اجتماع الجاسوس البريطاني همفر مع ابن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية
- اجتماع همفر بابن عبد الوهاب
وجدت
مكانا عند نجّار تعاقدت معه... وكان اسمه (عبد الرضا) وكان شيعيا فارسيا
من أهالي (خراسان)، وقد انتهزت فرصة وجودي عنده أن أتعلم منه اللغة
الفارسية، وكانت الشيعة العجم يجتمعون عنده كل عصر ويتكلمون بكل أقسام
الكلام من سياسة إلى اقتصاد، وكانوا يتهجمون على حكومتهم كثيرا كما يتهجمون
على الخليفة في الآستانة، أما إذا جاء زبون لا يعرفونه انقطعوا عن الكلام
وأخذوا يتكلمون في قضاياهم الشخصية، وأني لا أعلم كيف وثقوا بي كل هذه
الثقة، لكني علمت أخيرا أنهم ظنوا أني من أهالي (أذربيجان) حيث علموا أني
أعرف اللغة التركية، وساعدهم على هذا الظن لوني المائل إلى البياض، اللون
الغالب على أهالي (أذربيجان)، وهنا على هذا الحال تعرفت على شاب كان يتردد
على هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث التركية والفارسية والعربية، وكان في زى
طلبة العلوم الدينية ويسمى (محمد عبد الوهاب)، وكان شابا طموحا للغاية
عصبي المزاج، ناقما على الحكومة العثمانية. وكان سبب صداقته مع صاحب المحل
(عبد الرضا) هو أن الاثنين كانا ناقمين على الخليفة، وأني لا أعلم من أين
كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية مع أنه كان من أهل السنة وكيف صادق مع
(عبد الرضا) الشيعي؟ إن كل الأمرين لم يكونا غريبين، ففي البصرة يلتقي
السني بالشيعي كأنهما أخوة كما يعرف الكثير من القاطنين في البصرة اللغتين
الفارسية والعربية، وأن كثيرا منهم يعرف أيضا اللغة التركية .
9-) همفر يصف ابن عبد الوهاب
كان
الشاب الطموح (محمد) يقلد نفسه في فهم القرآن والسنة، ويضرب بآراء
المشايخ. ليس مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب، بل بآراء أبي بكر وعمر
أيضا بعرض الحائط. إذا هو فهم من الكتاب على خلاف ما فهموه الآخرين، وكان
يقول أن الرسول قال أني مخلف فيكم الكتاب والسنة، ولم يقل أني مخلف فيكم
الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب، ولذا فالواجب الكتاب والسنة مهما كانت
أراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك. وقد جرى يوما حوار بين (محمد
عبد الوهاب) وبين أحد علماء فارس اسمه الشيخ (جواد القمّي) الذي كان ضيفا
عند (عبد الرضا) على مائدة الطعام التي ضيفنا عليها عبد الرضا في داره،
وكان يحضر بعض أصدقاء صاحب البيت، فجرى بين محمد والشيخ جواد القمي حوار
عنيف لم أحفظه كله، وإنما حفظت مقتطفات منه.
10-) ابن عبد الوهاب والشيخ الشيعي
قال له القمي : إذا كنت أنت متحررا ومجتهدا كما تدّعي فلماذا لا تتبع عليا كالشيعة؟
قال محمد : لأن عليا مثل عمر وغيره ليس قوله حجة، وإنما الحجة الكتاب والسنة فقط
قال القمي : ألم يقل الرسول (أنا مدينة العلم وعلي بابها) إذاً ففرق بين علي وباقي الصحابة
قال محمد : إذا كان قول علي حجة فلماذا لم يقل الرسول (كتاب الله وعلي بن أبي طالب)؟
قال القمي : بل قال حيث قال (كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وعلي سيّد العترة
أنكر
محمد عبد الوهاب أن يكون الرسول قال ذلك، لكن الشيخ القمي جاء بأدلة مقنعة
حتى سكت محمد ولم يجد جوابا. لكن محمد اعترض عليه وقال: إذا قال الرسول
كتاب الله وعترتي فأين سنة الرسول؟
قال القمي : سنة الرسول هي شرح لكتاب الله، فلما قال الرسول كتاب الله وعترتي أراد كتاب الله بشرحه الذي هو السنة
قال محمد : أليس كلام العترة شرحا لكتاب الله؟ فما الحاجة إليهم؟
قال
القمي : لما مات الرسول احتاجت الأمة إلى شرح القرآن شرحا يطابق حاجيات
الزمن، ولذا فالرسول أرجع الأمة إلى الكتاب كأصل وإلى العترة كشرح له فيما
يتجدد من حاجات الزمن .
لقد أعجبت أنا بهذا البحث أيما أعجاب، ورأيت إنما محمدا الشاب أمام القمي كالعصفور في يد الصياد لا يتمكن تحركا .
11-) همفر يجد في ابن عبد الوهاب ضالته
ووجدت
في (محمد عبد الوهاب) ضالتي المنشودة، فإن تحرره وطموحه من مشايخ عصره،
ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من
القرآن و السنة، كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلى
نفسه، وأين هذا الشاب المغرور من ذاك الشيخ التركي الذي درست عنده في
تركيا؟ فإنه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شيء. إنه كان إذا أراد أن يأتي
باسم أبي حنيفة (كان الشيخ حنفي المذهب) قام وتوضأ ثم ذكر اسم أبي حنيفة،
وإذا أراد أن يأخذ كتاب البخاري – و هو كتاب عظيم عند أهل السنة يقدسونه
أيما تقديس – قام وتوضأ ثم أخذ الكتاب. أما الشيخ محمد عبد الوهاب فكان
يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء. وكان يقول عن نفسه أني أكثر فهما من أبي
حنيفة، وكان يقول أن نصف كتاب البخاري باطل.
12-) همفر وابن عبد الوهاب والصلة القوية
لقد
عقدت بيني وبين محمد أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار وأبين
له أنه أكثر موهبة من (علي وعمر) وأن الرسول لو كان حاضرا لأختارك خليفة له
دونهما. وكنت أقول له دائما آمل في تجديد الإسلام على يديك فإنك المنقذ
الوحيد الذي يرجى به انتشال الإسلام من هذه المسقطة.
13-) همفر يحاور ابن عبد الوهاب
قررت
مع محمد أن نناقش تفسير القرآن على ضوء أفكارنا الخاصة لا على ضوء فهم
الصحابة والمذاهب والمشايخ، وكنا نقرأ القرآن ونتكلم عن نقاط منها. كنت
أقصد منها إيقاع محمد في الفخ، وكان هو يسترسل في قبول أفكاري ليظهر نفسه
بمظهر المتحرر، وليجلب ثقتي أكثر فأكثر. قلت له ذات مرة : الجهاد ليس
واجبا، قال : كيف وقد قال الله (جاهد الكفار)؟ قلت له يقول (جاهد الكفار
والمنافقين)، فإذا كان الجهاد واجبا فلماذا لم يجاهد الرسول المنافقين؟ قال
محمد : جاهدهم الرسول بلسانه. قلت : إذا فجهاد الكفار أيضا واجبا باللسان.
قال : لكن الرسول حارب الكفار. قلت : حرب الرسول كان دفاعا عن النفس حيث
أن الكفار أرادوا قتل الرسول فدفعهم. فهز محمد رأسه علامة الرضا .
14-) ابن عبد الوهاب وصفية [البريطانية]
وقلت له ذات مرة أن متعة النساء جائزة
قال : كلا
قلت : فالله يقول فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن
قال : عمر حرم المتعة قائلا : متعتان كانتا على عهد رسول الله و أنا أحرمهما وأعاقب عليهما .
قلت
: أنت تقول أنا أعلم من عمر فلماذا تتبع عمر؟ ثم إذا قال عمر أنه حرمها
وأن الرسول حللها فلماذا تترك رأي القرآن ورأي الرسول وتأخذ برأي عمر؟
فسكت، ولما وجدت سكوته دليل الاقتناع، وقد أثرت فيه الغريزة الجنسية (ولم
تكن له إذ ذاك زوجة)، قلت له : ألا نتحرر أنا وأنت ونتخذ (متعة) نستمتع
بها؟ فهز رأسه علامة الرضا، وقد اغتنمت أنا هذا الرضا أكبر اغتنام، وقررت
موعدا لآتي بامرأة ليتمتع بها، من أجل أن أكسر خوفه من مخالفة الناس. لكنه
اشترط على أن يكون الأمر سرا بيني وبينه وأن لا أخبر المرأة باسمه. فذهبت
فورا إلى بعض النساء المسيحيات اللاتي كن مجندات من قبل وزارة المستعمرات
لإفساد الشباب المسلم، ونقلت لها كامل القصة، وجعلت لها اسم (صفيّة) وفي
يوم الموعد ذهبت بالشيخ محمد إلى دارها، وكانت الدار خالية إلا منها،
فقرأنا أنا والشيخ صيغة العقد مدة أسبوع، وأمهرها الشيخ نقدا ذهبا، فأخذت
أنا من الخارج وصفية من الداخل نتراوح على توجيه الشيخ محمد عبد الوهاب.
وبعدما أخذت صفية من الشيخ كل مأخذ، وتذوق محمد حلاوة مخالفة أوامر الشريعة
تحت غطاء الاجتهاد والاستقلال في الرأي والحرية، في اليوم الثالث من
المتعة أجريت مع محمد حوارا طويلا عن (عدم تحريم الخمر)، واستدليت بآيات
القرآنية وأحاديث زيفتها وقلت له لقد صح أن معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية
وخلفاء بني العباس كانوا يتعاطون الخمر فهل من الممكن أن يكون كل أولئك على
ضلال وأنت على صواب؟ أنهم لا شك كانوا أفهم لكتاب الله وسنة الرسول مما
يدل على أنهم لم يفهموا التحريم وإنما فهموا الكراهة والإعافة، وفي الأسفار
المقدسة لليهود والنصارى إباحة الخمر، فهل يعقل أن يكون الخمر حراما في
دين وحلالا في دين؟ والأديان كلها من إله واحد؟ ثم أن الرواة رووا أن عمر
شرب الخمر حتى نزلت الآية (فهل أنتم منتهون) ولو كانت الخمرة حراما لعاقبه
الرسول. فعدم عقاب الرسول دليل الحلية .
15-) ابن عبد الوهاب ومعاقرة الخمرة
أخذ
يسمعني محمد بكل قلبه، ثم تنهد وقال : بل تثبت في بعض الأخبار أن عمر يكسر
الخمر في الماء و يشربها، ويقول أن سكرها حرام، لا إن لم تكن تسكر. ثم
أردف محمد قائلا : وكان عمر صحيح الفهم في ذلك لأن القرآن يقول (إنما يريد
الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر
الله وعن الصلاة)، فإذا لم تُسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التي ذكرت في
الآية وعليه فلا نهى عن الخمر، إذا لم تكن مسكرة .
أخبرت
(صفية) بما جرى، وأكدت عليها أن تسقي محمد في هذه المرة الخمرة مغلفة
ففعلت وأخبرتني أن الشيخ شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدة مرات في تلك
الليلة، وقد رأيت أنا آثار الضعف والنحول عليه غداة تلك الليلة. وهكذا
استوليت أنا وصفية على الشيخ محمد استيلاء كاملا. ويا لها من روعة تلك
الكلمة الذهبية، قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته (إنا استرجعنا أسبانيا
من الكفار (يقصد المسلمين) بالخمر والبغاء، فلنحاول أن نسترجع سائر بلادنا
بهاتين القوتين العظيمتين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق