الأربعاء، 17 أبريل 2013

جفاء الطائفة الوهابية لجناب النبى صل الله عليه وسلم


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى.
من الاتهامات الشائعة في المناقشات والمناظرات الدائرة بين المسلمين الآن اتهامُ الحركة الوهابيةِ بأنّها حركةٌ تبغض النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بناء على بعض الفتاوىٰ التي تتمذهب بها الوهابية، ويرفض هؤلاء هذا الوصف ويرونه شططا في المناظرة، ولكن هل هؤلاء الخصوم فعلا تجنّوا عليهم في هذا الوصف؟ هذا ما ستبيُّنه هذه المقالة وتحاول مناقشته، ولكنَّا نحتاج مقدمةً ضرورية توضح قضية هامة تتعلق بنمط التدين...فنقول:
أنّ من سيء الأنواع المتعلقة بتدين المسلم نزوعه إلى اختيار الرّخص التي أفتى بها الفقهٰاء، وتتبعها وطلبها والعمل بها، وهذا النوع قديمٌ قِدَم الاختلاف بين الفقهٰاء، فكان منهم من يميل إلى الترخص في باب وإلى التشدّد في باب، ومنهم من يغلب عليه التساهل ككل ومنهم ليس كذلك، وهذا كان أمرا واضحا ومشتهرا بين العوام والخواص حتى أن الخليفة العباسي أوصى مالكا بأن «يجتنب رخص ابن عباس رضي الله عنهما وتشديدات ابن عمر رضي الله عنهما»، وقد كان مذموما جدا أن يتتبع الرجل رخص الفقهاء ومواطن التسهيل عندهم ويعمل بها، حتى قال العلماء: «يُترك من قول أهل مكة المتعة والصرف، ومن قول أهل المدينة السماع وإتيان النساء في أدبارهن، ومن قول أهل الشام الجبر والطاعة، ومن قول الكوفة النبيذ والسحور»؛ بل إن منهج السلف في هذا أكبر من اعتبار هذا مجرد خطأ يمكن تداركه، حتى قال سليمان التيمي رحمه الله: «إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله»، وقال إبراهيم بن شيبان رحمه الله: «من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص».
قال إسماعيل القاضي رحمه الله: «دخلت على المعتضد فدفع إلي كتابا نظرت فيه وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟!، قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب»، حتى قال الأوزاعي رحمه الله في هذا: «من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام».
****
وسر هذا التشنيع يكمن في كون هذا المتتبع لرخص العلماء متبع في الحقيقة لشهواته النفسية وأهوائه الذاتية، وما كان هذا الإسلام إلا إسلاما للهوى للشرع، فيقوده ولا ينقاد إليه، ويُتَّبَع ولا يتَّبِع، فالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته واقتفاء هديه لا يكون بالتشهي بل بالاجتهاد لمن تأهَّل له أو بسؤال أهل الذكر لمن لم يتأهَّل، فطريقة التدين واختيار الآراء الفقهية والعقدية للعمل بها تحيل إلى حالة المتدين ونفسيته واستعداده، قال الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾ [الزمر:18] ما نصه: «الفائدة الثانية: أن الطريق إلى تصحيح المذاهب والأديان قسمان: أحدهما: إقامة الحجة والبينة على صحته على سبيل التحصيل، وذلك أمر لا يمكن تحصيله إلا بالخوض في كل واحد من المسائل على التفصيل والثاني: أنَّا قبل البحث عن الدلائل وتقريرها والشبهات وتزييفها نعرض تلك المذاهب وأضدادها على عقولنا، فكل ما حكم أول العقل بأنه أفضل وأكمل كان أولى بالقبول؛ مثاله أن صريح العقل شاهد بأن الإقرار بأن إلٰه العالم حيٌّ عالمٌ قادرٌ حليمٌ حكيمٌ رحيمٌ، أولىٰ من إنكار ذلك، فكان ذلك المذهب أولى، والإقرار بأن الله تعالى لا يجري في ملكه وسلطانه إلا ما كان على وفق مشيئته أولى من القول بأن أكثر ما يجرى في سلطان الله على خلاف إرادته... وكل هذه الأبواب تدخل تحت قوله: ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾ [الزمر:18] فهذا ما يتعلق باختيار الأحسن في أبواب الاعتقادات».
****
فإن علمت هذا فانظر إلى هؤلاء المتمسلفة، بل إلى مدرستهم القائمة منذ أمد حين يكون ترجيح المتأهل فيها وتقليد غير المتأهل فيها على الشاكلة الآتية:
1. فإن اختلف العلماء في تسييد النبي صلى الله عليه وسلم داخل الصلاة: اختار هؤلاء عدم ذلك.
2. و إن كان خارجها: فقالوا: خلاف الأولى.
3. وإن اختلف العلماء في حكم التوسل: فاختار الوهابية الحرمة بل الشرك.
4. واختلف العلماء في مصير والدي النبي صلى الله عليه وسلم: فاختاروا النار.
5. واختلفوا في إحاطته ببعض المغيبات: فقالوا ليس ذلك إلا لله.
6. واختلفوا في حكم الصلاة عليه بغير الوارد، فقالوا لا يصلى عليه إلا به.
7. واختلفوا في حكم الاحتفال بمولده وذكرى مغازيه، فقالوا: بل هو بدعة.
8. واختلفوا في نوع التعظيم لآل بيته: فقالوا: هم سواء والناس.
9. وقالوا أن بعض غضب آل بيته صلى الله عليه وسلم كان للدنيا فأشبهوا المنافقين من هذا الوجه.
10. وقالوا أنه ارتاب في بعض آل بيته وشك فيها.
11. وأن قرابته صلى الله عليه وسلم لا تنفع.
12. وأن علي بن أبي طالب هاجر لـ«امرأة يتزوجها».
13. وأنه لم يكن له أثر حسن في الإسلام.
14. وأنه كان مخذولا حيثما توجه.
15. وأن قتاله كان للدنيا وليس للدين.
16. وأن إسلامه لا يصح على قول من الأقوال.
17. واختلفوا في تعظيمه دون مرتبة الربوبية، فقالوا لا يعظم فهو شرك وغلو.
18. واختلفوا في إمكان رؤيته يقظة، فقالوا: كذب وسحت.
19. وجاء الوادعي فقال: «تجتث قبته وتهدم»، وقال الألباني: «من بدع الحج بقاؤها في مسجده».
ثم لم يلبثوا أن زادوا حيث سكت الناس فقالوا:
20. الزنىٰ جائز في حق زوجاته.
21. وليلة مولده مشؤومة.
22. ولا بركة فيه بعد موته.23. ولا يستطيع الاستغفار لنفسه في قبره، فكيف يفعله لغيره.24- وأنه  ميت كباقي الأموات وليس له مزية عنهم في قبره !
25- وأنهم يحرمون شد الرحال إليه لزيارته فضلاً عمن سواه من أهل بيته والصالحين !
26- وأن مثل هذا السفر هو بدعة لا يقصر صاحبه فيه صلاته بل حاله كحال من يسافر إلى أوربا ويقصد شواطئ العراة (على حد قول قائلها قبحه الله) !
27- وأن ليس لقبره أي مزية وينكرون تفضيله على الكعبة ويبدعون هذا القول !
28- وأنهم يختارون عدم طهارته  باطناً وأن ما يخرج منه كبوله ليس بطاهر وكل الأحاديث فيها ضعيفة !
29- لا يجوز حفظ آثاره  وبيوته ومساكنه ولا العناية بها أو زيارتها وتتبع خطواته ومواطن حله وترحاله في الهجرة وغيرها كالغارين أو الشرب من آباره !
30- وأنه لا يجوز رفع ذكره  والجهر بالصلاة عليه بعد الأذان !
31- وأنه تقع الأخطاء والذنوب منه  كما تقع من باقي البشر !
32- وأنه ليس بنور  والأحاديث في ذلك كلها باطلة وزر !
33- وأنه ليس بأول الموجودات والمخلوقات ولم يخلق الكون لأجله !
34- وأنه لا يستقبل حين الدعاء  والسلام عليه بل يولى له الظهر وقصة سيدنا مالك مع أبي جعفر المنصور لا أصل لها عندهم !
35- ولا يجوز الإكثار من ذكر صفاته  وشمائله ومدحه وإطرائه بالقصيد والنشيد فذلك عندهم من الغلو فيه بل منهي عنه !

حاشاه من ذلك كله  .
هذا وناهيك عن أفعالهم القبيحة وسوء أدبهم الفاضح:
كرفع الصوت في مسجده ، واستدبارهم له في حضرته واتكائهم برفع أقدامهم على جدار الحضرة ، وكلمات يستحى من ذكرها . 
*****
فبالله عليك إذا نظرت إلى هذا السياق كله فبم تصفه؟ وكيف يمكن لقلبِ يجمع بين هذه الاختيارات أن يكون محبا للنبي صلى الله عليه وسلم؟...أليس الجفاء أقل وصف يمكن إطلاقه على هؤلاء الوهابية المتمسلفة، نعم قد لا يكون هذا البغض الذي نتحدث عنه بغضًا ناقلاً عن الملّة، ولا كُرْهًا مخرجا إلى الكفر، لكنه بغض ناتج عن سوء أدب مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما هٰهنا إلا صفة من صفات قوم وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ [الأعراف: 198]، قال الألوسي رحمه الله في تفسيرها: «...﴿وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾ الحقَ ولا حقيقتك؛ لأنهم عُميُ القلوب في الحقيقة»، وقال أبو السعود رحمه الله في تفسيرها: «لا يُبصرونك حقَّ الإبصار؛ تنبيهاً على أن ما فيه عليه السلام من شواهد النبوةِ ودلائلِ الرسالةِ من الجلاء بحيث لا يكاد يخفى على الناظرين»، فالبغض الذي يوصف به الوهابية يتناول مدرستهم ومنهجهم وطريقتهم في التفكير وفي النظر إلى الله سبحانه وتعالى وإلى الرسول صلى الله وإلى آل البيت رضي الله عنهم والصحابة رضي الله عنهم، ولذلك قال ابن عجيبة : في تفسيرها: «استبعدوا اصطفائيته بالوحي، ولم يعرفوا أنه أثرُ اللهِ في العالم ومشكاةُ تجلِّيه، حتى قالوا مثل ما قالوا: ﴿وعَجبوا أن جاءهم مُّنذر منهم﴾، رأوا أنفسهم خالية عن مشاهدة الغيوب وإدراك نور صفات الحق فقاسوا نفس محمد صلى الله عليه وسلم بأنفسهم».
****
فإن قال الوهٰابية فهل في منهج تدينكم ما هو خلاف ما وصفت؟ فنقول سنعطيك دليلا إن فهمته سكتَّ، وإن لم تفهمه فما أصنع لمن لم يوفق لحبه صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ عليش المالكي الأشعري رحمه الله جوابًا لسؤال: «ما قولكم في أبي طالب وأبي لهب وأبي جهل هل تجوز عليهم اللعنة كبقية أهل الكفر والعياذ بالله...؟»
فأجاب بما نصه: «الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم تجوز عليهم اللعنة كبقية من علم موتهم على الكفر أعاذنا الله بمنه من ذلك؛ لكن ينبغي التأدب بالكف عن ذلك في قرابته صلى الله عليه وسلم».
وهذا مسك للختام عن الإمام الذهبي رحمه الله وهو ممن يرضونه من الشهداء حين يعلق على إيثار عبيدة السلماني : لشعرة نبوية على سائر ذهب وفضة الأرض، يقول: «هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس؛ ومثل هذا يقوله هذا الامام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، بخمسين سنة، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعره بإسناد ثابت، أو شسع نعل كان له، أو قلامة ظفر، أو شقفة من إناء شرب فيه.
فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شئ من ذلك عنده، أكنت تعده مبذرا أو سفيها؟ كلا؛ فابذل مَالَك في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده، والسلام عليه عند حجرته في بلده، واِلْتَذَّ بالنظر إلى أُحُدِهِ وأَحبه، فقد كان نبيُّك صلى الله عليه وسلم يحبه، وتملَّى بالحلول في روضته ومقعده، فلن تكون مؤمنا حتى يكون هذا السيِّد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم.
وقَبِّلْ حجرا مُكَرَّمًا نزل من الجنة، وضع فمك لاثمًا مكانًا قَبَّلَهُ سيِّد البشر بيقينٍ، فَهَنَّأَك اللٰهُ بما أعطاك، فما فوق ذلك مفخرٌ، ولو ظفَرْنَا بالمِحْجَن الذي أشار به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحِجْر ثم قبَّلَ محجنه، لَحُقَّ لنَا أن نزدحِم علىٰ ذلك المِحجَن بالتَّقْبِيل والتَّبجيل، ونحن ندري بالضرورة أن تقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله.
وقد كان ثابت البناني : إذا رأى أنس بن مالك رضي الله عنه أخذ يده فقبلها، ويقول: "يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فنقول نحن إذ فاتنا ذلك: حَجَرٌ مُعَظَّمٌ بمنزلة يمين الله في الأرض مَسَّتْهُ شَفَتَا نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لاثمًا له، فإذا فاتك الحج وتلقيت الوفد فالتزم الحاج وقبِّل فمه وقل: "فم مسَّ بالتَّقبِيِلِ حَجَرًا قَبَّلَهُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم ». 
منقول من منتدى روض الرياحين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق