الجمعة، 29 أغسطس 2014

التهم الموجهة للأشعرية وتفنيدها

 أهم التهم والرد علىها

لماذا تقف أصلاً العقيدة الأشعرية موقف المتهم الذي يدافع عن نفسه، مادامت مذهباً من مذاهب أهل السنة والجماعة في رقعة واسعة من عالمنا الإسلامي؟
السبب إخوتي يعود للظروف السياسية بشكل رئيسي وأساسي..
فيبدو أن مقولة "الناس على دين ملوكهم" مقولة صحيحة..
ففي زمن الإمام أحمد بن حنبل، عندما كان الخليفة المأمون معتزلياً، ساد مذهب المعتزلة وعلماؤه، وصار مذهب الدولة الرسمي، وصار الناس يُكرهون عليه أو يُكفَّرون ويُجلدون وُيعاقبون... وكانت فتنة..
ثم نصر الله مذهب الإمام أحمد وانتشر...
وفي القرن الخامس الهجري، صارت العقيدة الأشعرية هي مذهب الدولة والتعليم، فسادت، وقُمع مخالفوها..
وعندما ظهر الإمام ابن تيمية في القرن الثامن ونشر أفكاراً مخالفة للمذهب الأشعري، حورب ولقي العنت....

ثم شاء الله تعالى أن تقوم الدعوة الوهابية على فكر الإمام ابن تيمية ومذهبه، وتحتضنها الدولة السعودية الأولى الناشئة في القرن الثالث عشر الهجري، حتى صارت مذهب تلك الدولة الرسمي ، ولما أنعم الله تعالى على تلك الدولة بالمال والنفط، استطاعت أن تخدم دعوتها بالمطبوعات والكتب ودعم العلماء ونشر مذهبهم، حتى انتشر لا في المملكة وحدها، بل عم العالم الإسلامي أيضاً، وتم استبعاد المذاهب الأخرى في المملكة، (لكن تشهد أيامنا هذه بحمد الله عودة للتعددية والاعتدالية الفكرية في ربوع المملكة)، في ذلك الوقت نفسه ابتلى الله تعالى بقية بلاد العالم الإسلامي بحكومات علمانية، حاربت الدين والعلم والعلماء بغض النظر عن مذهبهم، وضيقت عليهم، فمنهم من نفي ومنهم من اعتقل، ومن بقي منهم حورب في رزقه ودعوته، فلم تعد المذاهب الأخرى تلقى من الخدمة والنشر والدعم ما يلقاه المذهب السلفي، بل بالعكس تلقى العنت والتعتيم والمحاربة، فساعد هذا على انتشار المذهب السلفي بين العامة بوجه خاص، أما طلبة العلم والجامعات العلمية في العالم الإسلامي فبقي المذهب الأشعري هو الأوسع انتشاراً فيها... 

لهذه الظروف، انتشر في عصرنا الفكر السلفي انتشاراً واسعاً، وهذا أمر طيب لا غبار عليه، لولا أمر واحد يعيبه، هو اتهام أتباعه لأتباع المذاهب الأخرى بالضلال، حتى وإن كانوا من كبار العلماء، فترى مقولات مثل: لا تقرأ لسيد قطب فإنه أشعري... إياك أن تقتني مختصر ابن كثير للصابوني الذي نقحه من الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة المنكرة، بل اقتن الكتاب نفسه بما حواه، لأن الصابوني أشعري، إياكم أن تسمعوا لهذا الداعية الضال المضل... إياكم أن تقرؤوا لفلان الفلاني.. وهكذا...

فتعالوا بنا نستعرض فيما يلي التهم التي يوجهها الإخوة السلفيون للأشاعرة، ونرى...
وبإذن الله تعالى، سيرى الإخوة البريئون من التعصب (لأي عالم أو مدرسة بعينها)، بعد مناقشتنا لهذه التهم، أن كل الخلافات بين السلفية والأشاعرة والماتريدية (والذين يمثلون مذاهب أهل السنة المختلفة) أن كل هذه الخلافات إما لفظية، فالمعنى واحد والتعبير عنه يختلف، أو خلافات في تفسير بعض الآيات والأحاديث وفهمها لأنها ظنية الدلالة، أو خلافات في أسلوب العرض والتدريس لمادة العقيدة، لا أكثر.
وسيرون أن الجميع يستند في أفكاره إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتفسير النصوص حسب مقتضيات اللغة العربية، دون تنطع ولا تكلف ولا تحريف، وأن كل خلافاتهم هي في أمور فرعية، ما كانت العامة لتهتم بها ، لولا التعصب الذي ساد الفكر الإسلامي قروناً طوالاً، وحكم فكر العالِم والمتعلم على حد سواء، وكان لتلبيس إبليس فيه أوفر حظ ونصيب، فأظهر الخلاف وكأنه جوهري، وهو سطحي وفرعي، وانساق التلاميذ وراء أساتذتهم، يصدقون ما يقولون وكأنه كلام منزل، وينشرون أقوالهم، ويتهمون مخالفيهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق من صحة هذه التهم بالاطلاع على كتب ومصادر هؤلاء المخالفين، ولو فعلوا لوجدوا أن الأمر لا يعدو بعض أخطاء طفيفة، ضخمت وكبرت، ولو أنصفوا، لوجدوا في أقوال مشائخهم أيضاً أخطاء مثلها، فما من أحد معصوم إلا رسل الله صلوات ربي وسلامه عليهم. وهذا الكلام يستوي فيه أتباع السلفية والأشعرية والماتريدية (المتعصبون منهم).

والعلماء المعتدلون في كل عصر كانوا يحاولون دوما التوفيق بين هذه الآراء، والتركيز على القاعدة المشتركة بينها، وبيان محدودية نقاط الخلاف، وعدم جوهريتها، فليتنا نقتدي بهم، ونوحد جهودنا في توحيد أمتنا، بدلا من إحياء خلافات آن لها أن تندثر.
والله الموفق لكل خير.

التهمة الأولى: الصفات السبعة

نبدأ بالشبهة الأولى والأقوى والمهمة، فإذا زالت إن شاء الله، فما بعدها أهون بكثير..
وهي الأسماء والصفات..

يزعم بعض الكتاب السلفيين، وبعض من نقل عنهم من العوام أن الأشاعرة لا يثبتون لله تعالى إلا سبع صفات فقط...
فما هو الحق في هذه المسألة؟

الحق ببساطة أن هذا افتراء كاذب لا برهان عليه، ومن يكلف نفسه فتح أي كتاب عقيدة للأشاعرة ويطالعه بتروٍ، سيعجب من هذه الكذبة والفرية ، وسيكتشف بنفسه أن  الأشاعرة يصنفون في بعض كتبهم  صفات المولى جل وعلا إلى أبواب، لتسهيل الدراسة على الطالب، وتحت كل باب يندرج ما يتعلق به من أسماء وصفات، فيقسمون صفات المولى جل وعلا إلى صفة نفسية وهي الوجود، ثم الصفات السلبية ويندرج تحتها عدة صفات كالصمدية، والوحدانية، والبقاء ومخالفة الحوادث، وصفات المعاني أو المعنوية، وهي تشمل سبع صفات رئيسية، ويندرج تحتها بقية الصفات الرباينة..

ولا تجد عالماً من علماء الأشاعرة إلا وله مؤلف مستقل في أسماء الله الحسنى  وأثر الإيمان بها على المؤمنين، ككتاب (المقصد الأسنى للأسماء الحسنى لحجة الإسلام الغزالي)
ولعل أشهر مرجع لعقيدة الأشاعرة في عصرنا الحاضر هو "شرح جوهرة التوحيد" للإمام الباجوري، ومتن الجوهرة للإمام اللقاني، يقول فيه:
وعندنا أسماؤه العظيمه.............. كــذا صـفـات ذاتـه قـديـمـه
واختير أن اسماه توقيفيه.......... كذا الصفات، فاحفظ السمعيه
والشرح لهذا باختصار من كلام الشيخ الباجوري:
وعندنا –معاشر أهل الحق- أسماؤه العظيمة قديمة، خلافا للمعتزلة، فالله تعالى لم يزل مسمى بأسمائه قبل وجود الخلق، وعند وجودهم وبعد فنائهم، لأنه لا تأثير لهم في أسمائه، وكذلك صفات ذاته قديمة، فهي ليست من وضع خلقه، ولا هي حادثة..
واختير: أي اختار جمهور أهل السنة أن أسماءه تعالى توقيفية وكذلك صفاته، فلا نثبت لله اسماً ولا صفة إلا إذا ورد بذلك توقيف من الشارع، (أي نص صحيح ثابت قطعي) وهذا قول الجمهور
فاحفظ السمعيه: أي فاحفظ الأسماء والصفات الواردة عن طريق السمع، أي في الكتاب أو السنة الثابتة بالإجماع. انتهى

وهذا مثال على تصنيف الأشاعرة للصفات الربانية:

صفة نفسية: الوجود، ويندرج تحتها صفات: الحق والنور والظاهر والباطن
وصفات سلبية: الوحدانية، القِدم، البقاء، القيام بالذات، مخالفة الحوادث، والتي يندرج تحتها: الصمدية، السلام، القدوس، الغني، الأول، الآخر، الباقي
صفات المعاني:
-القدرة: ويندرج تحتها: القوي، المتين، القادر، المقتدر، الواجد، العزيز، المقيت، مالك الملك، الملك، الوارث
-الإرادة
-العلم: ويندرج تحتها: العليم، اللطيف، الخبير، الشهيد، الحسيب، المحصي، الواجد، السميع، البصير، الرقيب، الميهمن، الواسع، المؤمن
-الحياة
- الكلام
صفات الأفعال:
- باب الخلق والإيجاد والتكوين العام: الحكيم، الرشيد، الخالق، البارئ، البديع، المصور، الهادي، المبدئ، المعيد، الباعث، المحيي، المميت، الجبار، القهار، القيوم، الحفيظ، المؤمن، المهيمن
- باب رزق المخلوقات: الرزاق، المقيت، المغني، القابض، الباسط
- باب الهبة والعطاء: الوهاب، البر، الكريم، الواسع
-باب الرأفة والرحمة: الرحمن، الرحيم، الرؤوف، الودود، اللطيف
- باب الولاية والنصر:الوالي، الولي، الحسيب، الصمد، الفتاح، المجيب
- باب علاقة الملكفين بخالقهم: الملك، الهادي، الحكم، العدل، المقسط، الحميد، الشكور، التواب، الغفور، الغفار، العفو، الحليم، الصبور، المنتقم
-باب أن كل ما يجري في الكون من متناقضات من أفعال الله سبحانه: الخافض، الرافع، المعز، المذل، المقدم، المؤخر، الجامع، المانع، الضار، النافع
- صفات الحمد والتمجيد: الكبير، المتكبر، العلي، المتعالي، الجليل، العظيم، الكريم، الماجد، المجيد، الحسيب، ذو الجلال والإكرام، الصمد، الحميد.
ولعل معترضاً يعترض فيقول هذه أسماء الله الحسنى وليست صفاته فنقول:
أي قارئ مبتدئ في علم التوحيد يعرف أن كل اسم لله تعالى يستتبع صفة له جل جلاله، إلا اسم الذات (الله)..
ولكن لا تستتبع كل صفة اسماً... لذلك باب الصفات أوسع من باب الأسماء...
فمن يثبت أسماء الله الحسنى فهو يثبت لله تعالى كل الصفات التي تستلزمها...
اسم الله الرحيم تثبت به صفة الرحمة
اسم الله القهار، تثبت به صفة القهر
اسم الله المهيمن: تثبت منه صفة الهيمنة
اسم الله الحكيم: تثبت منه صفة الحكمة
اسم الله الأول: تثبت منه صفة أن ليس قبله شيء
اسم الله الآخر: صفة أن ليس بعده شيء
اسم الله الظاهر: صفة أن ليس فوقه شيء
اسم الله الباطن: صفة أن ليس دونه شيء
إلخ...
وإذن.... كل اسم يثبت به صفة، وليست كل صفة تثبت اسماً...
وبهذا نكون قد بينا أن اتهام الأشاعرة بأنهم لا يثبتون لله تعالى إلا سبع صفات، هو محض وهم، وندعو من يقول بذلك دعوة صادقة، أن يتناول بعض كتب عقيدة الأشاعرة بالدراسة الموضوعية، دون أن يكتفي بقراءة اقتباسات منها متضمَّنة في كتب شيوخه، فهذا هو منهج الباحث عن الحق..

هدانا الله جميعا لما يحبه ويرضاه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق