وهي من المدارس التي شمل التكفير السلفي أكثر أعلامها، إن لم نقل كلهم، وقد نص على بعض النماذج من ذلك صراحة الشيخ سليمان بن سحمان، فقد صرح بتكفير السبكي والرملي شارح المنهاج فقال: (فهذا الرجل الشهاب الرملي إن كان من المعروفين بالعلم لأني لا أعرف حاله فهو من جنس السبكي وأضرابه الغالين الذين يصنفون في إباحة الشرك زاعمين أن ذلك من تعظيم الرسول ثم لو كان الرملي من أهل العلم.. هذا يوجب كفره وارتداده)([494])
فتطبيق هذا النص وحده على أعلام الشافعية كاف في تكفير جميع المدرسة، ذلك أن أكثر علماء الشافعية إن لم نقل كلهم كانوا إخوانا للسبكي والرملي، أو نسخا مشابهة لهما.. وحتى الذين يرضى عنهم السلفية مثل ابن حجر العسقلاني، فقد رأينا تصريحاتهم وتلميحاتهم في تكفيره، ومثله النووي، وسنرى تكفيرهم له في هذا المبحث.
بل قد صرح بعضهم بتكفير الشّافعي صاحب المذهب نفسه باعتباره قبوريا متصوّفا يزكّي أبا حنيفة، ومن زكى الكافر كافر، فقد قال: (الشّافعي العاذريّ الارتيابيّ المرجئ المذهبيّ الجلد قبوري متصوّف يزكّي أبا حنيفة الّذي أجمع السّلف على تكفيره. وترحّمه عليه في كتابه [الأمّ] يبيّن أنّ تضليله له عنى به في أقصى الحالات تبديعا دون تكفير) ([495])
واستدل على قبوريته بما رواه علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: (إنى لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا - فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى)([496])
بالإضافة إلى هذا فقد اتهم بالتشيع، واستندوا في ذلك كما ينقل الذهبي إلى موافقته الشيعة في عدة مسائل فقهية كالجهر بالبسملة والقنوت في صلاة الصبح والتختم باليمين([497]).
وقد قال عنه الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي: (هو ثقة، صاحب رأي ليس عنده حديث، وكان يتشيع)، وقد علق عليه الذهبي بعد أن نقل ذلك عنـه بقوله: (فكـان العجـلي يوهم في الإمام أبي عبد الله التشيع لقوله:
إن كان رفضاً حب آل محمد فلشهد الثقلان أني رافضي([498])
بل إن يحيى بن معين ـ إمام الجرح والتعديل على الإطلاق عند السلفية ـ حكم على الشافعي بأنه ليس بثقة، ومثله المحدث أبو عبيد القاسم بن سلام.
قال ابن عبد البر في [جامع بيان العلم وفضله]: (ومما نقم على ابن معين وعيب به أيضاً قوله في الشافعي أنه ليس بثقة، وقيل لأحمد بن حنبل: أن يحيى بن معين يتكلم في الشافعي. فقال أحمد: ومن أين يعرف يحيى الشافعي، وهو لا يعرف ولا يقول ما يقول الشافعي أو نحو هذا، ومن جهل شيئاً عاداه.. وقـد صح عن ابن معين من طـرق أنه كان يتكلم في الشافعي على ما قدمت لك حتى نهاه أحمد بن حنبل، وقال له: لم تر عيناك قط مثل الشافعي)([499])
أما النووي ـ شارح صحيح مسلم وغيره ـ فحاله لا يختلف عن حال ابن حجر، ذلك أن السلفية يرجعون كثيرا إلى كتبه، ويستدلون بها على خصومهم، وهذا ما جعلهم في حرج من التصريح بكفره، وإن كانوا يلمحون لذلك.
وقد كتب بعضهم كتابا في إثبات كفره، وفي الرد على السلفية المميعة والمرجئة ـ كما يذكر ـ وهو يلزمها بلوازم أقوالها في غيره، لأنه لامعنى أن يفرق بين الناس في الأحكام الشرعية.
والكتاب بعنوان [بيان تلبيس الأشعرية ونقض بدعهم الكفرية]، وهو لإبراهيم بن رجا الشّمّريّ، وقد قال في مقدمته في بيان وجوب تسمية المبتدعة والتحذير منهم: (والمبتدع حقه الإهانة والثناء بالشر والتحذير والحذر، قال طاووس للناس لما رأى مبتدعاً يطوف في البيت: (هذا فلان، فأهينوه)، والعمل بهذه الواجبات والسنن متوقفة على معرفة أصحابها ومعرفتهم متوقفة على معرفة سنن السلف ومنهجهم في هذا الباب، فصار الأمر في غاية الأهمية والضرورة لتحقيق هذا المطلوب والتقرب إلى الله عز وجل به، لأجل هذا وغيره صنف الأئمة مصنفات مستقلة في بيان حال أهل الزيغ والكلام، وذكروا في مقامات تبيين السنة أئمة السنة بأسمائهم، وجعلوا حب المرء وذكره لهم علامة على سنيته، وكذلك ذكروا رؤوس المبتدعة بأسمائهم وجعلوا ذكرهم علامة على ابتداع ذاكرهم، وقد قال الوليد الكرابيسي –وصدق- في وصف أهل السنة: (ألم تروا إلى الواحد منهم يجيء إلى الرجل الجليل فيبدعه، ويمزق في وجهه)، هكذا هم أهل السنة ساروا على ما كان يبايع به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه من (أن يقولوا الحق أينما كان ولا يخافوا في الله لومة لائم)، فالواجب على كل متبع صادق في اتباعه إعمال هذا المنهج في الحكم على الصغير والكبير مهما عظمت منزلت المرء عند بعض الخلق فلا يخاف السني في الله لومة لائم)([500])
وبناء على هذه الدوافع التي سنها السلفيون الأوائل، والتي لا يكون السلفي سلفيا إلا بمراعاتها، رد على المتقلبين من السلفية الذين يكيلون بالمكاييل المزدوجة، فيظهرون سلفيتهم مع من شاءوا، فيكفرونهم، ويتميعون مع آخرين، فيسكتون عنهم، فقال: (وبما أنه قد أثيرت في السنوات الأخيرة مسألة الحكم على بعض الأشخاص والموقف منهم ومن آثارهم من تصانيف ومؤلفات، وقد تناولها البعض بشيء من العاطفة وعدم الضبط لأصول أهل السنة في باب التبديع والحكم على المخالف مما نتج عنه فساد عظيم من نشر أصول بدعية وقواعد تمييعية لو طبقت لم تكد أن تبقي على الأرض مبتدعا، ولأظهرت منهج السلف عند إلتزامها –عياذا بالله- بصورة المنهج المتعسف الظالم الذي يخمد الحسنات ويطوي الخيرات ويذكر الهنات ويسقط العلماء بالزلات، ولأظهر أهله –وهم سلفنا الكرام- بصورة المنحرفين عن الطريق المستقيم وعن العدل حين الحكم في الرجال، والله المستعان على زمان فشت فيه البدع، وظهرت فيه الضلالات والموبقات حتى أصبح يصرخ ويقال لمن دعا إلى السنة (غيرت السنة)، ووالله (لو أن رجلا أنشر فيكم من السلف، ما عرف غير هذه القبلة) كما قال أبوقلابة رحمه الله تعالى في زمان هو خير من زماننا هذا)([501])
بناء على هذه الدوافع السلفية ذكر الكاتب دوافعه لاختيار النووي كشخصية تمثل المدارس الفقهية في غالب تاريخها، فقال: (لذا ارتأيت نشر هذه الرسالة مشاركة في الخير، ومن باب عدم حقران شيء من المعروف.. وقد اخترت من بين تلك الأسماء المشهورة والتي كانت سببا في إيقاع كثير من الشرور بناءا على الموقف منها: شارح صحيح الإمام مسلم يحيى بن شرف المعروف بـالنووي، وذلك لظهور حاله عند من خبره، مما يجعل النزاع لأجله والتبديع والتجديع للمحذر من طريقته والمبين لمنهجه نزاعا غريبا أجنبيا عن العلم وأهله لا ينبغي تركه من غير تحقيق المسائل التي تعلقت به والتي ترتب من ورائها ما ترتب من الآثار، وقد اختار قوم –ممن عرفوا الحق- الدعة والسلامة -فيما يظنونه – في ترك البيان لحقيقة هذه المسائل خوفا من ألسن الطاعنين من الجهلة والسفهاء وما أكثرهم، وهم في هذا قد وقعوا في شر عظيم وغش مبين)([502])
بناء على هذا قسم فصول الكتاب عارضا لأقوال النووي على محكات التكفير السلفية، والتي على أساسها كفر الجهمية والمعتزلة والصوفية وغيرهم.. وهو يطالب في ذلك كله أصحابه من السلفية الجبناء ـ كما يسميهم ـ بالتصريح بدل التمليح، وبترك الكذب على أنفسهم وعلى الناس.
وقد بدأ ذلك كله بذكر عقيدته ـ الجهمية كما يسميها ـ في العلو والجهة، فنقل من قوله في (شرح مسلم) قوله في حديث الجارية: (هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني تأويله بما يليق به فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان..)([503])
ثم نقل عن القاضي عياض قوله: (لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: 16] ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم، فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء أي على السماء، ومن قال من دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التنزيه بنفي الحد واستحالة الجهة في حقه سبحانه وتعالى تأولوها تأويلات بحسب مقتضاها)([504])
وقد علق الشمري على هذا النص بقوله: (حاصل هذا التقرير أن النووي لا يثبت العلو للعزيز القهار، وأنه يدور في كلامه الآنف الذكر على ما دارت حوله الجهمية الأوائل، قال محمد بن يحيى بن سعيد القطان: كان أبي وعبد الرحمن بن مهدي يقولان: (الجهمية تدور أن ليس في السماء شيء)، وأخرج عبدالله في السنة عن حماد بن زيد قال: (إن هؤلاء الجهمية إنما يحاولون يقولون: ليس في السماء شيء)، وقال جرير بن عبدالحميد: (كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله).. وعلق البخاري في خلق أفعال العباد وصححه ابن القيم عن وهب بن جرير قوله: (إياكم ورأي جهم، فإنهم يجادلون أنه ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، وما هو إلا الكفر)، فالنووي هنا إنما جنح في هذه المسألة إلى رأي جهم عياذا بالله)([505])
وبناء عليه حكم عليه بالكفر، وفي الصفحات الأولى من كتابه، ومن نص واحد من النصوص التي ذكرها في شرحه على صحيح مسلم.. وما زاد على ذلك، فهو تكفير على تكفير، وتضليل على تضليل.
وهكذا تعامل مع موقفه من حديث النزول، فقد قال النووي فيه: (هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء.. ومختصرهما أن أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد.. ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق.. والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف)([506])
وقد علق عليه بذكر كلام السلف في منكر النزول، واعتباره جهميا، ثم قال: (سبق بيان بطلان الزعم أن مذهب السلف التفويض وزاد هنا بلية أخرى وهي قوله (مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات)، وهذا كذب آخر على السلف فإن الحركة قد أثبتها عامة السلف والقول بنفيها هو المشهور عند الجهمية ومن وافقهم، يقول حرب الكرماني في السنة: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم... والله تبارك وتعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك)([507])
ونقل عن ابن تيمية في تكفير من يؤول هذا قوله: (..وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين، وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم، كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة، وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين، وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد ين منصور، وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة، فكل حي متحرك، وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات، الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم)([508])
وبعد أن أتى بالنصوص الكثيرة الدالة على تكفير السلف ـ بمن فيهم ابن تيمية ـ لمن أنكر النزول، أو أوله، أو فوض فيه، علق عليها بقوله ـ منكرا على من يسميهم المميعة الذين يكيلون بالمكاييل المزدوجة، فيوزعون التكفير بحسب المصلحة ـ: (فهذا شيء من أقوال السلف فيمن يرد حديث النزول، أما حاله عند كثير من الخلف هو: أن هذا لا ينقص من مكانته ولا علمه ولكل جواد كبوة، وليس من شرط العالم أن لا يزل.. وما دام قدم في خدمة السنة ما قدم فهو إمام)([509])
ثم رد على هذه الأقوال التي انتهجها أصحاب التكفير التلميحي بقوله: (فأقول نعم قولكم (هذا لاينقص من مكانته) هذا على طريقة الخلف، أما على سنن السلف فإن الأمر مختلف فإن تلبس المرء بالبدع مما ينقص مكانته عندهم بلا مثنوية كما قال السجزي عنهم: كان في وقتهم علماء لهم تقدم في علوم، واتباع على مذهبهم لكنهم وقعوا في شيء من البدع إما القدر، وإما التشيّع أو الإرجاء عرفوا بذلك فانحطت منزلتهم عند أهل الحق.. وأما إدخال هذه البدع الكفرية في قول من يقول (لكل جواد كبوة) باطل لازمه الطعن في السلف، إذ الكلام هنا عن (الكبوات الكبرى =البدع والضلالات الكبرى) فمن زعم أن لكل عالم كبوات من هذا الجنس فقد طعن في العلماء، وعلى رأس العلماء السلف الكرام، فانظر كيف وقع هؤلاء القوم في الطعن بالعلماء دفاعاً عن المنحرفين.. أما أنه (ليس من الشرط العالم أن لا يزل) فصحيح، ولكن من شرطه ألا يكثر منه أو يفحش في الزلات العظام، وإلا فما الفرق بين العالم والجاهل حينئذ، بل قد يصير العالم جاهلاً بزلة واحدة.. كما أنه قد يرفع اسم الإيمان –لا الإسلام- بزلة واحدة.. ثم إن العالم حقاً هو الفقيه المتبع لا المبتدع المخالف للسنة.. وأما قول القائل في معرض الكلام عمن وقع في بدع كبرى (كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه) غلو في الإرجاء، إذ جَعل الوقوع في هذه الضلالات من النبل، وهذا من أقبح الإرجاء عند (مرجئة التبديع=الذين لا يريدون أن يبدعوا إلا المعاند المتعمد في مخالفة الشرع).. وأما قولهم (ما دام قدم في خدمة السنة ما قدم فهو إمام) أقول نعم، هذا على طريقة المنتكسين من الخلف في حصانتهم البدعية لكل من توسع في معرفة المعلومات، أما سلفنا الصالح فوربي قد بدعوا وضللوا أناساً أفضل من الشارح بكثير كيعقوب بن شيبة والكرابيسي وداود الظاهري وغيرهم، ورضي الله عن حذيفة القائل (إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيصير بها منافقا، وإني لأسمعها اليوم من أحدكم عشر مرات).. فالرجل قد يخرج بكلمة واحدة من السنة بل من الإسلام)([510])
وهكذا تعامل معه في موقفه من تأويل صفة العين ـ كم يراها السلفية ـ كما نص على ذلك في شرحه لما رووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: (إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى): (معناه أن الله تعالى منزه عن سمات الحدث وعن جميع النقائص وأن الدجال مخلوق من خلق الله تعالى ناقص الصورة فينبغي لكم أن تعلموا هذا وتعلموه الناس لئلا يغتر بالدجال من يرى تخييلاته وما معه من الفتنة)([511])
وقد علق الشمري على هذا تعليقا مطولا بإيراد أقوال السلف في تنكير منكر هذا، أو مؤوله، ومما جاء فيه قوله: (هذا تعطيل لدلالة الحديث هربا من إثبات الصفة، فإن صفة العين ثابتة بالكتاب والسنة والآثار وقد أجمع العلماء وأئمة الدين على إثباتها.. قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد: (فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبت الخالق البارئ لنفسه، من العين، وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبته الله في محكم تنزيله، ببيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي جعله الله مبينا عنه، عز وجل، في قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44].. وقد قال ابن عثيمين في عقيدة أهل السنة والجماعة: (وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدجال (إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)([512])، وبهذا يعلم أن النووي في تأويله لهذه الصفة أيضا سلك مسلك الجهمية ومن وافقهم وخالف الكتاب والسنة والإجماع)([513])
وبعد أن ذكر الشمري فصولا كثيرة تبين وقوع النووي في التجهم والتعطيل، وأنه لا يصح السكوت عن تكفيره، كما لم يصح السكوت عن تكفير غيره، عقد فصلا خاصا بتوحيد الألوهية عند النووي، ليثبت فيه وقوعه في الشرك الجلي.. ليضم إلى تجهمه وتعطيله الشرك الجلي المخرج من الملة.
وقد قدم لذلك الفصل بما تنص عليه الرؤية السلفية، وخاصة الوهابية من تعظيم هذا النوع من التوحيد، فقال: (فإن من المعلوم لدى كل موحد –إن شاء الله- أن الله عزوجل خلق العباد لعبادته وتعظيمه.. وقد بين نبينا صلى الله عليه وآله وسلم التوحيد أتم بيان، وحمى جناب التوحيد أتم حماية وسد وسائل الشرك أكمل إسداد، وهذه المسألة =مسألة سد الوسائل المفضية إلى الشرك ـ مسألة عظيمة، فالشرك إنما حصل في هذه الأمة بسبب الفتنة في القبور والغلو فيها، وبسبب الغلو في الصالحين، والغلو في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالشرك إنما حصل في هذه الأمة بسبب هذه الأمور، منذ أن بنيت المساجد على القبور، ومنذ أن ظهر التصوف في هذه الأمة، والشرك يكثر ويتعاظم في هذه الأمة الا من رحم الله فالأمر خطير جدا.. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الصلاة عند القبور، ونهى عن الدعاء عند القبور، ونهى عن البناء على القبور، ونهى عن العكوف عند القبور، واتخاذ القبور عيدا، إلى غير ذلك، كل هذا من الوسائل التي تفضي إلى الشرك، وهي ليست شركا في نفسها، بل قد تكون مشروعة في الأصل، ولكنها تؤدي إلى الشرك بالله عز وجل، ولذلك منعها صلى الله عليه وآله وسلم.. وكره صلى الله عليه وآله وسلم إطلاق [الإستغاثة] عليه فيما يستطيعه، ويقدر عليه، حماية لجناب التوحيد، وسدا لذريعة الشرك، وإن كان يجوز إطلاقه فيما يقدر عليه المخلوق، فحماية جناب التوحيد من مقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قواعد هذه الشريعة المطهرة.. فالأمر في هذا الباب كما قال عبداللطيف آل شيخ: حماية جناب التوحيد، وسد الذرائع الشركية: من أكبر المقاصد الإسلامية)([514])
ثم ذكر من أدلة وقوع النووي في الشرك الجلي قوله في [المجموع] مبينا ما يستحب أن يقوله من يزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وقف أمام قبره، فقد قال: (ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا - يعني سائر الشافعية - عن العتبي مستحسنين له، قال: (كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله وأستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي)([515])
ثم علق على هذا بقوله: (وهذا القول خلل في التوحيد من الشارح –كفى الله المسلمين شره- فإن قوله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يتوسل به.. يستشفع به..)، ألفاظ يستمعلها هؤلاء المتصوفة ومرادهم منها السؤال والاستغاثة بالمخلوقين لا مجرد التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم حال سؤال الله تعالى، ولا يستغربن مستغرب عدي للشارح من المتصوفة فإنه متصوف جلد، وله كتاب اسمه [المقاصد] ذكر فيه أصول التصوف الخمسة، كما أنه قد أخذ الطريقة الصوفية من شيخه -في الخزعبلات!- ياسين المراكشي، كما قال السخاوي في كتابه [المنهل الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي] عن النووي نقلا عن السبكي في الطبقات الكبرى: شيخه في الطريق [ قلت: أي التصوف]: الشيخ ياسين المراكشي، الماضي، ويشهد له ما أسلفناه عن الذهبي في ترجمته: أن الشيخ كان يخرج إليه ويتأدب معه ويزوره، ويرجو بركته ويستشيره في أمور)([516])، وللنووي أذكار مشهورة لايزال المتصوفة يرونها بأسانيدهم متصلة إليه، فهذه حقيقة لا شك فيها عند المنصفين المطلعين، ولكن بعض الناس حالهم كما قال الله تعالى ﴿إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية﴾)([517])
ثم لخص حكمه على النووي بناء على ذلك النص، فقال: (والمقصود وبناءا على ما تقدم يقال هنا: إن أراد الشارح بالتوسل والاستشفاع أي: سؤال الله عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم متوسلا بذاته صلى الله عليه وآله وسلم فهذه بدعة شركية ووسيلة من وسائل الشرك الأكبر عياذا بالله، وإن أراد الشارح الاستدلال بهذا الأثر على سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاستغاثة به –وهي التي يسميها أصحاب الشارح من المتصوفة توسلا- فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، علما بأنه قد استدل غير واحد من الملاحدة بهذه القصة على دعاء الأموات والاستغاثة بهم منهم محمد الكسم وداود بن جرجيس وغيرهما من أهل الزندقة والشرك)([518])
هذه مجرد نماذج عن الموقف من فقيه محدث له وزنه في المذهب الشافعي خصوصا، وعند سائر المذاهب الإسلامية عموما.. ولا يخرج سائر فقهاء المدرسة الشافعية عن هذا النسيج، بل لعل فيهم من هو أكثر تطرفا بالنسبة للمواقف السلفية.
وسنذكر هنا بناء عليه نماذج أخرى، وخاصة منها تلك التي وقفت موقفا سلبيا من ابن تيمية وعقيدته.. وفي ذلك كفاية للدلالة على الكفر عند السلفية، لأن المنكر على ابن تيمية في العقيدة إما أن ينكر عليه في الصفات، فيكون بذلك جهميا مؤولا معطلا، أو ينكر عليه في الموقف من التوسل والاستغاثة والتبرك، فيكون بذلك قبوريا مشركا.
فمن هؤلاء الأعلام من الشافعية الذين يشملهم التكفير السلفي الفقيه الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد ابن الرفعة الشافعي المصري (المتوفى 710 هـ) الذي وصفه ابن قاضي شهبه الدمشقي في (طبقات الشافعية) بأنه (الشيخ العالم العلامة شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره)([519])، وقد كان من الذين انتدبوا لمناظرة ابن تيمية، وهذا يدل على خلافه معه في المسائل التي ذكرنا.
ومنهم المفتي قاضي القضاة الشيخ كمال الدين محمد بن علي بن عبدالواحد الزملكاني الأنصاري الشافعي (المتوفى 727 هـ) الذي انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي تدريساً وإفتاء ومناظرة، وله مؤلفات في الردّ على ابن تيمية منها (العمل المقبول في زيارة الرسول)([520])، وهو بذلك يصنف ضمن القبورية عند السلفية.
وقد ذكر ابن كثير ـ تلميذ ابن تيمية النجيب ـ معجزة تحققت لابن تيمية ـ تتعلق بابن الزملكاني، وكيف أن المنية عاجلته قبل عودته إلى الشام فمات في الطريق بسبب دعاء ابن تيمية، قال ابن كثير: (وكان من نيته الخبيثة إذا رجع إلى الشام متولياً أن يؤذي شيخ الإسلام ابن تيمية، فدعـا عليه فلم يبلغ أمله ومراده فتوفي في سحر يوم الأربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس)([521])
ومنهم المفتي المحدث الشيخ شهاب الدين أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن جهبل الحلبي (المتوفى 733 هـ)، وهو من علماء دمشق والقدس وكان مفتياً ومحدثاً ومعلماً، وصفه الذهبي قائلاً: (ابن جهبل العلامة، مفتي المسلمين)([522])، وله ردٌّ طويلٌ على ابن تيمية في نفي الجهة أورده السبكي في طبقات الشافعية الكبرى.. وذلك الرد وحده كاف لتكفيره عند السلفية.. فالجهة عندهم لا تقل عن التوحيد، بل تفوقه لأن منكر الجهة يقول بعدم الإله كما نص على ذلك سلفهم.
ومنهم الحافظ قاضي القضاة الشيخ تقي الدين علي السبكي الشافعي (المتوفى 756 هـ)، وهو من علماء الشافعية الكبار، بل هو مثلهم الأعلى، ويمثل طبقة كبيرة من العلماء في عصره ومن بعدهم إلى عصرنا الحالي.. ولذلك فإن تكفير السلفية له تكفير لكن من اتبعه أو استفاد منه أو اعتقد عقيدته.
ومن أهم ما يلزم السلفية بتكفيره زيادة على رميهم له ولأمثاله بالتجهم والتعطيل هو تلك المصنفات التي تجعله عندهم من القبورية والمشركين شركا جليا، فمن مؤلفاته: (شفاء السقام في زيارة خير الأنام)، و(الدرة المضية في الردّ على ابن تيمية)، و(شنّ الغارة على من أنكر سفر الزيارة)
وسأنقل هنا من رسالته (الدرة المضية في الردّ على ابن تيمية) ما يلزم السلفية بالحكم عليه بمثل ما حكم ابن عبد الوهاب على محمد بن فيروز الحنبلي، والذي كفره بأقل مما قاله وفعله السبكي وإخوانه من الشافعية، فقد محمد بن عبد الوهاب في ابن فيروز: (ولكن تعرف ابن فيروز أنه أقربهم إلى الإسلام وهو رجل من الحنابلة، وينتحل كلام الشيخ وابن القيم خاصة ومع هذا صنف مصنفاً أرسله إلينا قرر فيه هذا الذي يفعل عند قبر يوسف وأمثاله هو الدين الصحيح)([523])
أما السبكي فينكر ابن تيمية ومدرسته أصلا، فقد قال في [الدرة المضيئة]: (فإنه لما أحدثَ ابنُ تيمية ما أحدثَ في أصول العقائد، ونقضَ من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة، مظهراً أنه داعٍ إلى الحق هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتِّباع إلى الابتداع، وشذَّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع...)([524])
وقال في كـتابه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام): (اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى، وجـواز ذلك وحُسنه من الأمور المعلومة لكل ذي ديـن، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين، ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يُلبـس فيه على الضعفـاء الأغمار وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار.. وحسبك أن إنكار ابن تيمية للاستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله وصار به بين أهل الإسلام مُثلة)([525])
وقال في كـتابه (فتاوى في فروع الفقه الشافعي) عن ابن تيمية: (وهذا الرجل كنت رددت عليه في حياته في إنكاره السفر لزيارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وفي إنكاره وقوع الطلاق إذا حلف به، ثم ظهر لي من حاله ما يقتضي أنه ليس ممن يعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته إلى النقل لفهمه، كما في هذه المسألة، ولا في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره، وخروجه عن الحد جداً، وهو كان مكثراً من الحفظ ولم يتهذب بشيخ، ولم يرتض في العلوم، بل يأخذها بذهنه، مع جسارته واتساع خياله، وشغب كثير، ثم بلغني من حاله ما يقتضي الإعراض عن النظر في كلامه جملة، وكان الناس في حياته ابتلوا بالكلام معه للرد عليه، وحبس بإجماع المسلمين وولاة الأمور على ذلك ثم مات. ولم يكن لنا غرض في ذكره بعد موته لأن تلك أمة قد خلت، ولكن له أتباع ينعقون ولا يعون، ونحن نتبرم بالكلام معهم ومع أمثالهم، ولكن للناس ضرورات إلى الجواب في بعض المسائل)([526])
هذه أمثلة مما قاله في بعض كتبه ورسائله، وهو يدل على أن صفات أتباع ابن تيمية من السلفية المعاصرين للسبكي لا يختلفون في أي شيء عن أتباع أتباع ابن تيمية بعدهم إلى عصرنا، وكيف يختلفون ومأكل عقولهم ومشربها واحد، وهو تلك الكتب المليئة بالحقد والكراهية على جميع المسلمين، بل على جميع البشر.
ومن أتباع المدرسة الشافعية الذين سلط عليهم السلفية سيف التكفير الإمام الحافظ المفتي الشيخ صلاح الدين خليل العلائي الدمشقي المقدسي (المتوفى 760 هـ)، الذي ألف كتابا في مشروعية زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والرد على ابن تيمية في ذلك، وذلك ما يجعله قبوريا جلدا ـ كما يعبر السلفية ـ
ومنهم الحافظ قاضي القضاة العز بن جماعة (المتوفى 767 هـ) الذي ذكر المؤرخون أنه وقّع على فتوى ابن تيمية بعدم جواز شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأنبياء بقوله: (القائل بهذه المقالة ضال مبتدع)([527]).. وذلك يكفي لاعتباره قبوريا مشركا، بالإضافة لتجهمه وتعطيله الذي لا يخلو منه شافعي صادق الاتباع للشافعي.
ومنهم الشيخ عفيف الدين أبو السعادات اليافعي المكي الشافعي، (المتوفى 768هـ) صاحب الكتاب التاريخي المشهور (مرآة الجنان وعبرة اليقظان)، وقد أرخ فيه لسنة وفاة ابن تيمية بقوله: (وفيها مات بقلعة دمشق الشيخ الحافظ الكبير تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن تيمية معتقلاً، ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق.. سمع من جماعة وبرع في حفظ الحديث والأصلين، وكان يتوقد ذكاء ومصنفاته قيل أكثر من مائتي مجلد، وله مسائل غريبة أنكر عليه فيها وحبس بسببها مباينة لمذهب أهل السنة، ومن أقبحها نهيه عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطعنه في مشائخ الصوفية العارفين كحجة الإسلام أبي حامد الغزالي والأستاذ الإمام أبي القاسم القشيري والشيخ ابن العريف والشيخ أبي الحسن الشاذلي وخلائق من أولياء الله الكبار الصفوة الأخيار.. وكذلك عقيدته في الجهة وما نقل عنه فيها من الأقوال الباطلة، وغير ذلك مما هو معروف في مذهبه)([528])
وهذا النص وحده كاف عند السلفية لإدانيته بالتصوف والتجهم والقبورية والشرك الجلي والطعن في المقدسين المعصومين من أهل الحديث.
ومنهم قاضي القضاة المحدث الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي (المتوفى 771هـ)، صاحب (طبقات الشافعية الكبرى) وغيرها من المؤلفات التي لا يزال الشافعية وغيرهم يعتمدونها، وهو لا يختلف عن والده في عقيدته أو مواقفه من ابن تيمية.
وقد قال في ترجمته لوالده الحافظ السبكي الذي مر معنا في هذا المبحث، والذي كان معاصرا لابن تيمية ومن المتصدين له: (إمامٌ ناضح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنضاله وجاهد بجداله ولم يلطخ بالدماء حد نصاله، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره فلم يخط على بعد الديار سهمه الراشق ولم يخف مسام تلك الدسائس فهمهالناشق، ثم لم يزل حتى نقى الصدور من شبه دنسها ووقي من الوقوع في ظلم حندسها، قام حين خلط على ابن تيمية الأمر وسول له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر حين سد باب الوسيلة يغفر الله له ولا حرمها، وأنكر شدّ الرحال لمجرد الزيارة لا واخذه الله)([529])
ومنهم المحدث الكبير الذي يرجع إليه السلفية كثيرا في كتبه ومنظوماته الحديثية مع أنهم يكفرونه الحافظ زين الدين عبدالرحيم بن الحسين العراقي (المتوفى 804 هـ) الذي نقل عنه تلميذه الحافظ بدر الدين العيني في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) ما يدل على كونه قبوريا جلدا ـ كما يعبر السلفية ـ فقد قال ناقلا عنه: (.. وأما تقبيل الأماكن الشريفة على قصد التبرك وكذلك تقبيل أيدي الصالحين وأرجلهم فهو حسن محمود باعتبار القصد والنية، وقد سأل أبو هريرة الحسن أن يكشف له المكان الذي قبله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو سرته فقبله تبركاً بآثاره وذريته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان ثابت البناني لا يدع يد أنس حتى يقبلها ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال أيضاً: وأخبرني الحافظ أبو سعيد بن العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ، أن الإمام أحمد سُئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيل منبره فقال: لا بأس بذلك. قال: فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت أحمد عندي جليل يقوله؟ هذا كلامه أو معنى كلامه. وقال: وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم فكيف بمقادير الصحابة وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)([530])
وقيمة هذا النص أنه يضع كلا الإمامين الكبيرين الشافعي وأحمد تحت سطوة السيف التكفيري السلفي، خاصة وأن الذي ذكر هذا موثوق عندهم في الفن الذي يتصورون أنهم يحتكرونه علم الحديث.
وقد ذكرنا سابقا أن الرؤية التي يتصورها أصحاب المذاهب لأئمة مذاهبهم تختلف اختلافا جذريا عن الرؤية السلفية، ولهذا فإن من الحيل التي يستعملها من ينفي التكفير عن السلفية هو قولهم: نحن لا نكفر أصحاب مالك ولا الشافعي.. وهم يريدون بذلك أصحابهم الذين يتصورون أنهم يتبعون أولئك الأئمة بحسب الصورة السلفية.
وهكذا عندما يقولون: لا نكفر أصحاب الأشعري، فالأشعري عندهم مختلف عن أشعري الأشعرية ذلك أنهم ينسبون إليه كتاب الإبانة الذي لا يختلف عن كتب ابن بطة والبربهاري، وأصحاب المدرسة الأشعرية ينكرون ذلك الكتاب.. والعبرة يما يقول أصحاب المدرسة، لا بما يقول غيرهم.
ومنهم الحافظ الشيخ ولي الدين نجل الحافظ زين الدين العراقي (المتوفى 826 هـ) الذي كفر كما كفر والده بسبب انـتقاداته على ابن تيـمية، وذلك في كتابه (الأجوبة المرضية في الردّ على الأسئلة المكية)
ومنهم الإمام الفقيه تقي الدين أبي بكر الحسيني الحصني الشافعي (المتوفى 829 هـ) الذي تهجوه كل كتب السلفية بسبب انتقاداته الشديدة على ابن تيمية، ومن تصريحاته التي تثبت قبوريته ـ كما يعبرون ـ قوله: (زيارة قبر سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكرّم ومجّد من أفضل المساعي وأنجح القرب إلى رب العالمين وهي سُنة من سنن المسلمين ومجمع عليها عند الموحدين ولا يطعن فيها إلا من في قلبه خبث ومرض المنافقين، وهو من أفراخ السامرة واليهود وأعداء الدين من المشركين، ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شدّ الرحال إليه على ممر الأزمان من جميع الأقطار والبلدان سواء في ذلك الزرافات والوحدان، والعلماء والمشايخ والكهول والشبان، حتى ظهر في السنين الخداعة مبتدع من حـران لبّـس على أتباع الدجال ومن شابههم من شين الأفهام والأذهان، وزخرف لهم من القول غروراً كما صنع إمامه الشيطان فصدهم بتمويهه عن سبل أهل الإيمان، وأغواهم عن الصراط السوي إلى بُنيات الطريق ومدرجة الشيطان فهم بتزويقه في ظلمة الخطأ والإفك يعمهون، وعلى منوال بدعته يهرعون، صُمّ بُكم عُميّ فهم لا يعقلون)([531])
وقال في مقدمة كتابه (دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد) الذي ألفه في الرد على ابن تيمية، وفي حيله التي كان يعتمدها هو وأتباعه: (.. ثم اعلم أن مثل هؤلاء لا يقدرون على مقاومة العلماء إذا قاموا في نحره فجعل له مخلصاً منهم بأن ينظر إلى من الأمر إليه في ذلك المجلس، فيقول له ما عقيدة إمامك؟ فإذا قال: كذا وكذا قال: أشهد أنها حق، وأنا مخطيء، واشهدوا أني على عقيدة إمامك وهذا كان سبب عدم إراقة دمه، فإذا انفض المجلس أشاع أتباعه أن الحق في جهته ومعه، وأنه قطع الجميع، ألا تروه كيف خرج سالماً؟ حتى حصل بسبب ذلك افتتان خلق كثير، لا سيما من العوام، فلما تكرر ذلك منه علموا أنه إنما يفعل ذلك خديعة ومكراً، فكانوا مع قوله ذلك يسجنونه، ولم يزل ينتقل من سجن إلى سجن حتى أهلكه الله عز وجل في سجن الزندقة والكفر. ومن قواعده المقررة عنده وجرى عليها أتباعه التوقي بكل ممكن، حقاً كان أو باطلاً ولو بالأيمان الفاجرة، سواءً كانت بالله عزوجل أو بغيره)([532])
وقال ـ مبينا بعض خدع ابن تيمية، والتي لا يزال السلفية المعاصرون يستعملونها ـ: (ثم اعلم قبل الخوض في ذكر بعض ما وقع منه وانتقد عليه أنه يؤكد في بعض مصنفاته كلام رجل من أهل الحق ويدس في غضونه شيئاً من معتقده الفاسد، فيجري عليه الغبي بمعرفة كلام أهل الحق فيهلك وقد هلك بسبب ذلك خلق. وأعمق من ذلك أنه يذكر أن ذلك الرجل ذكر ذلك في الكتاب الفلاني وليس لذلك الكتاب حقيقة وإنما قصده بذلك انفضاض المجلس، ويؤكد قوله بأن يقول ما يبعد أن هذا الكتاب عند فلان، ويسمى شخصاً بعيد المسافة، كل ذلك خديعة ومكراً وتلبيساً، لأجل خلاص نفسه، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)([533])
وقال: (إن ابن تيمية الذي كان يوصف بأنه بحر من العلم، لا يستغرب فيه ما قاله بعض الأئمة عنه من أنه زنديق مطلق، وسبب قوله ذلك أنه تتبع كلامه فلم يقف له على اعتقاد حتى أنه في مواضع عديدة يكفر فرقة ويضللها وفي آخر يعتقد ما قالته أو بعضه، مع أن كتبه مشحونة بالتشبيه والتجسيم، والإشارة إلى الازدراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والشيخين وتكفير عبدالله بن عباس وأنه من الملحدين، وجعل عبدالله بن عمر من المجرمين وأنه ضال مبتدع)([534])
ونحن وإن كنا لا نحبذ التكفير من أي طرف من الأطراف، لكن قيمة كتاب الحصني أنه كشف تلك الدسائس والحيل التي كان ابن تيمية يمارسها، والتي لا يزال أتباعه للأسف يفعلونها بحذاقة.. وكيف لا يفعلوها وهو إمامهم المقتدى، وشيخ إسلامهم المعتبر.
ومنهم قاضي القضاة الشيخ نجم الدين عمر بن حجي السعدي الشافعي (توفي 830 هـ)، فمن أقواله في ابن تيمية ـ التي تدينه عند السلفية، بل تكفره ـ: (هذا الرجل المسئول عنه في الاستفتاء كان عالماً متعبداً، ولكنه ضلّ في مسائل عديدة عن الطريق المستقيم والمنهج القويم، لا جرم سجن بسجن الشرع الشريف بعد الترسيم وأفضى به إعجابه بنفسه إلى الجنوح إلى التجسيم الذي ابتدعتهاليهود الذين أشركوا بالواحد الأحد المعبود. وتغالى فيه أصحابه وأتباعه حتى قدموه على جميع الأئمة وعلى علماء الأمة. وهجر مذهب الإمام أحمد الذي أتباعه بالإجماع أولى وأحمد، ورد عليه العلماء المحققون. وسجنه حكام الشريعة الأقدمون ونودى بدمشق أن لا ينظر أحدٌ في كلامه وكتبه وهرب كلٌّ من أتباعه ومَن هو على مذهبه واعتقاده. والعجب كل العجب من جُهَّال حنابلة هذا الزمان يغضبون إذا قيل لهم: (أخطأ ابن تيمية)، وربما اعتقد بعضهم أن قائل ذلك ملحد، ولا يغضبون إذا قيل لهم: أخطأ الشافعي وأبو حنيفة ومالك والإمام أحمد. اللهم اشهد أني برئ من كل مجسم ومشبه ومعطل وإباحي وحلولي واتحادي وزنديق وملحد ومن كل من خالف اعتقاد أهل السنة والجماعة. وبرئ من كل من منع من زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن شدّ الرحل إليه ومن زيارة قبور الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين. اللهم وإني أسألك وأتوسل إليك بسيد الأولين والآخرين رسول رب العالمين والأولياء والصالحين أن تحييني على الإسلام وتميتني على الإيمان على اعتقاد أهل السنة والجماعة سالمـاً من اعتقاد أهل الزيغ والضلال والبدع والإضلال.)([535])
ومنهم الحافظ شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني (المتوفى 923 هـ) صاحب (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية)، وهو بالمعايير السلفية بالإضافة لتجهمه وتعطيله قبوري مشرك، فقد قال في (المواهب اللدنية) عن ابن تيمية: (وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام شنيع عجيب يتضمن منع شد الرحال للزيارة النبوية المحمدية، وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، وردّ عليه الشيخ تقي الدين السبكي في (شفاء السقام) فشفى صدور المؤمنين)([536])
ومنهم الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي (المتوفى 974 هـ) المشهور بانتقاداته الشديدة على ابن تيمية، وفيها ما يكفي للدلالة على تكفيره ـ على حسب المعايير السلفية ـ فمن أقوال في ابن تيمية: (ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله، وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب كما سيأتي، والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن بل يرمى في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله.. وأخبر عنه بعض السلف أنه ذكر عليّ بن أبي طالب في مجلس آخر فقال: إن علياً أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان، فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ عليّ بزعمك)([537])
وقال في (الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم): (فإن قلت كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله؟.. قلت: من ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعول في شيء من أمور الدين عليه، وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة: عبد أضله الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه، وباه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان.. حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس منزه سبحانه وتعالى عن كل نقص والمستحق لكل كمال أنفس، فنسب إليه العظائم والكبائر، وأخرق سياج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين حتى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، وخمدت تلك البدع وزالت تلك الظلمات، ثم انتصرت له أتباع لم يرفع الله تعالى لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)([538])
ومنهم المحدث محمد بن عبدالرؤوف المناوي الشافعي (المتوفى 1031 هـ) صاحب (فيض القدير شرح الجامع الصغير) الذي يعتبر مرجعا كبيرا في شرح الحديث وتخريجه، والسلفية ـ وخصوصا الألباني ـ يرجعون إليه كثيرا، وإن كانوا يكفرون صاحبه.
بل إنه هو نفسه يكفرهم، فقد قال في شرح حديث (أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته): (والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته، أما من كفـر بها، كمنكر العلم بالجزئيات، وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون، أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه، فلا يوصف عمله بقبول ولا ردّ لأنه أحقر من ذلك)([539])، وهذا النص وحده كاف في تكفيره لهم، وتكفيرهم له.
ومنهم المحدث الشيخ محمد بن علي الصديقي المكي الشافعي (المتوفى 1057 هـ صاحب (المبرد المبكي في الردّ على الصارم المنكي)، في الرد على كتاب ابن عبدالهادي تلميذ ابن تيمية، والذي يعتمد عليه السلفية في مناقب شيخهم.. والكتاب وحده كاف في الدلالة على تكفيره بمعاييرهم المختلفة: التجهم والتعطيل والقبورية وغيرها.
ومنهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي المصري، (المتوفى 1069 هـ) صاحب (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض)، فقد قال في فصل عقده لزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم: (وزيارة قبره سنة مأثورة مستحبة مجمع عليها، أي على كونها سنة، ولا عبرة بمن خالف فيها كابن تيمية.. واعلم أن هذا الحديث هو الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيم إلى مقالته إلى مقالته الشنيعة التي كفـروه بها، وصنف فيها السبكي مصنفاً مستقلاً وهي منعه من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشدّ الرحال إليه.. فتوهم أنه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها، فإنها لا تصدر عن عاقل فضلاً عن فاضل سامحه الله عزوجل)([540])
ومنهم الشيخ رضوان العدل بيبرس الشافعي المصري (المتوفى 1303 هـ) وهو الذي قال مؤرخا للوهابية في كتـابه (روضة المحتـاجين لمعرفة قواعـد الدين): (ثم ظهر بعد ابن تيمية محمد بن عبدالوهـاب في القرن الثاني عشر، وتبع ابن تيمية وزاد عليه سخفاً وقبحاً، وهو رئيس الطائفة الوهابية قبحهم الله، وتبرأ منه أخوه الشيخ سليمان بن عبدالوهاب وكان من أهل العلم)([541])
ومنهم المحدث عبد ربه بن سليمان القليوبي الأزهري، (كان حياً في عام 1377 هـ) صاحب كتاب (فيض الوهاب في بيان أهل الحق ومن ضل عن الصواب)، وهو كتاب ضخم في ستة أجزاء في الردّ على ابن تيمية وابن عبدالوهاب والسلفية جميعا، وذلك وحده كاف لإدانته وتكفيره.
ومن كلامه في ابن تيمية قوله: (ابن تيمية الذي أجمع عقلاء المسلمين أنه ضال مضل، خرق الإجماع وسلك مسالك الابتداع، الذي ما ترك أمراً مخالفاً ولا مبدءاً معارضاً لما عليه إجماع المسلمين إلا وسلكه، فكان كل من كان على هذا المبدأ من أهل الضلالة المقابل لأهل الحق يدعو إلى هذا المبدأ، وهم حزب الشيطان المقابل لحزب الرحمن، إذ الأمر في الدين اثنان لا ثالث لهما)([542])
ومنهم العلامة الجليل الشهيد الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي يتهمه السلفية بكل ما يتهمون به سائر الشافعية وأصحاب المذاهب المختلفة بالتجهم والتعطيل والقبورية والشرك ونحوها.. وقد ذكرنا في كتابنا [لحوم مسمومة] موقف السلفية المتشدد منه، واعتباره رأسا من رؤوس الضلال، فلا نعيده هنا.
وقد ختم حياته رحمه الله بالشهادة على أيديهم.. فهنيئا له بها، ورزقنا الله مثلها.
ومنهم العلامة المعاصر الجليل المحدث الشيخ محمود سعيد بن ممدوح الشافعي، صاحب التحقيقات الكثيرة في الحديث وغيره، والذي يتهم بكل ما اتهم به الشافعية من تجهم وتعطيل وقبورية بالإضافة للرفض.. لانتصاره لآل البيت وأتباعهم.
ومن أقواله التي لا تحمل إلا على الكفر ـ عند السلفية ـ قوله: (وآخرون يتولون العترة المطهرة، ولكن بحد وإلى مقام لا يتجاوزونه البتة، فتراهم يأتون إلى كل فضيلة لعليّ عليه السلام ثابتة بالأحاديث الصحيحة فيتأولونها دفعاً بالصدر لتوافق بعض المذاهب، فإذا جاء في الأحاديث الصحيحة أن علياً مولى المؤمنين وأنه لا يغادر الحق وأنه أعلم وأشجع الصحابة وأسبقهم إسلاماً وهو الكرار الذي لم يهزم، إلى غير ذلك اشتغلوا بتأويل الأحاديث الصحيحة بما يوافق المذهب، وازداد بعضهم جحـوداً بالالتجاء إلى منـهاج بـدعة ابن تيمـية فيعولون عليه في نفي خصائص عليّ عليه السلام، وتدعيم أسـس النّصـب)([543])
هذه مجرد نماذج عن تكفير السلفية لأعيان المدرسة الشافعية، ومن شاء أن يستزيد، فليذهب للمكتبة الشافعية، وليقرأ ما كتبه أعلامها ابتداء من القرون الأولى لظهورها، وسيكتشف في كل كتاب منها من النصوص ما يضع صاحبه في سجلات التكفير السلفية الضخمة.
الكتاب: معجزات علمية
المؤلف: د. نور الدين أبو لحية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق