الأربعاء، 17 أبريل 2013

تأويل السلف



قال الإمام الترمذي في حديث : (( .. لو انكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ، ثم قرأ ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) [ قال الإمام الترمذي ] : هذا حديث غريب من هذا الوجه .. وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا : (( إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في متابه )) اهـ كلام الإمام الترمذي من كتاب ( تحفة الأحوذي ) طبعة قرطبة ـ الجلد التاسع ـ صفحة 187 .

الإمام الترمذي من السلف الصالح ، وصاحب السنن التي هي أحد الكتب الستة ، وهو يفسر هذا الحديث كما ترون ، بل وينقله عن غيره من أهل العلم .

طيب نحن الآن أمام هذا التأويل من إمام من أئمة السلف ، بل هو ينقله عمن تقدمه من أهل العلم من السلف ، فنحن مطالبون باتباع السلف ، فإذا تبعناهم في هذا التأويل لا نكون قد خرجنا عن منهج السلف الصالح ولذلك قال الإمام البنا ـ وصدق ـ بأن التأويل قد ورد عن السلف واضطر إليه بعضهم ، فما موقف ابن تيمية ـ الذي ليس من السلف ـ من هذا الذي يقوله الإمام السلفي الترمذي الذي هو من أئمة السلف على الحقيقة ؟؟؟

اسمعوا كلام ابن تيمية :

يقول رحمه الله في الرسالة العرشية ـ طبعة دار الفتح الشارقة ـ صفحة 47 بعد أن نقل تأويل الترمذي السابق ونقله الترمذي عمن تقدمه من أهل العلم ، يقول ابن تيمية :

(( وكذلك تأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد !! من جنس تأويلات الجـهـمـيـة )) اهـ !!!!!!!! .
وهذا الكلام نقله ابن القيم في الصواعق 2/275 مقرا لشيخه.

فيلمح ابن تيمية هنا إلى الطعن على تأويل إمام من أئمة السلف كالترمذي بأن كلامه وكلام من نقل عنهم إنما هو من جنس كلام الجـهـمـيـة !! فكذلك أتباع ابن تيمية اليوم معنا ، فمن هو السلفي ؟؟ من اتبع ابن تيمية ؟؟ أم من اتبع الترمذي ومن نقل عنهم من أهل العلم ؟؟؟ حتى الإمام الترمذي لم يسلم منهم !!! .


(( هذا حديث حسن صحيح ، ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث : ( من تقرب مني شبرا تقربت منه ذارعا ) : يعني بالمغفرة والرحمة ، وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث قالوا إنما معناه يقول : إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وبما أمرت تسارع إليه مغفرتي ورحمتي )) اهـ كلام الإمام الترمذي .
( تحفة الأحوذي 10/64 ) .

إذن فالترمذي ـ وهو إمام من أئمة السلف بلا شك ـ يؤول الهرولة والإتيان والتقرب في هذا الخبر بأنه بالمغفرة والرحمة ، هذا قوله رحمه الله وتأويله وهو ينقله عن بعض أهل العلم ممن تقدمه منهم الإمام سليمان بن مهران الأعمش وهؤلاء من أئمة السلف بلا شك ،وقد تبع الإمام الترمذي والأعمش من أهل العلم ثلة : يقول العلامة أبو العلى المباركفوري رحمه الله في تحفته في ذكرهم :

(( وكذا قال الطيبي ، والحافظ العيني ، وابن بطال ، وابن التين ، وصاحب المشارق ، والراغب وغيرهم من العلماء .... وكذا فسره النووي وغيره كما عرفت )) اهـ


فما هو موقف السلفيين على المجاز في هذا العصر من تأويل السلف على الحقيقة لا المجاز ؟؟؟!! ماذا كان تعليق المباركفوري ( السلفي المجازي ) هلى هذا التأويل الذي قال به ( السلف على الحقيقة ) ؟؟؟ اسمعوا عبارته :
قلت : لا حاجة إلى هذا التأويل !!!!!
والآن من السلفي ؟؟ الذي يتبع السلف على الحقيقة ؟؟ أم الذي يتبع السلف على المجاز ؟؟؟
روى الإمام البخاري في خلق أفعال العباد ص61 ونقله الحافظ أيضا في فتح الباري 13/477 قال :
(( حدثنا محمد أنا عبدالله أنا محمد بن بشار عن قتادة عن صفوان بن محرز عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : بينما أنا أمشي معه إذ جاء رجل فقال : يا ابن عمر ، كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في النجوي ؟ قال : سمعته يقول : يدنو من ربه حتى يضع عليه كنفه ...... [ ثم قال البخاري ] قال ابن المبارك : كنفه يعني ستره )) اهـ باختصار .

الإمام السلفي الكبير المجاهد الحافظ عبدالله بن المبارك يؤول ( الكنف ) يقول : يعني الستر .
فماذا يقول الخلف في هذا القرن ؟؟؟
قال محقق كتاب ( النقض على بشر المريسي ) الدكتور : رشيد بن حسن الألمعي والذي قدم له عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي يقول في ص748 بعد أن ذكر تأويل ابن المبارك :
(( والصواب في هذه المسألة ـ والله أعلم ـ أن الكنف صفة من صفات الله كسائر صفاته لا يعلم كيفيته إلا هو ، فهو على ظاهره دون تأويل كما نقل ذلك ابن حامد عن الإمام أحمد )) اهـ .
فهذا عبدالله بن المبارك إمام جليل من أئمة السلف يقول بهذا التأويل فيأتي هذا الغلام الخلفي من سلفية القرن الحادي والعشرين ليعلم الإمام ما هو الصواب ، بل ويلزمه بقول من هو من تلاميذ تلاميذه مما ينقله غير مأمون !!! فمن هو السلفي الآن ؟؟!! .
لما روى الإمام الترمذي حديث إتيان البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان قال :
(( هذا حديث حسن غريب ، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءته ، كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن ، وفي حديث النوانس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما فسروا إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأهله الذين يعملون به في الدنيا ، ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل وأخبرني محمد بن إسماعيل أخبرنا الحميدي قال : قال سفيان بن عيينة في تفسير حديث عبدالله بن مسعود : ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ، قال سفيان : لأن آية الكرسي هو كلام الله ، وكلام الله أعظم من خلق الله من السماء والرض )) ( تحفة الأحوذي 8 / 193 ) .
فهل استسلم الشيخ المباركفوري ( السلفي ) لكلام هذين الإمامين من أئمة السلف بلا شك ؟؟ لا بل قال متعقبا الإمام الترمذي بما نصه :
(( في هذه الدلالة خفاء كما لا يخفى ) !! .
وقال متعقبا سفيان بن عيينة بما نصه :
(( وفي قول سفيان هذا نظر فإنه يلزم على هذا ألا تكون هذه الفضيلة مختصة بآية الكرسي بل تعم كل آية من آي القرآن لأن كلا منها كلام الله تعالى )) اهـ .

فهذا المباركفوري الذي يدعى عليه بأنه سلفي صار يناقش السلف في استدلالاتهم وتوجيهاتهم وتأويلاتهم في العقيدة ومع هذا هو سلفي !! . 
المثال الرابع :
روى الإمام الترمذي في جامعه الحديث المشهور : (( أنا عند ظن عبدي بي ... وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق