بناء على ما سبق من تصريحات أعلام السلفية المتقدمين والمتأخرين بتكفير كل من يقع في أحد المكفرات العقدية أو الفقهية التي فصلناها في المبحث السابق، فإننا نحاول هنا أن ننظر في مدى انطباق تلك التكفيرات على المدارس الفقهية الكبرى في الأمة، من المدرسة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.
وقبل ذلك نحب أن نذكر هنا تصريحات ونصوصا من علم كبير من أعلام السلفية، ومن أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تبين وجوب تكفير كل من انطبقت عليه المكفرات بأنواعها المختلفة، وعدم جواز التوقف في ذلك.
وعنوان الرسالة هو [تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة] وهي من تأليف الشيخ المحدث الأصولي: إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
وهي من جملة رسائل وكتب كثيرة ألفت في الموضوع، لتبرر ما فعله ابن عبد الوهاب من تكفيره للمسلمين وحربه لهم، ومنها [مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد] للشيخ محمد بن عبد الوهاب، و[رسالة الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين] للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين.
وقد ذكر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ دوافعه لتأليفه الرسالة، فقال: (بلغنا وسمعنا من فريق يدعى العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب إن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه، وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستغاث به، فقال له الرجل: لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه، وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم، بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين [وهو أيضاً من الجهمية من علماء مكة([379]) ] وكانوا قد لفقوا لهم شبهات على دعواهم يأتي بعضها في أثناء الرسالة ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد غروا بها بعض الرعاع من أتباعهم ومن لا معرفة عنده ومن لا يعرف حالهم ولا فرق عنده ولا فهم. متحيزون عن الإخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم ومداهنون لهم وقد استَوحشوا واستُوحِش منهم بما أظهروه من الشبه وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين وعند التحقيق لا يكفرون المشرك إلا بالعموم وفيما بينهم يتورعون عن ذلك ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان)([380])
وتحليل هذا النص وحده كاف في الدلالة على تكفير السلفية للأمة جميعا.. فهذا العلم الكبير من أعلام السلفية يصف علماء مكة بالجهمية الكفار.. ويصف عوام الناس من غيرهم بالمشركين.. بل يتهم حتى الموالين لهم بالتذبذب بين الإيمان والكفر بسبب نقص ولائهم وترددهم في تكفير المسلمين بأعيانهم.
ثم ذكر سبب ذلك، فقال: (وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول وعدم الاعتناء بها وعدم الخوف من الزيغ رغبوا عن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قدس الله روحه - ورسائل بنيه فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشبه جداً كما سيمر)([381])
وقد أشرنا سابقا إلى ما تحويه تلك الكتب من تكفير مطلق ومعين لكل الناس، وحتى الموالين الذين يترددون حكموا عليهم بالكفر.
ثم بين أن إطلاق الكفر على أوصاف معينة كاف بمفرده للتعيين من دون حاجة لتسمية كل شخص، فقال: ( ومن له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحير جداً ولا حول ولا قوة إلا بالله وذلك أن بعض من أشرنا إليه بحثته عن هذه المسألة فقال: نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى واحمد ربك واسأله العافية، فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي [يقصد داود بن جرجيس الذي رد عليه الشيخ عبد اللطيف في كتابه منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس] التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستدلهم فقال نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد - قدس الله روحه - على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبهه، فانظر ترى العجب ثم اسأل الله العافية وأن يعافيك من الحور بعد الكور، وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه ذات يوم يقرر على أصل الدين ويبين ما فيه ورجل من جلسائه لا يسأل ولا يتعجب ولا يبحث حتى جاء بعض الكلمات التي فيها ما فيها فقال الرجل ما هذه كيف ذلك فقال الشيخ قاتلك الله ذهب حديثنا منذ اليوم لم تفهم ولم تسأل عنه فلما جاءت هذه السقطة عرفتها أنت مثل الذباب لا يقع إلا على القذر أو كما قال)([382])
ثم أخذ يرد على هذه الشبهة، ويقرر أن التعيين واجب وضرورة، ولا يصح أن يراعى فيه أحد، فقال: (ومما هو معلوم بالإضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة المعتبر وهو ما كان عليه الصحابة وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك فمن تقرر عنده الأصل تقريراً لا يدفعه شبهة وأخذ بشراشير قلبه هان عليه ما قد يراه من الكلام المشتبه في بعض مصنفات أئمته إذ لا معصوم إلا النبي)([383])
ثم بين محل المسألة من الدين، فقال: (ومسألتنا هذه وهي عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة هي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف وكيف يعرفون عباد القبور، وهم ليسوا بمسلمين، ولا يدخلون في مسمى الإسلام، وهل يبقى مع الشرك عمل)([384])
وهكذا فإن الشروط التي يصورها بعض السلفية من باب التمويه والاحتيال على نفي التكفير، لا علاقة لها بهذا، فمجرد الوقوع عندهم في الشرك أو في نواقض العقيدة كفر، وصاحبها كافر، ويستتاب من غير تعريف ولا إقامة حجة.. وإلا قتل.
هذا في حق عوام الناس، فكيف بالعلماء الذين عرفوا وتبينوا، بل فيهم من قرأ كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب ورد عليها.. فهم عند السلفية أولى بالتكفير.. بل يعتبرونهم أشد كفرا وعنادا.
وقد نقل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته التكفيرية من كلام ابن عبد الوهاب ما يبرهن له على هذا بكل صراحة ووضوح، فقد ورد فيها: (.. فقد وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت وتذكر أن عليك إشكالاً تطلب إزالته، ثم ورد منك رسالة تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ أزال عنك الإشكال فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام على أي شيء يدل كلامه أن من عبد الأوثان أكبر من عبادة اللات والعزى وسب دين الرسول بعد ما شهد به مثل سب أبي جهل أنه لا يكفر بعينه، بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز وصالح بن عبد الله وأمثالهما كفراً ظاهراً ينقل عن الملة فضلاً عن عن غيرهما، هذا صريح واضح، ففي كلام ابن القيم الذي ذكرت وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله ودعاهم في الشدائد والرخاء وسب دين الرسول بعدما أقر به ودان بعبادة الأوثان بعدما أقر بها وليس في كلامي هذا مجازفة بل أنت تشهد به عليهم)([385])
ثم أخذ ابن عبد الوهاب ـ كعادة السلفية في نشر أفكارهم ـ يحذر محدثه من التورع عن التكفير، حتى لا يقع هو نفسه في الكفر، لأن من لم يكفر الكافر كافر، فقال: (وأنا أخاف عليك من قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: 3]، والشبهة التي دخلت عليك هذه البضّيعة التي في يدك تخاف أن تضيع أنت وعيالك إذا تركت بلد المشركين وشاك في رزق الله وأيضاً قرناء السوء [ أضلوك كما هي عادتهم ] وأنت والعياذ بالله تنـزل درجةً درجة أول مرة في الشك وبلد الشرك وموالاتهم والصلاة خلفهم)([386])
وقد علق الشيخ إسحق حفيد ابن عبد الوهاب على هذه الرسالة التكفيرية الخطيرة بقوله: (فتأمل قوله في تكفير هؤلاء العلماء وفي كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف، وأنه صريح في كلام ابن القيم وفي حكايته عن صاحب الرسالة وحكم عليه بآية المنافقين، وأن هذا حكم عام، وكذلك تأمل اليوم حال كثير ممن ينتسب إلى الدين والعلم من أهل نجد يذهب إلى بلاد المشركين ويقيم عندهم مدة يطلب العلم منهم ويجالسهم ثم إذا قدم على المسلمين وقيل له اتق الله وتب إلى ربك من ذلك استهزأ بمن يقول له ذلك، ويقول أتوب من طلب العلم ثم يظهر من أفعاله وأقواله ما ينبئ عن سوء معتقده وزيفه ولا عجب من ذلك لأنه عصى الله ورسوله بمخالطة المشركين فعوقب، ولكن العجب من أهل الدين والتوحيد لانبساطهم مع هذا الجنس الذين أرادوا أن يقرنوا بين المشركين والموحدين، وقد فرق الله بينهم في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم)([387])
ثم رد على الشبهة التي تعلق بها من يتوقف عن التكفير، والتي يستدل بها عادة أصحاب التقية من السلفية لينفوا عن أنفسهم تهمة التكفير، فقال: (وأما عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا عن ما يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ﴾ [الكهف: 57] وقوله: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: 22])([388])
وربما يتوهم البعض أن في العذر الذي ذكره ما ينفي عن السلفية التكفير، وردا عليه نورد ما قال صاحب الرسالة نفسها، فقد اعتبر العذر في (الجنون وعدم البلوغ أو عدم القدرة على البحث أو كان ممن لا يفهم مدلول الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له وهو المراد بقول ابن القيم (ومقلد لم يتمكن من العلم) وبقول الشيخ عبداللطيف: (إذا تمكنوا من طلب العلم ومعرفته وتأهلوا لذلك)
وبذلك فإنه لا عذر للأمة جميعا بهذا الاعتبار إلا صبيانها ومجانينها.. أما من عداهم، فحكمهم حكم من يتبعونهم من العلماء، وهو الكفر والشرك، كما كفر ابن فيروز وغيره، وكفر معهم قومهم.
وحتى الصبيان، فإنهم عند السلفية في خطر، فقد سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب عبدالله وحسين عن حكم من مات قبل ظهور دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب، فأجابوا: (من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ويدين به، ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له ولايضحى له ولايتصدق عنه، وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى فإن قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن وإن لم تقم عليه الحجة في حياته فأمره إلى الله)([389])
وحتى نبين أن هذا التكفير الجماعي للمسلمين ليس وليد فكر ابن عبد الوهاب وتلاميذه فقط، بل هو وليد كل التراث السلفي وخصوصا ابن تيمية، الذي نقل عنه الشيخ إسحق حفيد ابن عبد الوهاب هذا النص من مجموع الفتاوى: (وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها لكن يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم المشركون واليهود والنصارى أن محمداً بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة وغيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ثم تجد كثيراً من رؤساءهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين وكثير تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة- إلى أن قال- وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة كما صنف الرازي في عبادة الكواكب وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين)([390])
وقد علق عليه الشيخ إسحاق بقوله: (هذا لفظه بحروفه فتأمل كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين، وتأمل تكفيره رؤساءهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم وردتهم ردة صريحة، وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه من أكابر أئمة الشافعية هل يناسب هذا من كلامه أن المعين لا يكفر ولو دعا عبد القادر في الرخا والشد)([391])
هذه مجرد نصوص قليلة من نصوص كثيرة تؤكد التكفير السلفي للأمة جميعا بعلمائها وعوامها، لا فرق في ذلك بين الإطلاق والتعيين، ومن شك فيما ذكرناه أو تردد فيه، فليعد للرسالة ليرى خطورة ما فيها، وأننا لم نتجن عليه، بل إن في الكثير مما أهملناه أخطر مما ذكرناه.
وسنحاول هنا بناء على ذلك أن نطبق هذه القوانين السلفية على علماء الأمة من أتباع المذاهب الأربعة أسوة بتلك التكفيرات الكثيرة التي نص عليها ابن عبد الوهاب وتلاميذه في حق علماء من المذاهب الإسلامية المختلفة.. وسنرى من خلال ذلك التطبيق أن الكفر في الرؤية السلفية شامل للأمة جميعا ما عدا أنفسهم.. وهم أنفسهم في خطر، لأنه يكفر بعضهم بعضا.
والقاعدة البسيطة التي يمكن من خلالها تطبيق تلك المقولات التكفيرية على أعيان أعلام المذاهب الأربعة هو أنه بعد نشوء المذاهب العقدية، واختيار الحنفية للمدرسة الماتريدية، واختيار المالكية والشافعية وأكثر الحنابلة للمدرسة الأشعرية دخل رافد جديد في التكفير السلفي لأصحاب المذاهب الأربعة، وهو التجهم والتعطيل والقول بخلق القرآن الكريم، أو القول بخلق ألفاظ القرآن الكريم..وهذه محل اتفاق بين السلفية في كفر المعتقدين بها.. لأن أدنى ما يعتقده هؤلاء جميعا هو نفي الجهة عن الله، وتفويض أو تأويل ما تشابه من النصوص.. ونحو ذلك من العقائد التي لا يشك أحد من السلفية في كفر معتقديها.. بل لا يشكون في كفر من لم يكفرهم، كما رأينا تصريحاتهم الدالة على ذلك سابقا.
وبعد أن وجدت الطرق الصوفية، وصارت العادة جارية في اتباع أصحاب المذاهب لأصحاب الطرق الصوفية دخل رافد جديد في التكفير السلفي لأصحاب المذاهب الأربعة هو التكفير بسبب التصوف، والذي سنراه ونرى غلو السلفية فيه في الفصل الخاص به.
وعندما أدخل ابن عبد الوهاب التوسل والاستغاثة ونحوها في الشرك أضاف لأصحاب المذاهب الأربعة كفرا جديدا، بالإضافة للتكفيرات السابقة.. هو القبورية والوثنية والشرك الأكبر.. وبذلك تحول أصحاب المذاهب الأربعة أكفر من اليهود والنصارى، بل أكفر من مشركي قريش.
وعندما حصل الصراع بين الدولة العثمانية ـ التي كانت تتبنى المذهب الحنفي، وتحترم سائر المذاهب ـ وآل سعود، أضافوا إلى التكفير تكفيرا آخر وهو التكفير بالولاء للدولة الكافرة.. وقد ذكرنا تصريحاتهم الدالة على ذلك سابقا.
وبذلك فإن السلفية ينظرون إلى المذاهب الأربعة، وكأنها خزان من الكفر يتراكم بعضه على بعض، فكل عصر يضيف للتكفير السابق تكفيرا جديدا.
وقد أشار الألباني إلى ذلك جميعا في قوله: (فإن ما أنا فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم - تقريب السنة بين يدي الأمة - الذي يشغلني عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل وكتب ومجلات من بعض أعداء السنة من المتمذهبة والأشاعرة والمتصوفة وغيرهم، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن الرد على المحبين الناشئين، فضلا عن غيره)([392])
فقد اعتبر المتمذهبة بهذا من أعداء السنة مثلهم مثل الأشاعرة والمتصوفة.. وهذا وحده كاف في الدلالة على تكفيرهم للأمة جميعا، لأنه لم يتمذهب بهذه المذاهب غيرهم.
بناء على هذا، سنذكر هنا بعض النماذج من علماء المذاهب الأربعة الكبار، والذين لا يصدق عليهم في المعايير السلفية إلا حكم الكفر على الإطلاق والتعيين، ومن شك في ذلك فسيصبح كافرا بالمنطلق السلفي.
وبما أن عد ذلك كثير، لأنه يشمل كل علماء المذاهب الأربعة ما عد النزر القليل منهم، فإنا سنقتصر على من وقف منهم موقفا سلبيا من ابن تيمية([393])، لأن الردود على ابن تيمية تشمل اعتباره مجسما أو مشبها وذلك يعني ـ عند السلفية ـ أن الراد جهمي معطل.. أو تكون الردود عليه في موقفه من الصوفية.. وذلك يعني أن الراد صوفي.. أو تكون الردود عليه في موقفه من القبور.. وهذا يعني أن الراد قبوري مشرك وثني.
الكتاب: معجزات علمية
المؤلف: د. نور الدين أبو لحية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق