لكن... ما
موقفنا نحن؟؟ وما الرأي الذي نتبعه؟
المسلمون إما عالم مجتهد، أو طالب علم مسترشد
بالدليل، أو عامي مقلد.
- فالعالم عليه أن
يعمل بما تبين له أنه الحق بعد اجتهاده، على أن يكون اجتهاده محكوماً بأصول الفقه
المعروفة والمتواضع عليها.
- وطالب العلم
المسترشد بالنص عليه أن يوازن بين أقوال العلماء وأدلتهم، ويتبع ما يراه أقوى
دليلاً، بحسب ما يرشده إليه حظه من العلم، لا بحسب ما يميل إليه هواه، سواء كان
مبعث هذا الهوى الرغبة في التخفف من الأحكام، أو كان مبعثه التمسك بالتقاليد وعدم
مخالفتها، أو التعصب لمذهب أو عالم وعدم مخالفته.
- وأما العامي فما
دام يقلد أحد العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح فلا حرج عليه، بشرط أن يتجنب الآراء الشاذة وزلات العلماء، التي
يخالفون فيها الإجماع أو الغالبية العظمى من علماء الأمة. لكن الخطر،
كل الخطر، أن يحاول من لا علم له أن يجتهد بنفسه دون اتباع العلماء.
وإذا احتار العامي أي
عالم يتبع ، فهنا يأتي تفسير حديث: "استفت قلبك وإن أفتاك المفتون". فيختار العالم الذي يثق به
ويرتاح قلبه لفتواه وأدلته، ويقدم عالم بلده على غيره، لعلمه بأحوال البلد وما
يصلح لها، بشرط أن يكون هذا العالم قد شهد
له علماء عصره بالعلم والنزاهة، وشهد له سلوكه بالبراءة من التبعية للسلاطين، أو
أعداء الدين، لا أن يبحث العامي عن أي مفتٍ يفتي له بما يوافق الهوى ويسهل الأمور،
أو ما يتماشى مع العرف والتقليد المتبع الذي اعتادت النفس عليه. ومادام يتبع عالماً
–بهذه الشروط التي بيناها- فلا جناح عليه، ومن تبع عالماً لقي الله يوم القيامة
سالماً.
أما ما يروجه بعض الجهال من وجوب ترك اجتهادات
العلماء، والهجوم المباشر على أدلة الكتاب والسنة، فهو مهزلة مضحكة، أو مصيبة
مبكية، فالعامي لا يملك من العلم ما يؤهله لتمييز الحديث الصحيح من غيره، ولا فهم
دلالات النصوص، ولا كيفية الترجيح بينها أو الجمع بينها عند التعارض، فكيف يستخرج
حكماً فقهياً بنفسه من نص لا يعلم أناسخ هو أم منسوخ، ومحكم هو أم لا؟ وهل ثمة ما
يعارضه أو يخصصه.
ويفضل للعامي اتباع
مذهب معين، هو المذهب الذي يتعلمه في بلده أو من عائلته، وذلك لينضبط سلوكه
وعباداته بشكل عام، ولا مانع من أن يقلد مذهبا آخر في بعض القضايا إن شقت عليه،
بشرط أن يكون متأكداً من صحة فعله وتقليده.
وينبغي التنويه –مع
ذلك- إلى خطورة أن يقودنا اتباع عالم أو مذهب معين إلى التعصب ضد
أتباع العلماء الآخرين، أو المذاهب الأخرى، وإلى ضرورة اطلاع طلبة العلم على
المذاهب الأخرى، لتوسيع آفاقهم، وتحريرهم من التعصب.
جاء في كتاب "تاريخ الفقه الإسلامي" للدكتور عمر سليمان الأشقر:
وقد نبه أبو إسحاق الشاطبي على
خطورة قصر طالبي علم الفقه على مذهب واحد، فقال: "إن تعويد الطالب على ألا
يطلع إلا على مذهب واحد، ربما يكسبه ذلك نفوراً وإنكاراً لكل مذهب غير مذهبه،
مادام لم يطلع على أدلته، فيورثه ذلك حزازة في الاعتقاد في فضل أئمة أجمع الناس على فضلهم، وتقدمهم في
الدين، وخبرتهم بمقاصد الشرع وفهم أغراضه". (الاعتصام للشاطبي 1/ 113)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق