الاثنين، 22 أبريل 2013

الكرامة عند السادة الصوفية


الكرامة والولاية


الكرامة والولاية

        الكرامـــة: أمر خارق للعادة، غير مقرونة بدعوى النبوة، ولا هي مقدمة لها، ولا يشترط فيها التحدي كالمعجزة.وهي عبارة عن إكرام الله لولي من أوليائه الصالحين، من أتباع الرسل الملتزمين بأحكام الشرع، بما يظهره الله على يديه من أمور .
        ولا يشترط فيها دائماً أن تكون خارقة لنواميس الكون، أو خارجة عما يألفه الناس، وليس لها صورة أو كيفية معينة.

        وهي ثابتة بأصل الكتاب والسنة، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى في قصة مريم : {كلَّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنىَّ لك هذا، قالت : هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب)} آلعمران :37. وقصة أصحاب الكهف ، وغيرها ممّا ورد في كتاب الله، أو في سنة رسوله  أو في سير الصحابة رضوان الله عليهم .
وكرامات الصحابة كثيرة، مثل ما كان لأسيد بن حضير، ورجل من الأنصار، عندما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  في ليلة مظلمة، وفي يد كل منهما عصاً، فأضاء لهما عصا أحدهما، حتى مشيا في ضوئها، فلمّا افترقا، أضاءت عصا الآخر، فمشى كل منهما في ضوء عصاه)
        يقول ابن تيمية : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة، التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات ، وأنواع القدرة والتأثيرات. كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة ، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة)( ) .
ومفهوم الصّوفَّية للكرامة لا يختلف عن هذا المعنى .
        يقول الكلاباذي : (أجمعوا على إثبات كرامات الأولياء، وإن كانت تدخل في باب المعجزات كالمشي على الماء، أو كلام البهائم، وطي الأرض، وظهور الشيء في غير موضعه ووقته) ( ).
ويقول : (كرامة الولي بإجابة دعوة، وتمام حال، وقوة على فعل، وكفاية مؤنة يقوم لهم الحق بها، وهي ممّا تخرج عن العادات) . (1)
ويقول القشيري : (واعلم أنَّ من أجلّ الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات، والعصمة عن المعاصي والمخالفات) . (2)
ويقول سهل بن عبد الله حين سئل عن الكرامات : (وما الآيات وما الكرامات شيء تنقضي لوقتها، ولكن أكبر الكرامات أن تبدل خلقاّ مذموماً من أخلاق نفسك بخلق محمود). (3)

        والولي صاحب الكرامة لا يستأنس بهذه الكرامة ، بل يتضاعف خوفه وخشيته من الله، فيزداد له تذلّلاً، وخضوعاً، وطاعة، وشكراً له، مخافة أن تكون من قبيل الاستدراج . وهذا ما عناه الكلابادي في قوله:(وأمّا الأولياء فإنَّهم إذا أظهر لهم من كرامات الله شيء ازدادوا لله تذللأً وخضوعاً وخشيةً واستكانةً وإزراءً لنفوسهم وإيجاباً لحق الله عليهم، فيكون ذلك زيادة لهم في أمورهم، وقوة على مجاهداتهم، وشكراً لله تعالى على ما أعطاهم) . (4)
     
   ومن خلال مفهوم الصّوفَّية لمعنى الكرامة،
 فهم يقسمونها إلى قسمين : كرامة حسية ، وكرامة معنوية .
      
  والكرامة الحسية : هي المشتهرة بين عامة الناس ، والمتمثلة في خرق العوائد في الأمور المادية .
        أمًا الكرامة المعنوية : فهي لأهل الخصوص من عباد الله، والمتمثلة في التوفيق إلى حفظ آداب الشريعة، والاستقامة مع الله ظاهراً وباطناً، والتزام مكارم الأخلاق وغيرها من الأمور المعنوية . (5)
والكرامة المعنوية هي الأفضل عند أهل الطريق ، وذلك لأنها لايداخلها استدراج ولا مكر ، ولا يشاركهم في صورتها فاسق ولا عاص . بخلاف الكرامات الحسية المعروفة لدى العامة ، والتي قد يلتبس بها المكر والاستدراج .
ويذهب معظم الصّوفَّية إلى استحباب ستر الكرامة، إلاَّ إذا كانت لغرض صحيح، كنصرة دين الله، أو تحقيق مصلحة، وغير ذلك . أمّا إظهارها دون سبب موجب فهو مذموم عندهم ، لأنَّ فيها شيئاً من حظ النفس والعجب والمفاخرة.يقول الشعراني : (إن الكرامة عند أكابر الرجال معدودة من جملة رعونات النفس، إلاَّ إن كانت لنصرة دين، أو جلب مصلحة، لأنَّ الله تعالى هو الفاعل عندهم لا هم)(1).
        وحتى لا تكون الكرامة مشاعاً لكل دعي، فقد ذكر الصّوفَّية لها شروطاً خاصة تميزها عن غيرها من صور التحايل والخداع .
وأهم شروطها : أن تظهر على يد المتصف بالاستقامة واتباع التكاليف الشرعية، المقبل على الطاعات بصدق نية، وإخلاص قلب، وزهد في متاع الدنيا.
        يقول القشيري : (ولابد أن تكون هذه الكرامة فعلاً ناقضاً للعادة في أيام التكليف ، ظاهراً على موصوف بالولاية) (2).
        ويقول الشعراني : (الكرامة لا تقع إلاَّ على يد من بالغ في الاتباع للشريعة حتى بلغ الغاية)(3).
وتبقى الكرامة أولاً وأخيراً منحة إلهية وهبة رحمانَّيةُ، لا تكتسب بكثرة الطاعات، والاجتهاد في العبادات، بل الفضل لله يؤتيه من يشاء(4).

=============================
(1) التعرف لمذهب أهل التصوف ص 90 .
(2) الرسالة القشيرية ص 160 .
(3) اللمع ، للطوسي ص 400.
(4) التعرف لمذهب أهل التصوف ص 89 .
(5) نظرية الاتصال عند الصوفية ص 202 .
(6) اليواقيت والجواهر 2 / 104
(7) الرسالة القشيرية 158 .
(8) اليواقيت والجواهر 2/102
(8) نظرية الاتصال عند الصوفية ص 206-207 .

======
========================

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق