لقد أبدع الله هذا الكون كله عاليه ودانيه ظاهره وخافيه بكل ذرة فيه على غير مثال
وكان من وراء هذا الإبداع حكم بالغة لا تحصيها العقول السليمة وتدق عن عقول ذوى
النهى ،لكنه لواسع رحمته وعلى حكمته تفضل على خواص خلقه من الأنبياء وورثتهم
من الأولياء وكمل الصالحين والعارفين ففتح لهم ابواب القرب ويسر لهم سبل العلم
وفتح لهم فتوح العارفين الواصلين إليه سبحانه ففهموا مراد الله من خلقه
وفى كل شئ له آية ***** تدل على أنه الواحد
وعاشوا لكي يحققوا هذا المراد ، فتراهم رضوان الله عليهم وقد نشئوا في مدرسة سيد
الخلق وسيد المعلمين صلى الله عليه وسلم علمهم كيف يعيشون في هذه الحياة علمهم
كيف ينظرون في خلق الله فيعلموا ما مراد الله من خلقه علمهم عليه الصلاة والسلام ،
عرفوا مراتب الوجود وشهدوا حكمة الخلق
ارتبطوا بالحب مع كل مراتب الوجود
فإن حقيقة هذا الكون وحقائقه تربط بين المسلم وبين الكون برباط نورانى
لتجعلها في مرتبة الأخوة في الله.. وتجعل المحبة بينها وبينه محبة في الله.واجتماع
وتآلف على طاعته وذكره سبحانه وتعالى
فهذه الجمادات وهذا الكون كله عابد لله ساجد له ومسبح وقانت له ومستسلم له
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا
طَائِعِينَ)(فصلت:11)
لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. {آل عمران: 83}.
كذلك المسلم استسلم لله وانصاع لأوامره وخضع له وترك كل ما نهى عنه
وها هو الكون كله قانت لله
﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)
(البقرة:116)، وقال تعالى:﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)
(الروم:26)
والقنوت هو دوام الطاعة، ولذلك يقال للمصلي إذا طال قيامه أو ركوعه أو سجوده هو
قانت في ذلك كله، كما قال تعالى:﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ
وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)(الزمر: من الآية9) فاعتبره تعالى قانتا في حال السجود والقيام.
ومثله ما ورد في الحديث حين سئل رسول الله صل الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل
فقال:( طول القنوت) ولم يرد به طول القيام فقط، بل طول القيام والركوع والسجود
وعلى هذا يدل ـ كذلك ـ قوله تعالى:﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120) فقد كان إبراهيم تعالى يمارس جميع أنواع الطاعات
وفي جميع الأوقات.فالقنوت إذن هو دوام الطاعة واستمرارها وشمولها
ويقال أيضا القنوت فى الصلاة هو الدعاء .
قال ابن القيم:( والسجود من جنس القنوت، فإن السجود الشامل لجميع المخلوقات، وهو
المتضمن لغاية الخضوع والذل، وكل مخلوق فقد تواضع لعظمته وذل لعزته واستسلم
لقدرته، ولا يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء
ووضع جبهة في رأس مدور على التراب، فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا. {الرعد : 15}.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ. {الحج: 18}.
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {النحل: 49}.
دَاخِرُونَ) (النحل:48)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ ، فَسَجَدْتُ فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي ، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ : اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا ، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا ، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا ، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً . ثُمَّ سَجَدَ ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ : مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ .
ومعنى الآية - كما قال أهل التفسير-: ألم تر أن الله يسجد له... الرؤية هنا رؤية القلب وهي للعلم والخطاب لكل من يتأتى منه ذلك (يسجد له) يخضع لعظمته كل شيء طوعاً وكرها، الملائكة في أقطار السماوات، والإنس والجن وسائر المخلوقات.. قال ابن كثير: وخص الشمس والقمر والنجوم بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله فبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة.
(وكثير من الناس) أي المؤمنين الموحدين.. الذين يسجدون لله تعالى طوعاً وعبادة... (وكثير حق عليه العذاب) وهم الكفار لعدم سجودهم طوعاً.
ومعنى الآية - كما قال أهل التفسير-: ألم تر أن الله يسجد له... الرؤية هنا رؤية القلب وهي للعلم والخطاب لكل من يتأتى منه ذلك (يسجد له) يخضع لعظمته كل شيء طوعاً وكرها، الملائكة في أقطار السماوات، والإنس والجن وسائر المخلوقات.. قال ابن كثير: وخص الشمس والقمر والنجوم بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله فبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة.
(وكثير من الناس) أي المؤمنين الموحدين.. الذين يسجدون لله تعالى طوعاً وعبادة... (وكثير حق عليه العذاب) وهم الكفار لعدم سجودهم طوعاً.
يرفع رأسه منها أبدا)
إن الإسلام يربطنا بهذا الكون بكل مراتبه لنتوحد ظاهرا وباطنا مع أنفسنا ومع من وما حولنا فى طلب الله عبادةا وعلما حباً وخضوعاً وتذللاً
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على قوم وقوف على ظهور دوابهم ورواحلهم
يتنازعون الأحاديث، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في
الطرق والأسواق، فربّ مركوب خير من راكبه)
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فركبت بعيرا، فكانت ترجعه بشدة، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( عليكِ
بالرفق) رواه مسلم في صحيحه. وفي رواية أن السيدة عائشة رضي الله عنه ركبت
بعيرا فيه صعوبة، فجعلت تردده وتزجره، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
إن الله يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف،
وما لا يعطي على ما سواه).
أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه إن نوحا قال لابنه يا بني
آمرك أن تقول : سبحان الله فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق ' قال
الله تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده
وأخرج أحمد وابن مردويه عن ابن عمر رضي اله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : ' إن نوحا لما حضرته الوفاة قال لابنيه : آمركما بسبحان الله وبحمده فإنها
صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء '
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الذكر عن عائشة رضي الله عنه : أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : ' صوت الديك صلاته وضربه بجناحيه سجوده وركوعه
' ثم تلا هذه الآية : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ينادي مناد من
السماء اذكروا الله يذكركم فلا يسمعها أول من الديك فيصيح فذلك تسبيحه
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ' لا تضربوا وجوه الدواب فإن كل شيء يسبح
بحمده 'وأخرج أبو الشيخ عن عمر رضي الله عنه قال : لا تلطموا وجوه الدواب فإن
كل شيء يسبح بحمده
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ {النور:41}.
قال تعالى:﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ) (صّ:18)،
وكما أن الجبال يسبحن بالعشى والإشراق يأمرنا الله فى كتابه الكريم أيضا
(اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)(آل عمران: من الآية41)
( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ)
(غافر:55)
لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
(الرعد:15)
وقال عن المؤمنين مخبرا:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)(النور:36 ـ 37)
وقال عنهم آمرا:) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (لأعراف:205)
لنسبحه سبحانه
أتي أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحه
ويقول: ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح) رواه ابن
راهويه في مسنده.
وقد ورد في الحديث قوله صل الله عليه وسلم :( ما صيد من صيد ولا وشج من وشج
إلا بتضييعه التسبيح) رواه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه.
وقال صل الله عليه وسلم :( ما اصطيد طير في بر ولا بحر إلا بتضييعه التسبيح)
رواه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه.
قال صل الله عليه وسلم :( ما صيد من طير في السماء ولا سمك في الماء حتى يدع ما
افترض الله عليه من التسبيح) رواه ابن عساكر
فإن هذا الكون فريقان وحزبان أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ
وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وحزب (" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ"
لذلك قال الفضيل بن عياض :( ما أحد سب شيئا من الدنيا دابة ولا غيرها، ويقول: خزاك الله أو لعنك الله إلا قالت: بل أخزى الله تعالى أعصانا لله تعالى)
قال ابن كثير: لا تفقهون تسبيحهم، لأنها بخلاف لغاتكم.
ويقول سيد قطب في تفسير الظلال: لا تفقهون تسبيحهم لأنكم محجوبون بصفاقة الطين، ولأنكم لم تستمعوا بقلوبكم، ولم تتوجهوا إلى أسرار الوجود الخفية.. وإلى النواميس التي تنجذب إليها كل ذرة في هذا الكون الكبير، وتتوجه بها إلى خالق النواميس ومدبر هذا الكون... وحين تشف الروح وتصفو فتتسمع لكل متحرك أو ساكن وهو ينبض بالروح ويتوجه بالتسبيح، فإنها تتهيأ للاتصال بالملأ الأعلى، وتدرك من أسرار هذا الوجود ما لا يدركه الغافلون الذين تحول صفاقة الطين بين قلوبهم وبين الحياة الخفية السارية في ضمير هذا الوجود، النابضة في كل متحرك وساكن وفي كل شيء في هذا الوجود.
ويقول الألوسي في تفسير روح المعاني: وقد ذكروا أن الذكر (ذكر الله تعالى)، إذا تمكن في العبد سرى في جميع أجزاء البدن، فيسمع الذاكر كل جزء منه ذاكراً، فإذا ترقى حاله سمع كل ما في عالم الملك كذلك، فإذا ترقى يسمع كل ما في الوجود كذلك... (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وكشف الله بعض حقائق هذا الكون وخصائصه وأسراره لأنبيائه و لخاصة أحبابه وكمل أوليائه ليقربهم إليه ويشهدهم بدائع صنعه وحكمته فهاموا به سبحانه وشهدوا جماله
يقول سيد قطب عن تأثير الشفافية الروحية في هذا النوع من الإدراك:( وإن الكون
ليبدو في هذا المشهد الخاشع متجها كله إلى خالقه، مسبحا بحمده، قائما بصلاته ؛ وإنه
لكذلك في فطرته، وفي طاعته لمشيئة خالقه الممثلة في نواميسه. وإن الإنسان ليدرك -
حين يشف - هذا المشهد ممثلا في حسه كأنه يراه ؛ وإنه ليسمع دقات هذا الكون
وإيقاعاته تسابيح لله. وإنه ليشارك كل كائن في هذا الوجود صلاته ونجواه.. كذلك كان
محمد بن عبد الله - صلاة الله وسلامه عليه - إذا مشى سمع تسبيح الحصى تحت قدميه.
وكذلك كان داود u يرتل مزاميره فتؤوب الجبال معه والطير)
الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أبر الناس قلوبا وأطهرهم سرائر، فقد كانوا يسمعون
تسبيح الماء، يقول ابن مسعود:( كنا أصحاب محمد r نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها
تخويفا، بينما نحن مع رسول الله r ليس معنا ماء فقال لنا:( اطلبوا من معه فضل ماء)،
فأتي بماء فوضعه في إناء ثم وضع يده فيه، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه. ثم
قال:( حي على الطهور المبارك والبركة من الله) فشربنا منه، قال عبد الله: كنا نسمع
صوت الماء وتسبيحه وهو يشرب ) رواه النسائي وابن مردويه.
عن ابن مسعود قال:( كنا نأكل مع النبي صل الله عليه وسلم فنسمع تسبيح الطعام وهو
يؤكل) رواه أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه.
:( تناول رسول الله صل الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن
حنينا , ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن , ثم وضعهن في يد عمر فسبحن , ثم
وضعهن في يد عثمان فسبحن)رواه البـزار والطبراني في الأوسط، وفي رواية
الطبراني:
فعن أبي حمزة الثمالي قال: قال محمد بن علي بن الحسين، وسمع عصافير يصحن
قال: تدري ما يقلن؟ قلت: لا. قال: يسبحن ربهن تعالى ويسألن قوت يومهن
ويروي عن علي بن الحسين ـ رضي الله عنهما ـ قال:( كنا معه فمر بنا عصافير
يصحن فقال: أتدرون ما تقول هذه العصافير؟ فقلنا: لا. قال: أما أني ما أقول إنا نعلم
الغيب، ولكني سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ـ رضي الله
عنه ـ يقول: إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها، وسألته قوت يومها، وإن هذه تسبح
ربها، وتسأله قوت يومها) رواه أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية.
من سار سيرهم من الصالحين، ومما يروى من ذلك أنه كان بيد أبي مسلم الخولاني ـ
قال ابن كثير: لا تفقهون تسبيحهم، لأنها بخلاف لغاتكم.
ويقول سيد قطب في تفسير الظلال: لا تفقهون تسبيحهم لأنكم محجوبون بصفاقة الطين، ولأنكم لم تستمعوا بقلوبكم، ولم تتوجهوا إلى أسرار الوجود الخفية.. وإلى النواميس التي تنجذب إليها كل ذرة في هذا الكون الكبير، وتتوجه بها إلى خالق النواميس ومدبر هذا الكون... وحين تشف الروح وتصفو فتتسمع لكل متحرك أو ساكن وهو ينبض بالروح ويتوجه بالتسبيح، فإنها تتهيأ للاتصال بالملأ الأعلى، وتدرك من أسرار هذا الوجود ما لا يدركه الغافلون الذين تحول صفاقة الطين بين قلوبهم وبين الحياة الخفية السارية في ضمير هذا الوجود، النابضة في كل متحرك وساكن وفي كل شيء في هذا الوجود.
ويقول الألوسي في تفسير روح المعاني: وقد ذكروا أن الذكر (ذكر الله تعالى)، إذا تمكن في العبد سرى في جميع أجزاء البدن، فيسمع الذاكر كل جزء منه ذاكراً، فإذا ترقى حاله سمع كل ما في عالم الملك كذلك، فإذا ترقى يسمع كل ما في الوجود كذلك... (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وكشف الله بعض حقائق هذا الكون وخصائصه وأسراره لأنبيائه و لخاصة أحبابه وكمل أوليائه ليقربهم إليه ويشهدهم بدائع صنعه وحكمته فهاموا به سبحانه وشهدوا جماله
يقول سيد قطب عن تأثير الشفافية الروحية في هذا النوع من الإدراك:( وإن الكون
ليبدو في هذا المشهد الخاشع متجها كله إلى خالقه، مسبحا بحمده، قائما بصلاته ؛ وإنه
لكذلك في فطرته، وفي طاعته لمشيئة خالقه الممثلة في نواميسه. وإن الإنسان ليدرك -
حين يشف - هذا المشهد ممثلا في حسه كأنه يراه ؛ وإنه ليسمع دقات هذا الكون
وإيقاعاته تسابيح لله. وإنه ليشارك كل كائن في هذا الوجود صلاته ونجواه.. كذلك كان
محمد بن عبد الله - صلاة الله وسلامه عليه - إذا مشى سمع تسبيح الحصى تحت قدميه.
تسبيح الماء، يقول ابن مسعود:( كنا أصحاب محمد r نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها
تخويفا، بينما نحن مع رسول الله r ليس معنا ماء فقال لنا:( اطلبوا من معه فضل ماء)،
فأتي بماء فوضعه في إناء ثم وضع يده فيه، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه. ثم
قال:( حي على الطهور المبارك والبركة من الله) فشربنا منه، قال عبد الله: كنا نسمع
عن ابن مسعود قال:( كنا نأكل مع النبي صل الله عليه وسلم فنسمع تسبيح الطعام وهو
:( تناول رسول الله صل الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن
حنينا , ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن , ثم وضعهن في يد عمر فسبحن , ثم
وضعهن في يد عثمان فسبحن)رواه البـزار والطبراني في الأوسط، وفي رواية
فعن أبي حمزة الثمالي قال: قال محمد بن علي بن الحسين، وسمع عصافير يصحن
ويروي عن علي بن الحسين ـ رضي الله عنهما ـ قال:( كنا معه فمر بنا عصافير
يصحن فقال: أتدرون ما تقول هذه العصافير؟ فقلنا: لا. قال: أما أني ما أقول إنا نعلم
الغيب، ولكني سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ـ رضي الله
عنه ـ يقول: إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها، وسألته قوت يومها، وإن هذه تسبح
رضي الله عنه ـ سبحة يسبح بها، فنام والسبحة في يده، فاستدارت السبحة، فالتفت على
ذراعه، وجعلت تسبح فاستيقظ أبو مسلم والسبحة تدور في يده، وإذا هي تقول:(
سبحانك يا منبت البنان ويا دائم الشأن) فقال:( هلمي يا أم مسلم فانظري إلى عجب
العجائب) فجاءت أم مسلم والسبحة تدور وتسبح، فلما جلست سكنت.
ويروى عن مطرف ـ رضي الله عنه ـ أنه كان إذا دخل بيته فسبح سبحت معه آنية
بيته، وعن سليمان بن المغيرة قال: كان مطرف ـ رضي الله عنه ـ إذا دخل بيته فسبح
سبحت معه آنية بيت) رواه الخطيب البغدادى
ويذكر النورسي أن أربع قطط كانت تلازمه، وكانت تقول في هريرها:( يا رحيم يا
رحيم يا رحيم..) رواه أبو الشيخ.
يقول الشيخ / فوزى محمد أبو زيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
وهناك من يفقهه فيعَلِّمه الله لغات الأشياء حتى لغة الجمادات
ويسمع نطقها بألفاظ فصيحات
وفى ذلك يقول الأمام محمد ماضى أبو العزائم
نغمات تسبيح الكيان مدامى يصغى لها قلبى يزيد هيامى
قلبى لدى التسبيح يصغى واجداً وجد المؤله من فصيح كلامى
فيسمع تسبيح الكائنات أو الحقائق أو الملائكة وقد يكرمه الله بإكرامات القلب فيكون هذا
القلب له إطلالة علوية على الأحوال الربانية وقد يكرمه الله بالإلهام وقد يكرمه الله
بالسكينة تتنزل عليه على الدوام وقد يكرمه الله بالطمأنينة لذكر الله وقد يكرمه الله فيفتح
له كنوز الحكمة فى قلبه وقد يكرمه الله فيُفرغ له من أسراره التى لا يُطلع عليها إلا
خواص عباده وقد يكرمه الله فيجعل فى قلبه وسعة حقيَّة كما روى فى الأثر عنه عز
وجل{إِنَّ السَّمواتِ والأَرْضَ ضَعُفْنَ عَنْ أَنْ يَسَعْنَني وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِنِ الوَادِعِ
اللَّيِّنِ}[1] إذاً قلب العبد المؤمن أوسع من السموات والأراضين ومن فيهن بما فيه من
ألطاف إلهية خفية وعلوم ربانية وأسرار ذاتية
سبح الكون أسمع الروح لحنا **** هامت الروح عند فهم المعنى
لحن ذا الكون هيج الصب لما **** أسمع الروح لحن هذا المعنى
ايها الكون فيك غيب على **** اخفى تلك الأسرار عنى المبنى
كيف سترت يا كيان غيوباً ***** فيك تجلى لكل عبد حنّ
كنت يا كون حاجبى عن جمال ** صرت يا كون للمدامة دنّ
سبح الكون ربه فى مقام **** فوق قدر الأرواح فى أو أدنى
رب أسمع قلبى وأسمع روحى ** غيب تسبيح ذا الكيان المبنى
ويروى عن مطرف ـ رضي الله عنه ـ أنه كان إذا دخل بيته فسبح سبحت معه آنية
بيته، وعن سليمان بن المغيرة قال: كان مطرف ـ رضي الله عنه ـ إذا دخل بيته فسبح
ويذكر النورسي أن أربع قطط كانت تلازمه، وكانت تقول في هريرها:( يا رحيم يا
رحيم يا رحيم..) رواه أبو الشيخ.
يقول الشيخ / فوزى محمد أبو زيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
وهناك من يفقهه فيعَلِّمه الله لغات الأشياء حتى لغة الجمادات
ويسمع نطقها بألفاظ فصيحات
فيسمع تسبيح الكائنات أو الحقائق أو الملائكة وقد يكرمه الله بإكرامات القلب فيكون هذا
القلب له إطلالة علوية على الأحوال الربانية وقد يكرمه الله بالإلهام وقد يكرمه الله
بالسكينة تتنزل عليه على الدوام وقد يكرمه الله بالطمأنينة لذكر الله وقد يكرمه الله فيفتح
له كنوز الحكمة فى قلبه وقد يكرمه الله فيُفرغ له من أسراره التى لا يُطلع عليها إلا
خواص عباده وقد يكرمه الله فيجعل فى قلبه وسعة حقيَّة كما روى فى الأثر عنه عز
وجل{إِنَّ السَّمواتِ والأَرْضَ ضَعُفْنَ عَنْ أَنْ يَسَعْنَني وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِنِ الوَادِعِ
اللَّيِّنِ}[1] إذاً قلب العبد المؤمن أوسع من السموات والأراضين ومن فيهن بما فيه من
ألطاف إلهية خفية وعلوم ربانية وأسرار ذاتية
سبح الكون أسمع الروح لحنا **** هامت الروح عند فهم المعنى
لحن ذا الكون هيج الصب لما **** أسمع الروح لحن هذا المعنى
ايها الكون فيك غيب على **** اخفى تلك الأسرار عنى المبنى
كيف سترت يا كيان غيوباً ***** فيك تجلى لكل عبد حنّ
كنت يا كون حاجبى عن جمال ** صرت يا كون للمدامة دنّ
سبح الكون ربه فى مقام **** فوق قدر الأرواح فى أو أدنى
رب أسمع قلبى وأسمع روحى ** غيب تسبيح ذا الكيان المبنى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق