مصير أبوي النبي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛مصير أبوي النبي يستد المخالفون بحديث مسلمعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: ((في النار)) فلما قفا دعاه فقال: (( إن أبي وأباك في النار)). الردهذا الحديث من الآحاد ولا يقف أمام قرآن الله المتواتر فهو من أخبار الآحاد وأخبار الآحاد متى خالفت القرآن أو المتواتر أو المقطوع به عقلا أو القواعد الشرعية المتفق عليها أو الإجماع القطعي فإنها يترك ظاهرها ولا يحتج بها في العقائد . والحديث الصحيح إذا عارضته أدلّة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلّة عليه كما هو مقرّر في الأصول. فلا يجوز للعامي أن يأخذ الأحاديث ويستدل بها بمجرد أنه قرأها في الصحيح فهذا ليس أسمة علم بل أسمة طحين فماذا يقول المعترض في الحديث الشريفالذي رواه أبوداود وغيره (( الوائدة والموءودة في النار )) فكيف تكون الموءودة في النار من غير ذنبويقول الله تعالى : (( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت )) ؟! ويقول الله تعالى ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))؟! فظاهر الحديث يخالف القران الكريم كلياً فالحديث مخالف لنص القرآن في الظاهر لذا لا يجوز أن يأتي شخص من المتفيهقين ويدعي أن ( الموءودة في النار ) لأن ظاهر الحديث كذلك!! ولذلك شرحه الائمة الأعلام ولم يؤخذ بظاهرة كما تفعلون. وكذلك أحاديث أولاد المشركين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين أخرجـه البخاري رقـم ( 6224 – 6226 ) 6 / 2434، ومسلم رقم ( 2659 – 2660 ) 4 / 2049 وفي ذلك يقول الحافظ السيوطي :[[ وللمسألة ـ مسألة الأبوين ـ نظير صحيح، للناس فيها خلاف ، وهي مسألة أطفال المشركين ، فقد ورد في أحاديث كثيرة الجزم بأنهم في النار ، وفي أحاديث قليلة أنهم في الجنة ، وصحح الجمهور هذا ، منهم النووي ، وقال: إنه المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) ، وإذا كان لا يعذب البالغ لكونه لم تبلغه الدعوة فغيره أولى ، هذا كلام النووي ، وذكر غيره أن أحاديث كونهم في النار منسوخة بأحاديث كونهم في الجنة]] . التعظيم والمنة للسيوطي ( صـ 160) وهكذا فإن كل حديث يخالف ظاهره القرآن الكريم أو الإجماع أو ما هو أقوى منه يلزم تأويله أو ترك ظاهره . فليس كل ما ورد من طريق صحيح يحتج به ، وقد نص على ذلك الأئمة فقال ابن عبد البر في كتاب ( جامع بيان العلم وفضله : 2 / 130 ) عن الإمام ابن أبي ليلى رحمه الله أنه قال : (( لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع )) . وعلى ذلك فحديث عدم نجاة الأبوين من حديث الآحاد مخالف لنص القرآن الكريم : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) وقوله (( وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير )) وعلى هذا يترك ظاهر الحديث ، ولا يحتج به. وفي حديث انس السابق"عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: ((في النار)) فلما قفا دعاه فقال: (( إن أبي وأباك في النار))". نقول ايضاًاليس الأب يُطلق على العم والجد في لغة العرب ؟ألم يقل الله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فهل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق آباء يعقوب ؟ فما رأيكم نحنُ الآن أمام آية صريحة واضحة وليس حديث نبوياً ؟؟ فإن قلتم عمهُ أو خاله أو... فأقول لكم لماذا قبلتم الكناية في آية قرآنية ولم تقبلوا الكناية في حديث وتبين للناس أنه ما قال ذلك للأعرابي إلا من باب الكناية والتورية وأن مراده بذلك عمه .ألم يقل عليه الصلاة والسلام :أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ؟ إذا والد النبي عليه الصلاة والسلام هو عبد المطلب وليس عبد الله على حد زعمكم في الأخذ بالقول الصريح الصحيح من كلام رسول الله . الم يقل عليه الصلاة والسلام مُخاطباً اصحابهُ رضوان الله عليهم والذين منهم من آمن آبائهم كما في الحديث الطويل (......وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرها، فأخْرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا) وهذا الحديث لهُ شواهد كثيرة . وقول البعض عن الإمام النووي انه لم يعترض وبوب لصحيح مسلمفكلام الإمام النووي ليس فيه ما يدل على ما يقولون والا لماذا لم يصرح الإمام النووي بقولهم هكذا صراحاً وهو شارح لصحيح مسلم الإمام النووي في شرحه لحديث (( أبي وأباك في النار )) لم ينص فيه على أن أبوي النبي عليه الصلاة والسلام في النار ، إنما سكت عن ذلك . وقد نبه السيوطي على ذلك في كتابه ( التعظيم والمنة : 171 ) فقال ما نصه :[[ الذي عندي أنه لا ينبغي أن يفهم من قول النووي في شرح مسلم في حديث (( أن رجلا قال يا رسول الله : أين أبي ... الخ )) أنه أراد بذلك الحكم على أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ينبغي أن يفهم أنه أراد الحكم على أبي السائل ، وكلامه ساكت عن الحكم على الأب الشريف ]العلماء الذين قالوا بنجاة الابوين الكريمين رضي الله عنهما.وقول الجمهور والإجماع علي نجاه أبوي النبي كما سنرى وسنبدأ اولاً باسماء الائمة والعلماء الذين قالوا بنجاة أهل الفترة فهم الأكثر وهذا من المُسلّم به عند الباحثين في هذه المسألة ثم سنورد الرد بالتفصيل بعدها لعل الله يفتح بها قلوب من أحب إيذاء النبي بهذا القول ممن يجعل منبره للقدح في أبوي المصطفى فيتلذذ ويتمتع بقوله أن أبوي النبي في النار والعياذ بالله. فنقول من العلماء ممن قال بنجاة أبوي المصطفى على سبيل المثال لا الحصر : 1- الإمام الاعظم أبي حنيفة النعمانقال شيخ الإسلام مصطفى صبري في مقدمته لكتاب الشيخ مصطفى أبو سيف الحمامي – رحمهم الله تعالى ( النهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية ) طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1354 هـ ( ... فصادفت المقالة التي تبرئ الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه عن تكفير والدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصحح ما كتب في النسخ ( للفقه الأكبر ) المنسوب إلى الإمام من لفظ ( ماتا على الكفر ) بما رآه فضيلة بعينيه في المدينة المنورة من نسخة ضمن مجموع مخطوطة ترجع كتابتها إلى عهد بعيد بمكتبة عارف حكمت بك أحد مشايخ الإسلام في الدولة العثمانية من لفظ ( ماتا على الفطرة ) وهو الأوفق بسياق كلام الإمام ، فشكرت فضيلة المؤلف على توثيق ذلك التصحيح الذي سمعناه من أفواه بعض الأساتذة بهذا الضبط ) . وقال الإمام الكوثري – رحمه الله تعالى – في مقدمته لكتاب : ( العالم والمتعلم ) ص : 7( وفي مكتبة شيخ الإسلام العلامة عارف حكمت بالمدينة المنورة نسختان من الفقه الأكبر رواية حماد قديمتان وصحيحتان فيا ليت بعض الطابعين قام بإعادة طبع الفقه الأكبر من هاتين النسختين مع المقابلة بنسخ دار الكتب المصرية . ففي بعض تلك النسخ : وأبوا النبي ماتا على الفطرة – و ( الفطرة ) سهلة التحريف إلى ( الكفر ) في الخط الكوفي ، وفي أكثرها : ( ما ماتا على الكفر ) ، كأن الإمام الأعظم يريد به الرد على من يروي حديث ( أبي وأبوك في النار ) ويرى كونهما من أهل النار . لأن إنزال المرء في النار لا يكون إلا بدليل يقيني وهذا الموضوع ليس بموضوع عملي حتى يكتفى فيه بالدليل الظني . ويقول الحافظ محمد المرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس في رسالته ( الإنتصار لوالدي النبي المختار ) - وكنت رأيتها بخطه عند شيخنا أحمد بن مصطفى العمري الحلبي مفتي العسكر العالم المعمر – ما معناه : إن الناسخ لما رأى تكرر ( ما ) في ( ما ماتا ) ظن أن إحداهما زائدة فحذفها فذاعت نسخته الخاطئة ، ومن الدليل على ذلك سياق الخبر لأن أبا طالب والأبوين لو كانوا جميعاً على حالة واحدة لجمع الثلاثة في الحكم بجملة واحدة لا بجملتين مع عدم التخالف بينهم في الحكم وعلق الإمام الكوثريوهذا رأي وجيه من الحافظ الزبيدي إلا أنه لم يكن رأى النسخة التي فيها ( ما ماتا ) وإنما حكى ذلك عمن رآها ، وإني بحمد الله رأيت لفظ ( ما ماتا ) في نسختين بدار الكتب المصرية قديمتين كما رأى بعض أصدقائي لفظي ( ما ماتا ) و ( على الفطرة ) في نسختين قديمتين بمكتبة شيخ الإسلام المذكورة – وعلي القاري بنا شرحه على النسخة الخاطئة وأساء الأدب سامحه الله ) . وقال الشيخ مصطفي أبو سيف الحمامي ( النهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية ) طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1354 هـ (هذا الذي رأيته أنا بعيني في الفقه الأكبر للإمام أبو حنيفة رضي الله عنه رأيته بنسخة بمكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، ترجع كتابة تلك النسخة إلى عهد بعيد حتى قال بعض العارفين هناك أنها كتبت في زمن العباسيين وهذه النسخة ضمن مجموعة رقمها 220 من قسم المجاميع بتلك المكتبة ، فمن أراد أن يرى هذه النسخة من الفقه الأكبر بعينه فعليه بتلك المكتبة وهو يجدها هناك بهذا النص الذي نقلناه هنا .) 2- الملا علي قاري يرجع عن تكفير الابوينطبعاً مما يتشدق به الوهابية كثيراً كتاب أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في ابوي الرسول عليه الصلاة السلام (علي بن سلطان محمد القاري) وللرد على تدليس الوهابية ولا نعلم لماذا يصرون على الكذب والتدليس وإخفاء تراجع علي القاري عن هذا القول قبل وفاته ولماذا ينفقون آلاف الريالات على طبع كتابه الذي يقول فيه بان أبوي النبي في النار بعد ان ثبت تراجعه عنه والقول بالعكس فهذا والله لهو عين الجفاء وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم!! كان علي القاري رحمه الله تعالى رأى فترة أن والدي رسول الله في النار، وكتب في هذا رسالة، لكنه رجع عن ذلك والحمد لله ـ كما نجده في شرحه للشفاء للقاضي عياض، الذي انتهى منه سنة 1011هـ، أي قبل وفاته بثلاث سنوات. فقد جاء فيه بعد كلام: (وأبو طالب لم يصح إسلامه): وأما إسلام أبويه ففيه أقوال، والأصح إسلامهما على ما اتفق عليه الأجلّة من الأمة، كما بيّنه السيوطي في رسائله الثلاث المؤلفة.أهـ شرح الشفا، لعلي القاري (1/106)، (1/648) طبعة استانبول، 1316 هـ وكذلك ((منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر,لعلي القاري,ومعه التعليق الميسر على شرح الفقه الأكبر لوهبي سليمان غاوجي,طبعة دار البشائر)) 3- الإمام فخر الدين الرازيفي تفسيره ، حيث قال : [[ مما يدل على أن آباء سيدنا محمد ما كانوا مشركين قوله عليه السلام : (( لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات )) ، وقال تعالى : (( إنما المشركون نجس )) ، فوجب الإيمان أن لا يكون أحد أجداده مشركا ، قال : ومن ذلك قوله تعالى : (( الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين )) ...]] الدرج المنيفة في الآباء الشريفة : 92 4- الإمام أبو بكر بن العربي المالكيحيث يقول السيوطي عنه : [[ نقلت بخط الشيخ كمال الدين الشمني والد شيخنا الإمام تقي الدين رحمهما الله تعالى ما نصه : سئل القاضي أبو بكر بن العربي عن رجل قال : إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار ، فأجاب بأنه ملعون ، لأن الله تعالى قال : (( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا )) ، قال : لا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار ]] ( الدرج المنيفة في الآباء الشريفة : 103 ) 5- الحافظ القرطبي في كتابه :[ إن فضل النبي وخصائصه لم تزل تتوالى وتتتابع إلى مماته ، فيكون هذا مما فضله الله تعالى به وأكرمه ، وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنعا عقلا ، ولا شرعا .. ]] ( التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة : 14) و اكمل قائلاً ما نصه : [[ ليس إحياؤهما وإيمانهما بممتنع عقلا ولا شرعا ، فقد ورد في الكتاب إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله ، وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى ، وكذلك نبينا أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى .. ]] . 6- سبط ابن الجوزي في كتاب ( مرآة الزمان )عن جماعة ، ثم قال ما نصه : وقال قوم : قد قال الله تعالى : (( وما كنا معذبين حنى نبعث رسولا )) ، والدعوة لم تبلغ أباه وأمه ، فما ذنبهما؟ نقلا من ( مسالك الحنفا ) صـ 14 7- الامام الالوسيذكر الآلوسي في تفسيره عند قوله تعالى ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ الشعراء: ٢١٩ أن القول بإيمان أبويه قول كثير من أجلة أهل السنة ثم قال ما نصه : ( وأنا أخشى الكفر على من يقول فيهما رضي الله عنهما على رغم أنف القاري وأضرابه بضد ذلك ) 8- عمدة الشافعية ومفتيهم العلامة ابن حجر الهيتمي وحديث مسلم : قال رجل يا رسول الله ، أين أبي ؟ قال : (( في النار ))، فلما قفا دعاه فقال : (( إن أبي وأباك في النار )) يتعين تأويله ، وأظهر تأويل عندي : أنه أراد بأبيه عمه أبا طالب ، لما تقرر أن العرب تسمي العم أبا ، وقرينة المجاز في الآية الآتية الشاهدة بخلافه على أصح محاملها عند أهل السنة ، وأن عمه هو الذي كفله بعد جده عبد المطلب ... ] ( المنح المكية : 102 ) وقال ايضاً(المنح المكيّة ـ شرح القصيدة الهمزيّة): «وقول أبي حيان: إنّ الرافضة هم القائلون بأنّ آباء النبي صلّى الله عليه وسلّم مؤمنون غير معذَّبين، مستدلّين بقوله تعالى: ( وتقلّبك في الساجدين ). فلك ردّه: بأنّ مثل أبي حيّان إنّما يرجع إليه في علم النحو وما يتعلّق بذلك، وأمّا المسائل الاُصوليّة فهو عنها بمعزل، كيف والأشاعرة ومن ذكر معهم ـ فيما مرّ آنفاً ـ على أنّهم مؤمنون، فنسبة ذلك للرافضة وحدهم ـ مع أنّ هؤلاء الذين هم أئمّة أهل السنّة قائلون به ـ قصور وأيّ قصور، تساهل وأيّ تساهل» المنح المكيّة: ص 27. 8- بعض ممن ذكرهم الإمام السيوطي :[[ إن الله أحياهما له ، فآمنا به ، وذلك في حجة الوداع ، لحديث ورد في ذلك عن عائشة رضي الله عنها ـ أخرجه الخطيب البغدادي في ( السابق واللاحق)، والدارقطني ، وابن عساكر ، كلاهما في ( غرائب مالك ) ، وابن شاهين في ( الناسخ والمنسوخ ) ، والمحب الطبري في سيرته ، وأورده السهيلي في ( الروض الأنف ) من وجه آخر بلفظ آخر ، وإسناده ضعيف ، وقد مال إليه هؤلاء الثلاثة مع ضعفه . وهكذا القرطبي ، وابن المنير ، ونقله ابن سيد الناس عن بعض أهل العلم ، وقال به الصلاح الصفدي في نظم له ، والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في أبيات له ، وجعلوه ناسخا لما خالفه من الأحاديث المتأخرة ، ولم يبالوا بضعفه ، لأن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل والمناقب ، وهذه منقبة]] . (الدرج المنيفة في الآباء الشريفة صـ 90) 9- الإمام ابن شاهينأشار إلى ذلك في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) حيث أورد حديث الزيارة والنهي عن الاستغفار وجعله منسوخا كما نص السيوطي في الدرج المنيفة في الآباء الشريفة صـ 90 10- الإمام السهيلىقال الإمام السهيلى رحمه الله ليس لنا أن نقول ان ابوى النبى فى النار لقوله عليه السلام « لا تؤذوا الاحياء بسبب الاموات » والله تعالى يقول { ان الذين يؤذون الله ورسوله } الآية يعنى يدخل التعامل المذكور فى اللعنة الآتية ولا يجوز القول فى الانبياء عليهم السلام بشئ يؤدة الى العيب والنقصان ولا فيما يتعلق بهم. كما نص السيوطي في الدرج المنيفة في الآباء الشريفة صـ 90 وكذلك في تفسير حقي في تفسير قولة تعالي إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ 11- الإمام أبو عبد الله محمد بن خلفة الآبي المتوفي سنة 827 هفي شرح مسلم في شرح حديث: " إن أبي وأباك في النار " أورد قول الإمام النووي فيه أي الحديث: إن من مات كافرا في النار ولا تنفعه قرابة الأقربين. ثم قال الآبي: انظر هذا الإطلاق وقد قال السهيلي رحمه الله تعالى: ليس لنا أن نقول ذلك. فقد قال : " لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات ". وقال تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) ولعله يصح ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم أحيا (الله) له أبويه فآمنا به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا. ولا يعجز الله سبحانه وتعالى شئ. ثم سرد الادلة وغيرها فليراجع شرح للحديث المذكور. الأبي في شرحه على مسلم (1/617) 12- الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقياختار أن الله أحيا الأبوين فآمنا بالرسول ، وذلك في كتابه ( مورد الصادي في مولد الهادي ) ، وأنشد : حبا الله النبي مزيد فضل على فضل وكان به رؤوفا فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا لطيفا فسلم فالإله بذا قدير وإن كان الحديث به ضعيف 13- شيخ الإسلام شرف الدين المناويوقد نقل عنه السيوطي أنه سئل عن والد النبي صلى الله عليه وسلم : هل هو في النار ؟ فزأر السائل زأرة شديدة ، فقال له السائل : هل ثبت إسلامه؟ فقال : إنه مات في الفترة ، ولا تعذيب قبل البعثة . ا هـ ( مسالك الحنفا : 14 ) 14- أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني:(( لظن بآل بيته كلهم أن يطيعوا عند الامتحان) الحاوي للفتاوي ( 2 / 207 ) وكذلك ذكر في السيرة الحلبية باب وفاة أمه وحضانة أم أيمن له وكفالة جده عبد المطلب إياه 15- الإمام السيوطي الشافعي (ت 911)ألف ست رسائل طبعت بالهند سنة 1334هـ، وهي : 1. « مسالك الحنفاء في والدي المصطفى» 2. «الدرج المنيفة في الآباء الشريفة» 3. «المقامة السندسية في النسبة المصطفوية» 4. «التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة» 5. «نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين» 6. «السبل الجلية في الآباء العلية» 16- الحافظ زين الدين العراقي في مورده الهني ومولده السني: حفظ الإلــه كرامــةً لمحمدٍ......ءاباءهُ الأمجادُ صوناً لاسمهِ تركوا السفاح فلم يصيبهم عاره... من ءادمٍ وإلى أبيـهِ وأمـهِ 17- الحافظ ابن سيد الناس(قال في سيرته رُوِيَ { أَن عبد الله بن عبد المطّلب وآمنة بنة وهب أبوي النبي وان الله تعالى أحياهما له فامنا به وروي ذلك ايضاً في حق جده عبدالمطلب ثم قال وهو مخالف لما أخرجه أحمد عن أبي رزين العقيلي قال: : { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِّي فَقَالَ أُمُّك فِي النَّارِ قُلْتُ فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي } ثم قال: وذكر اهل العلم في الجمع ما حاصله أن من الجائز ان تكون هذه درجة حصلت له عليه الصلاة والسلام بعد أن لم تكن أن يكون الأحياء والأيمان متاخراً عن ذلك فلا معارضة) أنتهى ملخصاً . ذكر ذلك عنه ابن نجيم المصري في كتابة غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر في شرح مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أُبِيحَ لَعْنُهُ . إلَّا وَالِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ وكذلك نص علي بعض أقواله الإمام السيوطي الدرج المنيفة في الآباء الشريفة صـ 90 18- الإمام ابن نجيم المصري في كتابه غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائرانظر17 19- الإمام الشهاب الخفاجيَقَالَ لِوَالِدَيْ طَه مَقَامٌ عَلَا فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَدَارِ الثَّوَابِ وَقَطْرَةٌ مِنْ فَضَلَاتٍ لَهُ فِي الْجَوْفِ تُنْجِي مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ فَكَيْفَ أَرْحَامٌ لَهُ قَدْ غَدَتْ حَامِلَةٌ تُصْلَى بِنَارِ الْعَذَاب في هامش شرح الشفا 1/ 354 وكذلك العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية 2/ 331 20- الإمام ابن عابدينفَائِدَةٌ ) مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أُبِيحَ لَعْنُهُ إلَّا وَالِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن سرد أقوال العلماء ابن شاهين والسهيلي مؤيداً لها وغيرهم قال مؤيداً قول الامام الشهاب الخفاجي وانه صواب جُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ فَلَا حَظَّ لِلْقَلْبِ فِيهَا وَأَمَّا اللِّسَانُ فَحَقُّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ النُّقْصَانُ خُصُوصًا عِنْدَ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَتَدَارُكِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْمَقَالِ وَقَدْ أَتَى الْعَلَّامَةُ الْخَفَاجِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ نَظَمَهُ , وَفِيهِ أَيْضًا الصَّوَابُ فَقَالَ لِوَالِدَيْ طَه مَقَامٌ عَلَا فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَدَارِ الثَّوَابِ وَقَطْرَةٌ مِنْ فَضَلَاتٍ لَهُ فِي الْجَوْفِ تُنْجِي مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ فَكَيْفَ أَرْحَامٌ لَهُ قَدْ غَدَتْ حَامِلَةٌ تُصْلَى بِنَارِ الْعَذَابِ لِأَنَّ فضلاته عليه الصلاة والسلام طاهرة كما جزم به البغوي وغيره وهو المعتمد لأن أم أيمن بركة الحبشية شربت بوله فقال: لن يلج النار بطنك صححه الدارقطني، وقال أبو جعفر الترمذي: دم النبي صلى الله عليه وسلم طاهر؛ لأن أبا طيبة شربه وفعل مثل ذلك ابن الزبير وهو غلام حين أعطاه النبي دم حجامته ليدفنه فشربه فقال له النبي : من خالط دمه دمي لم تمسه النار، وهذه الأحاديث مذكورة في كتب الحديث الصحيحة وذكرها فقهاؤنا وتبعهم الشافعية كالشربيني في شرح الغاية وفقهاء المالكية, والحنابلة فكانت كالمجمع عليها فحيث ثبت أن فضلاته عليه الصلاة والسلام تنجي من النار فكيف من ربي من دمها ولحمها وربي في بطنها ومن كان أصل خلقته الشريفة منه يدخل النار هذا ما جرى به لسان القلم وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . كتاب العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية 2/ 331 21- الإمام القسطلاني :[[ .. والحذر الحذر من ذكرهما بما فيه نقص ، فإن ذلك قد يؤذي النبي ، فإن العرف جار بأنه إذا ذكر أبو الشخص بما ينقصه ، أو وصف وصف به ، وذلك الوصف فيه نقص تأذى ولده بذكر ذلك له عند المخاطبة . وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات )) رواه الطبراني في الصغير ، ولا ريب أن أذاه عليه السلام كفر يقتل فاعله إن لم يتب عندنا ...]] . ( المواهب اللدنية : 1 / 348 ) 22- الإمام الزرقاني في شرح المواهب اللدنية :[[ ... وقد بينا لك أيها المالكي حكم الأبوين ، فإذا سئلت عنهما ، فقل : إنهما ناجيان في الجنة ، إما لأنهما أحييا حتى آمنا ، كما جزم به الحافظ السهيلي والقرطبي ، وناصر الدين بن المنير ، وإن كان الحديث ضعيفا ، كما جزم به أولهم ووافقه جماعة من الحفاظ ، لأنه في منقبة وهي يعمل فيها بالحديث الضعيف . وإما لأنهما ماتا في الفترة قبل البعثة ولا تعذيب قبلها ، كما جزم به الأبي وإما لأنهما كانا على الحنيفية والتوحيد ولم يتقدم لهما شرك ، كما قطع به الإمام السنوسي والتلمساني المتأخر محشي الشفاء . فهذا ما وقفنا عليه من نصوص علمائنا ولم نر لغيرهم ما يخالفه إلا ما يشم من نفس ابن دحية ، وقد تكفل برده القرطبي . ]] ( شرح المواهب اللدنية : 1 / 349 ) 23- العلامة البيجوري في شرح البيت التاسع من الجوهرةقال [ إذا علمت أن أهل الفترة ناجون على الراجح ، علمت أن أبويه ناجيان لكونهما من أهل الفترة ، بل جميع آبائه وأمهاته ناجون ومحكوم بإيمانهم ، لم يدخلهم كفر ، ولا رجس ، ولا عيب ، ولا شيء مما كان عليه الجاهلية بأدلة نقلية كقوله تعالى : (( وتقلبك في الساجدين )) ، وقوله : (( لم أزل أنتقل من الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الزاكيات )) ، وغير ذلك من الأحاديث البالغة مبلغ التواتر ] 24- علامة اليمن القاضي محمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي المتوفى سنة 930 هـ كما في كتابه ( حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار: 113 ) 25- العلامة السيد محمد عبد الله الجرداني الشافعي يقول: [[ مطلب في نجاة أبويه وبما تقرر تعلم أن أبويه ناجيان لأنهما من أهل الفترة ، بل جميع أصوله ناجون محكوم بإيمانهم ، لم يدخلهم كفر ولا رجس ولا عيب ، ولا شيء مما كان عليه الجاهلية ، بأدلة نقلية وعقلية..]] ( فتح العلام بشرح مرشد الأنام : 1 / 39 ) 26- زيني زيني جلبي الفناري قاضي حلب توفي سنة 926له رسالة في أبوي النبي المتوفى : سنة 929 ، تسع وعشرين وتسعمائة قاضيا بحلب ذكر فيها أنهما بل جميع أبوي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ماتوا على الإيمان ذكره عرب زاده في ( هامش الشقائق ) . ( 1 / 842 ) 27-- الإمام مرتضي الزبيدي (ت 1205)له : - «الانتصار لوالدي النبي المختار» وقف على نسخة منه بخط مؤلفه الإمام الكوثري كما في مقدمته كتاب العالم والمتعلم. 2- «حديقة الصفا في والدي المصطفى»، قرضه الشيخ المدابغي كما في «بحوث وتنبيهات» 1 : 283 للعلامة أبو محفوظ الكريم المعصومي . 28- العلامة ابن طولون الدمشقي الحنفي (ت 953)له : «منهاج السنة في كون أبوي النبي في الجنة»، ذكره لنفسه في كتابه «الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون» ص 134 29- أحمد بن سليمان بن كمال باشا(ت 940)له : «رسالة في أبوي النبي» - خ منها نسخة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم 3881/13 عقائد وتاريخها 973هـ ومنها نسخ متعددة في مكتبات العالم الإسلامي . 30 - محمد بن قاسم بن يعقوب الأماسي (ت940)له : «انباء الاصطفاء في حق آباء المصطفى» - خ بمكتبة جامعة الملك سعود بالرياض برقم 2429/1 ، أنظر «الأعلام» 7 : 6 31-الامام ابن الجزار المصري (كان حياً سنة 984)له : «تحقيق آمال الداجين في أن والدي المصطفى بفضل الله في الدارين من الناجين» - خ بدار الكتب المصرية، ثلاث نسخ برقم 489 ، 528 ، 530 حديث تيمور. 32- عبد القادر بن محمد الطبري المكي (ت1033)له : «رسالة في أبوي النبي» نقل منها السيد البرزنجي. 33- صالح بن محمد تمرتاشي الغزي(ت 1055)له : «الجوهرة المضية في حق أبوي خير البرية»، ذكره له الدكتور صلاح الدين المنجد في كتابه «معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» ص52 34- عبد الأحد بن مصطفى السيواسي (ت 1061)له : «تأديب المتمردين في حق الأبوين»، مخطوط بمركزالملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض برقم سجل 38735. 35- ابن الملا شمس الدين الحصكفي الأصل الحلبي الشافعي(ت 1010) قال المحبي في «خلاصة الأثر» 3 : 348 ، في تعداد مؤلفاته : ( ورسالة حسنة في إسلام أبوي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). 36- حسن بن علي بن يحيى العجيمي المكي (ت 1113)له : 1- «تحقيق النصرة للقول بإيمان أهل الفترة» 2- «منحة البارئ في إصلاح زلة القارئ» كما في «المختصر من كتاب نشر النور والزهر»ص 172 – 173 37- محمد بن أبي بكر المرعشي ساجقلي(ت 1150)له : «السرور والفرج في حياة إيمان والدي الرسول»، منه خمس نسخ مخطوط بمكتبة الحرم المكي الشريف برقم 1291 ، 1347 ، 2873 ، 2875 ، 3863. 38- أحمد بن عمر الديربي الغنيمي الأزهري الشافعي (ت 1151)له : «تحفة الصفا فيما يتعلق بأبوي المصطفى»، مخطوط بالأزهرية، برقم (335) 4441 ، كما في فهرسها 3 : 115. 30- علي ضضطليله : «رسالة في نجاة أبوي النبي وكونهما من أهل الفترة»، مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 21632 ب ، سنة النسخ 1171هـ. 40 حسين بن أحمد بن أبي بكر المعروف بالداديخي(ت 1171)له : « قرة العين في إحياء الوالدين» 41 أحمد بن علي بن عمر بن صالح المنيني الدمشقي (ت 1172)له : «مطلع النيرين في إثبات النجاة والدرجات لوالدي سيد الكونين» مخطوط في شستربتي . 42- حسن بن عبد الله بن محمد البخشي الحلبي (ت 1190)له : « الرد على من اقتحم القدح في الأبوين المكرمين» كما في «سلك الدرر» 2 : 27. 43- محمد بن يوسف بن يعقوب الإسبري الحلبي (ت 1194)له : «رسالة في نجاة الوالدين المكرمين لسيد البشر»، كما في «سلك الدرر» 4 : 121 44- أبو الحسن بن عمر بن علي القلعي (ت 1199)له : «رسالة في إيمان أبوي النبي»، مخطوطة بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض ، برقم سجل 79626 45- علي بن صادق بن محمد الداغستاني ثم الدمشقي (ت 1199)له : «رسالة في نجاة أبوي الرسول» مخطوطة منها نسخة مصورة في مركز جمعة الماجد بدبي برقم 80(ق 13-23) كما في «علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر الهجري » 3 : 463، وجاء في فهرس دار الكتب المصرية 1 : 182، أنه مطبوع بدمشق وأن في الدار نسخة منه. 46- سليمان بن عبد الرحمن مستقيم زاده الحنفي(ت 1202)له : «رسالة موجزة في حق أبوي النبي» مخطوطة بمكتبة الحرم المكي الشريف برقم 3863 عام ، وأخرى بدار الكتب المصرية برقم 197. 3«العقد المنظم في أمهات النبي»، مخطوط بمعهد المخطوطات العربية في القاهرة برقم 1140 تاريخ 47- محمد غوث بن ناصر الدين المدراسي (ت 1238)له : «بسط اليدين لإكرام الأبوين»، كما في ترجمته في «نزهة الخواطر» 7 : 1102. 48- محمد بن عبد الرحمن الأهدل الحسيني (ت 1258)له : «القول المسدد في نجاة والدي محمد» ، ذكره السيد عبد الله الحبشي في «معجم الموضوعات المطروقة» 2 : 1261. 49- يحيى بن محمد مؤذن المكي(ت 1260) إمام الحرم المكي الشريفله : « مناقب السيدة آمنة» كما في «المختصر من نشر النور والزهر» ص 511 50- محمد بن عمر بالي المدني (ت بعد 1285).له : «سبل السلام في حكم آباء سيد الأنام»، مطبوع باستانبول سنة 1287هـ . كما في فهرس دار الكتب المصرية ، 1 : 122 ، 187. 51- محمد يحيى بن محمد المختار بن الطالب الشنقيطي الولاتي (ت 1330)له : «خلاصة الوفاء في طهارة أصول المصطفى من الشرك والجفاء» ، مطبوع بتونس سنة 1314هـ. 52- أحمد فايز بن محمود البرزنجي( ت 1337).له : « السيف المسلول في القطع بنجاة أصول الرسول»، كما في ترجمته في كتاب «علماؤنا في خدمة العلم والدين»ص 85. 53- محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني المدني(ت 1103)له : «سداد الدين وسداد الدين في إثبات النجاة والدرجات للوالدين» طبع سنة 1419هـ، باعتناء السيد عباس أحمد صقر الحسيني، والأستاذ حسين شكري ، الناشر دار المدينة المنورة. 54-محمد علي بن حسين المالكي المكي (ت 1367)له : «سعادة الدارين بنجاة الوالدين»، . 55- زين العابدين : محمد بن محمد العمري سبط المرصفي في رسالة :(( تنزيه الكون عن اعتقاد إسلام فرعون)) ألفها في : جمادى الأولى سنة 965 نص فيها علي إيمان أبوي النبي صلي الله عليه وسلم وهي مخطوط في الأزهر الشريف رقم النسخة : 336075 عدد الأوراق:5 ورقة/ورقات عدد الملفات 1 ملف / ملفات مصدر المخطوط موقع مخطوطات الأزهر الشريف وغيرهم الكثير من الائمة ممن يتعذر علينا نقل أقوالهم مثل الخطيب البغدادي والإمام الشربيني وابن المنير ومن المعاصرين الدكتور القرضاوي والشيخ محمد الغزالي رحمه الله والشيخ الشعراوي رحمه الله والعلامة عبد الله الغماري رحمه الله وغيرهم ممن ذكرت اقوالهم في ضمن أقوال الائمة والعلماء سابقاً وقد طبعت رسائل كثيرة جداً ويكفينا ما ذكرنا في هذا المقام ويرى المطلع على أسماء العلماء والائمة ممن ذكرناهم وكذلك أسماء الكتب تنوع بلدان مؤلفيها من العرب والعجم وتعدد مذاهبهم وتباين عصورهم دفعهم لذلك محبتهم لسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم في الذب عن أبويه الطاهرين الشريفين رضي الله تعالى عنهما ثالثاًالرد على من أحب أن يؤذي النبي وقال أن أبويه صلى الله عليه وسلم في النار
الحججُ الواضحات في نجاة الأبوين والأجداد والأمهات
تأليف العلامة السيد إسحاق عزوز الحسني المكي رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أوجد نبيّه محمدًا صلي الله عليه وسلم من خالص خلاصة ولد عدنان من أطهرِ البشريّة وأطيب الأنساب، وأنفس جواهر النُّطَف الناشئة بين الأمهات والآباء، لم يزل ينقله من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة مصفًى مهذبًا لا تتشعب شعبتان إلاَّ كان في خيرهما إلى أن أخرجه إلى الدنيا، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، ورحمة للعالمين. برز من أبوين من أشرف الأصول وأكرمها وأمجدها فاقا به على سائر الآباء والأمهات. صلى الله عليه صلاةً وسلامًا دائمين لا ينقطعان أبد الأبد.
هذا وقد زلّت قدم بعض الناس فنسبا أبويه إلى الشرك. والحذَر الحذَر من ذكرهما بنقص فإنَّ ذلك يؤذيه صلي الله عليه وسلم لحديث الطبراني (( لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات )).
قال القاضي ابن العربي المالكي :(( ولا أذى أعظم له صلي الله عليه وسلم من أن يقال أن أبويه في النار )). والله سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ } [الأحزاب : 57]. اهـ. وهذه نفحة في الدفاع عن أبويه صلي الله عليه وسلم، وعن آبائه وأجداده عمومًا رتبتها في مسالك، وكلما أوردت أحاديث في الباب بدأتها بالصحيح منها، وما كان خلاف ذلك أوردته شواهد لها. وبتوارد الأحاديث على معنى واحد يشدُّ بعضها بعضًا. والحديث الضعيف يقوى بكثرة طرقه ما لم يكن فيها كذاب أو وضاع. أسأله تعالى أن يجعلها قرّةَ عينٍ للمصطفى صلي الله عليه وسلم، وأن يكتب لها القبول، وأن ينفع بها المسلمين، إنه خيرُ مأمول وأكرمُ مسؤول.
المسلك الأول من القرآن الكريمالأصلاب والبطون التي حملته صلي الله عليه وسلم
هم المقصودون بالأمة المسلمة في دعوة إبراهيم عليه السلام
1 - قال تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } [البقرة : 127 - 128].
2 - وحكى الله تعالى من دعاء إبراهيم عليه السلام قوله { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [البقرة : 129].
3 - وحكى الله تعالى من دعاء إبراهيم عليه السلام أيضًا : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم : 35]
4 - وحكى الله تعالى من دعاء إبراهيم عليه السلام : { اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 40].
يدل قوله تعالى : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } [البقرة : 128].
على أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد دعا ربه أن يجعل من ذريته من ولده إسماعيل عليه السلام أمة مسلمة إذا كان المقام هو الدعاء لنفسه ولإسماعيل عليهما السلام على ما رفعا من قواعدِ البيت فتعقيبه على ذلك بقوله : { وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } [البقرة : 129]. يوضّح أنّ المراد هم ذريّة إسماعيل دون سواه من ولد إبراهيم، كم يوضّح أنّه قد دعا بأن يبعث الرسول من هذه الأمة المسلمة.
ولا يتصوّر بعثته من الأمة المسلمة من ولد إسماعيل إلّا إذا كان دين إبراهيم سيمتدفي القرون التي بينه وبين بعثة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، وأن الزمان لا يخلو من قوم مسلمين منهم إلى البعثة المحمدية يدينون بملة إبراهيم عليه السلام في التوحيد الخالص ولا يعبدون الأصنام.
وقد أخرج ابن المنذر في « تفسيره » بسند صحيح عن ابن جرير في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام { اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 40]. قال : لا يزال من ذرية إبراهيم عليه السلام ناسٌ على الفطرة يعبدون الله.
وحيث وُجِدَ في ذرّيّة إسماعيل عليه السلام من عبد الأصنام، فواضحٌ أنّ إبراهيم قد خصّ بدعائه أمةً من ذريّته تبقى فيهم ملته ولا تندرس على تطاول القرون إلى أن يبعث الله رسوله محمدًا صلي الله عليه وسلم منهم.
ولما لم يكن ممكنًا بعثته من جميع أعراق ذريته كان أولاهم باحتسابه منهم هم آباؤه وأجداده وأمهاته فيكون منهم نسبًا قريبًا وملة...
قال السيوطي في « الحاوي » : (( كل ما ذكر عن ذرية إبراهيم عليه السلام فإن أولى الناس به سِلْسِلَة الأجداد الشريفة الذين خُصُّوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحدًا بعد واد فهم أولى بأن يكونوا هم البعض المشار إليه في قوله : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 40]، ولما وضح أن المخصوص بالدعاء هم آباؤه وأجداده صلي الله عليه وسلم دون عموم الذرية.. قال سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ لما سُئِلَ : هل عَبَدَ أحدٌ من ولد إسماعيل الأصنام ؟ قال : لا ألم تسمع قوله تعالى { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم : 35]. كما رواه ابن أبي حاتم.
وكذلك أخرج ابن جرير في تفسيره عن مجاهد أنه قال : (( استجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحدا من ولده صنمًا بعد دعوته ).
ولا ينطبق هذا إلاّ على من خص بدعائه أن تبقى فيهم ملته ولا تندرس من آبائه وأجداده صلي الله عليه وسلم، ومن نذر قليل خصّهم الله بعنايته ممّن لم يبدلوا ولم يحرفوا، وكأنَّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما أراه الله من ملكوت السموات والأرض شاهدَ ذلك النورَ المحمديَّ في البطون والأصلاب فئات من صلبه طلب لهم الإسلام والانقياد الذي طلبه لنفسه إلى أن يظهر ذلك النور الإلهي الذي أراه الله إياه في البطون والأصلاب ليظهر ذلك الرسول على ما تقتضيه حكمته تعالى، وقصده الخاص من جعله سببًا لمعرفته وشهوده بخلق جسمه الطاهر من أطهر الأعراف البشريّة، وأطيب الأنساب وأنفس جواهر النطف الناشئة بين الآباء والأمهات، فيحيي الله به ملة إبراهيم في توحيده وشعائره مما أصابهم من التحريف، وتبقى إلى يوم القيامة كما قال تعالى { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف : 28]. إلى أن قال : { حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ } [الزخرف : 29].
روى عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف : 28]. قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله، والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها بده.
ونقل عبد الرزاق في « تفسيره » عن ابن معين عن قتادة في الآية قال : (( الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده )).
وأخرج ابن المنذر، قال ابن جريج : (( الآية في عقب إبراهيم لم يزل في ذريته من يوحد الله ويعبده بقوله : لا إله إلاّ الله )).
قال ابن المنذر وقول آخر : (( فلم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله حتى تقوم السّاعة )).
وهكذا اختار الله لنبيّه آباءه وأمهّاته من طاهر إلى طيب، ومن طيّب إلى طاهر، إلى أن أوصله الله إلى صلب عبد الله بن عبد المطّلب، ومنه إلى رحم أمه آمنة، فأخرجه إلى الدّنيا وجعله سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ورحمةً للعالمين.
وهل يعقل أن يقرَّ الله الرّوح الطّاهر الطيّب بأصلاب المشركين وأرحام المشركات ويجعلها أصله في التّكوين والتّصوير وهو القائل { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة : 26]. والقائل أيضًا : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } [النور : 26].
وإذا كان تخصيص هؤلاء بهؤلاء واردًا للمناسبة في التّزاوج بين الفريقين، فأولى أن تكون المناسبة بين النّطف التي تتكوّن في الأصلاب وتستقر في الأرحام، فلا يتولّد الطيّب الطّاهر من مشركين نجسين، وصدق الله العظيم : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } [النور : 26].
********* المسلك الثاني
طهارة نسبه صلي الله عليه وسلم في الأحاديث
1 - روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( بُعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا حتّى كنت في القرن الّذي كنت فيه )).
2 - وأخرج مسلم والترمذي وصححه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كِنَانَةَ قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم )). قال ابن تيمية : قضية الخبر أن إسماعيل وذرّيته صفوة ولد إبراهيم. 3 - وفي « ذخائر العقبى » للمحب الطّبري من حديث واثلة بلفظه : (( إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتّخذه خليلاً، واصطفى من إبراهيم إسماعيل، واصطفى من مُضَرَ كِنَانَةَ وقريشًا، ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطّلب، ثم اصطفاني من بني عبد المطّلب )). 4 – روى التّرمذي وحسّنه عن العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( إنَّ الله خَلَقَ الخلقَ فجعلني في خير فرقهم، ثم تخيَّر القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخيَّر البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرُهم نفسًا وخيرهم بيتًا )). 5 – أخرج البيهقي في « دلائل النّبوّة » عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : ((أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهرْ بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمَة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وما افترق النّاس فرقتين إلاَّ جعلني الله في خيرهما فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عُهر الجاهليّة، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتّى انتهيت إلى أبي وأمّي فأنا خيركم نسبًا وخيركم أبًا )). 6 - وأخرج أبو نعيم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه صلي الله عليه وسلم قال : ((لم يلتقِ أبواي قطُّ على سفاح، ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطّاهرة مصفًّى مهذّبًا لا تتشعّب شعبتان إلاَّ كنت في خيرهما )). 7 - وروى الطبراني عن ابن عمر أنّه صلي الله عليه وسلم قال : (( إنَّ الله تعالى اختار خلقه، واختار منهم بني آدم، ثم اختار منهم العرب، فاختار منهم قريشًا، فاختار منهم بني هاشم، ثم اختار بن هاشم، فاختارني، فلم أزل خيارًا من خيار. ألا من أحب العرب فبحبي أحبّهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم )). 8 - وروى الطبراني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلي الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السّلام، قال : (( قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم )). قال ابن حجر : (( لوائح الصّحة ظاهرة على صفحات هذا المتن )). يريد - والله أعلم - أن الأحاديث الكثيرة تؤيّده في أفضليّته صلي الله عليه وسلم، وفي أفضليّة بني هاشم على سائر القبائل. 9 - وأخرج ابن مردويه : (( قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم : { لقد جاءكم.. أنفسكم } [التوبة : 128]. ثم قال : أنا أنفسكم نسبًا وصهرًا وحسبًا ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلّنا نكاح )). 10 – وقال السيوطي : أورد المحب الطّبري في « ذخائر العقبى » والبزّار في « مسنده » عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخل ناس من قريش على صفية بنت عبد المطلب فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية، فقالت صفية بنت عبد المطّلب : منا رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقالوا : تنبت النخلة أو الشجرة في الأرض الكساد فذكرت ذلك صفيَّة لرسول الله r فغضب فقام على المنبر، فقال : ((يا أيها الناس : من أنا ؟ )) قالوا : أنت رسول الله. قال : ((أنسبوني)) قالوا : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال : ((فما بال أقوام ينزلون أَصْلِي، فوالله إني لأفضلهم أصلاً وخيرهم موضعًا)). 11 - وأخرج الحاكم عن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه قال : بلغ النبيَّ صلي الله عليه وسلم أن أقوامًا نالوا منه، فقالوا : إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت من كناس، فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : ((إنَّ الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين : فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلاً، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني من خيرهم بيتًا، ثم قال : أنا خيركم قبيلاً وخيركم بيتًا )). 12 - وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن ابن جريج قال : ((ليس آزر أبا إبراهيم، وإنّما هو إبراهيم بن تيرخ، أو تاريخ بن شاروخ بن فاخور بن فالخ. قال : والعرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقًا شائعًا كما قال تعالى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [البقرة : 133]. 13 - وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : (( إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنّما اسمه تارخ )). 14 - وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر بأسانيد من طرق بعضها صحيح عن مجاهد قال : (( ليس آزر أبا إبراهيم )). قال السّيوطي : ( اعلم أنّ الأحاديث يصرح أكثرها لفظًا وكلها معنًى أن آباء النبي صلي الله عليه وسلم وأمهاته آدم وحواء مطهّرون من دنس الشِّرك والكفر، ليس فيهم كافر؛ لأنه لا يقال في حق الكافر أنّه مختار ولا طاهر ولا مصفًى، بل يقال نجس. قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة : 28]. فوجب أن لا يكون في أجداده مشرك، فما زال منقولاً من الأصلاب الطّاهرة إلى الأرحام الطّاهرة، وما زال ينتقل نوره من ساجد إلى ساجد كم قال تعالى { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [الشعراء : 218 – 219]، فالآية تدلُّ على أنّ جميع آبائه صلي الله عليه وسلم كانوا مسلمين وحينئذ وجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين وإنّما كان ذلك عمّه ). اهـ. قال ابن حجر المكّي : الأحاديث مصرّحة لفظًا ومعنى أنَّ آباءه وأمّهاته صلي الله عليه وسلم إلى آدم مختارون كرام، وأن أمهاته طاهرات، والكافر لا يقال في حقه مختار ولا كريم ولا طاهر بل نجس. اهـ. وهكذا طَهَّرَ اللهُ رسولَهُ بالحفظِ في الأصلاب والأرحام وطفلاً وناشئًا وكهلاً حتى قدَّسه بظهور نبوته وشرفه بالقربة، وطيبه بروحه، وجلله ببهائه صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه.
*********
إيمان أجداده صلي الله عليه وسلم
دلَّت الآثار السّابقة على أن كل أصل من أصوله صلي الله عليه وسلم من آدم عليه السّلام إلى أبيه عبد الله هو من خير قرنه وأفضله أو خيره وأفضله.
كما وردت آثار كثيرة أن الأرض من عهد آدم إلى بعثة النبي صلي الله عليه وسلم وإلى قيام السّاعة لا تخلو من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحّدونه، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم لهلكت ومَنْ عليها، فهذه وتلك تدل على أنَّ أصول الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن فيهم مشرك وإلاَّ لما صحَّ أن يكون كل أصل منهم من خير أهل قرنه أو خيرهم إذ المشرك لا يكون خيرًا من المسلم بأي حال من الأحوال.
والآثار الدّالة على أنّ الأرض لم تخلُ من مسلم في كل القرون كثيرة :1 - منها : ما رواه عبد الرزّاق في « مصنّفه » بإسناده على شرط الشيخين عن ابن جريج قال : قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب : ((لم يزل على وجه الدّهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها )). ومثل هذا لا يقال بالرّأي فله حكم المرفوع. 2 - ومنها : ما رواه الإمام أحمد في « الزّهد » والخلاَّل من « كرامات الأولياء » بسند صحيح على شرط الشّيخين عن ابن عبّاس قال : ((ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض)) وله حكم الرّفع أيضًا. وقوله : ((من بعد نوح)) لأنه من قبله كان الناس كلّهم على الهدى. 3 - ومنها : ما رواه البزّار في « مسنده » وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في « تفاسيرهم » والحاكم في « المستدرك » وصححه عن ابن عباس في قوله تعالى : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } [البقرة : 213]. قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيّين. وفي « الحاوي » للسّيوطي قال ابن أبي حاتم في « تفسيره » : (( بين النبي صلي الله عليه وسلم وبين آدم تسعة وأربعون أبًا )). 4 - وفي « الحاوي » أيضًا : ((إن سام بن نوح مؤمن بالإجماع)) لأنّه كان مع أبيه في السّفينة ولم ينج فيها إلاَّ مؤمن، قال تعالى { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ }[الصّافّات : 77]. ثم ساق السيوطي آثارًا يُعلَم من مجموعها أنَّ أجداد الرّسول صلي الله عليه وسلم من آدم إلى زمن نمروذ كانوا مؤمنين بيقين، قال : ثم استمر التّوحيد في ولد إبراهيم وإسماعيل. قال الشهرستاني في « الملل والنّحل » : (كان دين إبراهيم قائمًا، والتّوحيد في صدر العرب شائعًا، وأوّل من غيره واتّخذ عبادة الأصنام عمرو بن لحي). وقال ابن كثير في « تاريخه » : (كانت العرب على دين إبراهيم إلى أن وليَ عمرو بن عامر الخزاعي مكة فأحدث عبادة الأصنام، وشرع للعرب الضلالات من السّوائب وغيرها وزاد في التّلبية ). وقال السّهيلي في « الروض الأنف » : (كانت العرب قد جعلت عمرو بن لُحي مُطاعًا لا يبتدع لهم بدعة إلاَّ اتخذوه شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسوهم في الموسم). اهـ. فهو أوَّل من غَيَّر دين إبراهيم ونَصَبَ الأوثان وبَحر البحيرة، وسيَّب السّائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، وأوّل من أدخل في التلبية : (( لبيك لا شريك لك إلاَّ شريكًا هو لك تملكه وما ملك))، وتبعته العرب ومع ذلك بقيت بقايا من دين إبراهيم وظلت خزاعة على الحرم إلى أن انتزع منهم قصي ولاية البيت. قال السّيوطي : وهذا يثبت أنَّ آباء النبي صلي الله عليه وسلم من عهد إبراهيم إلى زمان عمرو المذكور كلّهم مؤمنون حيث لم يدخل التّبديل والتّغيير في شريعة إبراهيم إلاَّ في زمن عمرو بن لحي الخزاعي. ثم أخرج السّيوطي روايات عن ابن عبّاس والطبري وابن سعد في «طبقاته»، والسّهيلي في «الروض الأُنف» ووكيع في كتاب «الغرر من الأخبار» يدل مجموعها على بقاء كل من عدنان ومعه مضر وإلياس وكعب بن لؤي وولده مُرَّة، وغيرهم من العرب كربيعة وخزيمة وأسد وتميمًا وضبة وقسًا، على الإيمان. ونقل عن الماوردي في «دلائل النّبوّة» وأبي نعيم في «دلائل النّبوّة» أنّ كعب بن لؤي كان يخطب قريشًا يوم العَروبة، وهو يوم الجمعة، فيذكّرهم بمبعث النبي صلي الله عليه وسلم، ويعلمهم أنّه من ولده، ويأمرهم باتّباعه والإيمان به. ويبقى بعد مُرَّةَ من آبائه صلي الله عليه وسلم : كلاب، وقُصَيّ، وعبد مناف، وهاشم وعبد المطّلب، وعبد الله والده r، وما ذكرناه من دعوات إبراهيم عليه السلام لذريّته من إسماعيل عليه السلام : {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ *... رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 35، 40 ]، { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزّخرف : 28]. يدل على أنَّ من ذريّته من بقي على الإيمان وأولادهم به سلسلة الأجداد والآباء الشريفة الذين خُصُّوا بالاصطفاء، وانتقل إليهم نور النّبوّة واحدًا بعد واحد، فهم أولى بأن يكونوا هم البعض المشار إليهم في دعاء إبراهيم عليه السلام في الآيات السّابقة. وقد دل ما سبق من دلائل على إيمانهم وحسبك ما رأوا من دلائل نبوّته التي نقلت عنهم. قال أبو الحسن الماوردي في كتابه « أعلام النبوّة » : (( إن الله استخلصَ رسولَهُ صلي الله عليه وسلم من أطيب المناكح، وحماه من دَنَس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام منزّهة، وقد قال ابنُ عبّاس في تأويل قوله تعالى : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [الشعراء : 219] : أي تقلّبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيًّا. فكان نور النبوّة ظاهرًا في آبائه، ثم لم يشركه في ولادته من أبويه أخ ولا أخت لانتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبهما عليه، ليكون مختصًّا بنسبٍ جعله الله للنبوة غاية، ولتفرده نهاية فيزول عنه أن يشارك فيه، ويماثل فيه، فلذلك مات عنه أبواه في صغره، فأمّا أبوه فمات وهو حمل، وأما أمّه فماتت وهو ابن ست سنين، وإذا خَبِرتَ حال نسبه وعرفت طهارة مولده علمت أنه سلالة آباء كرام، ليس في آبائه مسترذل ولا مغمور مستبدل، بل كلهم سادة قادة، وشرف النّسب وطهارة المولد من شروط النبوّة )). اهـ.
*********
إيمان عبد المطّلب جد النّبي صلي الله عليه وسلم
أكثر النّاس في عبد المطّلب مستدلّين على كفره بما لا يصلح دليلاً ويعارض ما ذكرناه من إسلام أصوله صلي الله عليه وسلم وانتقال النّور النّبوي من صلب إلى صلب.
قال الشهرستاني في « الملل والنّحل » : ظهرَ نورُ النّبي صلي الله عليه وسلم في أسارير عبد المطّلب بعض الظّهور، وببركة ذلك النّور كان يأمر ولده بترك الظّلم والبغي، ويحثّهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيّات الأمور، وببركة ذلك النّور كان يقول في وصاياه : إنّه لن يخرج من الدّنيا ظلوم حتّى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هَلَك رجل ظلوم ولم تصبه عقوبة، فقيل لعبد المطّلب في ذلك ففكر وقال : والله إن وراء هذه الدّار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء بإساءته. وببركة هذا النّور قال عبد المطّلب لأبرهة : إنّ لهذا البيت ربًّا يحميه. وببركة هذا النّور قال وقد صعد أبا قيس :
اللهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم يومًا محالك وانصر على آل الصّليب وعابدين اليوم آلك
قال السّيوطي : وينضمُّ إلى هذا أنَّ النّبي صلي الله عليه وسلم قد انتسب إليه يوم حنين، فقال :
(( أنا النّبي لا كذب... أنا ابن عبدالمطّلب )) وهذا من أقوى ما يقوى به القول أنّه كان على دين إبراهيم، لأنَّ الفخر بالانتساب إلى الآباء الكفّار منهيٌّ عنه، فروى البيهقي عن ابن عبّاس أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية، فو الذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خيرٌ من آبائكم الذين ماتوا في الجاهليّة )). وروى البيهقي أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( إنّ الله أذهب عنكم عَبيَّة الجاهليّة وفخرها بالآباء، لينتهينَّ أقوام يفتخرون برجال، إنّما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكونن أهون على الله من الجُعْلان التي ترفع النّتن بأنفها )). وأورد البيهقي في « شعب الإيمان » حديث مسلم : ((أنَّ في أمتي أربعًا من أمر الجاهليّة ليسوا بتاركين : الفخر في الأحساب.. )). الحديث. وإشارته صلي الله عليه وسلم إلى اصطفاء آبائه ليس من باب الفخر، وإنّما هو من باب التحدّث بنعمة الله عليه. وفي حديث البزّار الذي أوردناه فيما سبق من قوله صلي الله عليه وسلم : (( ما بال أقوام ينزلون أصلي فوالله لأفضلهم أصلاً وخيرهم موضعًا ))، وأحاديث : ((ما افترق فرقتين إلاَّ وجعلني الله في خيرها )) أتم الدلالة على سلامة أصوله من الشّرك. وما ورد في « الصحيح » من قول أبي طالب : ((أموت على ملّة عبد المطّلب)) لا دلالة فيه على أنّ عبد المطّلب قد مات على الشّرك أو أنّ أحدًا منهما قد عبد الأصنام وإنّما أبو طالب أدرك مبعث النّبي r ولم يؤمن به ظاهرًا، أمّا عبد المطّلب فإنّه لم يدرك مبعثه صلي الله عليه وسلم، فلم يتشرّف بالإيمان به ولا دلالة في ذلك على أنّه لم يكن على دين حق، وهو ملة إبراهيم عليه السّلام التي لم تنسخ بعد.
*********
إيمان أمّهاته صلي الله عليه وسلم
وبعد ذكر أجداده وسلامتهم من الشرك نأتي على ذكر سلسلة أمّهاته وسلامتهن من الشّرك وطهارتهن من السّفاح.
قال السّيوطي في « الحاوي » : استقرأت أمّهات الأنبياء عليهم السلام فوجدتهن مؤمنات، فأمُّ إسحاق، وموسى، وهارون، وعيسى، وحواء أم شيث، مذكورات في القرآن، بل قيل بنبوّتهن. ووردت الأحاديث بإيمان هاجر أم إسماعيل، وأم يعقوب، وأمّهات أولاده، وأم داود، وسليمان، وزكريّا، ويحيى، وشمويل، وشمعون، وذي الكفل. ونص بعض المفسّرين على إيمان أم نوح، وأم إبراهيم، ورجّحه أبو حيّان في « تفسيره ». وقد تقدّم عن ابن عبّاس أنّه لم يكن بين نوح وآدم والد كافر ولهذا قال نوح : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا } [نوح : 28]. وقال إبراهيم : { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } [إبراهيم : 41]. ولم يعتذر من استغفار إبراهيم في القرآن إلاَّ لأبيه خاصّةً دون أمّه تدل على أنّها كانت مؤمنة، وقد دلّت الأخبار السّابقة على أنّ آزر الّذي استغفر له لم يكن إلاَّ عمّه. وأخرج الحاكم في «المستدرك» وصححه عن ابن عبّاس قال: (( كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلاَّ عشرة : نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد -عليهم السّلام- )). وبنوا إسرائيل كلّهم كانوا مؤمنين لم يكن فيهم كافرًا إلى أن بعث عيسى فكفر به من كفر، فأمّهات الأنبياء الذين من بني إسرائيل كلّهن مؤمنات. وأيضًا فغالب أنبياء بني إسرائيل كانوا أولاد أنبياء أو أولاد أولادهم، فإنَّ النبوّة كانت تكون في سبط منهم يتناسلون كما هو معروف في أخبارهم. وأمّا العشرة المذكورون من غير بني إسرائيل، فقد ثبت إيمان أم نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وبقي أم هود، وصالح، ولوط، وشعيب، فالظّاهر - إن شاء الله - إيمانهن - أي أسوة بالآخرين -. فكذلك أم النّبي صلي الله عليه وسلم وكأنَّ السّر في ذلك ما يرينه من النّور، كما ورد في حديث أحمد والبزّار والطبراني والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ((إنّي عبد الله وخاتم النبيّين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك، دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمّي التي رأت )). وكذلك أمّهات النبيّين يرين. وإنّ أم رسول الله صلي الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورًا أضاءت له قصور الشّام، ولا شك أنَّ الذي رأته أم النبي صلي الله عليه وسلم في حال حملها وولادتها له من الآيات أكثر وأعظم مما رآه سائر أمّهات الأنبياء كما سبق في كتب السّيرة. وقال السّيوطي أيضًا : أخرج أبو نعيم في «دلائل النبوّة» بسند ضعيف من طريق الزّهري عن أم سماعة بنت أبي رهم، عن أمّها قالت : شهدت آمنة أم رسول الله صلي الله عليه وسلم في علّتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يقع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه، ثم قالت :
باركَ فيك اللهُ من غلام يا ابنَ الذي من حومه الحمام
نجا بعونِ الملكِ المنعام فودي غداة الضرب بالسّهام بمائة من إبل سوام إن صح ما أبصرت في المنام فأنت مبعوث إلى الأنام من عند ذي الجلال والإكرام تبعث في الحِلِّ وفي الحرام تبعث بالتّحقيق والإسلام دين أبيك إبراهام فالله نهاك عن الأصنام أن لا نواليها مع الأقوام
ثم قالت : كل حي ميت، وكل جديد بال، وكل كبير يفنى، وأنا ميتة وذكري باق، وقد تركت خيرًا وولدت ظهرًا.
قال السّيوطي : وما أحسن قول الحافظ شمس الدين بن ناصر الدّين الدّمشقي :
تنقل أحمد نورًا عظيمًا تلألأ في جباه السّاجديناتقلَّب فيهم قرنًا فقرنًا إلى أن جاء خير المرسلينا
وقال أيضًا :
حفظَ الله كرامةً لمحمدًا آباءه الأمجادَ صونًا لاسمه
تركوا السّفاح فلم يصبهم عارةً من آدم حتّى أبيه وأمّه وقال الشّرف البوصيري صاحب البردة :
لم تزل في ضمائر الغيب تختار لك الأمّهات والآباء ما مضت فترةً من الرّسل إلاَّ بشَّرت قومها بك الأنبياء
تتباهى بك العصور وتسمو بك عليا، بعدها علياءُ وبدا للوجود منك كريم من كريم آباؤه كرماء نسب تحسب العلا بحلاه قلدتها نجومها الجوزاء *********
المسلك الثالث
استدلال البعض على نجاة الأبوين بأنّهما ماتا في الفترة ولا داعي لذلك الاستدلال
ما أوردته من آيات في المسلك الأوّل يدل على أنَّ إبراهيم عليه السلام قد دعا لذرّيته من ولد إسماعيل عليه السّلام بالإسلام، وأن تبقى ملّته في عقبه إلى بعثة نبيّنا صلي الله عليه وسلم، وأن يجنبهم عبادة الأصنام، وبيَّنَّا أنّه لما وجد في ذرّيته من يعبد الأصنام ظهر أنَّ المخصوص بالدّعاء ليس جميع ذرّيته، وإنّما طائفة من ذرّيّته هم آباؤه وأجداده وأمّهاته إذ هم أولى باحتساب رسول الله r منهم نسبًا قريبًا وملّةً كما قال تعالى : { وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } [البقرة : 129].
وكذلك بيَّنَّا في المسلك الثّاني ما في الأحاديث من دلالة على طهارة نسبه من آدم من الشّرك والسّفاح حتى تسلسلوا إلى إبراهيم، ومنه إلى أن ولد عبدالله وآمنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فأبقاهم الله جميعًا على ملّته لم يغيِّروا ولم يبدلوا استجابةً لدعاء الخليل عليه السّلام. ومثل هؤلاء لا يقال عنهم أنّهم من أهل الفترة، بل من الملة الحنيفية الإبراهيمية ممن شملهم دعاؤه بالأولى ببقاء ملته في عقبه حتى يبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم منهم، فهم من الأمة المسلمة من ذريَّة إبراهيم وإسماعيل، ولا يجب عليهم الإيمان برسول آخر خارج عن ذرّيّة إسماعيل. أما عن حكم أهل الفترة نجاتهم أو عذابهم، فقد قال السّيوطي في «الحاوي» : (( أطبقت أئمّتنا من أهل الكلام والأصول والفقه على أنّ من مات ولم تبلغه الدّعوة يموت ناجيًا، مستدلّين على أنّه لا تعذيب قبل البعثة، رادّين بذلك على المعتزلة ومن وافقهم على تحكيم العقل بآيات منها : 1 - قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء : 15]. أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره في الآية عن قتادة قال : (( إنَّ الله ليس بمعذِّب أحدًا حتى يسبق إليه من الله تعالى خبرًا أو تأتيه من الله بيِّنَة )). 2 - وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا } [القصص : 59]. 3 - وقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } [طه : 134 ]. 4 - وقوله تعالى : { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ القصص : 47 ]. 5 - وقوله تعالى : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الشّعراء : 208 - 209 ]. 6 - وقوله تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } [ الأنعام : 155 - 156 ]. واعلم أنّه مع اتّفاقهم على أن لا تعذيب لقوم قبل بعثة نبيّ إليهم، قال قوم : المراد به أنّه لا تعذيب في الدّنيا بالهلاك والقذف والمسخ ونحوه إلاَّ بعد بعثة نبيّ لقوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا } [القصص : 59]، ونحوها. وقال آخرون : المراد أنّه لا تعذيب لا في الدّنيا ولا في الآخرة إلاَّ بعد دعوة نبي لهم لاحتجاج الله عليهم بأنّه لم يعذّبهم إلاَّ لكفرهم بمن أرسل إليهم، ومن لم تبلغه الدّعوة يعامل في الدّنيا كالمسلم فيضمن بالكفّارة والدّيّة ولا يقاتل، ولكن لا يجب القصاص على قاتله. ودلَّت بعض الأحاديث على أنَّ أهل الفترة يمتحنون في الآخرة، فمن أطاع منهم أُدخِل الجنَّة، ومن عصى أُدخِل النَّار. ومن ذلك ما رواه أحمد في «مسنده» والبيهقي في كتاب «الاعتقاد» وصححه عن الأسود بن سريع أنّ النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( أربعة يمتحنون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأمّا الأصم فيقول : ربِّ لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأمّا الأحمق فيقول : ربِّ لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأمّا الهرم فيقول : ربِّ لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا، وأمّا الذي مات في الفترة فيقول : ربِّ ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقَهم ليطيعنَّه، فيرسل إليهم : ادخلوا النّار فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها يسحب إليها )). وأضيف إلى ذلك روايات أخرى ((الأبكم))، و((من مات صغيرًا)). هذا وقد صحّت أحاديث بتعذيبِ أشخاص من أهل الفترة ذكروا بأسمائهم ممّن بدَّل وغيَّر الشّرائع، وشرع من الضلال ما لا يعذر به كعمرو بن لحي وغيره. أمّا أهل الفترة فإنّه يراد بهم الأمم الكائنة بين أزمنة الرّسل الّذين لم يُرْسَل إليهم الأوّل ولا أدركوا الثّاني، ولم تبلغهم أي دعوة حق أصلاً كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى عليه السلام، ولا لحقوا النبي صلي الله عليه وسلم. ومن اهل الفترة من أُرسِل إليهم نبيٌّ، ولكن اندرست شريعته كلّية، فإن لم تندرس شريعته بالكلّية ولو طَرَأَ عليها التّحريف والفساد فليس أهلها أصحاب فترة كاليهود والنّصارى، فإنّهم ليسوا أهل فترة رغم تحريفهم وتبديلهم. أمّا العرب من ذرّيّة إسماعيل -عليه السّلام - فإنّهم كانوا خارجين عن دعوة عيسى عليه السّلام. وقد سبق النّقل عن ابن كثير وغيره أنَّ العرب كانت على دين إبراهيم عليه السّلام إلى أن غيَّره عمرو بن لحي فَنَصَبَ الأوثانَ وشَرَعَ الضلالات، وتَبِعَهُ العرب من بعده ولكن بقيت بقايا من دين إبراهيم عليه السّلام استجابةً لدعوته عليه السّلام { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ...... رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [ إبراهيم : 35، 40]. { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [ الزخرف : 28]. ووضّحنا أنّ أولى النّاس بهذه الدّعوة وبقاء الملّة فيهم هم سلسلة الأجداد الشّريفة لما ورد : (( وما افترق النّاس فرقتين إلاَّ جعلني الله في خيرها )). ولما ورد : (( أن الأرض من عَهد آدم عليه السلام إلى بعثة النبي صلي الله عليه وسلم لا تخلو من ناس يعبدون الله ويوحّدونه )). في هذا أتم الدّلالة على سلامة أصوله صلي الله عليه وسلم من الشّرك وإلاَّ لما صحَّ أن يكون أصل منهم من خير قرنه أو خيرهم إذ المشرك لا يكون خيرًا من المسلم بأيَّ حال من الأحوال، ولذا فإنه لا داعي - لمحاولة توجيه نجاة الأبوين بأنّهم من أهل فترة - الظن فيهما أن يطيعا عند الامتحان بشفاعته r وسابق الوعد له في قوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضّحى : 5 ]، وأنّه لا يرضى أن يدخل أحد من أهل بيته النّار، فكل ذلك الاعتذار بالنّسبة للأبوين مبنيٌّ على أنّهما لم يكونا على دين حق، وقد علمت خلاف ذلك وأن كل أصل من أصوله صلي الله عليه وسلم كان خير أهل قرنه، ولا مانع من شفاعته صلي الله عليه وسلم لإعلاء درجاتهما أكثر وأكثر، فهذا مما يرضيه صلي الله عليه وسلم. أما نيل أهل بيته لشفاعته صلي الله عليه وسلم فقد وردت به أحاديث عديدة يشدُّ بعضها بعضًا، فإنَّ الحديث الضّعيف يتقوّى بكثرة طرقه. ومنها ما أخرجه الطّبراني من حديث أم هانئ أنّ النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وأن شفاعتي تنال حاء وحكم )). وحاء وحكم قبيلتان جافيتان من اليمن. وهذا، ولما كان أصوله صلي الله عليه وسلم من ذرّيّة إبراهيم من إسماعيل باقين على الحنفية استجابة لدعوة إبراهيم عليه السّلام، فكذلك كان جماعة في زمن الجاهلية قد تدينوا بدين إبراهيم – عليه السّلام – وتركوا الشّرك ومنهم كما قال ابن الجوزي في «التلقيح» : أبو بكر الصدّيق، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وورقة بن نوفل، ورباب بن البراء، وأسعد أبو كرب الحميري، وقس بن ساعدة الأيادي، وأبو قيس بن صرمة. وقد وردت الأحاديث بتحنث زيد وورقة وقس، وممّن تحنَّث عمرو بن عبسة السُّلَمي كما أخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوّة» أنّه قال : (( رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل يعبدون الحجارة )). وأخرج البيهقي وأبو نعيم كلاهما في «الدلائل» أن عمير بن حبيب الجهني تَرَكَ الشرك في الجاهلية وصلَّى لله وعاش حتى أدرك الإسلام. ومما ذكر تعلم عدم شمول الشّرك جميع ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام من بعده إلى بعثة النبي صلي الله عليه وسلم وأن شرعه من جهة إسماعيل لم يندرس، بل بقيت بقية على دينه. أما الأكثر من العرب فكانوا يزعمون انتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام، بينما فَشَا فيهم فساد كبير مما أحدثه عمرو بن لحي في دينه عليه السلام من عبادة الأصنام والفتنة في الدين وغَلَبة الجهل على الناس، فأولى تسميتهم أهل الجاهلية لغلبة الجهل على الأكثر وخلوِّ الزّمان عن المبلِّغ والزّاجر.
*********
ولذا فإنّ العرب ما بين عيسى ومحمد عليهما السّلام من حيث النجاة وعدمها على مراتب :1 – منهم : من بقي على شريعة إبراهيم – عليه السلام – فوحَّدَ الله ولم يعبد الأصنام كآبائه صلي الله عليه وسلم، وقس بن ساعدة وغيره، فهؤلاء مؤمنون ناجون.
2 – ومنهم : من دخل في شريعة حق قائمة كمن تهوَّد وتنصَّر، فحكمه حكم أهل الدين الّذي دخل فيه ما لم يلحق الإسلام الناسخ لكل دين فإنه سيعذب إذا لم يؤمن. 3 – ومنهم : من لم تبلغه دعوة لأي نبي كالأعراب الّذين لم يرسل إليهم عيسى فهؤلاء أهل فترة. 4 – ومنهم : من كان في زمن جاهليّة ملأ الجهل الأرض وفقدت الشرائع من آل يعقوب، ولم تبلغ الدّعوة على وجهها إلاَّ نفرًا يسيرًا من أهل الكتاب متفرقين في أقطار الأرض والشام وغيرها، ولم يعهد للجاهل تقلّب في الأسفار إلى مواطنهم، ولم يعمَّر عمرًا طويلاً يمكّنه من التنقيب فهؤلاء أهل فترة أيضًا إذا لم يشركوا بالله. 5 – ومنهم : من لم يشرك ولا دخل في شريعة ولا ابتكر لنفسه شريعة، بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله فهؤلاء أهل فترة أيضًا وفي الجاهلية من كان كذلك. 6 – ومنهم : من بدَّل وغيَّر وأشرك ولم يؤمن، وشرع لنفسه، وحلَّل وحرَّم، وهم أكثر العرب اتبعوا عمرو بن لحي أول من سنَّ للعرب عبادة الأصنام، وشرع لهم الضلالات، وأدخل في التّلبية ما ليس منها، وزاد بعضهم عليه من بعده ضلالاً من عبادة الجنّ والملائكة ووأد البنات واتّخاذ بيوت جعلوا لها سدنةً وحجابًا يضاهون بها الكعبة كاللاتِ والعُزَّى ومَنَاة، وعلى هؤلاء يحمل من صح تعذيبه لكفرهم بما لا يعذرون به. 7 – ومنهم : من بلغته دعوة أحد من الأنبياء السابقين، ثم أصرَّ على كفره فهو في النّار قطعًا بلا نزاع.
*********
المسلك الرابع
استدلال البعض على نجاة الأبوين بما رُوي من إحيائهما ولا حاجة لذلك
ذهب كثير من حُفَّاظ المحدّثين وغيرهم كابن شاهين والحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وناصر الدين ابن المنيِّر وغيرهم إلى أن الله أحيا له صلي الله عليه وسلم أبويه فآمنا به، واستدلوا لذلك بحديث ضعيف أسند عن عائشة رضي الله عنها قالت : حجَّ بنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حجة الوداع فمرَّ بعقبة الحجون، وهو باكٍ حزين، فقام فمكث طويلاً، ثم دعا وهو فرح مبتسم، فقلت له في ذلك، فقال : (( ذهبت لقبر أمي فسألتُ الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها إليه )) "أي إلى القبر".
وهذا الحديث ضعيف باتّفاق المحدِّثين، ولا حاجة إلى الاحتجاج به لثبوت إسلام أبويه صلي الله عليه وسلم بالكتاب والسنة حيث كانا وكل آبائه وأجداده على دين جدهم إبراهيم عليه السلام، كما تقدم بيانه في المسلكين السابقين، وإن ثبت إحياؤهما وإيمانهما به صلي الله عليه وسلم بعد الإحياء، فذلك يوجب تشريفها بتجديد إيمانها على يده صلي الله عليه وسلم ومبايعته عليه السلام على أنه لم يثبت عن الوالدين شرك. وسيأتي في فصل خاص الجواب عما ورد من أحاديث توحي بعد إسلام الوالدين فانتظر.
*********
الجواب عما استدل به البعض على عدم نجاة الأبوين
أخرج ابن عساكر في تاريخه قال : كان رجل من كتاب الشام مأمونًا عندهم (أي بني أمية)، استعمل رجلاً على كورة الشام، وكان أبوه يزن بالمنانية، فبلغ عمر بن عبد العزيز ذلك، فقال : ما حملك على أن تستعمل رجلاً على كورة من كور المسلمين يزن بالمنانية ؟ قال : أصلح الله أمير المؤمنين وما عليَّ، كان أبو النبي صلي الله عليه وسلم مشركًا، فقال عمر : آه ثم سكت ثم رفع رأسه فقال : أأقطع لسانه ؟ أأقطع يده ورجله ؟ أأضرب عنقه ؟ ثم قال : لا تلي لي شيئًا ما بقيت.
ونبتت نابتة في هذه الأيام تكثر من الطعن واللمز في أبويّ المصطفى صلي الله عليه وسلم، وكأنَّ ذلك ركن لا يتم الإسلام إلاَّ به، ردّدوا عن أب المصطفى ما رواه مسلم عن أنس أن رجلاً قال : يا رسول الله: أين أبي ؟ قال : ((في النار)). فلما قفي دعاه قال (( إن أبي وأباك في النار )). قال السيوطي : لفظ ((أبي وأباك في النار)) لم يتفق على ذكرها الرواة، وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وهي الطريق التي رواه مسلم بها. وقد خالفه معمر عن ثابت، فلم يذكر أن : (( أبي وأباك في النار ))، ولكن قال له : ((إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار))، وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلي الله عليه وسلم بأمر البتة، وهو أثبت من حيث الرواية لأن معمرًا أثبت من حماد، فإن حمادًا تُكلِّمَ في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسَّها في كتبه، وكان حماد لا يحفظ فحدَّث بها فوهم فيها، ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئًا، ولا خرج له مسلم في الأصول إلاَّ من روايته عن ثابت. قال الحاكم في «المدخل» : ما خرّج مسلم لحماد في الأصول إلاَّ من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة. وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيئًا من حديثه واتّفق على التّخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت. ثم وجدنا الحديث ورد عن حديث سعد بن أبي وقاص مثل لفظ : ( رواية معمر عن ثابت عن أنس )، فأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه أن أعرابيًّا قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم : أين أبي ؟ قال : ((في النار)) قال : فأين أبوك ؟ قال : (( حيثما مررت بقبر كافر فبشّره بالنّار)) وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعيَّن الاعتماد على هذا اللّفظ، وتقديمه على غيره. وقد زاد الطّبراني والبيهقي في آخره قال : فأسلم الأعرابي بعد ذلك، فقال : كلّفني رسول الله صلي الله عليه وسلم تعبًا، ما مررت بقبر كافر إلاَّ بشَّرته بالنّار. وقد أخرج ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه قال : جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنَّ أبي كان يَصِلُ الرّحم، وكان... فأين هو ؟ قال : في النار، فكأنه وجد من ذلك فقال : يا رسول الله أين أبوك ؟ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : حيثما مررت بقبر مشرك فبشِّره بالنّار. قال : فأسلم الأعرابي بعد. قال : لقد كلّفني رسول الله صلي الله عليه وسلم تعبًا ما مررت بقبر كافر إلاَّ بشّرته بالنار. فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أنَّ هذا اللّفظ العام هو الّذي صَدَر منه صلي الله عليه وسلم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمرًا مقتضيًا للامتثال فلم يسعه إلاَّ امتثاله. ولو كان الجواب باللّفظ الأوّل لم يكن فيه أمر بشيء البتّة فعلم أن هذا اللّفظ من تصرُّف الرّاوي رواه بالمعنى على حسب فهمه. وقد وقع في «الصحيحين» روايات كثيرة من هذا اللّفظ تصرَّف فيه الرّاوي، وغيره أثبت منه كحديث مسلم عن أنس في نفي قراءة البسملة، وقد أعلَّها الإمام الشّافعي بذلك وقال : إن الثّابت من طريق آخر نفي سماعها ففهم منه الرّاوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه فأخطأ. ثم لو فرض اتّفاق الرّواة على اللّفظ الأوّل كان معارضًا بما تقدم من الأدلّة القرآنيّة والأحاديث. والحديث الصّحيح إذا عارضته أدلّة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلّة عليه كما هو مقرّر في الأصول. ثم قال السّيوطي : وأخرج الحاكم في «المستدرك» وصححه عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدًا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، في النّاس خطيبًا فذكر الحديث إلى أن قال: فقلت يا رسول الله : هل أحد ممن قضي منّا في جاهليّة من خير ؟ فقال رجل من عرض قريش : إن أباك المنتفق في النار فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمي، مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله، ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل، فقلت : وأهلك يا رسول الله ؟ فقال : ((ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري، فقل: أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوؤك )). قال السّيوطي : وهذه رواية لا إشكال فيها وهي أوضح الرّوايات وأبينها. وربّما أوّل جماعة رواية : ((أبي وأباك)) بأن المراد عمّه أبو طالب لما كان شائعًا بين قريش قولهم قل لابنك أن يرجع عن شتم آبائنا.
*********
وردَّدوا عن أمِّ المصطفى صلي الله عليه وسلم ما رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه صلي الله عليه وسلم استأذن في الاستغفار لأمّه فلم يُؤذَن له.
وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : حج بنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حجة الوداع فمرَّ بعقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم فَنَزَل فَمَكث عني طويلاً ثم عاد إليَّ وهو فَرِحٌ مبتسم، فقلت له في ذلك. فقال : ((ذهبت لقبر أمّي فسألت الله أن يحييها فآمنت بي وردّها إليه )). أقول: قد تقدّم أنّه لا حاجة إلى الاحتجاج بحديث عائشة عن إسلام أبويه لثبوت إسلامهما بالكتاب والسنة كما تقدّم بيانه في المسلكين السّابقين ونحن إنّما سقنا الحديث هنا لما فيه (إن الزيارة والاستئذان كانا في حجّة الوداع). ونعود إلى حديث مسلم في عدم الإذن بالاستغفار لها فمعلوم أنّ الاستغفار ليس مخصوصًا بالمشرك والكافر بل هو شامل للمؤمن والكافر، والطائع، والعاصي، والولي، والنبي، كما قال تعالى : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [محمد : 19]، وقال تعالى : { وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر : 3]. ومعلوم أيضًا أن النّهي عن الاستغفار للمشركين وعن القيام على قبر مشرك كان من قبل حجة الوداع التي حصل فيها الاستئذان، كما قال تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة : 113]، وكما قال تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُون } [التوبة : 84]. ورسول الله صلي الله عليه وسلم لا يطلب الأمر الّذي نهى عنه ولا يرتكب ما نهاه عنه ربّه، وهو طلب استئذانه للاستغفار لها واستئذانه لزيارتها إنّما هو لأنّه صحّت طهارتها عن دنس التّلوّث بالشّرك ودليل على إسلامها وعدم موتها على الشّرك وعدم الإذن له في الاستغفار لها لا يدل على أنّ الاستغفار لها غير مقبول أبدًا إذ يجوز أن يُؤذن في وقت ولا يُؤذن في وقت فيؤخّر إلى مجيء الوقت المعيَّن فيستجاب عند مجيئه كما قالت عائشة أنّه صلي الله عليه وسلم نزل إلى الحجون ثم عاد مسرورًا. كما أنَّ عدم الإذن بالاستغفار لها لا يقتضي أنّها من أهل النّار أو يقتضي شركها، لأنّ هذا الاحتمال معارض بما هو أرجح منه وهو ما سبق في المسلكين من أدلّة قرآنيّة وأحاديث على أنَّ كل أصل من أصوله صلي الله عليه وسلم كان متديّنًا بالملّة الإبراهيميّة استجابةً لدعاء إبراهيم عليه السّلام { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم : 35]. وأن أولى الناس من ذرّيته من إسماعيل عليه السّلام باستجابة دعائه فيهم هم سلسلة أصوله الشّريفة الّذين دعا أن يبعث الرسول منهم حيث خُصُّوا بالاصطفاء، ونقلِ نور النبوّة إليهم واحدًا بعد واحد، ولما دلّت عليه الأحاديث أن كل أصل من أصوله كان خير أهل قرنه. فتعيَّن لهذا تأويل الحديث بأنّه كان يطلب إحياءهما ليتشرّفا بصحبته صلي الله عليه وسلم بالإيمان به، فلم يؤذن له ؛ لأنّه مأمور بدعوة الأحياء إلى الإيمان لا بدعوة الأموات، أو لأنّه طلب الإذن بالاستغفار من غير وحي إلهي، فلم يؤذن له لأن الأولى به صلي الله عليه وسلم أن يقف عند وحي ربه أو أن الغاية من طلبه الاستغفار لهما هو الدعاء برفع درجاتهما ولم يكن الوقت قد جاء بعد. وما رُوِيَ أنّه صلي الله عليه وسلم قال : (( ليت شعري ما فعل أبواي ))، فنزلت : { وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } [البقرة : 119]، فهذا لم يخرج في شيء من كتب الحديث وإنّما ذكر في بعض التّفاسير بسند منقطع، لا يحتج به ولا يُعوَّل عليه. والثّابت في «الصحيحين» إنّها نزلت في أبي طالب. ثم إنّ هذا السّبب لا يعوَّل عليه أيضًا. وذلك أنّ الآيات من قبل هذه الآية ومن بعدها كلّها في اليهود [من] قوله تعالى { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة : 40] إلى قوله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } [البقرة : 124]، ولهذا اختتمت القصّة بمثل ما صدرت به وهو قوله تعالى : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } [البقرة : 122]، الآيتين. فتبيّن أنَّ المراد بأصحاب الجحيم كفّار مكّة، وقد ورد ذلك مصرَّحًا به في أثر أخرجه عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر في تفاسيرهم عن مجاهد قال : من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وثلاث عشر آية في نعت المنافقين، ومن أربعين آية إلى عشرين ومائة في بني إسرائيل. إسناده صحيح. وممّا يؤكّد ذلك أنّ السّورة مدنيّة وأكثر ما خوطب فيها اليهود ويرشّح ذلك من حيث المناسبة أنّ الجحيم اسم لما عظم من النّار كما هو مقتضى اللّغة والآثار، فاللاَّئق بهذه المنزلة من عَظُم كفره وعانَد عند الدّعوة وبدَّل وحرَّف وجحد بعد علم لا من هو بمظنّة التخفيف. وإذا كان قد صحَّ في أبي طالب أنّه أهون أهل النار عذابًا فإن هذا مما يدل على أنّ أبوي النبي صلي الله عليه وسلم ليسا في النار ؛ لأنّهما لو كانا فيها لكانا أهون عذابًا من أبي طالب ؛ لأنّهما أشد منه قربًا وأبسط عذرًا إذ لم يدركا البعثة ولا عرض عليهما الإسلام فامتنعا بخلاف أبي طالب. وما روي من حديث أنّه صلي الله عليه وسلم استغفر لأمّه فَضَرب جبريل في صدره وقال : لا تستغفر لمن مات مشركًا وأنّه نزل فيها : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة : 113]، فإنّ البزّار أخرجه بسند فيه من لا يعرف، وحديث نزول الآية في ذلك ضعيف أيضًا، والثّابت في «الصّحيحين» أنّها نزلت في أبي طالب وقوله صلي الله عليه وسلم : ((لأستغفرنَّ لك ما لم أنْهَ عنك))وما روي من حديث أنّه صلي الله عليه وسلم قال لابني مليكه : (( أمّكما في النّار )) فشقَّ عليهما فدعاهما فقال : ((إن أمي مع أمّكما)) فضعَّفه الدّارقطني وحلف الذّهبي يمينًا شرعيًّا بأنَّه ضعيف. وغالب ما يُروى عن أمِّ النبي صلي الله عليه وسلم ضعيف ولم يصح في أمِّ النبي صلي الله عليه وسلم إلاَّ حديث مسلم عن أبي هريرة، وقد عرفت الجواب عنه، ولم يصح أيضًا في أبيه إلاَّ حديث مسلم أيضًا، وقد تقدّم الجواب عنه أيضًا. وأنّه لا دلالة في تلك الأحاديث على وقوع الشّرك من أبويه فكيف على موتهما عليه كما زعم البعض، وقد ثبت أنّهما من الأمّة المسلمة من ذرّيَّة إبراهيم الّذين دعا إبراهيم لهم بالإسلام، ودعا ببعث الرّسول منهم فَقَبِلَ الله دعوته وحفظ مِلَّته إلى بعثه صلي الله عليه وسلم، بل إلى يوم القيامة ببعثته صلي الله عليه وسلم. انتهى |
"الإفتاء المصرية" تحسم الجدل:
والدا الرسول "ناجيان من النار"
حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل حول مصير والدي الرسول محمد (ص)، فأكدت أنهما "ناجيان وليسا من أهل النار"، مستندة في ذلك إلى جمع من العلماء.
وأعدت أمانة الفتوى في الدار بحثاً، رداً على سؤال بصحة الكلام القائل بكون "والدي الرسول من المشركين، وهما في النار".
وجاء في الرد أنهما ناجيان وليسا من أهل النار. واستدل العلماء على ذلك بأنهما "مِن أهل "الفَترة"، لأنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها، لأن مَن مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيًا، لتأخر زمانهما وبُعدِه عن زمان آخر الأنبياء، وهو سيدنا عيسى -عليه السلام-، ولإطباق الجهل فى عصرهما، فلم يبلغ أحداً دعوةُ نبي من أنبياء الله إلا النفر اليسير من أحبار أهل الكتاب فى أقطار الأرض كالشام وغيرها، ولم يعهد لهما التقلب فى الأسفار ولا عمَّرا عمراً يمكن معه البحث عن أخبار الأنبياء.
وهما ليسا من ذرية عيسى عليه السلام ولا من قومه، فبان أنهما مِن أهل الفترة بلا شك. ومَن قال: إن أهل الفترة يُمتَحَنُون على الصراط فإن أطاعوا دخلوا الجنة وإلا كانت الأخرى، فإن العلماء نصُّوا على أن الوالدين الشريفين لو قيل بامتحانهما فإنهما من أهل الطاعة.
قال الحافظ ابن حجر: "إن الظن بهما أن يطيعا عند الامتحان"، بحسب ما نشرت دار الإفتاء، على موقعها الإلكتروني، السبت 10-7-2010.
واستدلت الفتوى بإثبات نجاتهما من النار "لأنهما لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنفية دين جدهما إبراهيم -عليه السلام-، ولقد ذهب إلى هذا القول جمعٌ من العلماء، منهم الفخر الرازى فى كتابه "أسرار التنزيل".
وشرحت "استدل أهل هذا الطريق بقوله تعالى: {الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ} (الشعراء: 218، 219)، أى أنه (ص) كان يتقلب فى أصلاب الساجدين المؤمنين مما يدل على أن آباءه لم يكونوا مشركين. وقال الرازي: "قال -صلى الله عليه وآله وسلم: {لَم أَزَل أُنقَلُ مِن أَصلابِ الطّاهِرِينَ إلى أَرحامِ الطّاهِراتِ}، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (التوبة: 28)، فوجب ألا يكون أحدٌ مِن أجداده (ص) مشركًا".واستدلت الفتوى بإثبات نجاتهما من النار "لأنهما لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنفية دين جدهما إبراهيم -عليه السلام-، ولقد ذهب إلى هذا القول جمعٌ من العلماء، منهم الفخر الرازى فى كتابه "أسرار التنزيل".
كما رفضت أمانة الفتوى القول بأن القول إنهما خير من المؤمنين مع كفرهما، لأن هذا يعني القول بتفضيل الكافرين على المؤمنين. وأضافت "ولكي نخرج من هذا المحظور وجب أن نقول أنهما مؤمنان".
أما الرواية الثالثة التى استندت إليها أمانة الفتوى فى قولها بنجاة والدي الرسول، بأن الله تعالى أحياهما له حتى آمَنا به، وأضافت أن هذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة مِن حفاظ المحدِّثين وغيرهم، منهم: الخطيب البغدادى وابن شاهين وابن المُنَيِّر والمحب الطبرى والقرطبى، واحتجوا لمسلكهم بأحاديث ضعيفة، ولكنها ترقى إلى الحسن بمجموع طرقها.
وأنهت أمانة الفتوى بحثها بتوجيه النصيحة لشباب الدعوة إلى الله أن "يتقوا الله فى الأمة ولا يبالغوا فى إطلاق الأحكام قبل الفهم والبحث".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق