين النظر في أقوال العلماء في هذه المسألة إلى أمر هام وأخذه بالاعتبار وهو:
ماذا يراد بـ ( القرآن ) ، إذا كان يراد به الصفة القائمة بذاته تعالى ، فهو قديم ، ومن قال هو مخلوق ، كفر ، لأنه جعل ذات الله تعالى متصفة بالحوادث .
وإذا كان المراد به ما يعبّر به ويدل على المعنى القائم بذات الله تعالى ، كالحرف والصوت والرسوم والرقوم والجلد والمداد ، فهذا لا خلاف في كونه مخلوقا .
على أنه لا يجوز إطلاق القول: بأن القرآن مخلوق.
أولاً: لبشاعة اللفظ الدالة على الجرأة على الله تعالى
وثانياً: لخشية الإيهام والالتباس الذي قد يقع في ذهن من لم يحط خبراً بحقيقة المسألة
س3 : كيف نثبت أن كتاب الإبانة الموجود بين أيدينا محرف ؟
ج3 : أما الإثبات القاطع لكل اعتراض ، فلا سبيل إليه ، غاية ما في الأمر ، هو الاحتمال والشك في الكتاب الموجود الآن ، وذلك لتباين نسخه المخطوطة واضطراب المعلومات فيه ، ومع وجود الاحتمال والشك يسقط الاستدلال به عند العقلاء المنصفين إلا إذا وافق ما تنقله الكافة عن الإمام أبى الحسن ، وقد حاولنا في كتابنا أن نثير هذه القضية ونعرضها بقدر ما استطعنا من الوضوح ، فلتراجع ثمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق