السبت، 21 أكتوبر 2017

السلفية الوهابية والموقف من الإمام إبي حنيفة والإمام ابن حجر


بناء على تلك الأقوال السابقة التي اعتبرها السلفية معايير في الحكم على الأمة وأعلامها الكبار، نحب أن نذكر هنا نموذجا بسيطا للموقف الذي اتخذه سلف السلفية من أبي حنيفة (المتوفى: 150هـ) صاحب المذهب المعروف، والمنتشر في كثير من بلاد العالم الإسلامي في القديم والحديث.
وسنعتمد في ذلك على المرجع السابق، باعتباره يمثل وجهة نظر كبار أعلام السلف الأوائل من أحمد بن حنبل وغيره من أصحابه وممن سبقه أو لحقه، وقد عنون عبد الله بن أحمد لهذا التكفير والتطاول على أبي حنيفة بهذا العنوان [ما حفظت عن أبي وغيره من المشايخ في أبي حنيفة]
ومن تلك الروايات التي أوردها ما رواه عن إسحاق بن منصور الكوسج، قال: قلت لأحمد بن حنبل: يؤجر الرجل على بغض أبي حنيفة وأصحابه؟ قال: إي والله([274]).
وروى عن سعيد بن سلم، قال سألت أبا يوسف وهو بجرجان عن أبي حنيفة، فقال: (وما تصنع به مات جهميا)([275])، وقال: قلت لأبي يوسف أكان أبو حنيفة يقول بقول جهم؟ فقال: (نعم)([276])
وروى عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، يقول: (هو دينه ودين آبائه يعني القرآن مخلوق)([277])
وروى عن أبي يوسف، قال: (أول من قال: القرآن مخلوق أبو حنيفة)([278])
وروى عن حازم الطفاوي قال: وكان من أصحاب الحديث: (أبو حنيفة إنما كان يعمل بكتب جهم تأتيه من خراسان)([279])
وروى عن عمر بن حماد بن أبي حنيفة، قال: أخبرني أبي حماد بن أبي حنيفة، قال: أرسل ابن أبي ليلى إلى أبي فقال له: تب مما تقول في القرآن أنه مخلوق وإلا أقدمت عليك بما تكره، قال: فتابعه قلت: يا أبه كيف فعلت ذا؟ قال: (يا بني خفت أن يقدم علي فأعطيت تقية)([280])
وروى عن سفيان الثوري قوله: قال لي حماد بن أبي سليمان: (اذهب إلى الكافر يعني أبا حنيفة فقل له: إن كنت تقول: إن القرآن مخلوق فلا تقربنا)([281])
وروى عن سفيان الثوري، قال: سمعت حمادا، يقول: (ألا تعجب من أبي حنيفة يقول: القرآن مخلوق، قل: له يا كافر يا زنديق)([282])
وروى عن عبدة بن عبد الرحيم، قال دخلنا على عبد العزيز بن أبي رزمة نعوده أنا وأحمد بن شبويه وعلي بن يونس فقال لي عبد العزيز: يا أبا سعيد، عندي سر كنت أطويه عنكم فأخبركم، وأخرج بيده عن فراشه فقال سمعت ابن المبارك يقول: سمعت الأوزاعي يقول: (احتملنا عن أبي حنيفة كذا وعقد بأصبعه، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثانية، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثالثة العيوب حتى جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم نقدر أن نحتمله)([283])
وروى عن الأوزاعي، أنه ذكر أبا حنيفة فقال لا أعلمه إلا قال ينقض عرى الإسلام([284])
وروى عنه أيضا قوله: (أبو حنيفة ضيع الأصول وأقبل على القياس)([285])، وقوله: (ما ولد في الإسلام مولد أشر من أبي حنيفة وأبي مسلم وما أحب أنه وقع في نفسي أني خير من أحد منهما وأن لي الدنيا وما فيها)([286])، وقوله: (لو كان هذا الخطأ في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأوسعهم خطأ، ثم قال: ما ولد في الإسلام مولد أشأم عليهم من أبي حنيفة)([287])
وروى عن سلام بن أبي مطيع قوله: (كنت مع أيوب السختياني في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه، فلما رآه أيوب قال لأصحابه: قوموا لا يعدنا بجربه، قوموا لا يعدنا بجربه)([288])
وروى عن أيوب قوله: (لقد ترك أبو حنيفة هذا الدين وهو أرق من ثوب سابري)([289])
وروى عن ابن عون قوله: (ما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام من أبي حنيفة)([290])
وروى عن معرف قال: دخل أبو حنيفة على الأعمش يعوده فقال: يا أبا محمد لولا أن يثقل، عليك مجيئي لعدتك في كل يوم، فقال الأعمش: من هذا؟ قالوا: أبو حنيفة، فقال: (يا ابن النعمان أنت والله ثقيل في منزلك فكيف إذا جئتني)([291])
وروى عن سفيان بن سعيد قوله: (ما ابن يحطب بسيفه أقطع لعرى الإسلام من هذا برأيه يعني أبا حنيفة)([292])
وروى عن مالك أنه ذكر أبا حنيفة فذكره بكلام سوء وقال: (كاد الدين، وقال: من كاد الدين فليس من الدين)([293])، وقوله: (أيذكر أبو حنيفة ببلدكم؟) قلت: نعم، قال: (ما ينبغي لبلدكم أن يسكن)([294])، وقوله: (أبو حنيفة من الداء العضال.. أبو حنيفة ينقض السنن)([295])، وقوله: (ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة)([296])
وروى عن شريك بن عبد الله قوله: (لأن يكون في كل ربع من أرباع الكوفة خمار يبيع الخمر خير من أن يكون فيه من يقول بقول أبي حنيفة)([297])، وقوله: (أصحاب أبي حنيفة أشد على المسلمين من عدتهم من لصوص تاجر قمي)([298])
وروى عن أسود بن سالم قوله: (إذا جاء الأثر ألقينا رأي أبي حنيفة وأصحابه في الحش)، ثم قال لي أسود: (عليك بالأثر فالزمه أدركت أهل العلم يكرهون رأي أبي حنيفة ويعيبونه)([299])
وروى عن محمد بن جابر قوله: سمعت أبا حنيفة، يقول: (أخطأ عمر بن الخطاب، فأخذت كفا من حصى فضربت به وجهه)([300])
هذه مجرد نماذج عن مواقف سلف السلفية الأوائل من أبي حنيفة، وأحقادهم عليه، وهي تبين لنا بعض أسرار تلك العدوانية الموجودة في السلفية، وكيف لا يكونون كذلك، وهم يقدسون رجالا هذا شأنهم، وهذا أدبهم، وهذا تعاملهم مع قرين من أقرانهم، وزميل من زملائهم في العلم.
والسلفية الذين يمارسون التقية يغضون الطرف عن أمثال هذه النصوص، ويكتمونها، ولا يتجرؤون أبدا على الإنكار عليها، لأنهم لو فعلوا فسيعتبرون من الطاعنين في أهل الحديث.. ولا يطعن فيهم إلا زنديق.
وقد ذكرنا هذا النموذج لنطبقه بعد ذلك على جميع أعلام الأمة من أصحاب المدارس المختلفة الذين يتفقون مع أبي حنيفة في كل ما طرحه من آراء ابتداء من القول بخلق القرآن.
وهو من النماذج التي أوقعت السلفيين في حيرة كبيرة، بل جعلتهم يكفر بعضهم بعضا بسببه، لأن ابن حجر يقول بما تقوله الأشاعرة، بل الجهمية، فيؤول كل ما اعتبروا تأويله، ولا يثبت الجهة لله، ولا يثبت المكان، ويعطل كل الصفات التي يتعلق بها السلفية في تكفير الجهمية والمدارس الكلامية.
وهو فوق ذلك من العلماء الذين لا يعذرون بجهلهم، بل هو مطلع على ما كتبه ابن تيمية، بل هو فوق ذلك يتعرض له، وينتقده بشدة..
ولكنه مع ذلك علم من الأعلام الذين لا يستطيعون الاستغناء عنهم، فهم يلجؤون إلى تحقيقاته كل حين، ويستفيدون منها، ويستدلون بها على خصومهم، وتكفيرهم له يشكل حرجا كبيرا بالنسبة لهم، وفرصة سانحة لأعدائهم.
لذلك وقفوا كله وقفوا منه موقفين متناقضين:



من كتاب : معجزات علمية
المؤلف: د. نور الدين أبو لحية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق