الاعتدال في الهيئة والتكوين
(من كتاب في الإنسان الوسط)
أولاً: الاعتدال في الهيئة والتكوين
وهو سلامة الإنسان من الآفات والأمراض المزمنة، والآفة هي أن يفقد الإنسان عضواً من أعضائه، أو يفقد خاصية عضو منها كالعمى والصم والبكم، ونحو ذلك من العاهات المستديمة التي تصاحب الإنسان مدة حياته.
والمرض المزمن هو أن يصاب الإنسان بعلة في جسمه، ويطول زمان هذه العلة ولا تكاد تفارقه، وهي الأمراض المستعصية التي يصعب علاجها، والإنسان الذي أصيب بشيء من هذين الأمرين ليس سوياً ولا معتدلاً في جسمه وتكوينه، ولذلك خفف الله عنه بعض التكاليف فقال سبحانه:
﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ (آية 17 من سورة الفتح)
فقد رفع الله الإثم والحرج في الجهاد والغزو في سبيل الله وكذلك في أداء فريضة الحج والعمرة إذا لم يجدوا من يحملهم أو يقودهم، وكذلك رفع الله الإثم عن المرضى في أداء فريضة الصيام، وذلك رحمة من الله به في مقابلة الضرر الذي أصابهم، لأن الله أوجب التكاليف على قدر طاقة كل إنسان قال تعالى:
﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾
(آية 286 من سورة البقرة)
وهؤلاء قد أصابهم عجز أو نقص في أعضائهم، أو مرض مزمن في أجسامهم، فخفف الله عنهم بعض الواجبات التي لا يقدرون على القيام بها، أو يقومون بها بمشقة فادحة أكبر من طاقتهم، مع أنهم لو قاموا بهذه الواجبات التي خففها الله عنهم فلهم أجرهم مضاعف إلى أضعاف كثيرة، على قد ما بذلوا وضحوا في سبيل أدائها فإن الأجر على قدر المشقة:
﴿وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
(آية 261 من سورة البقرة)
وهذا بخلاف غيرهم من الأصحاء الذين يقومون بأداء هذه الفرائض.
*********************
من كتاب: ( الإنسان الوسط)
لفضيلة الشيخ محمد علي سلامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق