على الرغم من أن السلفية المسلحة لم تكن سوى نتيجة لتلك الدعوات الكثيرة الصريحة من دعوة السلفية العلمية للجهاد في أفغانستان، بل كان ابن باز وهيئة كبار العلماء هم أنفسهم من يتولى توجيه من يسمونهم المجاهدين لحرب الروس.. لكنهم وبمجرد أن انتهت الحرب الأفغانية، وانتهى استعمالهم فيها، وبدأ السلفيون المسلحون الذين ربوهم على أعينهم يوجهون حروبهم للعدو الأمريكي الجديد.. هنا تغير الموقف السلفي العلمي بسبب تغير الموقف السياسي، وتحول المجاهدون في لحظة واحدة إلى خوارج ومفسدين في الأرض.
ولهذا فقد حصل ارتباك كبير في المجتمع السلفي بسبب الموقف المتجدد من أسامة بن لادن حتى انتشر بينهم خبر يذكر أن اللجنة الدائمة للإفتاء ترى أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة على الحق ظاهرين وأن التنظيم خلافة إسلامية، ولهذا سارعت هذه اللجنة بإصدار بيان يكذب هذا، جاء فيه: (اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من بعض السائلين والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (336) وتاريخ 6/3/1432هـ حول ما نشر في بعض مواقع الشبكة العنكبوتية من فتوى مزورة ومكذوبة على اللجنة، وقد أعطيت رقماً وتاريخاً من فتوى أخرى ومهرت بتواقيع مركبة للأعضاء. وقد تضمنت هذه الفتوى المكذوبة أن اللجنة الدائمة تذكر أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة على الحق ظاهرين، وأن التنظيم خلافة إسلامية، إلى آخر ما جاء في هذه الفتوى من البهتان والزور والكذب على اللجنة الدائمة. وبناء على ذلك فإن اللجنة الدائمة تبين الأمور الآتية: أولاً: ما نسب إلى اللجنة في هذه الفتوى المزورة كذب وبهتان لا نقر به ولا نرضى عنه، والله حسيب وطليب من كتب هذه الفتوى وعمل على إخراجها.. ثانياً: لا يخفى حكم الشريعة فيمن تقول على شخص كلاماً لم يقله، ونسب إليه ما لم يصدر عنه، وأنه بفعله هذا آثم مرتكب لجرم يستحق عليه العقاب الشرعي.. ثالثاً: تقرر الجنة أن ما جاء في هذه الفتوى المزورة المكذوبة - هو بحمد لله تعالى - ظاهر البطلان، بيّن الكذب، لا ينطلي على من له أدنى معرفة بالبيانات والقرارات الصادرة عن هيئة كبار العلماء وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعلماء هذه البلاد، فإن المدعو الضال أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة متقرر لدى العلماء ضلال مسلكهم، وشناعة جرمهم، وأنهم بأقوالهم وأفعالهم ما جرّوا على الإسلام والمسلمين إلا الوبال والدمار، وكل عاقل، فضلاً عن عالم، يدرك انحراف هذا المسلك، وأنه لا يجوز لمسلم أن ينتسب إلى تنظيم القاعدة، ولا أن يرضى بأفعاله، ولا أن يتكتم على المنتسبين إليه.. رابعاً: لا يجوز التساهل مع مروجي الأقوال الكاذبة والشائعات الباطلة لا سيما إذا كانت منسوبة إلى أهل العلم الذين يبينون الشرع، ويفتون السائلين لما يؤدي إليه هذا التساهل من آثار خطيرة وكبيرة على المسلم فرداً والمسلمين جماعة)([1123])
وبعد ذلك نشرت بيانات وفتاوى ومنشورات كثيرة تكفر هذه الجماعات، وتعتبرهم خوارج، وليسوا مجرد بغاة، ومن ذلك قول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في أسامة بن لادن ـ الذي كان يباركه، ويعتبره مجاهدا ومضحيا ـ: (إن أسامة بن لادن من المفسدين في الأرض، ويتحرى طرق الشر الفاسدة وخرج عن طاعة ولي الأمر)([1124])
وفي لقاء مع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في جريدة [الرأي العام الكويتية] قال الشيخ مقبل الوادعي: (أبرأ إلى الله من بن لادن فهوشؤم وبلاء على الأمة وأعماله شر)
وسئل في اللقاء: (الملاحظ أن المسلمين يتعرضون للمضايقات في الدول الغربية بمجرد حدوث انفجار في أي مكان في العالم؟)، فأجاب: (أعلم ذلك، وقد اتصل بي بعض الأخوة من بريطانيا يشكون التضييق عليهم، ويسألون عما إذا كان يجوز لهم إعلان البراءة من أسامة بن لادن، فقلنا لهم تبرأنا منه ومن أعماله منذ زمن بعيد، والواقع يشهد أن المسلمين في دول الغرب مضيق عليهم بسبب الحركات التي تغذيها حركة الإخوان المفلسين أو غيرهم، والله المستعان)
وسئل: ألم تقدم نصيحة إلى أسامة بن لادن؟، فأجاب: (لقد أرسلت نصائح لكن الله أعلم إن كانت وصلت أم لا، وقد جاءنا منهم إخوة يعرضون مساعدتهم لنا وإعانتهم حتى ندعو إلى الله، وبعد ذلك فوجئنا بهم يرسلون مالا ويطلبون منا توزيعه على رؤساء القبائل لشراء مدافع ورشاشات، ولكنني رفضت عرضهم، وطلبت منهم ألا يأتوا إلى منزلي ثانية، وأوضحت لهم أن عملنا هو دعوي فقط ولن نسمح لطلبتنا بغير ذلك)([1125])
وهذا الحوار يشير إلى الدور الجهادي الذي كانت تقوم به السلفية العلمية قبل أن تولي ظهرها لهذه الحركات المسلحة، وإلا كيف يرسل الناس أموالا لشراء السلاح إن لم يكونوا قد وجهوا من قبل هذه الوجهة.. وكذلك في استئذانهم لإعلان البراءة من أسامة بن لادن، فذلك يدل أنهم كانوا قبل ذلك يقبلونه ويتولونه.
وسئل الشيخ أحمد النجمي:(أحسن الله إليك هذا سائل يقول قد صح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(لعن الله من آوى محدثاً)، هل هذا الحديث ينطبق على دولة طالبان وخاصة أنهم يؤون الخوارج ويعدونهم في معسكر الفاروق الذي يشرف عليه أسامة بن لادن)، فأجاب الشيخ: (لا شك أن هؤلاء يعتبروا محدثين،و هؤلاء الذين آووهم داخلون في هذا الوعيد الذي قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم واللعنة التي لعنها من فعل ذلك،(لعن الله من آوى محدثاً) فلو أن واحداً قتل بغير حق وأنت أويته وقلت لأصحاب الدم ما لكم عليه سبيل ومنعتهم، ألست تعتبر مؤوياً للمحدثين!)([1126])
نكتفي بهذه النماذج من أقوالهم لشهرة إنكار السلفية العلمية على السلفية المسلحة، واعتبارهم من الخوارج، ولذلك لا نحتاج إلى ذكر أي نماذج من الكتب الكثيرة المؤلفة في حقهم.
الكتاب: معجزات علمية
المؤلف: د. نور الدين أبو لحية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق