الأحد، 19 مايو 2013

تأويل الصفات تهمة السلفية للأشاعرة


التهمة الثانية: تأويل الصفات

المبحث الأهم في موضوع الأسماء والصفات هو اتهام السلفية للأشاعرة أنهم يؤولون الأسماء والصفات، وأن تأويلهم هذا هو تحريف للكلم عن مواضعه، وتقوّل على الله بغير الحق، واتباع للظن في مجال العقائد..
وأما من يفوض من الأشاعرة فيتهمونه كذلك بأنه يعطل الصفات، لأنه يثبت ألفاظاً لا معاني لها..
فما الذي يريده الإخوة السلفيون؟؟

يقولون: نريد منكم أن تثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف  ولا تمثيل

والتحريف: هو حرف الصفة عن معناها إلى معنى آخر مع عدم الموجب له
والتعطيل: هو نفي الصفات كلها أو بعضها عن الله تعالى
والتكييف: هو الإخبار عن حال الشيء وكيفيته، وصفات الله لا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه وتعالى
والتمثيل: هو إثبات مثل للشيء، كأن يقال: إن صفات الله تعالى مثل صفات المخلوقين.

فهل ما يظنه السلفيون بالأشاعرة صحيح؟ وما حقيقة الأمر؟

أولا- ما هي الصفات محل الخلاف؟ هل الاختلاف حول جميع صفات الله عز وجل أم بعضها فقط؟؟

اسمحوا لي هنا أن أنقل لكم من كتاب شيخنا الفاضل علي الطنطاوي رحمه الله، من كتابه القيم "تعريف عام بدين الإسلام":

آيات الصفات

لقد اجتنبت في هذا الكتاب الخوض في المسائل الكلامية، وأعرضت عن سرد اختلافات المتكلمين، ولكن مسألة (آيات الصفات) قد طال فيها المقال وكثر فيها الجدال، ولابد من بعض البسط في الكلام فيها، ولقد وصف ربنا نفسه في القرآن بألفاظ موضوعة في الأصل للدلالة على معان أرضية، ومقاصد بشرية، مع أن الله ليس كمثله شيء، وهو الرب الخالق، تعالى على أن يشبه المخلوقين، ولا يمكن أن تفهم هذه الألفاظ حين إطلاقها على الله، بالمعنى نفسه الذي تفهم به حين إطلاقها على المخلوق.

فنحن نقول: فلان عليم، وفلان بصير، ونقول: إن الله عليم بصير، ولكن الكيفية التي يعلم بها العبد ويبصر، ليست هي التي يعلم بها ربنا ويبصر. وعلم العبد وبصره ليس كعلم الله وبصره، كذلك نقول: استوى المعلم على منبر الفصل، ونقول: استوى الله على العرش، نحن نعرف معنى الاستواء (القاموسي) ونطبقه على المعلم، ولكن هذا المعنى لا يمكن أن يكون هو بذاته المقصود حين نقرأ: {الرحمن على العرش استوى} (آية 5 طه).

هذا كله متفق عليه بين العلماء، فهم جميعا مقرّون بأن آيات الصفات هي كلام الله. فإذا قال الله: {ثم استوى على العرش} لم يستطع أحد أن يقول: ما استوى. وهم جميعا معترفون بأن المعنى (القاموسي) البشري لكلمة (استوى) ليس هو المراد من قوله استوى على العرش، ولكنهم مع ذلك اختلفوا اختلافا كبيرا في المراد المقصود بعد اتفاقهم على ترك التعطيل والتشبيه، تساءلوا: هل هذه الآيات حقيقة أم مجاز؟ ؟؟؟ وهل تؤول أم لا تؤول؟؟؟

أما الذين أوَّلوا فقالوا بأن الحقيقة هي استعمال اللفظ بالمعنى الذي وضع له، وهذا هو تعريف الحقيقة عند عامة علماء البلاغة ، ولا شك أن اللسان العربي الذي نزل به القرآن، وضعت فيه هذه الألفاظ  قبل نزول القرآن ، ووضعت لمعان أرضية مادية، حتى إنها لتعجز عن التعبير عن العواطف والمشاعر البشرية فضلا عن التعبير عن صفات الله خالق البشر، فإن مظاهر الجمال وأشكاله لا حد لها، وما عندنا لها كلها إلا كلمة (جميل)، وأين جمال المنظر الطبيعي من جمال القصيدة الشعرية، من جمال العمارة المزخرفة، من جمال الغادة الحسناء؟ وفي النساء ألف لون من ألوان الجمال، وما عندنا لها كلها إلا هذا اللفظ الواحد، فاللغات تعجز عن وصف الشعور بالجمال. وكذلك القول في الحب، في تعداد أنواعه واختلاف مشاعره، وضيق ألفاظ اللغة عن وصف هذه الأنواع، ونعت هذه المشاعر، فكيف تحيط بصفات الله وتشرح كيفياتها؟؟؟
وإذا كانت الحقيقة هي (استعمال اللفظ فيما وضع له) ، وكانت ألفاظ: ( استوى- وجاء – وخادع- ويمكر- ونسيهم) إنما وضعت للمعاني الأرضية البشرية المادية، وكان استعمالها في القرآن في قوله: {ثم استوى على العرش} ، {وجاء ربك} ، {وهو خادعهم} ، { ويمكر الله } ، وقوله: {فنسيهم} في غير هذا المعنى المادي الأرضي البشري الذي وضعت له، لم تكن إذاً: حقيقة بمقتضى تعريفهم هذا للحقيقة.


ومن ينكر أنها مجاز، ومنهم ابن تيمية، يعرف (الحقيقة) تعريفاً آخر خاصاً به، غير التعريف الذي جرى عليه البلاغيون، ويقول ما معناه: إن تأويل هذه الألفاظ، أي: تفسيرها تفسيراً مجازياً، والجزم بأنه هو المراد مردود، لأن المعاني المجازية هي أيضاً معان بشرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق