هو أبو الحسن علي بن إسماعيل، من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولد بالبصرة عام 270هـ . تزوجت أمه –بعد وفاة
أبيه- بأبي علي الجبائي، شيخ المعتزلة في عصره، وحامل راية الاعتزال، ونشأ أبو
الحسن في حجره، وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته، وأمين سره.
وكان أبو علي
الجبائي صاحب تصنيف وقلم.... وكان إذا دهمه الحضور في المجالس يبعث الأشعري، ويقول
له: نُب عني. ولم يزل على ذلك زماناً حتى تصدر المعتزلة، وأصبح يشار إليه بالبنان،
وكان كل شيء في حياته يدل على أنه سيكون خليفة شيخه ومربيه –الجبائي- ويعقد له
لواء الإمامة والصدارة في المذهب، ولكن الله أراد غير ذلك.
لم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة ويدافع عنهم، وظل على ذلك أربعين
سنة، حتى ثار عقله الكبير، ونفسه القلقة على مذهب الاعتزال الذي كان يدافع عنه.
ونشأ في صدره رد فعل ضد تأويلات المعتزلة وإمعانهم في القياس وتحكيم العقل، وصار
يشعر أنهم أخضعوا الدين للمنطق الصناعي وللمقدمات، والأصول التي ظنوا وصور لهم
ذكاؤهم أنها قطعية، وتأولوا القرآن على آرائهم. واقتنع بأن الحق الصريح هو الذي
كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وسلف هذه الأمة، وهي الغاية التي ينتهي إليها
العقل والتفكير العميق، بعد رحلة طويلة وتجارب قاسية، وعثرات كثيرة، فيؤمن بفضلهم
وإصابتهم في ما اعتقدوه و تلقوه عن النبي صلى الله
عليه وسلم
وعضوا عليه بالنواجذ.
حدث في أبي الحسن الأشعري هذا الصراع النفسي، فاعتكف في بيته خمسة
عشر يوماً يفكر ويتأمل ويدرس ويستخير الله حتى اطمأنت نفسه، واستقر رأيه، ورأى أنه
لا يسعه إلا إعلان البراءة عن الاعتزال، والرجوع إلى مذهب السلف، ورأى أن البقاء
على ما كان عليه من الرأي والمركز الذي يتمتع به جريمة خلقية ونفاق، فخرج إلى
المسجد الجامع بالبصرة، ورقى كرسياً، ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني، ومن
لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا
تراه الأبصار، وأن أفعال البشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع معتقد للرد على
المعتزلة، مخرج لفضائحهم ومعائبهم.
ومن ذلك اليوم
انقلب أبو الحسن الأشعري –لسان المعتزلة من قبل- فصار أكبر المعارضين للاعتزال،
وأعظمهم ردا عليه وعلى أهله، وانقلبت مواهبه ومرانه العقلي وحجاجه القوي إلى
الدفاع عن السنة ومذهب السلف.
مذهبه وخدمته:
ليس سر عظمة الأشعري في التاريخ، أنه دافع عن السنة دفاعاً قوياً ورد
على المعتزلة فحسب، ولكن في أنه اتخذ طريقاً وسطاً بين المحدثين والمعتزلة، فلم
يذهب كما ذهب المعتزلة إلى تمجيد العقل، والإيمان بأن له سلطة لا تحد، وأن له
الحكم على ما يتصل بالذات والصفات وما وراء الطبعيات، وأن له الكلمة الأخيرة
النافذة في كل موضوع، ولم ير كذلك –كما رأى كثير من علماء عصره- أن الانتصار للدين
والدفاع عن العقيدة الإسلامية يستلزمان إنكار العقل وقوته وازدراءه، وأن السكوت عن
هذه المباحث التي يثيرها المعتزلة وأضرابهم -التي نشأت بحكم تطور العصر، والاحتكاك
بالأمم والديانات- أولى وأفضل، بالعكس من ذلك، هو عني بهذه المباحث لأنها كانت
تزلزل العقيدة الإسلامية، وتضعف الثقة بالدين، وباحَث المعتزلة والمتفلسفين،
وناقشهم في مصطلحاتهم ولغتهم العلمية، وعمل بالحكمة المأثورة: "كلموا الناس
على قدر عقولهم، أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
لقد كان أبو الحسن الأشعري جريئاً وصريحاً في نقده للمعتزلة، وقد بين
أنهم اتبعوا أهواءهم في فهم هذا الدين، وقلدوا رؤساءهم وسلفهم تقليداً أعمى، ولم
ينظروا في الكتاب والسنة مجرداً، ولم يتخذوهما إماماً ومصدراً لعقائدهم وآرائهم،
بل كلما تعارض القرآن مع ما انتحلوه من آراء وعقائد تأولوا القرآن، ولم يروا بذلك
بأساً.
يقول في كتاب (الإبانة عن أصول الديانة) وهو أول ما صنفه بعد الخروج
من الاعتزال: (أما بعد، فإن من
الزائغين عن الحق من المعتزلة، وأهل القدر، من مالت بهم أهواؤهم على تقليد
رؤسائهم، ومن مضى من أسلافهم، فتأولوا القرآن تأويلاً لم ينزل الله به سلطاناً،
ولا أوضح برهاناً، ولا نقلوه عن رسول الله رب العالمين، ولاعن السلف المتقدمين).
ويشرح عقيدته التي
يدين بها فيقول:
(و قولنا الذي نقول به،
وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا عليه السلام، وما
روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو
عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل –نضر الله وجهه- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون،
لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ورفع به الضلال،
وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين)
ولم تقتصر خدمة الأشعري على تأييد عقائد أهل السنة والسلف تأييداً
إجمالياً، فقد كان الحنابلة والمحدثون قائمين به غير مقصرين فيه. ولكن عبقريته
تتجلى في أنه أقام البراهين والدلائل العقلية والكلامية على هذه العقائد، وناقش
المعتزلة والمتفلسفة عقيدة عقيدة، وذلك كله في لغة يفهمونها، وأسلوب يألفونه
ويجلونه، وبذلك أثبت أن هذا الدين وعقيدته الواضحة مؤيدان بالعقل، وأن العقل
الصحيح يؤيد الدين الصريح، ولا صراع بينهما ولا تناقض.
وقد استهدف في عمله هذا لنقد المعتزلة وسخطهم، وكان ذلك طبيعياً
ومعقولاً، إذ هو منافسهم الأكبر، وزعيم المعارضة، لكنه استهدف كذلك لعتب بعض المتشددين
من الحنابلة الذين كانوا يرون الخوض في هذه المباحث والمناقشات واستعمال المصطلحات
الفلسفية والاستدلال بالمقدمات العقلية في المسائل النقلية، ضرباً من الزيغ و الضلال.
لقد كان الأشعري مؤمناً بأن مصدر العقيدة هو الوحي والنبوة المحمدية،
والطريق إلى معرفته هو الكتاب والسنة وما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم، وهذا
مفترق الطرق بينه وبين المعتزلة، فإنه يتجه في ذلك اتجاهاً معارضاً لاتجاه
المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد مخلصاً أن الدفاع عن هذه العقيدة السليمة، وغرسها
في قلوب الجيل الإسلامي الجديد، يحتاج إلى الحديث بلغة العصر العلمية السائدة،
واستعمال المصطلحات العلمية، ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي، ولم يكن يسوغ
ذلك فحسب، بل يعده أفضل الجهاد وأعظم القربات في ذلك العصر، وهذا مفترق الطريق
بينه وبين كثير من الحنابلة والمحدثين الذين كانوا يتأثمون ويتحرجون من النزول إلى
هذا المستوى.
وكان يعتقد أن المباحث التي تتصل بالعقليات والحسيات لا صلة لها في
الحقيقة بالعقيدة والديانات، ولكن المعتزلة والفلاسفة مزجوا البحث في العقيدة
بالبحث فيها، بل جعلوها بذلاقة لسانهم وذكائهم مقدمات للبحث في الدين. وكان
الأشعري يعتقد أن الفرار من البحث فيها بحجة أنها لا تتصل بالدين والعقيدة لا يصح،
بل بالعكس من ذلك، يجب على من قام لنصرة السنة أن يواجههم فيها، ويثبت مذهب أهل
الحق. وكان يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسكتوا عن هذه
المسائل جهلاً أو كراهية، بل لأن هذه المباحث ما نشأت في عصرهم، ولم تمس الحاجة إلى
البحث فيها، شأن
الفقه والجزئيات الكثيرة التي حدثت بعد عصرهم، فتأمل فيها الفقهاء وأبدوا رأيهم
فيها.
وقد سار الأشعري في
طريقه مجاهداً ومناضلاً ومنتجاً، معرضاً عن سخط الطائفتين: الحنابلة والمعتزلة، لا
يعبأ بما يقال فيه، حتى استطاع بعمله المتواصل، وإخلاصه النادر، أن يرد للشريعة
الإسلامية مهابتها وكرامتها، وأن يرد سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد
الدين، ويثبت من تزلزلت أقدامهم، واضطربت عقيدتهم، ويوجد في أهل السنة ثقة جديدة
بعقيدتهم، وزالت سطوة المعتزلة على العقول والأفكار، واشتغلوا بالدفاع عن الهجوم.
يقول أبو بكر ابن
الصيرفي: "كان المعتزلة قد
رفعوا رؤوسهم، حتى أظهر الله تعالى الأشعري، فحجزهم في أقماع السمسم، وبموقفه
الجليل في الدفاع عن السنة ونصر الدين استحق أن يعد من المجددين الكبار".
مؤلفاته
1- تفسير للقرآن في ثلاثين مجلداً
2- كتاب الفصول: رد فيه على الفلاسفة والطبيعيين والدهرية والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس
3- اللمع
4- إيضاح البرهان
5- الإبانة عن أصول الديانة
6- الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل.
7- كتاب القياس
8- كتاب الاجتهاد
9- كتاب في الرد على ابن الراوندي في إنكاره للتواتر
10- خبر الواحد
11- مقالات الإسلاميين
12- كتاب العمد: الذي فرغ منه عام 320 هـ ، أي قبل وفاته بأربع سنوات، وذكر فيه أن مؤلفاته تبلغ 68 مؤلفاً، وكثير منها يقع في عشرة مجلدات أو أكثر.
وفاته :
توفي سنة 324هـ ، ودفن في بغداد في مشروع الزوايا، ونودي على جنازته: "اليوم مات ناصر السنة"
2- كتاب الفصول: رد فيه على الفلاسفة والطبيعيين والدهرية والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس
3- اللمع
4- إيضاح البرهان
5- الإبانة عن أصول الديانة
6- الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل.
7- كتاب القياس
8- كتاب الاجتهاد
9- كتاب في الرد على ابن الراوندي في إنكاره للتواتر
10- خبر الواحد
11- مقالات الإسلاميين
12- كتاب العمد: الذي فرغ منه عام 320 هـ ، أي قبل وفاته بأربع سنوات، وذكر فيه أن مؤلفاته تبلغ 68 مؤلفاً، وكثير منها يقع في عشرة مجلدات أو أكثر.
وفاته :
توفي سنة 324هـ ، ودفن في بغداد في مشروع الزوايا، ونودي على جنازته: "اليوم مات ناصر السنة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق