ولنتوقف قليلاً عند كتاب
"الإبانة عن أصول الديانة" فهو أقوى كتاب في الرد على شبه المعتزلة،
ويعتمده السلفييون ضمن كتبهم، لكنهم يقولون أن أبا
الحسن الأشعري مر في حياته بثلاث مراحل، الأولى هي الاعتزال، والثانية هي
الأشعرية، وهي التي ألف فيها مؤلفات كانت عمدة عقيدة الأشاعرة المخالفة لأهل
السنة والجماعة، ثم تاب من ذلك وألف كتابه "الإبانة عن أصول الديانة" الموافق
لعقيدة أهل السلف..
ويزعمون أن أتباعه من
الأشاعرة مازالوا يتبعون عقيدته المنحرفة في مرحلته
المتوسطة التي كانت بين الاعتزال وبين العودة للعقيدة السلفية السنية، ويتمسكون بتلك العقيدة رغم
أن إمامهم تاب منها.. هذا كلام الإخوة السلفيين... وهي حجة ذكية جدا، تخيل على جميع الشباب المسلم حديث الالتزام بسبب قراءته القليلة، واعتماده على الفتاوى المعلبة المضغوطة، وابتعاده عن البحث والدراسة بنفسه للوصول إلى الحقيقة، إما لضيق الوقت أو لكثرة المشاغل أو للتكاسل، أو لتربيتنا وأسلوب التعليم الذي تلقيناه والذي يعتمد على التلقين والحفظ لا البحث والتنقيب والتحقيق...
والباحث الحق، يرى أن جميع علماء الأشاعرة يعتمدون كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" للإمام الأشعري كمرجع في عقيدتهم، فهم إذن يلتقون في هذا مع السلفيين، لا أنهم يعتمدون على كتب أخرى كتبها الإمام قبل توبته...
تلك واحدة
والثانية: أن كتاب الإبانة عن أصول الديانة متوفر في جميع المكتبات، كما أنه متوفر على الشبكة العنكبوتية أيضا، لذا فإنني أهيب بجميع الإخوة، والسلفيين منهم خاصة، أن يقرؤوه بعناية، ويلاحظوا كيف أن الإمام يعلن فيه بصراحة توبته عن الاعتزال، ولا ترد فيه كلمة واحدة تبين أنه مر بثلاث مراحل، وأنه تاب من الاعتزال أولاً، ثم تاب من الأشعرية أو أي مسمىً آخر لتلك المرحلة ثانياً..
وأدعو أي أخ أو أخت أن يأتوني بأي نص من مؤلفات الإمام فيه دليل صريح أو حتى إشارة ضمنية إلى أنه مر بهذه المراحل الثلاث...
من هذا نخلص إلى أن الإخوة السلفيين ماداموا ارتضوا كتاب الإبانة عن أصول الديانة، بل واعتمدوا عليه في مناظرة المعتزلة وإفحامهم، فإن عليهم أن يتوقفوا عن الطعن في الأشاعرة، ويعلنوا بشجاعة أنهم متفقون معهم على الأصول، مستعينون بعلمهم وقوة منطقهم، ولا مانع من أن يخالفوهم في بعض المسائل..
أما أن يشنعوا عليهم ويتهموهم بأنهم على غير منهج السنة، وهم من هم علماً ودعوة ومنافحة عن السنة وحملاً لها وتجديداً لها... فهذا ظلم بيّن، نربأ بهم أن يقعوا فيه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق