الأربعاء، 24 أبريل 2013

تنبيه الغافل الغبى فى استحباب زيارة روضة النبى صل الله عليه وسلم


أعجب اشد العجب ممن يدعون محبة النبى صل الله عليه وسلم ـ وهى فرض عليهم ـ ثم ينكرون زيارته والأشد قسوة وإيلاما للقلب هو من يعتبرها وثنية لظناً من عند نفسه أنها تقدح فى التوحيد 
أنا أعجب غاية العجب أليس لهم قلوب تخفق وتشتاق قلوب تنبض حباً وهياماً لزيارته صل الله عليه وسلم 


زيارة روض النبي صلى الله عليه وسلم قربة مشروعة من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى، ومن أسباب استحقاق شفاعة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهي بعض الوفاء لحقه علينا صل الله عليه وسلم 
لأن الملائكة مع عظم مكانتها تزوره صلى الله عليه وآله وسلم كوكبة تلو الأخرى، فقد روى الدرامى فى مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنى الليث خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن نبيه بن وهب أن كعبا دخل على السيدة عائشة رضى الله عنها فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب: (ما من يوم يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبى صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج فى سبعين ألفا من الملائكة يزفونه) الجزء الأول من مسند الدارمى.والإمام مالك رحمة الله قال لأبى جعفر المنصورى أثناء زيارته للروضة الشريفة: (إن حرمته ميتا كحرمته حيا)

والدليل على مشروعية زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أمور عدة:

1- مشروعية زيارة القبور عموماً، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم.
2- زيارة الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم.
3- ما رواه أحمد رضي الله عنه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج يودع معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري "، و (لعل) هنا للرجاء …بالإضافة إلى كثير من الأحاديث والوقائع الدالة عليه.


الأنبياء أحياء فى قبورهم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قال (ما من أحد يسلم علىّ إلا ردَّ الله علىَّ رُوحي حتي أردَّ عليه السلام)[4] قال الألباني : إسناده حسن وقال الشيخ ابن تيمية هذا الحديث على شرط مسلم وقال : وفي مسند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى على سمعتُه ومن صلى على نائياً بُلّغته)[5] و قال الحافظ في الفتح وسنده جيد
وفي النسائي وغيره عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام). إلى أحاديث أخري في هذا الباب متعددة أ. هـ اقتضاء الصراط المستقيم ص 324وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي يعلي في ذكر عيسي: (ولئن قام على قبري فقال: يا محمد لأجيبنه) قال الألباني في ” السلسلة الصحيحة وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 4/ ص23 بعنوان (حياته صلى الله عليه وسلم في قبره)

عن يزيد المهدي قال لما ودّعت عمر بن عبد العزيز قال: إنَّ لي إليك حاجة، قلت: يا أمير المؤمنين كيف تري حاجتك عندي؟ قال: (إني أراك إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام)وعن حاتم بن وردان قال: كان عمر بن عبد العزيز يوجِّه البريد قاصداً من الشام إلى المدينة ليقريء عنه النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم السلام ذكره القاضي عياض في الشفاء في باب الزيارة (ج2 ص83)
روي الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله الدرامي في كتابه السنن - الذي يعتبر من كتب الأصول الحديثية الستة - قال: أخبرنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلاَّ بهمهمة يسمعها من قبر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معناه[7] أ. هـ ذكر الشيخ ابن تيمية هذه الوقائع في معرض كلامه عن اتخاذ القبر مسجداً أو وثنا يُعبد ثم قال (ولا يدخل في هذا الباب ما يروي من أن قوماً سمعوا ردَّ السلام من قبر النَّبي صلى الله عليه وسلم أو قبور غيره من الصالحين وأن سعيد بن المسيب كان يسمع الآذان من القبر ليالي الحرة ونحو ذلك)[8] أ. هـ[9] ثم قال في موضع آخر: وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقي الشياطين والبهائم لها واندفاع النار عنها وعمن جاورها وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتي واستحباب الاندفان عند بعضهم وحصول الأنس والسكينة عندها ونزول العذاب بمن استهان بها فجنس هذا حق ليس مما نحن فيه وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك

الموتى يسمعون خطاب الأحياء ويعرفونهم ويردون سلامهم ويأتنسون بهم
حدثنا محمد بن عون ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن عبد الله بن سمعان ، عن زيد بن أسلم ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه ، حتى يقوم " . 

حدثنا محمد بن قدامة الجوهري ، حدثنا معن بن عيسى القزاز ، أخبرنا هشام بن سعد ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن أبي هريرة [ ص: 136 ] - رضي الله تعالى عنه - قال : إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام .

وذكر ابن القيم في كلام أبي الدنيا وغيره آثارا تقتضي سماع الموتى ، ومعرفتهم لمن يزورهم ، وذكر في ذلك مرائي كثيرا جدا ، ثم قال : وهذه المرائي ، وإن لم تصلح بمجردها لإثبات مثل ذلك ، فهي على كثرتها ، وأنها لا يحصيها إلا الله قد تواطأت على هذا المعنى ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر " ، يعني ليلة القدر ، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء ، كان كتواطؤ روايتهم له ، ومما قاله ابن القيم في كلامه الطويل المذكور ، وقد ثبت في الصحيح أن الميت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد دفنه ، فروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري ، قال : حضرنا عمرو بن العاص ، وهو في سياق الموت ، فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار . . الحديث ، وفيه : فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر الجزور ، ويقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ، فدل على أن الميت يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسر بهم ، ا هـ .
ويقول بن القيم أيضا ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرا ، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائرا ، فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره ، لم يصح أن يقال : زاره ، وهذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم ، وكذلك السلام عليهم أيضا ، فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال ، وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية " ، وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ، ويخاطب ، ويعقل ، ويرد ، وإن لم يسمع المسلم الرد . 

ثم ذكر ابن القيم عن عبد الحق وغيره مرائي وآثارا في الموضوع ، ثم قال في كلامه الطويل : ويدل على هذا أيضا ما جرى عليه عمل الناس قديما وإلى الآن ، من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة ، وكان عبثا . وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله ، فاستحسنه واحتج عليه بالعمل . 
إذا كان هذا حال الموتى جميعا أنهم يسمعون خطاب الأحياء ويردون سلامهم ويعرفونهم ويأتنسون بهم فكيف بحال سيد الأنبياء فى برزخه لا شك 
قد ثبت لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم حياةٌ برزخية أكمل وأعظم من غيره تحدّث عنها بنفسه تثبت اتصاله بالأمة المحمدية ومعرفته بأحوالها واطلاعه على أعمالها والأحاديث في هذا الباب كثيرة، الا يشتاق قلبك لخطابه والتحدث معه صل الله عليه وسلم ويرد عليك السلام وتأتنس به صل الله عليه وسلم 


حديث لا تشد الرحال :
يخطيء كثير من الناس في فهم حديث (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى) فيستدلون به على تحريم شَدِّ الرحال لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون أن السفر بذلك سفر معصية وهذا الاستدلال مردود لأنه مبني على فهم باطل والحديث كما ستري في باب والاستدلال في باب آخر وبيان ذلك: أن قوله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) جاء على الأسلوب المعروف عند اللغويين بأسلوب الاستثناء وهذا يقتضي وجود مستثني ومستثني منه فالمستثني هو ما كان بعد إلا والمستثني منه هو ما كان قبلها ولابد من الأمرين إما وجوداً أو تقديراً وهذا مقرر ومعروف في أبسط كتب النحو 

وإذا نظرنا إلى هذا الحديث وجدنا أنه قد جاء فيه التصريح بذكر المستثني وهو قوله (إلي ثلاثة مساجد) وهو ما بعد (إلا) ولم يأت ذكر المستثني منه وهو ما قبل (إلا) فلابد إذاً من تقديره فإن فرضنا أن المستثني منه (قبر) كان اللفظ المنسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلى قبر إلا إلى ثلاث مساجد) وهذا السياق ظاهر فيه عدم الانتظام وغير لائق بالبلاغة النبوية فالمستثني غير داخل ضمن المستثني منه – والأصل أن يكون المستثني من جنس المستثني منه ولا يطمئن قلب عالم - يتحرج من نسبة كلام للمصطفي صلى الله عليه وسلم لم يقله - إلى نسبة هذه اللفظة (قبر) - وهي لا تتفق مع الأصل في الاستثناء - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تصلح أن تكون هي المستثني منه 


فلنفرض أنها لفظ (مكان) فيكون السياق المنسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الفرض (لا تشد الرحال إلى مكان إلا إلى ثلاثة مساجد) ومعني هذا ألا تسافر إلى تجارة أو علم أو خير وهذا ضرب من الهوس ظاهر البطلان فالحديث اشتمل على ذكر المستثني وليس فيه ذكر المستثني منه ولذلك فلابد من تقديره باتفاق أهل اللغة وتقديره لا يحتمل إلا ثلاثة وجوه - لا رابع لها:

الوجه الأول أن يكون تقديره بلفظ (قبر) فيكون اللفظ المقدر (لا تشد الرحال إلى قبر إلا إلى ثلاثة مساجد) وهذا التقدير مبني على رأي من يستدل بالحديث على منع السفر للزيارة وأنت تري أنه تقديرٌ بارد ممجوج لا يستسيغه من عنده أدني إلمام بالعربية - وهو لا تليق نسبته إلى أفصح من نطق بالضاد صلوات الله وسلامه عليه - فحاشا أن يرضي بمثل هذا الأسلوب الساقط

الوجه الثاني أن يكون تقدير المستثني منه في الحديث بلفظ عام وهو لفظ مكان هذا باطل كما تقدم بلا خلاف ولا قائل بهالوجه الثالث أن يكون تقدير المستثني منه في الحديث بلفظ (مسجـد) فيكون سياق الحديث بلفظ (لا تشد الرحال إلى مسجد إلا إلى ثلاثة مساجد) فتري أن الكلام قد انتظم وجري على الأسلوب اللغوي الفصيح واختفي التهافت الواضح في الصورتين المتقدمتين وأشرقت فيه روح النبوة ويطمئن القلب النقي إلى نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بفرض أنه لا توجد رواية أخري مصرحة بالمستثني منه فإذا وجدت هذه الرواية فلا يحلُّ لمن له دين أن يعدل عنها إلى محض فرض لا يستند إلى فصيح اللغة 

وقد وجدنا بحمد الله في السنة النبوية من الروايات المعتبرة ما فيه التصريح بالمستثني منه فمنها: ما أخرجه الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد وذُكرت عنده الصلاة في الطور فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينبغي للمطي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي) قال الحافظ ابن حجر: وشهرٌ حسن الحديث وإن كان فيه بعض ضعف[1] وفي لفظ آخر (لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) قال الحافظ الهيثمي : وفيه شهر فيه كلام وحديثه حسن[2]

ومنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا خاتم الأنبياء ومسجدي أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل: المسجد الحرام ومسجدي صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)[3] فكلامه صلى الله عليه وسلم في المساجد ليبين للأمة أن ما عدا هذه المساجد الثلاثة متساوٍ في الفضل فلا فائدة في التعب بالسفر إلى غيرها أما هي فلها مزيد فضل ولا دخل للمقابر في هذا الحديث فإقحامهما في هذا الحديث يعتبر ضرباً من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على من يتحمل إثم الكذب عليه صلوات الله وسلامه عليه هذا مع أن الزيارة مطلوبة بل وكثير من العلماء يذكرونها في كتب المناسك على أنها من المستحبات ويؤيد هذا أحاديث كثيرة نذكر جملة منها:


عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من زار قبري وجبت له شفاعتي)[4] ونقله الشيخ ابن تيمية وقال: إنه ضعيف ولم يحكم بوضعه أو كذبه (أ. هـ الفتاوى ج27 ص30) في هذا الموضع فإن ثبت غير هذا عنه في موضع آخر فمعناه أنه متردد في الحكم عليه أو أنه اختلف رأيه فيه ولم نعلم المتقدم من المتأخر فلا يوثق بواحد حينئذ 

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جاءني زائراً لا يعلم له حاجة إلا زيارتي كان حقًّا علىَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة)[5]

وقال الحافظ العراقي صححه ابن السكن (المغني ج1 ص 265) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حج فزار قبري في مماتي كان كمن زارني في حياتي)[6]عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)[7]والحاصل أن أحاديث الزيارة لها طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا كما نقله المناوي عن الحافظ الذهبي[8] خصوصاً أن بعض العلماء صححها أو نقل تصحيحها كالسبكي وابن السكن والعراقي والقاضي عياض في الشفا والملا على قاري شارحه الخفاجي[9] وكلهم من حفاظ الحديث وأئمته المعتمدين ويكفي أن الأئمة الأربعة وغيرهم من فحول العلماء وأركان الدين قالوا بمشروعيةزيارة النبي صلى الله عليه وسلم كما نقله عنهم أصحابهم في كتب فقههم المعتمدة وهذا كاف منهم في تصحيح أحاديث الزيارة وقبولها لأن الحديث الضعيف يتأيد بالعمل والفتوى كما هو معروف من قواعد الأصوليين والمحدثين

وقد ذكر هذه المسألة العلامة الشيخ عطية محمد سالم القاضي بالمدينة المنورة في كتابه الذي تمم به التفسير المشهور المسمي بـ (أضواء البيان) للعلامة المفسر الشيخ محمد أمين الشنقيطي فقال: وأعتقد أن هذه المسألة لولا نزاع معاصري شيخ الإسلام معه في غيرها لما كان لها محل ولا مجال ولكنهم وجدوها حساسة ولها مساس بالعاطفة ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثاروها وحكموا عليه بالالتزام - أي يلازم كلامه حينما قال: لا يكون شد الرحال لمجرد الزيارة بل تكون للمسجد من أجل الزيارة عملاً بنص الحديث - فتقولوا عليه ما لم يقله صراحة ولو حمل كلامه على النفي بدلا من النهي لكان موافقاً أي لا يتأتي ذلك لأنه رحمه الله لم يمنع زيارته صلى الله عليه وسلم ولا السلام عليه بل يجعلها من الفضائل والقربات وإنما يلتزم بنص الحديث في جعل شد الرحال إلى المسجد ولكل شيء ومنه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك في كتبه أ. هـ كلام الشيخ عطية في أضواء البيان. ج8 ص586)

ثم نقل من نصوص كلام ابن تيمية ما نقلناه عنه ثم قال: فدل كلامه رحمه الله أن زيارة القبر والصلاة في المسجد مرتبطان ومن ادعي انفكاكهما عملياً فقد خالف الواقع وإذا ثبتت الرابطة بينهما انتفي الخلاف وزال موجب النزاع والحمد لله رب العالمين وصرح في موضع آخر ص346 في قصر الصلاة في السفر لزيارة قبور الصالحين عن أصحاب أحمد أربعة أقوال: الثالث منها: تقصر إلى قبر نبيّنا عليه الصلاة والسلام (أضواء البيان ج8 ص590) ثم قال الشيخ عطية: وهذا غاية في التصريح منه رحمه الله أنه لا انفكاك من حيث الواقع بين الزيارة والصلاة في المسجد عند عامة العلماء

ثم قال في حق الجاهل: وأما من لم يعرف هذا فقد لا يقصد إلا السفر إلى القبر ثم إنه لابد أن يصلي في مسجده فيثاب على ذلك وما فعله وهو منهي عنه ولم يعلم أنه منهي عنه لا يعاقب فيحصل له أجر ولا يكون عليه وزر[10] وبه يظهر لك أن قاصد القبر على كلٍّ ليس بمحروم من الأجر والثواب فهل يقال في حقه أنه مبتدع أو ضال أو مشرك؟ (سبحانك هذا بهتان عظيم)

والإمام مالك هو من أشد الناس تعظيماً للجناب النبوي وهو الذي كان لا يمشي في المدينة المنورة منتعلاً ولا راكباً ولا يقضي فيها حاجة إحتراماً وتعظيماً وتكريماً لتراب المدينة الذي مشي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وها هو يخاطب أمير المؤمنين المهدي لما جاء إلى المدينة في هذا الموضوع ويقول له: إنك تدخل الآن المدينة فتَمُرُّ بقوم عن يمينك ويسارك وهم أولاد المهاجرين والأنصار فسلِّمْ عليهم فإنه ما على وجه الأرض قومٌ خيرٌ من أهل المدينة ولا خير من المدينة فقال له: ومن أين قلت ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: لأنه لا يعرف قبر نَبِيٍّ اليوم علي وجه الأرض غير قبر مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ومَنْ قبر مُحَمَّدٍ عندهم فينبغي أن يُعلم فضلهم[11]


ومن شدة تعظيمه للمدينة أنه كره أن يقال (زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم) وكأنه أراد أن يقول القائل (زُرْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) مباشرة دون لفظ القبر لأن القبر مهجور بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (صلُّوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً)[12]وقال الحافظ ابن حجر: أنه إنما كره اللفظ أدباً لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع[13]

وقال الإمام الحافظ بن عبد البر: إنما كره مالك أن يقال طواف الزيارة وزرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الناس ذلك بعضهم لبعض - أي فيما بينهم - فكره تسوية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع الناس - أي عمومهم - بهذا اللفظ وأحبَّ أن يُخصَّ بأن يقال (سَلَّمْنَا على النبي صلى الله عليه وسلم)

وأيضاً فإن الزيارة مباحة بين الناس وواجبُ شد المطي إلى قبره صلى الله عليه وسلم يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا وجود فرض والأولي عندي أن منعه وكراهة مالك لا لإضافته إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لو قال (زرنا النبي صلى الله عليه وسلم) لم يكرهه لقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد بعدي اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)[14] فحمي إضافة هذا اللفظ إلى القبر والتشبه بفعل أولئك قطعاً للذريعة وحسماً للباب قلت: ولو كان المقصود كراهية الزيارة لقال مالك (أكره للرجل أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم) لكن ظاهر قوله (أكره للرجل أن يقول ... الخ) على أن المقصود هو كراهة التعبير بهذا اللفظ فقط

وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة وقد ذكرها كثير من علماء الأمة وأئمة السلف وتخصيص الحنابلة بالذكر المقصود منه ردُّ فرية من زعم أن أئمة الحنابلة لا يقولون بذلك فاقتضي الأمر تخصيصهم بالذكر لرد هذه الفرية وإلا فإن كتب فقه المذاهب الإسلامية جميعها مشحونة ومملوءة بهذه المسألة فانظر إن شئت كتب الفقه الحنفي وانظر إن شئت كتب الفقه المالكي وكتب الفقه الشافعي والحنبلي وكتب الفقه الزيدي والإباضي والجعفري فإنك تجدهم قد عقدوا باباً مخصوصاً في الزيارة بعد أبواب المناسك

نذكر هنا كلام القاضي عياض في مشروعية الزيارة النبوية عند السلف في شرحه للحديث الذي رواه مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحيَّة إلى جحرها) قال القاضي عياض: وقوله صلى الله عليه وسلم (وهو يأرز إلى المدينة) معناه: أن الإيمان أولاً وأخراً بهذه الصفة لأنه في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصحَّ إسلامه أتي المدينة إما مهاجراً مستوطناً وإما متشوقاً إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتعلماً منه ومتقرباً ثم بعده -هكذا في زمن الخلفاء - كذلك ولأخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة فيها ثم من بعدهم من العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدي لأخذ السنن المنتشرة بها عنهم فكان كلُّ ثابت الإيمان منشرحُ الصدر به يرحل إليها ثم بعد ذلك - في كل وقت إلى زماننا - لزيارة قبر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والتبرك بمشاهده وآثار أصحابه الكرام فلا يأتيها إلا مؤمن هذا كلام القاضي عياض، والله أعلم بالصواب أ. هـ [15]عقد الإمام الحافظ شرف الدين النووي صاحب شرح صحيح سلم في كتابه المعروف في المناسك المسمي (بالإيضاح) عقد فصلاً خاصاً عن الزيارة النبوية قال فيه (إذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة فليتوجهوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة تربته صلى الله عليه وسلم فإنها من أهم القربات وأنجح المساعي)[16]


قال الحافظ ابن حجر الهيثمي في حاشيته على الإيضاح للنووي معلقاً على قوله: وقد روي البزار والدارقطني بإسنادهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زار قبري وجبت له شفاعتي) قال: رواه أيضا ابن خزيمة في صحيحة جماعة كعبد الحقِّ والتَّقي السبكي ولا ينافي ذلك قول الذهبي: طرقه كلها لينة يقوي بعضها بعضها[1] فتح الباري ج3 ص65 [2] مجمع الزوائد ج4 ص3 [3] رواه البزار (مجمع الزوائد ج4 ص3) [4] رواه البزار وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف [5]رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف كذا في المجمع ج4 ص2 [6] رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حفص بن أبي داود القاريء وثقه أحمد وضعفه جماعة من الأئمة [7] قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه عائشة بنت يونس ولم أجد من ترجمها كذا في مجمع الزوائد 4/2 [8] فيض القدير ج6 ص140 [9] نسيم الرياض ج3 ص511 [10] انظر أضواء البيان ج8 ص590 [11] كذا في المدارك للقاضي عياض [12] بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مرفوعاً بلفظ (صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلا تَجْعَلُوهَا قُبُورًا وَزَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) [13] فتح الباري شرح صحيح البخاري ج3 ص66 [14] رواه الإمام مالك في " الموطأ " [15] شرح صحيح مسلم للنووي ص177 [16] انظر كلامه أيضاً في شرح صحيح مسلم عند الكلام على حديث (لا تشد الرحال) ج9 ص106

بعض الروايات عن زيارة روضته 

وروى ابن عساكر بسند جيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قصة نزول بلال بن رباح بداري بعد فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس قال :" ثم إن بلالا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له:" ماهذه الجفوة يابلال ؟ أما آن لك أن تزورني!" فانتبه حزينا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ومرغ وجهه عليه. " وقال الحافظ تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام:" وممن روي ذلك عنه من الصحابة بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من الشام إلى المدينة لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم روينا ذلك بإسناد جيد إليه ." وفي تحفة ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال:" لما رمس رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضي الله عنها فوقفت على قبره وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينها وبكت وأنشأت تقول : ماذا على من شم تربة أحمد * أن لايشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا . " وروى الإمام أحمد في المسند أن مروان أقبل يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فقال:" أتدري ما تصنع؟ " فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب فقال:" نعم ! جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر! سمعت رسول الله يقول:" لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله." وأخرجه من هذا الوجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي في التلخيص . وذكر القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى:"{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك…} الآية روى عن علي قال:" قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال:" قلت يارسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك {ولو أنهم ظلموا أنفسهم …..}الآية وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر :" أنه قد غفر لك !"


ذكر الحافظ ابن عساكر والحافظ عبد الغنى المقدسى الحنبلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلالا فى منامه حينما كان بالشام فى ضيافة معاوية وقال له: أوحشتنا يا بلال، فإنتبه حزينا وركب راحلته قاصدا المدينة فأتى قبرالنبى صلى الله عليه وسلم فجعل يبكى ويمرغ وجهه على القبر ويقول: (أوحشتنى يارسول الله) >وذكر أيضا الحافظ ابن عساكر والحافظ عبد الغنى المقدسى الحنبلى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما قدم بيت المقدس أيام خلافته وأسلم على يديه كعب وكان من عظماء أحبار يهود فرح بإسلامه وقال له: هل لك أن تسير معى إلى المدينة وتزور قبر النبى صلى الله عليه وسلم وتتمتع بزيارته فقال أفعل ذلك وسار معه. وذكر ابن الجوزى فى كتابه (مثير العزم الساكن إلى زيارة أشرف الأماكن) أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه كان يبعث البريد من الشام إلى المدينة يقول: سلم لى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا نظرنا إلى ما حول القبر من الروضة التى هى قطعة من الجنة والمنبر الذى نال الشرف الأعلى بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وسيكون يوم القيامة على حوضه العظيم، وإلى الجذع الذى حن إليه حنين الثكلى وسيكون يوم القيامة فى جنة الخلد وسط أشجارها، وقد قيل أنه دفن فى موضعه بالمسجد فلا أظن أن عاقلا حريصا على الخير يتوقف عن الدعاء فى هذه البقاع، وعن الإمام مالك بن أنس لما ناظره أبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى فقال له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال ﴿لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى﴾ ومدح قوما فقال ﴿إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله﴾ وذم قوما فقال ﴿إن الذين ينادونك﴾ وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان له أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاسـتغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيم﴾ وهذه القصة رواها القاضى عياض بسنده فى كتابه المعروف الشفا فى التعريف بحقوق المصطفى فى باب من أبواب الزيارة وقد صرح كثير من العلماء بهذ.

فى النهاية نقول ان الخلاف لن ينتهى أبدا لأنها سنة من سنن الله ،
بعد انتقال رسول الله صل الله عليه وسلم دفنت العصمة وانقطع الوحىفلا يجب أن نتعصب لعالم لأنه لا عصبية فى الإسلام لا نتعصب إلا للحق ولاانكار فيما اختلف فيه لا إنكار على مجتهد ولا مُختَلف فيه ولا ينكر إلا المجتمع عليه لا تنكر على شخص فعله باتباعه لأحد العلماء ( الذي استمد رأيه من أدلة صحيحة ) حتى وإن خالف رأيك أو ظنكأو خالف العالم أو مجموعة العلماء الذين تتبعهموروي (في إعلام الموقعين، ج1، 74): أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لقي رجلاً فقال: ما صنعت؟ يعني في مسألة كانت معروضة للفصل فيها، فقال الرجل: قضي عليّ وزيد بكذا.. فقال عمر: لو كنت أنا لقضيت بكذا.. قال الرجل: فما يمنعك والأمر إليك؟ قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لفعلت، ولكني أردك إلى رأيي، والرأي مشترك ".

إن الذي جعل السلف رضوان الله عليهم في وحدة ومنعة، وفي بعد عن التشاحن رغم اختلاف آرائهم هو إدراكهم أنه لا إنكار على مجتهد ولا إنكار على أمر مختلف فيه.فلكل رأيه الذي يجب أن يُحترم، ولكل اجتهاده الذي ينبغي أن يُقدر ما دام المجتهد موثوقاً في دينه وأمانته وعلمه وتقواه." فهذا ابن قدامة المقدسي - رحمه الله - يقول في مختصر منهاج القاصدين (ص 113): " ويشترط في إنكار المنكر أن يكون معلوماً كونه منكراً بغير اجتهاد، فكل ما هو في محل الاجتهاد، فلا حسبة فيه".

وروى أبو نعيم في الحلية (6/368) بسنده عن الإمام سفيان الثوري - رحمه الله - قوله: " إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذياختلف فيه، وأنت ترى غيره، فلا تنهه".


وقال النووي في الروضة (تنبيه الغافلين، النحاس، ص 101): " ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيهفلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره، وإنما ينكرون ما خالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً 

وفي الفتاوى سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن يقلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد: فهل ينكر عليه أم يهجر؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين؟فأجاب: " الحمد لله، مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان: فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين، والله أعلم "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق