الجمعة، 18 يوليو 2014

التأويل والتفويض لنصوص الصفات


 وخلاصة ما انتهيت إليه أني آخذ بمذهب السلف في نصوص الصفات التي هي في البشر انفعالات، مثل الرحمة والغضب والمحبة والكراهية والفرح والغيرة والعجب ونحوها، فنثبتها لله تعالى كما أثبتها لنفسه، ولا داعي لتأويلها بل نقول: رحمة ليست كرحمتنا، وغضب ليس كغضبنا، وفرح ليس كفرحنا. كما نقول: علمه ليس كعلمنا، وسمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا ... إلخ.
وأما النصوص التي تثبت الفوقية والعلو لله تعالى ونحوه: فنثبتها له عز وجل ونفسرها بما فسره المحققون من أئمة المنهج السلفي، وأوضح مثل لهم العلامة الواسطي في كتابه "النصيحة".
وأما النصوص التي يفيد ظاهرها التركيب والتجسيم والاشتمال على الأعضاء التي هي أجزاء من أجسام البشر المخلوقين، فهذه أرجح فيها التأويل إذا كان قريبا مقبولا ولم يكن بعيدا ولا متكلفا،
كما هو رأي الإمامين ابن عبد السلام وابن دقيق العيد، رحمهما الله.
(اتباع نهج القرآن في عدم التجميع:
وأريد أن أنبه هنا على حقيقة ذات أهمية كبيرة في قضية الصفات والإيمان بها وتعليمها للناس على مذهب السلف. وتلك الحقيقة أن تعرض هذه الصفات كما وردت في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أعني:
أن تذكر مفرقة لا مجموعة، فكل مسلم يؤمن بها ويثبتها لله كما جاءت. فليس مما يوافق الكتاب والسنة جمعها في نسق واحد يوهم تصور ما لا يليق بكمال الله تعالى، كما يقول بعضهم: يجب أن تؤمن بأن لله تعالى وجها وأعينا ويدين وأصابع وقدما وساقا .. إلخ
فإن سياقها مجتمعة بهذه الصورة قد يوهم بأن ذات الله تعالى وتقدس كلٌّ مركبٌ من أجزاء أو جسم مكون من أعضاء. ولم يعرضها القرآن الكريم ولا الحديث الشريف بهذه الصورة،
ولم يشترط الرسول لدخول أحد في الإسلام أن يؤمن بالله تعالى بهذا التفصيل المذكور.
ولم يرد أن الصحابة وتابعيهم بإحسان كانوا يعلمون الناس العقيدة بجمع هذه الصفات كما تجمع في بعض الكتب المؤلفة في ذلك.
ولكن المسلم إذا قرأ القرآن الكريم أو الحديث الصحيح وانتهى إلى آية مشتملة على صفة من هذه الصفات، أو إلى حديث من هذا النوع، آمن به كما ورد، دون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وبهذا يكون سلفيا حقا(. .
انتهى كلام الشيخ القرضاوي.
ونستفيد من تجربة الشيخين الفاضلين :
1 – رجوعهما إلى ما اعتمده الأزهر عبر قرونه وعلى يد شيوخه وعلمائه وحفاظه من الفهم الأشعري للقرآن والسنة وفهم سلف الأمة في الإيمان ( العقيدة ) .
2 – أن تفويض المعنى كان في سلف الأمة كما حكاه الأئمة المعتبرين من علماء الأمة
مثل أئمة المذاهب ، ابن الجوزي ، وابن حجر وابن قدامة المقدسي وغيرهم رضي الله عنهم ممن ذكروا في كتاب ( القول التمام ) ،
وإنهم عند الأمة في أعلى درجات العدالة فلماذا نجرح شهادتهم ونقول بعكس قولهم
ولقد خالف الشيخ ابن تيمية رحمه الله ، بل كذب كل نقل يقول بعكس قوله واعتبره مذهب التجهيل ، ومن الذين تأثروا به من يقول عن التفويض في المعنى : إنه من أخبث المذاهب !!!
يعني ببساطة نكذب هؤلاء العلماء الذين نقلوا التفويض ونتهمهم بالكذب على أمتهم ودينهم ، أو نتهم فهمهم ، ونجردهم من تميز علمهم وفهمهم وديانتهم وحمايتهم لدينهم ، وحفظهم في حراسة إسلامهم !!!
( طيب ) لمصلحة من ؟!
وبقول من ؟!
إنه لمما يجب – احتراما لعقولنا - أن نترك كلام ابن تيمية ومن تبعه لما اتفق على نقله هؤلاء الأجلاء وهم بحمد الله كثيرون موثوق في علمهم ، غير متهمين في إخبارهم ، ومنهم من كان قبله كابن الجوزي والنووي وابن قدامة وأئمة المذاهب ومنهم من كان معاصرا له ومنهم من جاء بعده كالحافظ ابن حجرن وسلطان العلماء وكثير ، رحمهم الله ، وأجزل عن نقل الحق إلينا مثوبتهم ،
3– أن التأويل من مذاهب السلف وحكي عنهم ، ومن الصحابة من أول كابن عباس رضي الله عنه ، وأول الإمام أهمد وهذا ثابت عنه كما يذكر ابن كثير رحمه الله ، والكل يعلم التأويل الذي درج عليه الجميع في قوله تعالى : ( وهو معكم .... ) فقد أولها الجميع بعلمه ، ألأيس هذا تأويلا ،
وإن مما أعجب له أن إخواننا ينصرون مذهبهم بأي وسيلة ولو بالطعن في صدق بعض المحدثين المشهورين ،
ولقد حزنت كثيرا لما قرأت ما قاله الشيخ الفوزان
أخرج الحافظ البيهقي في كتابه " مناقب الامام أحمد "
(عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى:
( وجاء ربك) أنه: جاء ثوابه.
ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه.
وقال الدكتور صالح الفوزان تعليقاً على ذلك:
(ما نسبه البيهقي إلى الإمام أحمد لم يثبت عنه ولم يوثقه من كتبه أو كتب بعض أصحابه، وذِكرُ البيهقيِ لذلك لا يُعتمد لأن البيهقي رحمه الله عنده شيء من تأويل الصفات فلا يوثق بنقله في هذا الباب لأنه ربما يتساهل في النقل)
تأمل أن الحافظ البيهقي نقله بسند صحيح لاغبار عليه
فلا يُحتاج مع هذا الإسناد إلى توثيقه من كتبه أو كتب بعض أصحابه ،
ولم نسمع يوماً أن هذا التوثيق من شرائط صحة النقل المعتبرة عند المحدثين.
وتأمل هذا الاحتمال البارد الذي ضعَّف به ثبوتَ هذا النقل عن الإمام أحمد وهو احتمال تساهل البيهقي.
فأي قيمة لهذا الاحتمال مع تصريحه بسنده الذي لا غبار عليه؟ وتأمل كيف يغيب الحد الأدنى من المنهج العلمي في جوابهم!
تأمل ذلك الغياب في قوله:
(..الحافظ ابن حجر أوَّل الضحك بالرضا، والحافظ رحمه الله متأثر بمذهب الأشاعرة فلاعبرة بقوله في هذا)
وقوله:
(الخطابي رحمه الله ممن يتأولون الصفات فلا اعتبار بقوله ولا حجة برأيه، وله تأويلات كثيرة والله يعفو عنا وعنه)
وهذا مما لايقع به طالب علم، أن يضرب عرض الحائط ويعرض عن نقد كل رأي يخالف رأيه لمجرد مخالفته لمذهبه!
هب أنا قبلنا الطعن بالخطابي وابن حجر لكن ما قوله بتأويل الإمام البخاري الضحك بالرحمة ؟
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله كما في كتابه :
"البداية والنهاية" (10/327( :

)روى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمر بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى :
)وجاء ربك) أنه جاء ثوابه ،
ثم قال البيهقي وهذا إسناد لا غبار عليه"ا.هـ
يا إخوتي : ألا تعجبون معي !!!
هل يظن أن البيهقي رحمه الله الحافظ الإمام الذي قال فيه الإمام الجويني رحمه الله :

( ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي ، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه و أقاويله) ا.هـ
سيكذب في النقل او يدلس فيه ، مع أن فتح هذا الباب فيه شر كبير ، وعليه فلايوثق بنقل أحد مؤول في باب الصفات!!

وأما قول الشيخ : "ولم يوثقه من كتبه أو كتب أصحابه "

فقد أثبت هذا الحنابلة ومنهم القاضي ابو يعلى رحمه الله فقد قال في كتابه الروايتين والوجهين قسم العقيدة (60(

) وحكى شيخنا عن طائفة من أصحابنا:
أنهم قالوا ينزل معناه : قدرته ولعل هذا القائل ذهب إلى ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل أنه قال :
احتجوا علي يومئذ بقوله تجيء البقرة يوم القيامة ويجيء تبارك وقلت : لهم الثواب قال الله تعالى :
( وجاء ربك والملك صفا صفا )
(الفجر:22)
إنما تأتي قدرته وإنما القرآن أمثال ومواعظ وزجر)
ا.هـ

وقال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في كتابه : "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" 1/141:

( ومنها قوله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )
البقرة 210
أي بظلل
وكذلك قوله تعالى ( وجاء ربك )
الفجر 22

قلت: قال القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل إنه قال في قوله تعالى يأتيهم قال المراد به قدرته وأمره قال وقد بينه في قوله تعالى أو يأتي أمر ربك ومثل هذا في القرآن وجاء ربك قال إنما هو قدرته "ا.هـ
فتبين أن التأويل اثبته الحنابة عن الإمام أحمد رضي الله عنه.
سبحان الله !
وإني ألمح ذلك في تصرفات صغار الأتباع !!!
اللهم ألهمنا رشدنا ، 

الشيخ محمد فريد الشريف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق