راجعه
فضيلة الشيخ علامة العراق الأستاذ الدكتور أحمد عبيد عبد الله الكبيسيأستاذ الشريعة والقانون في جامعة بغداد سابقا
وراجعهفضيلة رئيس رابطة علماء العراق العلامة الشيخ عبد الكريم محمّد (بيارة) المدرس في الحضرة القادرية في بغداد
وقال بعد المراجعة:(والله لم ينسج على منواله!)عني بتخريج أحاديثهأحمد فائق جواد العاني
معاون مدير ثانوية الحضرة المحمّدية / في الفلوجة
إعداد العبد الفقير إلى الله تعالىهشام عبد الكريم آل الطيار الآلوسي الكيلاني


تمهيد
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم، على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد : فإن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم في اليقظة من الأمور التي لا ينبغي التعصب لإثباتها أو نفيها، فهي وقبل كل شيء من خوارق الأمور التي لا تقع لحساب ولا تحدث بقاعدة ولا تخضع لإرادة بشر وبالتالي فهي إن صحت لأحد من الناس فإنما هي من منن الرحمن، التي يمن بها على من يشاء من عباده الصالحين، شأنها في ذلك شأن معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء التي قد يستوعبها هذا ولا يحيط بها ذلك، ولا حرج عليهما في كلا الحالين ما دام لم يرد بها نص ملزم، لأنهّا من الأمور الذوقية التي يتأثر النظر إليها وفيها بعدة مؤثرات نفسية وعقلية وقلبية وبناء على هذا فإن الحديث عنها والتحدث فيها لا يتطلب معركة جهادية، بل يأخذ طابع المحاورة الهادئة القائمة على تبادل وجهات النظر وإبعاد التأمل وليس سبيل المناورة العنيفة التي تقوم أساساً على هدف إفحام الخصم وبيان خطئه وإظهار فساد رأيه وقصور حجته، وقد عرضنا البحث في ثلاثة فصول وخاتمة :

الأول : حوار في عصر التقدم العملي .
الثاني : أقوال العلماء والأولياء في هذه الرؤية الشريفة .
الثالث : كيفية هذه الرؤية المباركة وتساؤلات فيها .
الخاتمة .وقصدنا بذلك وجه الله تعالى، وقربة إلى حبيبه المصطفى سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام والحمد لله رب العالمين .


الفصل الأول

حوار في عصر التقدم العلمي

رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة ، مسألة إن جاز لكل عصر من عصور الإسلام أن يحتار فيها أو يتردد في فهمها أو يتحفّظ في القول بصحتها فلا يحق لأهل هذا العصر أن يقعوا بمثل ذلك وهم يواكبون هذا التطور العلمي الزاحف على عقول الناس وعيونهم دقيقة فدقيقة وليس شهراً بعد شهر أو سنةً بعد سنة! وحينئذٍ لا يعقل أن يقال : إن الله تعالى يعجز عمّا مكّن منه عباده! ولا يعقل أن يقال : إن العباد والعبيد يقدرون على ما ليس في قدرة خالقهم وخالق القدرة في عقولهم!.
وإن من أبرز المخترعات العلمية التي تجعل رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة أمراً ممكناً بل أمراً واقعاً هي مجموعة (التلي)TELE. وهي التلفون والتلفزيون و التلكسوب والتلكس.. إلى آخر قائمة هذه المجموعات العجيبة، والتي لا ندري إلى أين ستصل مما لا يتصوره عقل لولا المشاهدة والتجربة الفعلية .

ولكي نفهم موضوعنا هذا الذي نتحاور فيه تأمّل جيداً فيما يلي من الأمور الواقعة :

• رجل يتحدث في القمر أو في نيويورك أو في موسكو ، فيراه كل الناس وهم جالسون في بيوتهم في آن واحد، فكيف تفتّتتْ أجزاء صورته ثمّ تجمعت مرة أخرى حتى وصلت إلى هذا الصندوق الخشبي الذي أمامك وبيدك فنجان من القهوة؟ فيعرض عليك رجل بكل حركاته وسكناته و تعابير وجهه وعدد أنفاسه، مع كل ما يجري في العالم كلّه، وكأنك حاضر في كل أرض وشاهدٌ في كل بلد وموجود في كل قطر في آن واحد! فإذا استطاع البشر المخلوق أن يفعل ذلك بالواسطة والآلة، فماذا يمكن للخالق الذي يقول للشيء كن : فيكون أن يفعل بدون آله ولا واسطة؟ فهل يصعب عليه ما سهل على عبيده أن يبث صورة حبيبه محمّدصلى الله عليه وسلم إلى من يحب من عباده بدون جهاز أو كهرباء؟ أم أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت من آيات الله عجباً؟.

• إن أجهزة التصوير والتسجيل والفيديو تحتفظ بمئات الأفلام لمئات الأشخاص الذين ماتوا وتعرضهم علينا حيناً بعد حين وهم أحياء يتحركون ويتكلّمون رغم كونهم ميتّين فعلاً، وليس ثمة عاقل يقول : إن هذه الحالة تناقُض بين حقيقة كونهم أحياء في هذا الفلم، وحقيقة كونهم أمواتاً في واقع الأمر، وإنما التوفيق بين الأمرين معقول وواقعي جداً، فهل يصعب على الله سبحانه وتعالى ما سهّل على عبيده من التوفيق بين حقيقة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة أن صورته لا تزال باقية ولكن من غير جهاز ولا كهرباء، وإنما بقدرة القادر على كل شيء، وإذا كان لابد من جهاز وكهرباء فما الفرق بين الخالق والمخلوق؟ أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم . يقظة كانت من آيات الله عجباً؟

• إن جهازاً من أجهزة التلفون قد شاع في العالم كلّه وهو تلفون الصوت والصورة، فما أن ترفع السماعة ويدق الجرس في الرقم المطلوب فيرفع صاحبها السماعة هو الآخر حتى ترى صورته وتسمع صوته حيثما وأينما كان، رجل في أقصى المغرب ورجل في أقصى المشرق يرى بعضهم بعضاً بجهاز صغير لو فتحته وتأملت فيه لعجبت من قوّة قدرته رغم صغر حجمه، هذا من عمل المخلوق فماذا تنكر من قدرة الخالق عزّ وجلّ على أن يريك صورة حبيبه محمّد صلى الله عليه وسلم ويسمعك صوته سواء كان ذلك بواسطة أو بغير واسطة؟ أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم يقظةً كانت من آيات الله عجبا؟

• إن من الأبحاث الجارية الآن في العالم والتي وصلت إلى مرحلة متقدمة هي تجميع الصورة والصوت من الأثير، من حيث أن كليهما لا يفنى، وقد جمعت أصوات العديد من شخصيات التأريخ من ذرّات أصواتهم المتناثرة في الهواء، وما هي إلا فترة زمنية قادمة حتى يستطيع العلم أن يجمع لك صورة أي إنسان من الماضين ويسمعك صوته كما كان قد فعل في حياته وهذا من عمل المخلوق فماذا تنكر من عمل الخالق ؟ أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم يقظةً كانت من آيات الله عجبا؟

فلو تأمل المسلمون في معنى قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف 9 ] لفهموا الإشارة التي كان الله سبحانه وتعالى قد ضمنها هذه الآية، فهو يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وللناس : 
أعجبت من أمر أصحاب الكهف؟ أراعك أمرهم ؟ أأدهشك أن ننيمهم ثلاثمائة سنة ثمّ نوقظهم ؟ أترى أن ذلك آية من آياتنا العجيبة؟ إنك لو تأملت لرأيت أن هذه من أقل آياتنا! 
فلقد خلقنا آدم من غير أب ولا أم فقلنا له : كن فيكون، وخلقنا عيسى من غير أب فقلنا له : كن فيكون، وخلقنا لزكريا الذي بلغ من الكبر عتياً ومن زوجته العجوز العاقر خلقنا لهما يحيى، وأحيينا لأيوب أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا، وأحيينا العزير بعد إن أمتناه مائة عام، وأحيينا له حماره أمام عينه وقد مات هو الآخر منذ مائة عام، واحتفظنا له بطعامه وشرابه صالحاً لم يتغير طعمه ولم يتسنّه كل هذه المدّة، فماذا تكون آية أهل الكهف إلى جانب آياتنا هذه؟ 
أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟.
ونحن نقول : أم حسبت أن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة كانت من آيات الله عجبا؟.
وقد مكن الله لعباده الكافرين أن يبثوا صورة الأحياء والأموات عبر ملايين الأميال وما بين السموات والأرض، فلقد رأى أهل الأرض (آرمسترونج ) وهو على القمر عبر شاشة مركبته الفضائية، وأصيب رأسه بصداع حاد وهو في القمر، فبثتْ له محطة إطلاق الصواريخ العلاج عبر الأثير فشفي من مرضه!
فإذا كان الله قد مكن لعباده الكافرين كل هذا ولا ندري ماذا سيمكن لهم أكثر بعد ذلك! فماذا تنكر من عبد مسلم بلغ من شدة عبوديته لله أن تقرب من ربه فتقرب منه ربه وبثّ له صورة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أثبت العلم أن أجزائها وأجزاء صوته الشريف موجودان في الأثير وأن للعلم وأدواته المعاصرة والآلة الحديثة طرقاً في جمعها؟.

• إن العلم يتوصل اليوم إلى اكتشاف آيات الله في الآفاق وفي أنفس الناس حتى يتبين لهم أنّه الحق، فالعلم لم يخلق الصورة التي جمعها من الأثير ولكنه اكتشف آية من آيات الله موجودة فعلاً وقدرة من قدراته عزّ وجلّ جارية في ملكه وملكوته، فإن من المعروف أن للضوء الآن دوراً عظيماً في كل خطوات التقدم العلمي، حيث اكتشف العلم الطاقة الهائلة للضوء ابتداءً بأشعة (أكس) و(الليزر) وانتهاء بالحزمة الضوئية التي يمكن أن تكون وعاء لملايين الكتب التي تخزن في حزمة ضوئية كما تخزن في فيلم ونحوه، فإذا أردت أية معلومة من أي كتاب فما عليك إلاّ أن تدير جهازاً صغيراً يومض لك ومضة ضوء صغيرة وسريعة ترى عليها ما تريد من معلومات بلمح البصر، فالعلم هنا اكتشف قدرة من قدرات الله وأسلوباً من أساليب إدارته لهذا الكون، إن طاقة الضوء موجودة من قبل إن تكتشف علمياً في هذا العصر، وهذا يعني أن العلم كاشف للحقائق وليس منشئاً لها .
فلماذا لا يقال : 
أن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رؤية صورته الشريفة يقظة داخلة في هذا المضمار وسائرة على هذا النهج من إمكانية ذلك قبل أن تعمل الآلة عملها المعروف اليوم من تسجيل الصور والحركات والأشخاص والأموات فتحتفظ بها وتعرضها على الناس بعد مئات السنين من موت أصحابها، وما يقدر عليه البشر بالآلة يقدر الله عليه بدون آله .
وقد خلق الله بشراً بآلة كما خلقنا نحن، وخلق بشراً بدون آلة كما خلق آدم عليه السلام، وخلق بشراً بنصف آلة كما خلق عيسى عليه السلام …وهكذا، بل إن الله سبحانه تعالى استجاب لبشر صالحين من عباده ليسوا بأنبياء ولا مرسلين، فحقق لهم من الخوارق بدون آلة ما قد يعجز البشر عن بعضه حتى بالآلة 
فلقد روى ابن تيمية (1) رحمه الله بسنده فقال: فأولياء الله المتقون هم المقتدون بسيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر، ويقتدون به فيما بيّن لهم أن يتبعوه فيه فيؤيدهم بملائكته وروح منه، ويقذف في قلوبهم من أنواره، ولهم من الكرامات التي يكرم الله أولياءه المتقين بها ..(2) 
وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسولصلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر(3)، وتسبيح الحصى في كفه(4)، وإتيان الشجر إليه(5)، وحنين الجذع إليه(6)، وإخباره ليلة المعراج بصفة بيت المقدس(7) وإخباره بما كان وما يكون(8)، وإتيانه بالكتاب العزيز، وتكثير الطعام والشراب مرات كثيرة، كما أشبع في الخندق العسكر من قدر طعام وهو لم ينقص في حديث أم سلمة المشهور(9) وملأ أوعية العسكر عام تبوك من طعام قليل ولم ينقص وهم نحو ثلاثين ألفاً(10)، ونبع الماء من بين أصابعه مرات متعددة حتى كفى الناس الذين كانوا معه(11)، كما كانوا في غزوة الحديبية نحو ألف وأربعـمائة أو خمسمائة (12)، وردّه لعين قتادة (13)، حين سالت على خده فرجعت أحسن عينيه (14)، ولما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية لقتل كعب بن الأشرف ، وقع الحارث بن أوس بن معاذ وانكسرت رجله، فمسحها فبرئت (15)، وأطعم من شواء مائة وثلاثين رجلاً منهم حزّ له قطعة وجعل منها قطعتين فأكلوا منها جميعهم ثمّ فضل فضلة (16)، ودين عبد الله أبي جابر لليهود وهو ثلاثون وسقاً، قال جابر فأمر صاحب الدين أن يأخذ التمر جميعه بالذي كان له فلم يقبل، فمشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ قال لجابر : "جدّ له" فوفاه الثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وسقا (17) ومثل هذا كثير قد جمعت نحو ألف معجزة .
ولا يزال الكلام لابن تيمية رحمه الله : 
وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جداً: 
مثلما كان لأُسيّد بن حضير (18) يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلّة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقراءته ، وكانت الملائكة تسلّم على عمران بن حصين (19)، وكان سليمان وأبو الدرداء يأكلان في صحفة فسبحّت الصحفة أو سبّح ما فيها(20)، وعبّاد بن بشر وأسيّد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما(21) .
ونحن نقول : 
أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة من آيات الله عجباً ؟ 
ويضيف بن تيمية رحمه الله تعالى فيقول : وقصّة الصدّيق في الصحيحين ، لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلاّ ربى من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت، فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا حتى شبعوا (22)، و خبيب بن عدي كان أسيراً عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتي بعنب يأكلّه وليس بمكة عنبة (23) .
وعامر بن فهيرة قُـتل شهيداً فالتمسوا جسدهُ فلم يقدروا عليه، وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل قد رفع، وقال عروة فيرون الملائكه رفعته(24) .
وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولاماء، فكادت تموت من العطش، فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسّاً على رأسها فرفعت رأسها فإذا دلو معلق فشربت حتى رويت، وما عطشت بقية عمرها (25) .

أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة كانت من آيات الله عجبا؟

و لايزال الكلام لابن تيمية : وسفينـة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الأسد بأنّه رسول رسول اللهصلى الله عليه وسلم فمشى معه الأسد حتى أوصله مقصده(26) .
و البراء بن مالك(27) كان إذا أقسم على الله أبرّ قسمه، وكان الحرب إذا اشتد على المسلمين في الجهاد يقولون : يا براء أقسمْ على ربك فيقول : يا رب أقسمت عليك لمّا منحتنا أكتافهم فيهزم العدو، فلمّا كان يوم القادسية قال أقسمت عليك يا رب لمّا منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد!فمنحوا أكتافهم وقتل براء شهيداً (28).
وخالد بن الوليد (29). حاصر أسوار مدينة حمـص فقالوا لا نسلّم حتى تشرب السمّ، فشربه فلم يضرّه(30) .
وسعد بن أبي وقاص (31) هو سعد بن مالك ، واسم مالك اهيب بن زهرة ، أبو إسحاق ، قرشي . من كبار السن قديما وهاجر ، وكان أول من رمي بسهم في احد الستة أهل الشورى . وكان مجاب الدعاء جيوش الفرس وفتح الله علي يديه العراق أيام علي ومعاوية . توفي بالمدينة كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلاّ استجيب له، وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق (32) .
وعمر بن الخطّاب لمّا أرسل جيشا أمّر عليهم رجلا يسمى (سارية) فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر : يا سارية الجبل الجبل، يا سارية الجبل الجبل! فقـدم الجيش، فسأل فقال : يا أمير المؤمنين لقينا عدوا فهزمونا فإذا بصائح : يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله (33).

أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت من آيات الله عجبا؟.
ويستمر ابن تيمية رحمه الله تعالى فيقول : 
ولما عذبت الزنيرة على الإسلام فأبت إلاّ الإسلام وذهب بصرها قال المشركون : أصاب بصرها اللاّت والعزى ، قالت : كلا والله، فرد الله بصره(34) .
و دعى سعيد بن زيد(35) على أروى بنت الحكم فأعمى بصرها لما كذبت عليه، فقال اللهمّ إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها واقتلها في أرضها، فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت(36) .
والعلاء بن الحضرمي (37) كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين وكان يقول في دعائه : يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم فيستجاب له، و دعى الله أن يسقوا و يتوضؤوا لمّا عدموا الماء و الإسقاء لما بعدهم فأجيب، و دعى الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم فمّروا كلّهم على الماء وما ابتلت سروج خيولهم، و دعى الله أن لا يروا جسده إذا مات، فلم يجدوه في اللحد.. (38) .

أم حسبت أن رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم من آيات الله عجبا؟

وجرى مثل ذلك لأبي مسلم الخولاني(39) والكلام لا يزال لابن تيمية: الذي ألقي في النار، فإنـّه مشى ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدّها، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : تفقدون من متاعكم شيئاً حتى أدعو الله عزّ وجلّ فيه؟ فقال بعضهم : فقدت مخلاة، فقال : اتبعني فتبعه فوجدها قد تعلقت بشي فأخذها (40) .
وطلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوّة فقال له : تشهد أن محمّداً رسول الله؟ قال : نعم . فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائماً يصلي فيها وقد صارت عليه برداً وسلاماً، وقدم المدينة بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله (41) ، وخببت امرأة عليه زوجته (42) فدعا عليها فعميت ، و جاءت فتابت فدعا لها فرد الله عليها بصرهـا (43) .
و لازلنا في كرامات الصحابة، و لا يزال الكلام لابن تيمية رحمه الله تعالى .
وعامر بن عبد قيس (44) كان يأخذ عطاءه ألفي درهمٍ في كمه وما يلقاه سائل في طريقه إلاّ أعطاه بغير عدد، ثمّ يجيىء إلى بيته فلا يتغير عددها ولاوزنها (45)، ومر بقافلة قد حبسهم الأسد فجاء حتى مسّ بثيابه الأسد ثمّ وضع رجله على عنقه وقال : إنما أنت كلب من كلاب الرحمن وإني أستحيي أن أخاف شيئاً غيره، ومرّت القافلة (46) ، ودعا الله تعالى أن يهوّن عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار (47)، ودعا ربه أن يمنع قلبه الشيطان في الصلاة فلم يقدر عليه (48) .

أما كرامات التابعين فهي أيضا بلا حصر كما رواها ابن تيمية أيضا فقال : 

صلة بن أشيم (49) جاع مرّة بالاهواز فدعا الله عزّ وجلّ واستطعمه فوقعت خلفه دوخلة رطب في ثوب حرير فأكل التمر وبقي الثوب عند زوجته زماناً (50) .
ويستمر ابن تيمية رحمه الله في سرد هذه الكرامات للصحابة والتابعين فيقول :
ولما مات أويس القرني (51) وجدوا في ثيابه أكفاناً لم تكن معه قبل ووجدوا له قبراً محفوراً في لحد في صخرة فدفنوه فيه وكفنوه في تلك الأثواب (52) .
وكان مطرف بن عبد الله الشخير(53) إذا دخل بيته سبّحت معه آنيته، وكان هو وصاحب له يسيران في ظلمة فأضاء لهما طرف السوط(54) .
وكان عتبة الغلام (55) قد سأل ربه ثلاث خصال صوتا حسنا، ودمعا غزيرا، وطعاماً من غير تكلف فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية، وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته لا يدري من أين يأتيه(56) .
وكان عبد الواحد بن زيد (57) أصابه، الفالج فسأل ربه ان يطلق له أعضاءه وقت الوضوء، فكان وقت الوضوء تطلق له أعضاؤه ثمّ تعود بعده(58) .
وختم ابن تيمية رحمه الله هذا الباب بقوله وهذا باب واسع ... قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضوع، وأما ما نعرفه عن أعيانه، ونعرفه في هذا الزمان فكثير(59) .
ونقول بعد ذلك : أي كرامة من هذه الكرامات التي أثبتها ابن تيمية رحمه الله هي من المعقول أو من الأمور التي يقرّها العلم وقواعد الحياة ؟ 
ففي بحر الكرامات هذا أكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرى صورته بعض أحبابه الصالحين وهي محفوظة في علم الله كما حفظت صورة المئات من الأموات في علم الإنسان المترجم إلى شريط أو فلم أو نحوها ، أم حسبت أن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة كانت من آيات الله عجبا؟.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنْ أحَدٍ يُسَلِّمُ عَليَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ عَليَّ رُوحي حتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ (60) .فماذا بقي من حاجز بين الأحياء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلاشى حاجز الموت بينهم .
وسعيد بن المسيب(61) رحمه الله كان يسمع الأذان من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مرات في اليوم، وذلك في أيام الحرّة حين أغلق المسجد ومنع الناس من الدخول إليه ولم يكن يسمح لأحد إلا لسعيد بن المسيّب(62) 

فمن أين كان يأتي صوت الأذان من القبر؟ (63).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مِنْ أَشَدّ أُمّتِي لِي حُبّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي ، يَوَدّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي، بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ (64) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنّا إِنْ شَاءَ اللهَ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا! قَالُوا: أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ .(65).
والسؤال أين تقع هذه الرؤية التي يتمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتمناها أحبابه؟ 
لابدّ أنّها تقع في الدنيا وذلك لأمرين : أحدهما : أن أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنون ذلك ويدفعون أموالهم وأهليهم ثمناً لذلك، وهذا لا يكون إلاّ في الدنيا، والثاني : أن كل الناس يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة، إذن تعينت الرؤية في الدنيا وحينئذٍ نقول : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى أمراً مستحيلاً أم ممكناً؟ 
وعن أوس بن أوس (66) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليّ قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ( أي بليت) ؟ فقال : إن الله حرّم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء(67).
وعن أبي الدرداء (68) رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن أحداً لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها قال : قلت : وبعد الموت؟ قال : إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (69) .
والسؤال ما هو وجه المنع في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة إذا كانت صلاتنا عليه تعرض عليه؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة سيّاحين يبلغونني عن أمتي السلام (70).
فإذا كانت الملائكة تبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة أمّتهِ عليه، فلا بد أن في الأمر خصوصية من حيث إمكان الرؤية، كما لا يخفى أن عدم رؤية البعض لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا ينفي عدم وجودها لآخرين أو عدم وجوده في حقيقة الأمر، فقد روى ابن تيمية : إن الحسن البصري تغيّب عن الحجاج، فدخلوا عليه ست مرات فدعا الله عزّ وجلّ فلم يرهُ منهم أحد وكان أصحابه يرونه في تلك الساعة و لا يراهُ حجّاب الـحجاج (72) .
والسؤال أين كان الحسن البصري ساعة لم يكن الحرس يرونه؟ هل كان موجوداً أم كان معدوماً ؟ ولماذا يراه البعض ويحجب عنه البعض الأخر؟ .. وماذا يمكن أن نستدل بذلك على جواز رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة من بعض الناس دون بعض؟.
إن الخضر عليه السلام موجود يرى ويُرى من بعض صالحي هذه الأمة، وقد تواتر النقل عن كثير من صالحي الأمة منذُ الرسالة إلى يومنا هذا أنهّم يرونَ الخضر عليه السلام بأشكال عدّة، فإذا كان الخضر يُرى فلماذا لا يُرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنبياء والمرسلين؟ وإذا كان الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون فلماذا لا يكون الأنبياء أحياء أيضاً وهم أفضل من الشهداء؟ خاصة قد صح أنّه صلى الله عليه وسلم أمّهم ليلة الإسراء حيث صلّى الأنبياء خلفهُ (73) .
كما صح النقل عن قوم رأوا الخضر، فقد صحّ النقل عن قوم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرونه يقظة وهؤلاء القوم وإن لم يكونوا معصومين إلا إن صلاحهم وثقة الناس بهم ومدى خوفهم من الله ومدى حبهم لرسوله ومدى حذرهم من الكذب يجعلهم في حكم المعصومين في مسألة إخبارهم برؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة ومن هؤلاء الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الرفاعي و .. والشيخ النّبهاني رضي الله عنهم أجمعين .
وإذا قلنا : إن هذا الإنسان لا يكذب ولكنه يتخيل فالسؤال هو لماذا يحدث هذا التخيل لفلان من الناس دون فلان؟ وحينئذ فإن الجواب الوحيد هو : لأنّ فلاناً هذا كثير التفكر برسول الله صلى الله عليه وسلم فامتلأ عقله الباطن بصورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيّل إليه وهو من باب قوله عليه الصلاة والسلام : الرؤيا ثلاثة : فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء، وإذا رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل (74) .
وحينئذ نقول هل هذا من علامات الصلاح أو من علامات الفساد؟ ولا بد أن يكون الجواب هذا من علامات الصلاح إن يمتلئ قلبك بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كان الأمر كذلك فما هو وجه التشنيع على أمثال هؤلاء بالابتداع، والخرافة، والتدليس، والتلبيس ونحو ذلك، على فرض كونه تخيلاً، فماذا ونحن نبرهن على أنّه حقيقة ومشاهدة وصلاح نفس .
ولا شك أن من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام تكون له ميزة على غيره بالوعد بأنّه سيراه حقاً، كما هو نص الحديث من رآني في المنام فسيراني في اليقظة (75) فأين تكون هذه الرؤية؟ إن كانت في الآخرة فهي عامة لكل الناس من رآه في المنام ومن لم يره، وإن كانت في الدنيا فالأمر واضح، إلا أن النص الآخر الوارد في الحديث هو الذي النظر حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رأني في المنام فقد رأى الحق (76) أي رأى الأمر الحق، فالحق صفة لموصوف محذوف تقديره الأمر الحق، أو الرسول الحق، أو المقصود الحق وهكذا، فماذا يعني هذا التعبير وما المانع أن نقول : أن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام كرؤيته في اليقظة من حيث إن كليهما رؤية حقيقية لشخصه الكريم وهذه الرؤيا جزء من النبوّة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهبت النبوّة وبقيت المبشرات (77) وقد قال المفسرون كثيراً في قوله تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [يونس 62- 64 ] ومن المبشرات بل من أعظمها في الحياة الدنيا أن ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما يقول ابن تيمية رحمه الله في كلامه المتقدم عن كرامات الأولياء إن ذلك داخل في معجزات الأنبياء فقال بالحرف الواحد : وكرامـات أولياء الله إنما حصلت ببركة إتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم (78) .
وقد تواتر النقل عن بعض الناس رأوا بعض موتاهم يقظة في عرفات وحول قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن امرأة لا تزال على قيد الحياة وهي أستاذة جامعية تاهت في دولة أوربية في طريقها إلى محل زوجها هناك فأصابها من ذلك رعب شديد، حيث لم يعد معها من المال ما يكفي للعودة إلى مسكنها وأوشكت على الانهيار، إلاّ أنهّا فوجئت بوالدها المتوفى أمامها! فمدّ يدهُ إلى جيبهِ فأخرج لها مبلغاً من المال ودلّها على طريق العودة! وما من سبب يدعونا للشك في هذه القصة، حيث لا يوجد سبب واحد يدعوها لاختراعها، بل إنهّا هي الأخرى تتساءل عن تفسير ذلك وهي كالمذهولة، لأنهّا بعيدة عن فهم العالم الذي نتحدثّ عنه، نظراً لأن ثقافتها أجنبية رغم كونها تصلي وتصوم .
ما دمنا نسلّم بالخوارق على وجه العموم بشقّيها الكرامات و الإستدراجات فإن الإقرار ببعض وإنكار البعض الأخر تحكم من غير دليل، فما بالك؟!.