سعيد فودة
ادّعى بعض النّاس أنّ قوله تعالى: ( استوى على العرش )، أي جلس عليه، واستقرّ وعلا عليه، وكان فوقه، إلى آخر ذلك من المعاني السّاقطة في حقّ اللّه تعالى .
ولم يتوهّم هؤلاء هذا المعنى للآية إلاّ لأنّهم أصلاً يعتقدون أنّ اللّه تعالى محدود من جميع الجهات، أي أنّ لذاته نهايات ومسافات وغايات ينتهي عندها وجوده تعالى اللّه عمّا يصفون .
وهم يعتقدون أنّ اللّه تعالى جسم له حيّز ومكان، وموجود في جهة من بقيّة الأجسام، ويمكن أن يلمس باقي الأجسام بيده التي هي عضو وأداة له من ذاته، كما يشكّل الصّانع إبريق الفخّار من الطّين ثمّ يعرضه للنّار كي يستوي.!!!!!
ويعتقدون أنّ اللّه - تعالى عن ذلك - له أعضاء هي الوجه والعين واليد والقدم والسّاق والأصابع وغير ذلك، وإنّ هذه الأعضاء تشغل ذواتها حيّزاً ومكاناً، لأنّها أجزاء وأبعاض للذّات الإلهيّة، وهم يقرّون أنّ للّه تعالى أجزاء، إلاّ أنّ الفرق بين أجزائه تعالى وأجزاء غيره، أنّ غيره يمكن أن تنفصل أجزاؤه عن بعضها البعض، وأجزاء اللّه وأعضاؤه لا يمكن حدوث ذلك لها .
وأثبتوا للّه تعالى جميع لوازم الأجسام المرئيّة من حركة وسكون، وارتفاع ونزول وغير ذلك، كلّ ذلك قالوه وذكروه في كتبهم، ويوجد فيها غير ذلك من المفاسد والقبائح أعرضنا هنا عن ذكرها بتفصيل لأنّ المقام لا يتّسع، وإن كنّا قد خصّصنا كتابا خاصّاً بذلك .
وهؤلاء هم المجسّمة الذين سبق أن أشرنا إليهم في أكثر من موضع من هذا الكتاب.
وهم عندما اعتقدوا بكلّ تلك المفاسد، وواجهتهم النّصوص التي تقطع بأنّ الباري تعالى ليس كمثله شيء، وأنّه تعالى لم يكن له كفوا أحد، وأنّه لا يشبهه شيء، وتواترت أقوال الأئمّة الكبار في تنزيه الباري عن كلّ ما ذكروه من قبائح، ولمّا وقعوا بين هذين الأمرين، حاولوا الخروج من هذا التّناقض، فلجأوا إلى قول غير مفهوم، ولا مقبول وازدادت خلافاتهم بعد ذلك فيما بينهم.
فقالوا مثلا في هذه الآية محلّ الكلام، الرّحمن على العرش استوى جلس، وكلّ جلوس له هيئة وكيفيّة، فادّعوا أنّهم علموا بنصّ الآية أصل الجلوس، ولم يعلموا كيفيّته ولا هيئته، واكتفوا بقولهم أنّ جلوس اللّه، تعالى عمّا يقولون، ليس كجلوس أحد من خلقه، فالملك يجلس على العرش بكيفيّة معيّنة، والفارس يجلس على ظهر حصانه بكيّفيّة أخرى، والصّبيّ يجلس على الأرض بكيّفيّة أخرى وهكذا، فكلّ واحد من النّاس له هيئة معيّنة عند جلوسه، وكذلك اللّه عندما جلس على العرش، كانت له كيفيّة خاصّة، وهذه الكيفيّة لا نعلمها، ولكنّها لا تشابه أيّ هيئة من الهيئات المعلومة، فقالوا: جلوس يليق به تعالى، جعلوا هذه العبارة تفسيراً لقوله تعالى: (استوى على العرش)، واتّخذوا هذا الفهم أصلا أصيلا من العقائد يكفّرون غيرهم، ويبدّعونهم، ويفسّقون بناء عليه، هم أحقّ بهذه الأسماء.
وازداد خلافهم، فيما بينهم:
فالبعض منهم قال: جلس على العرش، وبينه وبين عرشه الذي يعتقدون أنّه جسم آخر بينهما مسافة معيّنة، فهو غير مماسّ للعرش.
و البعض قال هذه المسافة لا متناهية والبعض جزم بأنها متناهية ومحدودة ولكنّها غير معلومة عندهم.
ومنهم من قال بل لا توجد مسافة بينه وبين العرش، فهو مماسّ للعرش.
وبالغ بعضهم فقال: إن العرش يئطّ عندما يجلس الله عليه، كما يئطّ الكرسي عند جلوس رجل كبير عليه، وما دام يئطّ فلابدّ أن يكون له ثقل، وأكملوا أقوالهم و اعتقادهم بأن الذي له ثقل لابدّ أن ينزل إلى أسفل لثقله، والله تعالى كما يعتقدون في جهة العلوّ.!!! هذا هو اعتقادهم في خالقهم.
ولمّا أدركوا أن هذا فيه تنقيص من قدر الله تعالى فكيف يحمله غيره، قالوا: أن الملائكة لم يكونوا ليحملون الله تعالى إلاّ بالقدرة التي أودعها الله تعالى فيهم.
فحقيقة الأمر عندهم أن الله محمول من قبل الملائكة، وأن هذا ليس فيه تنقيص من قدرة الله تعالى و عظمته لأنه هو الذي أودع فيهم القوة على حمله !!!!!!!!!!!!
هذا هو حاصل ما يعتقدون في الله تعالى من هذه الجهة، وبينهم اختلافات كبيرة، ومفاسد دخلوها على العقائد الإسلامية لوثوا بها عقائد كثيرة من العوام، وقد تكلمنا على هذا في مواضع أخرى غير هذا الكتاب .
وقد بينت أنا في مواضع أخرى إن قوله تعالي: "استوي على العرش"يستحيل أن يكون معناه جلس أو أن يكون أي معنى من المعاني السابقة الساقطة، بل إن استواء الله تعالى على العرش ما هو إلا تمام تدبيره وعلمه وإحكام لشؤون الكون، فالله تعالى بعد خلق العالم دبره وأحكم إدارته، وهذا لا يتم إلا بعلمه بما في الكون .
ولهذا عقب قوله "استوى على العرش" بقوله تعالى: "يغشي الليل النهار" أي أن حالة استواء الله تعالى أو صفته هو إغشاء الليل النهار إلى آخر أفعاله التي ذكرها في الآية وفي غيرها من المواضيع .
فصفة الاستواء هو التدبير التام المحكم لشؤون الكون.
والرحمن على العرش استوى بمعنى دبره بحكمة وعلم، ولذلك ذكر وصفه أو اسمه "الرحمن" أي إن الله تعالى دبر العالم برحمته التي وسعت كل شيء .
هذا هو المعنى الوحيد المفهوم من هذه الآية ومن مثيلاتها، ولا يوجد معنى آخر،كما ترى، وهو ما يراه فحولة العلماء .
ولذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى فوق العرش بذاته، أي أن الله تعالى بذاته فوق العرش. وهذا فيه نفي للفوقية المكانية الحسية عن الله تعالى لأنها لا يوصف بها إلا الأجسام والمحدودات، ويبقى لله تعالى الفوقية المعنوية الذاتية التي تليق بذاته، وهي ليست الفوقية المكانية الحسية قطعاً .
وإذا قال بعض العلماء، أو إذا وردت في بعض النصوص إن الله تعالى فوق خلقه فإن معناه أنه فوقهم فوقية قهر، وإنما يستعملها هؤلاء لما مر عند بيان معنى قوله تعالى"وسع كرسيه السموات والأرض"من أن النفوس تجد من التعظيم والهيبة عند سماع الأشياء المحسوسة الدالة على الكبرياء ما لم تجده عند عدم ذلك .
وعين هذا المعنى يقال في معنى قوله تعالى "ثم استوى على العرش" فإنه استعانة بذكر الأمر الحسي لبيان أمر معنوي .
والوارد إنما هو ذكر الفوقية مطلقاً من غير تقييد لها بالذات ، أي أنه لم يرد أن الله فوق عرشه بذاته .
وقد اعترض العلماء على من قالها ، وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء: هل هذا يفهم منه القول بالجهة أم لا .وهل يكفر معتقدها أم لا؟
فأجاب: بأن ظاهره القول بالجهة، والأصح أن معتقدها لا يكفر.
كذا قال ، وما قاله من أن ظاهره القول بالجهة يرده قول الإمام أبي عبد الله محمد بن مجاهد مما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه إطلاقاً شرعياً، ولم يرد الشرع أنه في الأرض، فلذلك قال بعضهم دون أرضه، وهذا مع ثبوت علمهم باستحالة الجهة عليه تعالى.
وإذا تقرر هذا، فالناس عالة على الصدر الأول، فإذا كان إطلاقهم هذا فيتفهم علينا تمثله بالتمثيل والبسط، إذ قد غلبت العجمة على القلوب حتى ظنت أن هذا الإطلاق يلزم منه إثبات الجهة في حق المنزه عنها تقدس وتعالى .
ادّعى بعض النّاس أنّ قوله تعالى: ( استوى على العرش )، أي جلس عليه، واستقرّ وعلا عليه، وكان فوقه، إلى آخر ذلك من المعاني السّاقطة في حقّ اللّه تعالى .
ولم يتوهّم هؤلاء هذا المعنى للآية إلاّ لأنّهم أصلاً يعتقدون أنّ اللّه تعالى محدود من جميع الجهات، أي أنّ لذاته نهايات ومسافات وغايات ينتهي عندها وجوده تعالى اللّه عمّا يصفون .
وهم يعتقدون أنّ اللّه تعالى جسم له حيّز ومكان، وموجود في جهة من بقيّة الأجسام، ويمكن أن يلمس باقي الأجسام بيده التي هي عضو وأداة له من ذاته، كما يشكّل الصّانع إبريق الفخّار من الطّين ثمّ يعرضه للنّار كي يستوي.!!!!!
ويعتقدون أنّ اللّه - تعالى عن ذلك - له أعضاء هي الوجه والعين واليد والقدم والسّاق والأصابع وغير ذلك، وإنّ هذه الأعضاء تشغل ذواتها حيّزاً ومكاناً، لأنّها أجزاء وأبعاض للذّات الإلهيّة، وهم يقرّون أنّ للّه تعالى أجزاء، إلاّ أنّ الفرق بين أجزائه تعالى وأجزاء غيره، أنّ غيره يمكن أن تنفصل أجزاؤه عن بعضها البعض، وأجزاء اللّه وأعضاؤه لا يمكن حدوث ذلك لها .
وأثبتوا للّه تعالى جميع لوازم الأجسام المرئيّة من حركة وسكون، وارتفاع ونزول وغير ذلك، كلّ ذلك قالوه وذكروه في كتبهم، ويوجد فيها غير ذلك من المفاسد والقبائح أعرضنا هنا عن ذكرها بتفصيل لأنّ المقام لا يتّسع، وإن كنّا قد خصّصنا كتابا خاصّاً بذلك .
وهؤلاء هم المجسّمة الذين سبق أن أشرنا إليهم في أكثر من موضع من هذا الكتاب.
وهم عندما اعتقدوا بكلّ تلك المفاسد، وواجهتهم النّصوص التي تقطع بأنّ الباري تعالى ليس كمثله شيء، وأنّه تعالى لم يكن له كفوا أحد، وأنّه لا يشبهه شيء، وتواترت أقوال الأئمّة الكبار في تنزيه الباري عن كلّ ما ذكروه من قبائح، ولمّا وقعوا بين هذين الأمرين، حاولوا الخروج من هذا التّناقض، فلجأوا إلى قول غير مفهوم، ولا مقبول وازدادت خلافاتهم بعد ذلك فيما بينهم.
فقالوا مثلا في هذه الآية محلّ الكلام، الرّحمن على العرش استوى جلس، وكلّ جلوس له هيئة وكيفيّة، فادّعوا أنّهم علموا بنصّ الآية أصل الجلوس، ولم يعلموا كيفيّته ولا هيئته، واكتفوا بقولهم أنّ جلوس اللّه، تعالى عمّا يقولون، ليس كجلوس أحد من خلقه، فالملك يجلس على العرش بكيفيّة معيّنة، والفارس يجلس على ظهر حصانه بكيّفيّة أخرى، والصّبيّ يجلس على الأرض بكيّفيّة أخرى وهكذا، فكلّ واحد من النّاس له هيئة معيّنة عند جلوسه، وكذلك اللّه عندما جلس على العرش، كانت له كيفيّة خاصّة، وهذه الكيفيّة لا نعلمها، ولكنّها لا تشابه أيّ هيئة من الهيئات المعلومة، فقالوا: جلوس يليق به تعالى، جعلوا هذه العبارة تفسيراً لقوله تعالى: (استوى على العرش)، واتّخذوا هذا الفهم أصلا أصيلا من العقائد يكفّرون غيرهم، ويبدّعونهم، ويفسّقون بناء عليه، هم أحقّ بهذه الأسماء.
وازداد خلافهم، فيما بينهم:
فالبعض منهم قال: جلس على العرش، وبينه وبين عرشه الذي يعتقدون أنّه جسم آخر بينهما مسافة معيّنة، فهو غير مماسّ للعرش.
و البعض قال هذه المسافة لا متناهية والبعض جزم بأنها متناهية ومحدودة ولكنّها غير معلومة عندهم.
ومنهم من قال بل لا توجد مسافة بينه وبين العرش، فهو مماسّ للعرش.
وبالغ بعضهم فقال: إن العرش يئطّ عندما يجلس الله عليه، كما يئطّ الكرسي عند جلوس رجل كبير عليه، وما دام يئطّ فلابدّ أن يكون له ثقل، وأكملوا أقوالهم و اعتقادهم بأن الذي له ثقل لابدّ أن ينزل إلى أسفل لثقله، والله تعالى كما يعتقدون في جهة العلوّ.!!! هذا هو اعتقادهم في خالقهم.
ولمّا أدركوا أن هذا فيه تنقيص من قدر الله تعالى فكيف يحمله غيره، قالوا: أن الملائكة لم يكونوا ليحملون الله تعالى إلاّ بالقدرة التي أودعها الله تعالى فيهم.
فحقيقة الأمر عندهم أن الله محمول من قبل الملائكة، وأن هذا ليس فيه تنقيص من قدرة الله تعالى و عظمته لأنه هو الذي أودع فيهم القوة على حمله !!!!!!!!!!!!
هذا هو حاصل ما يعتقدون في الله تعالى من هذه الجهة، وبينهم اختلافات كبيرة، ومفاسد دخلوها على العقائد الإسلامية لوثوا بها عقائد كثيرة من العوام، وقد تكلمنا على هذا في مواضع أخرى غير هذا الكتاب .
وقد بينت أنا في مواضع أخرى إن قوله تعالي: "استوي على العرش"يستحيل أن يكون معناه جلس أو أن يكون أي معنى من المعاني السابقة الساقطة، بل إن استواء الله تعالى على العرش ما هو إلا تمام تدبيره وعلمه وإحكام لشؤون الكون، فالله تعالى بعد خلق العالم دبره وأحكم إدارته، وهذا لا يتم إلا بعلمه بما في الكون .
ولهذا عقب قوله "استوى على العرش" بقوله تعالى: "يغشي الليل النهار" أي أن حالة استواء الله تعالى أو صفته هو إغشاء الليل النهار إلى آخر أفعاله التي ذكرها في الآية وفي غيرها من المواضيع .
فصفة الاستواء هو التدبير التام المحكم لشؤون الكون.
والرحمن على العرش استوى بمعنى دبره بحكمة وعلم، ولذلك ذكر وصفه أو اسمه "الرحمن" أي إن الله تعالى دبر العالم برحمته التي وسعت كل شيء .
هذا هو المعنى الوحيد المفهوم من هذه الآية ومن مثيلاتها، ولا يوجد معنى آخر،كما ترى، وهو ما يراه فحولة العلماء .
ولذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى فوق العرش بذاته، أي أن الله تعالى بذاته فوق العرش. وهذا فيه نفي للفوقية المكانية الحسية عن الله تعالى لأنها لا يوصف بها إلا الأجسام والمحدودات، ويبقى لله تعالى الفوقية المعنوية الذاتية التي تليق بذاته، وهي ليست الفوقية المكانية الحسية قطعاً .
وإذا قال بعض العلماء، أو إذا وردت في بعض النصوص إن الله تعالى فوق خلقه فإن معناه أنه فوقهم فوقية قهر، وإنما يستعملها هؤلاء لما مر عند بيان معنى قوله تعالى"وسع كرسيه السموات والأرض"من أن النفوس تجد من التعظيم والهيبة عند سماع الأشياء المحسوسة الدالة على الكبرياء ما لم تجده عند عدم ذلك .
وعين هذا المعنى يقال في معنى قوله تعالى "ثم استوى على العرش" فإنه استعانة بذكر الأمر الحسي لبيان أمر معنوي .
والوارد إنما هو ذكر الفوقية مطلقاً من غير تقييد لها بالذات ، أي أنه لم يرد أن الله فوق عرشه بذاته .
وقد اعترض العلماء على من قالها ، وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء: هل هذا يفهم منه القول بالجهة أم لا .وهل يكفر معتقدها أم لا؟
فأجاب: بأن ظاهره القول بالجهة، والأصح أن معتقدها لا يكفر.
كذا قال ، وما قاله من أن ظاهره القول بالجهة يرده قول الإمام أبي عبد الله محمد بن مجاهد مما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه إطلاقاً شرعياً، ولم يرد الشرع أنه في الأرض، فلذلك قال بعضهم دون أرضه، وهذا مع ثبوت علمهم باستحالة الجهة عليه تعالى.
وإذا تقرر هذا، فالناس عالة على الصدر الأول، فإذا كان إطلاقهم هذا فيتفهم علينا تمثله بالتمثيل والبسط، إذ قد غلبت العجمة على القلوب حتى ظنت أن هذا الإطلاق يلزم منه إثبات الجهة في حق المنزه عنها تقدس وتعالى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق