الخميس، 25 أبريل 2013

التفسير الإشارى للقرآن عند الصوفيه والتفسير الباطنى له عند الباطنية والفرق بينهما ورأى ائمة أهل السنة فيه


ما التفسير الإشاري للقرآن عند الصوفية

وما حكمه ورأى العلماء فيه ؟ 


الفرق بين التفسير الإشارى للصوفية

 وبين التفسير الباطني للباطنية ،
 وبيان شروط صحته عند العلماء

صاحب التفسير الباطني يبطل الظاهر

ويجعل الظاهر للعامة دون الخاصة ،
 أما صاحب التفسير الإشاري فإنه يقر بالظاهر
ويعترف بأنه هو المراد من الآية ،
لكن يقول : في الآية إشارة لمعنى آخر يخطر بباله عند قراءتها .

وعلى العموم فإن التفسير على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : التفسير الظاهري وهو الأصل ،

 والنوع الثاني : التفسير الإشاري؛ وهو تفسير بغير الظاهر مع عدم إبطال الظاهر ,
 والنوع الثالث : التفسير الباطني ؛ وهو التفسير بغير الظاهر مع إبطال الظاهر أو جعله للعامة دون الخاصة 

ولأهمية هذا البحث يحسن نقل كلام الأئمة في هذا التفريق :

قال الإمام الغزالي في الإحياء وهو يتكلم عن حديث أن الملائكة لا تدخل بيتا
 فيه كلب أو صورة :
( ولست أقول : المراد بلفظ البيت هو القلب ، وبالكلب هو الغضب والصفات المذمومة ، ولكني أقول : هو تنبيه عليه ، وفرق بين تعبير الظواهر إلى البواطن وبين التنبيه للبواطن من ذكر الظواهر مع تقرير الظواهر 
ففارق الباطنية بهذه الدقيقة ، فإن هذه طريق الاعتبار ، وهو مسلك العلماء والأبرار ، إذ معنى الاعتبار أن يعبر ما ذكر إلى غيره ، فلا يقتصر عليه ، كما يرى العاقل مصيبة لغيره فيكون فيها له عبرة بأن يعبر منها إلى التنبه لكونه أيضا عرضة للمصائب ) .

فباين التفسير الإشاري التفسير الباطني بهذه الدقيقة ،
وهي إقرار الظواهر على ظواهرها ،
مع تلميح لمعنى تلحظه القلوب الرقيقة من الظاهر لا يتنبه إليه العامي إلا بالتنبيه والنظر ، هذا المعنى الذي يلحظ لا يخالف الشرع في فرع ولا أصل ،
بل هو متناغم معه فرعا وأصلا ، ومقر بظاهره قبلا .
ويمكننا التمييز على درجة رفيعة بين هذا النوع من التفسير

وبين التفسير الباطني بالتعرف أكثر على خصائص التفسير الإشاري .
فالمدارس التفسيرية على تنوعها أنتجت كتبا كثيرة تحت مظلتها ،
هذا التنوع يعود للأسلوب المعتمد في كتابة التفسير ،

يقول الأستاذ الفاضل إبراهيم البسيوني في مقدمته للطائف الإشارات :
( التفسير الإشاري من الناحية الموضوعية يعالج قضية هامة ، وهى تفسير القرآن الكريم على طريقة أرباب المجاهدات والأحوال ، وهذا منهج في التفسير نادر في المكتبة العربية ، فأنت تستطيع أن تجد عددا غير قليل من التفاسير التي تتناول النص القرآنى فى ضوء اللغة العربية أو الإعراب أو البلاغة أو الفقه أو أسباب النزول أو التشريع أو القصص والأخبار أو نحو ذلك مما هو مألوف ومعروف منذ نزل القرآن ومنذ ظهرت الاتجاهات المختلفة فى دراسته ، ويمكن أن تجد عدة مصنفات لعدة شخصيات فى كل لون من هذه الألوان بحيث يغنيك واحد أو اثنان منها عمّا سواهما.

فإذا بحثت عن التفسير الصوفي ألفيته - على العكس من ذلك - نادرا،
 وألفيت الإنتاج فيه غير شاف، فإما أن يكون مقتضبا كتفسير القرآن العظيم
 لسهل بن عبد الله التستري (المتوفى سنة 283 هـ) وقد طبعته السعادة فى عام 1908 م فيما لا يزيد على مئتي صفحة ، ويستطيع القارئ أن يتصور كيف يمكن لمئتي صفحة أن تعنى بدراسة القرآن على نحو مرض.
وإما أن يكون مطعونا فيه كما هو الشأن فى حقائق التفسير لأبى عبد الرحمن السّلمى (المتوفى سنة 412 هـ) الذي يقول فى وصفه - ونحن نقتطف منه هذه الفقرة لنوضح ما قلناه آنفا عن ندرة التفسير الصوفي - : لما رأيت المتوسمين بعلوم الظاهر قد سبقوا فى أنواع فرائد القرآن من قراءات وتفاسير ومشكلات وأحكام وإعراب ولغة ، ومجمل ومفصل، وناسخ ومنسوخ، ولم يشتغل أحد منهم بفهم الخطاب على لسان الحقيقة إلا آيات متفرقة .. أحببت أن أجمع حروفا أستحسنها من ذلك ، وأضم أقوال مشايخ أهل الحقيقة إلى ذلك ، وأرتبه على السور حسب وسعي وطاقتي [حقائق التفسير للسلمى مخطوطة 150 تفسير دار الكتب ص 221] ) .
وقد حاول بعض المستشرقين الخلط بين هذين النوعين من التفسير ، في محاولة لا تخلو من ريبة شديدة ، أو أنها تدل على جهل عميق ، فخلط المستشرق جولد تسيهر بينهما خلطا عجيبا ، فجعل تفسيرات إخوان الصفا ذات الفكر الباطني المشهور والذي حذر منه الغزالي في عدد من كتبه كالمنقذ مثلا كتفسير الإمام القشيري والإمام السلمي ،

 يقول الأستاذ البسيوني متابعا :
( أما إخوان الصفا الذين يحشرهم جولد تسيهر ضمن مفسري الصوفية فى كتابه مذاهب التفسير الإسلامى ، فهم أولا غير صوفية ، وإنما هم جماعة من المشتغلين بالفلسفة ، ذوي أغراض بعيدة خبيثة ، ضمت صفوفهم لفيفا من الناس مختلفي النزعات والثقافات ، حتى كان من بينهم ملاحدة ، فإحالتهم على الصوفية تجن على الحقيقة وعلى التاريخ وعلى التصوف ، ولسنا نبرىء جولد تسيهر من ذلك- مع تقديرنا لكتابه القيم.

وحتى القرن الخامس الهجري لا نجد كما يقول صاحب تاريخ أدبيات در ايران : أهم من حقائق السلمي ولطائف الإشارات للقشيرى وتفسير سورة الإخلاص للغزالي [تاريخ أدبيات در ايران للدكتور ذبيح الله صفا ، مكتوب بالفارسية ، فصل التفسير صفحة 256، 257] ) .
ويمكن أن يعلق هنا بكلمة وجيزة : ليس كل تفاسير الصوفية سالمة من النقد لغير ما سبب ، على رأسها الابتعاد عن ضوابط الإشارات وضعف ارتباطها بالنص المفسر ، أو أنها نقولات فيها شناعات غير مقبولة في ميزان الشرع ، أو أنها من تلك اللواتي لا يجوز تدوينها في كتاب إذ تدوينها لا ينفع كعلوم المكاشفات مثلا ، وهذه التفاسير لا تمثل التفسير الإشاري ، بل هي شذوذات لا تهدم المدرسة الإشارية لأجلها ، بل تقصى بعيدا عنها تمثل رأي كتابها ليس غير .
وقال ابن عطاء الله في كتابه لطائف المنن : ( فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة : هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله ، فليس ذلك بإحالة ، وإنما يكون إحالة لو قالوا : لا معنى للآية إلا هذا ، وهم لم يقولوا ذلك ، بل يقرؤون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم ) . 

وقال الزرقاني في مناهل العرفان: 
( ومن هنا يعلم الفرق بين تفسير الصوفية المسمى بالتفسير الإشاري وبين تفسير الباطنية الملاحدة ، فالصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر ، بل يحضون عليه، ويقولون لا بد منه أولا ، إذ من ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم الظاهر كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب ، وأما الباطنية فإنهم يقولون إن الظاهر غير مراد أصلا ،وإنما المراد الباطن، وقصدهم نفي الشريعة ) . 

قال ابن القيم في كتابه التبيان في أقسام القرآن :
 ( وهذه الأقوال إن أريد أن اللفظ دل عليها وأنها هي المراد فغلط ، وإن أريد أنها أخذت من طريق الإشارة والقياس فأمرها قريب .
وتفسير الناس يحاور على ثلاثة أصول : تفسير على اللفظ وهو الذي ينحو إليه المتأخرون , وتفسير على المعنى وهو الذي يذكره السلف , وتفسير على الإشارة والقياس وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم ، وهذا لا بأس به بأربعة شرائط :
- ألا يناقض معنى الآية .
- وأن يكون معنى صحيحا في نفسه .
- وأن يكون في اللفظ إشعار به .
- وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم .
فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا ) .


وقال الزرقاني في مناهل العرفان :
( مما تقدم يعلم أن التفسير الإشاري لا يكون مقبولا إلا بشروط خمسة وهي :
- ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم .
- ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر .

- ألا يكون تأويلا بعيدا سخيفا ؛ كتفسير بعضهم قوله تعالى : ( وإن الله لمع المحسنين ) بجعل كلمة لمع فعلا ماضيا وكلمة المحسنين مفعوله .
- ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي .
- أن يكون له شاهد شرعي يؤيده , كذلك اشترطوا .
بيد أن هذه الشروط متداخلة ، فيمكن الاستغناء بالأول عن الثالث وبالخامس عن الرابع ، ويحسن ملاحظة شرطين بدلهما :
- أحدهما : بيان المعنى الموضوع له اللفظ الكريم أولا .
- ثانيهما : ألا يكون من وراء هذا التفسير الإشاري تشويش على المفسَّر له .
ثم إن هذه شروط لقبوله بمعنى عدم رفضه فحسب , وليست شروطا لوجوب اتباعه والأخذ به , ذلك لأنه لا يتنافى وظاهر القرآن ثم إن له شاهدا يعضده من الشرع وكل ما كان كذلك لا يرفض , وإنما لم يجب الأخذ به لأن النظم الكريم لم يوضع للدلالة عليه , بل هو من قبيل الإلهامات التي تلوح لأصحابها غير منضبطة بلغة ولا مقيدة بقوانين ) .




قال الشيخ زروق رضى الله تعالى عنه: ( نظر الصوفي أخص من نظر المفسر وصاحب فقه الحديث ، لأن كلا منهما يعتبر الحكم والمعنى، ليس إلا، وهو يزيد بطلب الإشارة بعد إثبات ما أثبتاه ) .


علق عليه :محقق البحر المديد الأستاذ رسلان فقال :
(
 فإذا دار المفسرون فى حدود اللفظ القرآنى ، واستنبط منه الفقهاء ما استنبطوا من أحكام .. فلأولي الألباب وذوى البصائر فيه بعد ذلك من الأسرار والحقائق ما لا ينكشف لسواهم ، ولا يدركه غيرهم , وذلك لتجدد واردات الحق عليهم، ودوام تنزل الفيوضات على قلوبهم، لأنهم أهله ومحبوه .
ثم إن فيض الله المتجدد فى كلامه لهم لمما يزيد فى كمال إعجاز القرآن ، ويؤكد أن إعجازه أسمى من أن يكون في فصاحة لفظه ، وقوة أسره ، وبلاغة أسلوبه ، وإنما إعجازه فوق ذلك فى أسراره ومعانيه ، ومراده ومراميه . 
وأهل الله أولى الناس بتفهم مراده ومعرفة مرامي كلامه ، ومن ثم كان ما ينكشف لهم فى كلام الله من أسرار بمثابة إشارات لهم وحدهم ؛ لأن الإشارة لغة المحب مع المحبوب ، والإشارة بعد ذلك تلويح للمراد ، لا إفصاح عنه ، لعدم قدرة الألفاظ على تحمل المراد ؛ لأن العبارة تحدد ما يشيرون إليه ، وما يشيرون إليه إنما يكون عن مشاهدة , وما يشاهدونه ليس بمحدود ؛ إذ هو من عالم الغيوب ، فلا اللفظ قادر على تحديد المراد ، ولا قابليات العقول تطيق ذلك , ومن ثم سميت مذاقاتهم في القرآن إشارات ، ولم تسم تفسيرا ) .

 لا ينقل لنا العلماء عن المعتبرين أنه أتكروا التفسير الإشاري جملة وتفصيلا ، بل منهم من ضيق فيه ومنهم من وسع .
ورد عند السيوطي في الإتقان 2/488 ناقلا عن الإمام ابن عطــاء الله رحمه الله تعالى :
 ( قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في كتابه لطائف المنن : اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني العربية ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان وثَمّ أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه وقد جاء في الحديث ( لكل آية ظهر وبطن )
فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة : هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا وهم لم يقولوا ذلك بل يقرؤون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم )
 أهـ



قال حجّة الإسلام في إحياء علوم الدين 1/293 : 

ما من كلمة من القرآن إلا وتحقيقها محوج إلى مثل ذلك وإنما ينكشف للراسخين في العلم من أسراره بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم وتوفر دواعيهم على التدبر وتجردهم للطلب ويكون لكل واحد حد في الترقي إلى درجة أعلى منه
فأما الاستيفاء فلا مطمع فيه ولو كان البحر مدادا والأشجار أقلاما فأسرار كلمات الله لا نهاية لها فتنفد الأبحر قبل أن تنفد كلمات الله عز وجل
فمن هذا الوجه تتفاوت الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهر التفسير , وظاهر التفسير لا يغنى عنه ...
فهذه خواطر تفتح لأرباب القلوب ثم لها أغوار وراء هذا ... وأسرار ذلك كثيرة ولا يدل تفسير ظاهر عليه وليس اللفظ هو مناقضا لظاهر التفسير بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه عن ظاهره فهذا ما نورده لفهم المعاني الباطنة لا ما يناقض الظاهر والله أعلم
 ) أهـ


وقال الشيخ العلامة الصابوني : ( التفسير الإشاري : هو تأويل القرآن على خلاف ظاهره، لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم، أو تظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس، ممن نور الله بصائرهم فأدركوا أسرار القرآن العظيم ، أو انقدحت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة ، بواسطة الإلهام الإلهي أو الفتح الرباني ، مع إمكان الجمع بينهما وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة ) اهـ التبيان في علوم القرآن للصابوني ص191


وما ذكره الزرقاني تعْريفًا: ( التفسير الإشاري : هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضا ) أهـ مناهل العرفان للزرقاني 2/56


وحسبُك كلام العلامة الأصولي الشاطبي رحمة الله عليه في "الموافقات" بعد نقول ونماذج منه 3/404 – 406 : ( فنقول : إن تلك الأنظار الباطنة في الآيات المذكورة إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدمة فهي راجعة إلى الاعتبار غير القرآني وهو الوجودي ويصح تنزيله على معاني القرآن لأنه وجودي أيضا فهو مشترك من تلك الجهة غير خاص فلا يطالب فيه المعتبر بشاهد موافق إلا ما يطالبه المربي وهو أمر خاص وعلم منفرد بنفسه لا يختص بهذا الموضع فلذلك يوقف على محله , فكون القلب جارا ذا قربى والجار الجنب هو النفس الطبيعي , إلى سائر ما ذكر يصح تنزيله اعتباريا مطلقا فإن مقابلة الوجود بعضه ببعض في هذا النمط صحيح وسهل جدا عند أربابه غير أنه مغرر بمن ليس براسخ أو داخل تحت إيالة راسخ
وأيضا فإن من ذكر عنه مثل ذلك من المعتبرين لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق بل أجراه مجراه وسكت عن كونه هو المراد
وإن جاء شيء من ذلك وصرح صاحبه أنه هو المراد فهو من أرباب الأحوال الذين لا يفرقون بين الاعتبار القرآني والوجودي وأكثر ما يطرأ هذا لمن هو بعد في السلوك سائر على الطريق لم يتحقق بمطلوبه , ولا اعتبار بقول من لم يثبت اعتبار قوله من الباطنية وغيرهم
وللغزالي في مشكاة الأنوار وفي كتاب الشكر من الإحياء وفي كتاب جواهر القرآن في الاعتبار القرآني وغيره ما يتبين به لهذا الموضع أمثلة فتأملها هناك والله الموفق
وللسنة في هذا النمط مدخل فإن كل واحد منهما قابل لذلك الاعتبار المتقدم الصحيح الشواهد وقابل أيضا للاعتبار الوجودي فقد فرضوا نحوه في قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) , إلى غير ذلك من الأحاديث ولا فائدة في التكرار إذا وضح طريق الوصول إلى الحق والصواب
 ) أهـ فهم مُتقن وكلام راق
والكلام طويل يكفي للإشارة له ما نُقل تعريفا أو شرْطًا والله أعلم.


هل التفسير الإشاري تأويل للقرآن على الحقيقة

 أو هو إيراد لمناسبة بين المعنى المستلطف والآية لجامع بينهما ؟
يرى العلامة المفسر طاهر بن عاشور أن التفسير الإشاري ليس بتفسير على الحقيقة ، بل الإشارة نسبتها للفظ مجازية ، فالقوم إذا أشاروا إلى معنى من المعاني فلمناسبة بين الآية المفسرة والمعنى المذكور . 
قال ابن عاشور في تفسيره : ( أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن من معان لا تجري على ألفاظ القرآن ولكن بتأويل ونحوه فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدعون أن كلامهم في ذلك تفسير للقرآن بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض المتكلم فيه وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني ... ) .
وقال أيضا في تفسيره : ( فنسبة الإشارة إلى لفظ القرآن مجازية لأنها إنما تشير لمن استعدت عقولهم وتدبرهم في حال من الأحوال الثلاثة ، ولا ينتفع بها غير أولئك فلما كانت آيات القرآن قد أنارت تدبرهم وأثارت اعتبارهم نسبوا تلك الإشارة للآية . فليست تلك الإشارة هي حق الدلالة اللفظية والاستعمالية حتى تكون من لوازم اللفظ وتوابعه كما قد تبين ) .
وقد سبقه إلى هذا الإمام المحدث ابن الصلاح ، فقد ذكر أن مثل هذا التفسير من باب ذكر النظير عند النظير ، وليس هو بتفسير حقيقي للقرآن الكريم ، قال رحمه الله تعالى : 
( وأنا أقول : الظن بمن يوثق به منهم أنه إذا قال شيئا من أمثال ذلك أنه لم يذكر تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة في القرآن العظيم فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسالك الباطنية , وإنما ذلك ذكر منهم لنظير ما ورد به القرآن فان النظير يذكر بالنظير ) .
ولكن ما ذهب إليه جمهرة العلماء عد هذا من التفسير ، ولكنه لا لظاهر القرآن ، بل لباطنه ، وهذا القول مؤسس على أن للقرآن ظاهرا وباطنا ، وظاهره لا يبطل باطنه ، كما أن باطنه لا يبطل ظاهره ، بل كلاهما مقصود ، وأن النصوص المعصومة مضمنة لإشارات خفية مقصودة ، يتنبه لها أرباب السلوك والصفاء ، وعليه فالتفسير الإشاري عندهم مقصود بالنص ، ولا يعتمد على فهم السامع فقط .
وقد نصر هذا الرأي حجة الإسلام الإمام الغزالي في مواضع من كتبه ، فقد ذكر في إحيائه انقسام العلوم إلى جلي وخفي ، ونصيب القاصر الظاهر ، ويزيد عليه العالم بمعرفة الباطن ، قال رحمه الله تعالى: 

( اعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة ، وإنما ينكرها القاصرون الذي تلقفوا في أوائل الصبا شيئاً وجمدوا عليه ، فلم يكن لهم ترق إلى شأو العلاء ، ومقامات العلماء والأولياء، وذلك ظاهر من أدلة الشرع .
قال صلى الله عليه وسلم : إن للقرآن ظاهراً وباطنا وحدا ومطلعا .
وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره : إن ههنا علوماً جمة لو وجدت لها حملة .

وقال صلى الله عليه وسلم : نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما حدث أحد قوماً بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان فتنة عليهم .
وقال الله تعالى : {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ) .

وفى ذلك يقول أيضا العلامة التفتازانيّ فى شرح العقائد النسفية: ( سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها ، بل لها معان باطنة لا يعرفها إلا المعلم ، وقصدهم بذلك نفى الشريعة بالكلية ) .
ثم ذيل على هذا الكلام فقال :
( وأمّا ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال العرفان ومحض الإيمان ) . 

وعلى كلا القولين لا يعد التفسير الإشاري تفسيرا أصيلا للنص ،

 بل الإشارة تبدأ بعد تمام القول في التفسير ، وهي نوع من القياس تارة ،
 وهو ما ذكر من وجود الشبه بين ظاهر الآية وما ذهب إليه القائل بالتفسير الإشاري ، وتارة لا يكون قياسا ، بل هو نوع من المناسبات التي يمكن للفظ أن يؤدي فيها معنى بعيدا لا يحتمله الظاهر ولا السياق ،
 أو هو استكمال له ، ووصول إلى لبابه .
أسأله سبحانه أن يفتح علينا بما فتح به على هؤلاء السادات البررة،

 وأن ننهل من معين كتابه الذي لا ينضب.
جمع من منتدى الأصلين :
نوران محمد طاهر 
ويونس حديبى العامرى 
جزاهما الله عنا خير الجزاء 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق