من هو العارف ؟
في كتاب معارج المقربين شرح لنا الامام ابو العزائم من هو العارف فقال
العلوم الإلهية أسرار غامضة، تدرك لقوى خاصة بالإنسان، تلك
القوى التي هي نور العقل الكامل، الذي لم يقهره عامل
الأخلاق الإنسانية، ولا باعث الطبع الحيواني، ولا داعي الحظ الإبليسي،
بل تجرد عن لوازم الانفعالات الحيوانية، وداعيات المنافسات العمرانية،
وإن اشتغل لضروريات الحياة، فإنها لابد منها من وجوهها الفاضلة،
بل المراد عدم الاشتغال بالكمالات التي تميل النفس إلى الانفراد بها
دون غيرها من بين نوعها،
الناتجة عن حب الذات، والأمل في البقاء .
فإذا تخلى الإنسان عن تلك المقدمات المنتجة للمفاسد الخلقية، وتحقق أنه عضو لمجموع الوجود الحي، متمم له، وأنه به يحيى حياة طيبه، فخدم الكل لصالح نفسه، متحققا بأن الكل هو عينة، وذاق لذة أنه نافع نفعا عاما، أنس بكل شيء، واستأنس به أنساً يدفعه إلى التنعم بمزاياه وخواصه، وتجردت نفسه من دواعي المضار، وبواعث الفساد، فتزكى وتتطهر من نية السوء، وقصد المضار،
وانشرح صدره بكل بني نوعه، وبذلك يحفظ من الشر منهم،
ويحفظون من شره، فيستريح قلبه ويشتغل بما يقربه إلى ربه،
لأن أعضاءه مطهرة من النجس، وفكره صاف من شواغل الخلق،
فيميل بكليته إلى الله تعالى مخلصا صادقا،
حتى يمنحه الله تعالى واردات الإحسان .
وهذا يترقى إلى مقام القرب، ويذوق حلاوة الحب،
فتنكشف له غوامض العلوم، التي لا يلمسها إلا مطلوب، وتلوح عليه أنوار الربوبية فيعلم الحق، وينكشف له الحق، وعندها يتحقق بأنه عارف بالحق،
ويترقى إلى مراتب المعرفة، حتى ينتهي إلى مقام العجز عن إدراك الحقيقة .
فالعارف من عرف الحق كشفا وعلما، وعجز عن الحقيقة كشفا وعلما،
وهي الرتبة التي بعدها يعد العارف عبدا كاملا لله تعالى،
متحققا بمقام العبودية، والله ولي المؤمنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق