السبت، 21 أكتوبر 2017

السلفية الوهابية وتكفير الأمة بسبب قضايا فقهية فرعية


ذكرنا في كتاب [التراث السلفي تحت المجهر] أن التراث السلفي لم يكتف بوضع المسائل النظرية فقط في الجانب العقدي، وإنما أضاف إليها الكثير من المسائل العملية، والتي ترتبط بالفقه، كمسح الخفين، وغيرها.
ومن تلك المسائل التي أولاها السلفية ـ وخاصة أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ اهتماما كبيرا، وكفروا الأمة على أساسها، ما يرتبط بتعظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين والتوسل والتبرك بآثارهم وزيارة قبورهم ونحو ذلك.
والتي حولها السلفية من قضايا فرعية فقهية ـ مختلف فيها في أحسن الأحوال ـ إلى قضايا أصلية عقدية يعتبر مشركا شركا جليا كل من أقر ذلك أو فعله أو سكت عمن فعله.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للفتوى برئاسة ابن باز هذا السؤال: (يقول بعض العلماء (إن التوسل قضية فقهية لا قضية عقيدة) كيف ذلك؟)، فأجابت: (التوسل إلى الله في الدعاء بجاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ذاته أو منزلته غير مشروع؛ لأنه ذريعة إلى الشرك، فكان البحث فيه لبيان ما هو الحق من مباحث العقيدة، وأما التوسل إلى الله بأسمائه جل شأنه وبصفاته وباتباع رسوله والعمل بما جاء به من عقيدة وأحكام فهذا مشروع)([344])
بناء على هذا سنسوق هنا بعض النصوص الواضحة في تكفير الشيخ محمد بن عبد الوهاب للأمة جميعا فيما يتعلق بهذا النوع من المسائل، ذلك أن البعض ممن لا يقرؤون، أو لا يستعملون عقولهم عند القراءة يجادلون في ذلك ويشنعون على من يقول به.
فقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في [كشف الشبهات]: (بيان أن توحيد العبادة هو معنى لا إله إلا الله وأن الكفار في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أعرف بمعناها من بعض من يدعي الإسلام وهذا التوحيد هو معنى قولك (لا إله إلا الله) فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكا، أو نبيا، أو وليًّا، أو شجرة، أو قبرا، أو جنيا لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك. وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ (السيد) فأتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها. والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذه الكلمة هو (إفراد الله تعالى) بالتعلق و(الكفر) بما يعبد من دونه والبراءة منه، فإنه لما قال صلى الله عليه وآله وسلم قولوا (لا إله إلا الله) قالوا ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5] فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني. والحاذق منهم يظن أن معناه لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله)([345])
فهذه الكلمات الخطيرة تحوي تصريحات بكفر كل الأمة ما عداهم، ذلك أنه يعتبر أن كل متوسل أو متبرك بالقبور والأشجار ونحوها مشركا شركا جليا، بل هو يتهم العلماء بذلك الشرك الجلي.
بل هو يعتبرهم أعداء يدعو لحربهم بكل الوسائل، فيقول: (وجوب التسلح بالكتاب والسنة لدحض شبهات الأعداء إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج. فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير سلاحا لك تقاتل به هؤلاء الشياطين.. ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حجج الله والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 173] فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان)([346])
وهو يشير بقوله هذا، وبكل صراحة لكل علماء عصره ومن سبقهم ممن يقولون بالتوسل والتبرك..  يقول الشيخ حسن بن فرحان المالكي معلقا على النص السابق: (هذا تكفير واضح لعدد كبير من العلماء ويستحيل في العادة أن يوجد مثل هذا العدد الكبير (ألف) من العلماء الكفار في بلد واحد؛ فاعرف هذا فإنه مهم وهو من أدلة من يتهم الشيخ بتكفير من لم يتبعه!! والشيخ وأتباعه يقولون: معاذ الله أن نكفر المسلمين لكن هذا المسلم عند الشيخ له شروط طويلة يختلف فيها مع العلماء قبل العوام ولا تكاد تنطبق إلا على من يقلده ويتبعه)([347])
وبناء على هذا التكفير المطلق نرى ابن عبد الوهاب وأتباع مسيرته التكفيرية يقتدون به في ذلك، فيعممون التكفير على كل بلاد المسلمين ما عدا بلادهم التي يسكنون فيها والتي يسمونها [بلاد التوحيد]
يقول الشيخ حسن بن فرحان المالكي مبينا تاريخ الوهابية بعد ابن عبد الوهاب: (جاء تلاميذ الشيخ ومقلدوه رحمهم الله وسامحهم ليواصلوا التكفير فقالوا بتكفير من وافق أهل بلده في الظاهر وإن كان يرى خطأهم ومحب الشيخ في الباطن، وتكفير قبائل  قحطان والعجمان، وتكفير أهل حايل، وتكفير من خرج إلى البلدان خارج بلدان الدعوة إذا كان يرى إسلام أهل تلك البلدان.. وتكفير أهل مكة والمدينة، وتكفير الدولة العثمانية، بل وتكفير من لا يكفرها! وتكفير الإباضية..)([348])    
ونحب أن ننقل هنا تأكيدا لكلام المالكي من [الدرر السنية في الأجوبة النجدية]، وهو من مصادر السلفية المعتبرة لتضمنه لرسائل الشيخ ابن عبد الوهاب وأبنائه وتلاميذه، ما يدل على تكفيرهم لجميع بلاد العالم الإسلامي ما عدا بلادهم التي يقيمون فيها.
ونبدأ ذلك بتكفيرهم لأهل الحرمين الشريفين مكة والمدينة، فقد ورد في الدرر السنية هذا النص الخطير: (وما ذكرت من جهة الحرمين الشريفين، الحمد لله على فضله وكرمه، حمدا كثيرا كما ينبغي أن يحمد، وعز جلاله، لما كان أهل الحرمين آبين عن الإسلام، وممتنعين عن الانقياد لأمر الله ورسوله، ومقيمين على مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضلال والفساد، وجب علينا الجهاد بحمد الله فيما يزيل ذلك عن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير استحلال لحرمتهما)([349])
وهكذا نراهم يكفرون الدولة العثمانية، ويكفرون من توقف في تكفيرها، ويكفرون كل من أعانها ووقف معها، ففي [الدرر السنية في الأجوبة النجدية] سئل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، عمن لم يكفر الدولة [يقصد الدولة العثمانية في ذلك الحين]، ومن جرهم على المسلمين، واختار ولايتهم وأنه يلزمهم الجهاد معه؛ والآخر لا يرى ذلك كله، بل الدولة ومن جرهم بغاة، ولا يحل منهم إلا ما يحل من البغاة، وأن ما يغنم من الأعراب حرام؟)، فأجاب بقوله: (من لم يعرف كفر الدولة، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله،؛ فإن اعتقد مع ذلك: أن الدولة مسلمون، فهو أشد وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله، وأشرك به؛ ومن جرهم وأعانهم على المسلمين، بأي إعانة، فهي ردة صريحة. ومن لم ير الجهاد مع أئمة المسلمين، سواء كانوا أبرارا أو فجارا، فهو لم يعرف العقائد الإسلامية، إذا استقام الجهاد مع ذوي الإسلام، فلا يبطله عدل عادل ولا جور جائر؛ والمتكلم في هذه المباحث، إما جاهل فيجب تعليمه، أو خبيث اعتقاد، فتجب منافرته ومباعدته)([350])
ومثله هذا النص الخطير الذين يوزع التكفير على الأمة جميعا: (فلا يعصم دم العبد وماله، حتى يأتي بهذين الأمرين: الأول: قوله: لا إله إلا الله، والمراد معناها لا مجرد لفظها، ومعناها هو توحيد الله بجميع أنواع العبادة.. الأمر الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، والمراد بذلك تكفير المشركين، والبراءة منهم، ومما يعبدون مع الله. فمن لم يكفر المشركين من الدولة التركية، وعباد القبور، كأهل مكة وغيرهم، ممن عبد الصالحين، وعدل عن توحيد الله إلى الشرك، وبدّل سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالبدع، فهو كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين؛ فإن الذي لا يكفر المشركين، غير مصدق بالقرآن، فإن القرآن قد كفر المشركين، وأمر بتكفيرهم، وعداوتهم وقتالهم قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله في نواقض الإسلام (من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من دعا علي بن أبي طالب، فقد كفر، ومن شك في كفره، فقد كفر.. الأمر الثالث: مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: ظاهرة المشركين، وإعانتهم على المسلمين، بيد أو بلسان أو بقلب أو بمال، فهذا كفر مخرج من الإسلام، فمن أعان المشركين على المسلمين، وأمد المشركين من ماله، بما يستعينون به على حرب المسلمين اختيارا منه، فقد كفر)([351])
بل إن أتباع ابن عبد الوهاب لم يرحموا حتى أولئك الذين يحبونهم ويوالونهم من أهل الحجاز أواليمن أوالشام أو غيرها ما دام حبهم لم يخرج إلى الخارج، ولم يظهر في الواقع، فقد ورد في الدرر السنية هذه الرسالة من الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: (اعلم، رحمك الله: أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفاً منهم ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين؛ هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم، ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل، وأعانهم عليه بالنصرة والمال ووالاهم، وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود القباب والشرك وأهلها، بعد ما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله؟ فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر، من أشد الناس عداوة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، وهو الذي يستولي عليه المشركون، فيقولون له: اكفر، أو افعل كذا وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً: أنه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا)([352])
بل لم يرحم السلفية وأتباع ابن عبد الوهاب وتلاميذه حتى أولئك الذين يقيمون معهم، ويعتقدون بمعتقداتهم، ولكنهم يجمعون معها اعتقادهم بإسلام غيرهم من المسلمين، ففي الدرر السنية: (.. من يسافر إلى بلاد المشركين للتجارة، ويرجع إلى بلده في المسلمين، فهؤلاء قسمان أيضا: قسم ينزه دينه عن الصلاة وراء أئمتهم، ولا يأكل ذبحهم، ولا يركن إليهم بالمودة ولين الكلام، ويكفرهم، ولا يسلم عليهم، فهذا لا يعادى ولا يهجر، لأن بعض الصحابة سافر، ودخل بلاد الشرك للتجارة. والقسم الثاني: من يسافر إليهم، ويعتقد إسلامهم، وربما فضلهم على المسلمين، فهذا له حكم هذه الآية:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [النساء: 51-52]. وهذا يوجد من كثير، يفضل أهل الشرك، ويجادل عنهم، فهذا تجب عداوته وهجره. وما أكثر هذا الضرب في الناس! فإنه يعاقب بالطبع على قلبه، حتى لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، بل تراه كالمنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة: 67]. ومن تدبر الكتاب والسنة، عرف ذلك. وأكثر الناس يتعصب لأهل الباطل، إما لأجل دنيا أو رياسة أو قرابة.. والفقيه الذي ينزل نصوص الكتاب والسنة على الواقع، فينفذ الحكم فيهم على وفق النص، ولا يقدم عادة الناس أو حظوظ نفسه، أو الخوف من أذاهم، فيداهن في دين الله فيهلك مع الهالكين)([353])
وبناء على هذا نرى الكتب والرسائل التي تؤرخ للوهابية تعتبر كل من خالف ابن عبد الوهاب مرتدا، فقد ورد في الدرر السنية: (وسئل أيضا: شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، لما ارتد طائفة من أهل العيينة، ولما ارتد أهل حريملاء أن يكتب كلاما ينفع الله به.فأجاب..)([354])،  وما أجاب به طبع في رسالة تلقى أهمية كبيرة لدى السلفية اسمها [مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد]
وهكا يذكر ابن غنام في [تاريخ نجدلابن غنام]، وهو الكتاب الذي أرخ للدعوة الوهابية: (وفي شوال من هذه السنة 1165هـ ارتد أهل حريملاء.. وفي أواخر هذه السنة 1166هـ ارتد أهل منفوحة)([355]

الكتاب: معجزات علمية
المؤلف: د. نور الدين أبو لحية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق